المؤامرة على الصحراء الغربية
عامر عبد المنعم
واقعة القبض على وزير الزراعة المصري المتهم بالفساد والتورط في بيع أراضي لأحد رجال الأعمال لا يمكن النظر إليها كقضية منفصلة داخل ملف الفساد أو باعتبارها مجرد جريمة خاصة بصفقة أراضي بين دائرة ضيقة من الأشخاص؛ فهذه القضية تكشف المخطط الذي يجري في الصحراء الغربية المصرية وهو نقل ملكية الصحراء من الدولة إلى المستثمرين ورجال الأعمال لتستقر ملكيتها في النهاية للشركات الأجنبية ووكلائها في إطار التمهيد لمخططات تقسيم مصر.
عمليات بيع الصحراء التي بدأت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك هي أكبر عملية إفساد لمصر، فعليها ترعرعت الطفيليات التي تضخمت بامتصاص ثروات المصريين، وأصبحت الأراضي الصحراوية محور البزنس الذي يديره كبار المسئولين وأبناؤهم والذي يجلب لهم المليارات بدون تعب. لقد تورط فيها فاسدون من أصحاب النفوذ في الجهاز الإداري للدولة وسماسرة احترفوا مهنة تخليص الأوراق وتوثيقها لإعطاء من لا يستحقون ما يحولهم إلى مليونيرات بين ليلة وضحاها.
حسني مبارك هو الذي فتح باب الاستيلاء على الأراضي الصحراوية لأول مرة منذ أيام الفراعنة بطرق خبيثة, أشركت معها معظم المتنفذين من النخب حتى يكون الكل مشاركا في الجريمة، فقدمت الأراضي لعلية القوم باسم جمعيات وأندية وطوائف مهنية بعينها بصكوك مقابل مبالغ زهيدة، واختص الكبار بالأراضي في المناطق الواعدة، بل كان التخطيط لمحاور التنمية والتخطيط العمراني مرتبطا بخريطة الأراضي المخصصة لأصحاب الحظوة.
كانت وزارة الزراعة هي اللاعب الرئيسي في عمليات التخصيص وانضمت إليها بعد ذلك وزارة الإسكان والتعمير ثم دخلت المحافظات والمحليات بعد ذلك, بعد أن اكتشف الجميع الفرخة التي تبيض ذهبا وطريق الثراء السريع، لكن يبقى الدور الأخطر في عملية السطو على الصحراء بزعم الاستصلاح لرجل التطبيع مع "إسرائيل" ورجل مبارك الأول وزير الزراعة الأسبق يوسف والي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء والأمين العام للحزب الوطني لفترة طويلة.
وزع يوسف والي مساحات شاسعة في الصحراء الشرقية والغربية على المسئولين والنخب المؤثرة وكان يستخدم الأراضي كرشاوي لبناء شبكة نفوذ واسعة، وانتقى في كل قطاع بمجموعة من السماسرة المخلصين الذين تم تدريبهم في "إسرائيل" وانخرطوا في الأنشطة التي كان يشرف عليها للتعاون مع الكيان الصهيوني، وكان هؤلاء المندوبين يشكلون دوائر من المنتفعين وربطهم بأراضي لا يعرفون شيئا عنها ولا عن مكانها، ثم يعرض ذات السماسرة عليهم البيع بمبالغ كبيرة فيبيعون لمن لا يعرفون فيأخذون أموالا من الهواء، ويكرر معهم ذات السماسرة اللعبة في أراضي أخرى وهكذا.
الفساد في بيع الأراضي الصحراوية أشاع حالة من الانحراف الاقتصادي، وغير من بنية الاستثمار، وله تداعيات عديدة تحتاج إلى تفصيل، لكن أخطر الانعكاسات هو تخريب خطط التنمية ومصادرة حقوق الأجيال القادمة وأيضا التمهيد لخطط تقسيم مصر لارتباط عمليات البيع بالتصورات الخارجية التي تعمل على نقل ملكية الصحراء إلى الشركات الأجنبية الغربية.
الصحراء الغربية هي مستقبل مصر وتحوي من الثروات ما يخرج المصريين من أزمتهم ويحول البلاد من حال إلى حال ويحقق الاستقلال المنشود إذا وجدت إدارة أمينة ومخلصة، ففيها ملايين الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا تحتاج إلى تكلفة كبيرة فالمياه فوق سطح الأرض في بعض المناطق، والخزان الجوفي يريد أن يتنفس وينتظر فقط النظر إليه بعين العطف، فهذه الصحراء كانت مزرعة القمح للإمبراطورية الرومانية ومازالت الآبار الرومانية قائمة حتى اليوم، ومن قبل زرعها سيدنا يوسف وأطعم منها المصريين وسكان الدول المجاورة في أكبر مجاعة عرفها التاريخ استمرت سبع سنوات سجل القرآن الكريم قصتها في سورة " يوسف".
الذي يتم الآن بيع الأراضي لشركات تقوم بتقسيمها قطعا مزروعة تتوسطها فيلات وقصور وتبيعها كمنتجعات للأجانب وبعض المصريين الأثرياء ووكلاء الشركات الصهيونية عابرة القارات وحرمت على المواطنين المصريين، بل وأخرجت الدولة من معظمها ويجري تخليص ما تبقى حتى إذا فكرت حكومة ما في المستقبل في الاهتمام بالصحراء لن تجد شيئا تفعله غير خدمة الملاك الجدد والإنفاق على خدمتهم.
إن أكثر النتائج الكارثية خطورة لبيع أراضي الصحراء بالشكل الذي يجري حاليا هو التمهيد لمخططات التقسيم بتمكين الأجانب أفرادا وشركات, ورهبان الصحراء, من السيطرة على مساحات شاسعة وتجريد الدولة من كل ممتلكاتها وتمليك زمام المنطقة الغربية لدوائر تخطط وتنفذ لصالح استراتيجيات خارجية، تتعارض مع أسس الأمن القومي المصري.
تكشف خرائط تقسيم العالم العربي منذ بداية الثمانينيات التي وضعها برنارد لويس وغيره داخل أروقة الوكالات والأجهزة الأمنية الأمريكية على تقسيم مصر إلى 5 دول أخطرها دويلة مسيحية في الصحراء الغربية عاصمتها الإسكندرية قلبها وادي النطرون ودير الأنبا مقار الذي يستولي على آلاف الأفدنة من أراضي الصحراء بواسطة الرهبان، والثانية دولة نوبية في الجنوب تضم إلى شمال السودان والثالثة سيناء والرابعة هي الصحراء الشرقية لضمها لإسرائيل الكبرى فيما بعد، والخامسة تقزيم مصر الإسلامية واختزالها في الدلتا والشريط الملاصق للنيل.
هذه المخططات عندما كتب عنها العالم المصري الراحل الدكتور حامد ربيع1 لم ينتبه له أحد، وضاعت تحذيراته وسط الضجيج الإعلامي والأكاذيب بعد اتفاقية كامب ديفيد عن الانفتاح الذي سيأتي بالرخاء ويوفر الوظائف ويبني المساكن وينقل المصريين إلى الفضاء ويضع مصر في الصدارة العالمية وهي هي ذات العناوين التي تتكرر حتى الآن بذات التفاصيل!
موضوع الفساد أكبر من القبض على شخص هنا أو هناك، فالفساد جزء من استراتيجية التخريب والتدمير التي تقف خلفها قوى خارجية تستثمر دوائر الفاسدين في الداخل لتخريب الدولة المصرية، فالدوائر الصهيونية تعمل بذكاء شديد لتركيعنا بتبديد ثرواتنا والهيمنة على اقتصادنا ووضع اليد على أراضينا، فهل نفيق قبل أن نجد أنفسنا أمام فلسطين جديدة ودولة صليبية صهيونية في الصحراء الغربية تمتلئ بعشرات الآلاف من بلاك ووتر وفرسان مالطا تحت ستار شركات الأمن الخاصة لحماية الاستثمارات الأجنبية؟!
أقرأ ايضاً
أخطر مقال للراحل حامد ربيع: المخطط الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق