الأحد، 11 أكتوبر 2015

قضايا الأمة في السياسة الخارجية لنظام السيسي


قضايا الأمة في السياسة الخارجية لنظام السيسي


ياسر الزعاترة



بعيدا عن التقسيط في تتبع المواقف، أتاحت لنا زيارة السيسي لنيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة فرصة التعرف على مجمل مواقفه من القضايا الأكثر أهمية المطروحة على أجندة المنطقة، ولن نتوقف هنا عند دعايته المتعلقة بالشأن الداخلي، والتي كانت مثيرة للسخرية، إن كان بحديثه عن الإرهاب، أم حرية الإعلام «غير المسبوقة»، أم تطرقه للإخوان الذين يرفض الشعب المصالحة معهم، وليس النظام أو الحكومة بحسب تعبيره، فضلا عن مبادرة الأمل التي أطلقها كأنه أميركا يوم قدمت مشروع مارشال، وليس البلد الذي يعشش فيه البؤس والفقر، إلى جانب الفساد.
سنتوقف فقط عند الشأن الخارجي، وهنا يجدر التذكير بأن الأمة، ومن ضمنها مصر بالضرورة تواجه تحديين كبيرين: الأول هو المشروع الصهيوني واستخفافه بحقوق الشعب الفلسطيني، بلغة أهل التسوية والتفاوض، وليس بلغتنا.

أما الثاني فهو تحدي المشروع الإيراني الذي أشعل هذا الحريق الهائل في المنطقة بكل ما حمله من موت ودمار وتهجير، وقدم بذلك خدمة جليلة للمشروع الصهيوني، كما أن هناك قضايا أخرى تهم الأمن القومي المصري بشكل مباشر وآني (التحديان السالف ذكرهما يمسّانه أيضا، وبشكل مباشر)، أعني مسألة سد النهضة، وحيث يثبت كل يوم استخفاف إثيوبيا بحقوق مصر في مياه النيل، من دون أن يكون لدى السيسي جواب لمواجهة الموقف، ثم القضية الليبية التي يصر فيها على عبث الحسم العسكري، فيما يقتنع العالم كله بعدم وجود إمكانية لذلك، في حين ينبغي أن يدفع نحو مصالحة تهدئ تلك الجبهة وتسمح للعمالة المصرية بأن تجد لها فرصا في بلد يملك ثروات هائلة تضيع في حرب عدمية.
في الشأن المتعلق بالصراع مع المشروع الصهيوني، فاجأ السيسي جميع الأوساط، بما فيها المحلية المؤيدة له بالدعوة إلى «توسيع السلام مع إسرائيل»، الأمر الذي رد عليه نتنياهو بالترحيب على الفور، ولا قيمة بعد ذلك للنفي الذي صدر، لأن الوكالة الدولية
(أسوشيتدبرس لم تؤلف عليه).
واقع الحال أن شهادات حسن السلوك والثناء التي تتوالى يوميا من تل أبيب على السيسي لا تدع مجالا للشك بحقيقة موقفه، والذي يتجلى في الحصار الخانق الذي يفرضه على الفلسطينيين في غزة، مع دعمه للعبث الذي يمارسه محمود عباس في الضفة.

ويكفي أن يتجاهل (السيسي أعني) قضية استهداف المسجد الأقصى خلال كلمته في نيويورك كي ندرك حقيقة الثمن الذي يدفعه لنتنياهو لقاء عمل الأخير مقاول علاقات عامة للانقلاب، والذي أسفر عن منحه الشرعية الدولية (تعليقا على خطاب السيسي في نيويورك قال الجنرال آفي بنياهو، الناطق الأسبق بلسان الجيش الإسرائيلي: «إن السيسي هو هدية الشعب المصري لإسرائيل ويتوجب توظيفها إلى أبعد حد»).
في القضية المتعلقة بالصراع مع المشروع الإيراني، ورغم كل ما حصل عليه السيسي من دعم خليجي، فإن ابتعاده عن المواقف الخليجية، والسعودية تحديدا لم يعد موضع شك. وكان واضحا من خلال كلماته ومقابلاته في نيويورك أنه لا يرى صراعا مع إيران، بل قضايا جانبية يمكن التعامل معها بمنطق الحوار السياسي.
وإذا تذكرنا أن سوريا هي محور الصراع مع إيران، فقد كان الرجل كريما معها بإصراره على الحوار بين المعارضة وبين النظام (بشار طبعا)، ورفضه للحل العسكري، في حين كان وزير خارجية السعودية، ومن نيويورك أيضا، يوضح أن على بشار أن يرحل، أو «يواجه خيارا عسكريا»، ثم كان التطور الأبرز بإعلان وزير الخارجية (سامح شكري) دعم مصر للتدخل الروسي في سوريا.
وفي اليمن كرر السيسي ذات المنطق بالحديث عن حل سياسي، من دون أن يشير لأية شروط، وبعبارات لا تجرح مشاعر إيران وأتباعها.

ولا شك أن عينه لا تزال مصوبة نحو الاستفادة من هذه المواقف في سياق العلاقة مع إيران والحصول على بعض المكاسب منها بعد رفع العقوبات، فيما لا يعرف إن كان ثمنا من تحت الطاولة قد قُبض لقاء ذلك كله أم لا.
هكذا كان السيسي يضيِّع قضايا الأمة، ومنها قضايا الأمن القومي المصري، الأمر الذي توقعناه منذ اليوم الأول للانقلاب، بقولنا إنه يبشر بدولة بوليس في الداخل، تبحث عن شرعيتها الخارجية بالدفع من جيب قضايا الأمة، والأمن القومي المصري؛ تماما كما كان مبارك في آخر سنواته يفعل من أجل تمرير التوريث.

•  @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق