الأحد، 4 أكتوبر 2015

بوتين يهتف : يالثارات إيفان الرابع



بوتين يهتف : يالثارات إيفان الرابع

شريف عبدالعزيز

"المدينة، القصر؛ قصر أوبريشنينا، والضواحي احترقت بالكامل في ست ساعات، وكانت الطامَّة الكبرى أن لا أحد يستطيع الهرب، فر الناس إلى الكنائس الحجريَّة هربا من النيران، ولكن انهارت الكنائس الحجريَّة عليهم ، وكان من حظ الروس العَثر أن هبَّت ريح قوية نشرت النيران في معظم أنحاء موسكو، مما دفع سكان المدينة للهرب إلى البوابة الشمالية للعاصمة، وعند البوابة وفي الشوارع الضيقة حدث حشر كبير من جانب الروس وتدافع وقتال، حتى إنَّ الناس تدافعوا في ثلاث طبقات فوق رؤوس بعضهم البعض، الأعلى يدوس على من هم تحته، كما لجأ بعض الروس إلى الكنائس المبنية بالحجر لينجوا من النيران، إلا أن الكنائس الحجريَّة انهارت إما من شدة النيران أو من تَزاحم الناس فيها، وقسم من الروس قفزوا إلى نهر موسكو للهرب ولكن أغلبهم غرق، كما انفجر مستودَع الذخيرة في "سراي الكرملين" كما كان يطلق عليه وقتذاك، ممَّا أدَّى إلى اختناق المختبئين في قبوه، واحتراقه بالكامل في مشهد مفزع ، وقد قام قيصر روسيا في ذلك الوقت (إيفان الرابع) الملقب بإيفان الرهيب بالهرب من وجه الجيش العثماني، تاركًا وراءه 30 ألف فارس و6 آلاف من المشاة من حملة البنادق الذين لاقوا القتل والحرق، إضافةً إلى مقتل أخوي زوجة القيصر الاثنين.
وبعد انتهاء الحريق وخروج القوات الغازية أمر القيصر بالجثَث في الشوارع أن تُلقى في النهر، الذي فاض على ضفتيه وأغرق أجزاء من المدينة ، لقد استغرق الأمر أكثر من عام من أجل إزالة الجثث من المدينة "

هذه شهادة "هاينريش فون شتادين" وهو ألماني كان في خدمة الحرس الخاص للقيصر الروسي الشهير إيفان الرابع الملقب بالرهيب ــ بسبب جرائمه الوحشية بحق معارضيه خاصة التتر المسلمين ــــ واصفا حريق موسكو في ذلك الوقت مع هجوم جيش القرم المدعوم من الجيش العثماني سنة 1571 م ، أي منذ أربعة قرون ونصف القرن تقريبا ، وهي المعركة التي أرغمت قيصر روسيا المتكبر إيفان الرهيب على أن يتذلل للسطان العثماني " سليم الثاني " راجيا منه وقف الغارات الإسلامية على بلاده ،متعهدا له بدفع الجزية سنوية تقدر بستين ألف ليرة ذهبية .
وعلى ما يبدو أن الذاكرة الروسية تجاه هذه المواقف ذاكرة حديدية لا تعرف النسيان أو التغاضي، فمشهد القساوسة وهي تبارك وتقدس القاذفات الروسية المتجهة لقصف بلاد الإسلام في سوريا وقتل أكبر عدد ممكن من مسلميها ، مشهد يعود بالذاكرة إلى أيام الحروب الصليبية الأولى ، أيام أوربان الثاني وأوسنت الثالث وإسكندر العاشر وغيرهم ممن كان يمنح صكوك الغفران للجند الصليبيين المتجهين لقتال الكفرة ــ يعنون المسلمين ــ بالأرض المقدسة ، ويصرون على ارتداء شارة الصليب على صدروهم قديما ، وعلى ظهور دباباتهم وأجنحة طائراتهم حديثا .
فلماذا كل هذا الاصرار على إسماع هذه الرنة الصليبية للتدخل الروسي في أرض الشام المباركة ؟ولماذا كل هذا الوضوح في تحديد الغاية ، ولغة التحديد السافرة في خطاب بوتين بخصوص التهديد الإسلامي لبلاده حال سقوط الأسد في سوريا ؟ حتى خُيل لمن له معرفة جيدة بالتاريخ والواقع أن بوتين كان ينقصه في خطابه الأخير بالأمم المتحدة أن يهتف " يالثارات إيفان الرابع " على الطريقة الإيرانية المعروفة .

يرجع معظم المحللين أسباب التدخل العسكري في سوريا إلى أسباب سياسية أو عسكرية أو جيوبولتيكية، وأن هذا التدخل العسكري الروسي في سوريا يرسم ملامح التطورات الميدانية وتأثيرها على خريطة جديدة للبلاد والمنطقة، بعد انحسار وجود الأسد إلى عمق البلاد؛ وتمدد أطراف المعارضة وتنظيم "الدولة" في ما تبقى منها ، في حين يؤكد الكثيرون أن روسيا تيقنت من فشل إيران وربيبه حزب اللات الشيعي من إنقاذ بشار أو إبقاء سوريا موحدة تحت حكمه ، وأن التدخل الروسي جاء لحماية دويلة الأسد الجديدة أو " سوريا المفيدة " ولا تزيد مساحة هذه المناطق على 25% من مجمل مساحة البلاد ، وتعتبر هذه المنطقة هي "قلب" سوريا الحيوي استراتيجياً، فضلاً عن كونها الأكثر كثافة ديموغرافية، والأكثر حيوية، في حين يخلي المناطق الصحراوية في الشرق، والمناطق الزراعية في إدلب وريف حلب، ما يعني أن سوريا تعيش مرحلة "تقسيم غير معلن ".

ويرى مراقبون أن سيطرة النظام على المنطقة الواقعة من الزبداني حتى شمال اللاذقية، سيجعل من المناطق الشرقية والشمالية والغربية بلا معنى استراتيجي؛ لأنها ستتبع تلقائياً العراق والأردن وتركيا،كما ستعاني من الفقر والتهميش لافتقارها إلى الموارد الأساسية الغنية.
والذي اتفق عليه الجميع هو تنحية البعد الأيديولوجي في هذه الحرب الروسية الجديدة ، ولكن بوتين وكعادته جاء صريحا واضحا كاشفا عن البعد الأيديولوجي في الحرب عندما قال : تدخلنا عسكريا في سوريا للقضاء على الخطر الإسلامي الذي يتهدد بلادنا من المجاهدين الروس والعرب في سوريا ، لأنهم بعد إسقاط بشار سوف يعودون إلى بلادنا ، وبالتالي سيكون الدور علينا " .
يعتقد الكثيرون أن زمان الأيديولوجيا قد ولى بانتهاء الحرب الباردة ، وسيطرة الولايات المتحدة على العالم منذ سنة 1991 ، فلم يعد للخصم السوفيتي صاحب أيديولوجية " الشيوعية هي الحل " وجود بعد أن تفكك إلى 15 جمهورية مستقلة ، ولكن الحقيقة التي كان لا يمكن التغافل عنها أن الأيديولوجية هي جزء لا يتجزأ من الذهنية السياسية للعالم الغربي والشرقي على حد السواء . 
فلم يكد العالم يتنفس الصعداء من انتهاء توترات حقبة الحرب الباردة ، حتى صدمته المشاهد الدموية التي تؤكد على أثر الأيديولوجية الواحد تلو الآخر. فالتدخل الأمريكي في الصومال سنة 1992 ، ثم حرب البوسنة والهرسك ( 1922 ــ 1996) ، وحروب الشيشان الأولى والثانية ( 1994 ــ 1999) ، ثم الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ( 2001) ثم العراق (2003) ، ثم التدخل الفرنسي في مالي وأفريقيا الوسطى ( 2013) ، وأخيرا التحالف الدولي في سوريا (2014) ، كلها أحداث كشفت عن أن الأيديولوجية لم تغب يوما عن ذهن صانع القرار في أوروبا وأمريكا ، بل هي المكون الأساسي واللبنة الأولى عند اتخاذ قرار الحرب عند هؤلاء المتظاهرين بالدفاع عن الحريات والحقوق !
نعم المصالح والمنافع الآجلة والعاجلة تشكل قواما رئيسيا عند اتخاذ غالبية القرارات السياسية ، ولكن يبقى أن معيار الأيديولوجية وحده هو الفيصل في اتخاذ قرار الحرب إذا تعلقت تلك الحرب بالعالم الإسلامي ، وغالبا لا تشن الحروب اليوم إلا على مناطق العالم الإسلامي ، أو في الأماكن التي يوجد بها مسلمون ! ولسنا في حاجة لسوق بيانات واضحة وصريحة على ألسنة ساسة وقادة من عينة بوش الصغير ، أو الفاشل ساركوزي ، أو الخمورجي يلتسين ، أو الهالك سلوبدان ميلوسوفيتش ، أو الامعة أولاند ، وغيرهم، للتأكيد على ذلك ، فكلماتهم التي تقطر سوادا وحقدا كشفت عن طبيعة البعد الأيديولوجي المؤثر بشدة في ذهنية متخذ قرار الحرب على العالم الإسلامي ، بل إن الأيديولوجية تذهب ببعضهم لأبعد من ذلك حتى يتجرد من أبسط معاني الانسانية والأخلاق ، فقد قال رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان : إن تدفق اللاجئين السوريين وأغلبهم من المسلمين على أوروبا يهدد بتقويض الجذور المسيحية للقارة، وإن الحكومات يجب أن تضبط حدودها قبل أن تقرر عدد طالبي اللجوء الذين يمكنها استقباله . وكيف لا يصرح مثل هذا التصريح العنصري ،وكرسي البابوية كان وما زال أكبر عائق أمام انضمام تركيا المسلمة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بدعوى تهديدها لانسجام المسيحي لأوروبا .
هذه الأمور تكشف لنا واحدة من أهم الحقائق السياسية والتاريخية المعاصرة , والتى مهما حاولت آلة الدعاية المعادية للعالم الإسلامى تحريفها أو طمسها ستظل ثابتة لا تقبل الجدال والتحريف, هذه الحقيقة أن كل الحروب التى شنها أعداء الأمة الإسلامية والعربية ضدها, كانت حروبا دينية فى المقام الأول ،حيث كان الحقد الدينى والخلاف العقائدى هو المحرك الرئيسى لتلك الحروب كلها, وأي دوافع أو مبررات سياسية أو اقتصادية أو ديموغرافية أو حتى إستباقية أو وقائية, تأتى كلها فى مرتبة ثانوية ولخدمة البعد الدينى فى الصراع ، ولقد شهد العالم الإسلامى والعربى فى الحقبة المعاصرة سلسلة متتالية من الحروب الدينية الشرسة, شنها أعداء الأمة على اختلاف توجهاتهم, وتباين عقائدهم, تحت مسميات شتى, كلها وهمية أريد بها التعمية عن الهدف الحقيقى للصراع, من هذه المسميات : الإستعمار, الكشوف الجغرافية, والتحكم فى المضائق, الوصول للمياه المفتوحة , حماية المصالح ، الدفاع عن الأقليات ، وآخرها وأعجبها نشر الحريات والديمقراطيات فى شعوب العالم الإسلامى والعربى ، وحقيقة الأمر أنها كلها حروب دينية تغذيها الأحقاد والضغائن الموروثة على الأمة الإسلامية, ينتهز مدبروها ومثيروها الفرصة السانحة من أجل اتخاذ قرار الحرب .
فلا عجب إذا إذا سار بوتين على الدرب وأظهر أيديولوجيته وأضغانه القديمة ، فهي ثارات لا تنسى ، وأحقاد لا تمحى أبدا من ذاكرة أعداء الأمة.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تحية طيبة وبعد ,,,,

    يسعدنا بداية أن نهديكم أصالة عن أنفسنا، ونيابة عن جامعة المدينة العالمية [MEDIU] أرق التحية وأطيب الأمنيات لكم بدوام التقدم والإزدهار، مقرونة بصادق الدعوات لكم بالمزيد من التوفيق والتطور والنماء.

    جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا:

    "جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا" هي إحدى الجامعات الرائدة في دولة ماليزيا، والتي امتازت بالتفوق والتميز في مجالات التقنية والتعليم العالي، و "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" هي جامعة متعددة الثقافات والمجالات الدراسية ويقع مقرها الإداري الرئيسى في مدينة شاه علم بماليزيا ، وإليكم تاريخ موجز:
    1. تأسست "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" مطلع عام 2004م بالمدينة المنورة.
    2. في تاريخ 19/يوليو/ 2006م حصلت الجامعة على دعوة من وزارة التعليم العالي الماليزية لإنشاء مركز الجامعة بدولة ماليزيا .
    3. بتاريخ 20/يوليو/2007م، حصلت الجامعة على الترخيص الكامل من وزارة التعليم العالي الماليزية لتكون أول جامعة عالمية ماليزية تنتهج منهجي التعليم - نظام التعليم المباشر في المقر الجامعي بماليزيا - نظام التعليم عن بعد (عبر التعليم الالكتروني) وتستهدف الطلاب من شتى أنحاء العالم.
    4. في مطلع شهر فبراير من العام 2008م بدأت الجامعة أعمال التشغيل الكامل وإستقبال الطلاب .
    5. إلتحق بالجامعة إلى مطلع العام 2009م زهاء [1500] طالب وطالبة من دول مختلفة، في حين زاد عدد طلبات الإلتحاق المقدمة إلى الجامعة عن [3000] طلب إلتحاق.
    6. اوائل /2009 م. طرحت الجامعة اكثر من (24)برنامجا أكاديميا معتمدا من قبل هيئة الاعتماد الأكاديمي ووزارة التعليم العالي الماليزية في كلياتها, واكثر من (34) دورة معتمدة في اللغتين العربية والإنجليزية بمركز اللغات .
    7. أوائل 2009 م. تنوعت مستويات البرامج الدراسية في الجامعة لتشمل إيجاد مراحل : المستوى التمهيدي للمرحلة ماقبل الجامعية , الدبلوم , درجة البكالوريوس ، الدراسات العليا , دورات التأهيل اللغوي .
    8. أواسط 2009 م. بلغ عدد الطلبة الذين تم تسجيلهم في الجامعة اكثر من (4701) طالب وطالبة من اكثر من ( 40 ) جنسية حول العالم .
    9. الربع الثالث لسنة 2009 م. اجتازت جامعة المدينة العالمية [MEDIU] بنجاح التفتيش المؤسسي الذي عقدته وزارة التعليم العالي الماليزية للتأكد من الجودة الأكاديمية والإدارية للجامعة .
    10. نهاية عام 2009 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الوارده الى الجامعه عن ( 6508 ) طلب من اكثر من (60) دولة حول العالم , فيما زاد عدد الطلبة المسجلين في الجامعة عن ( 2482 ) .
    11. نهاية عام 2009 م. انتهت الجامعة من تقديم (10) برامج دراسية جديدة لإعتمادها من قبل هيئة الإعتماد الماليزي في مراحل الدراسات العليا .
    12. نهاية عام 2009 م. بدأت جامعة المدينة العالمية الاجراءات التأسيسية للبدء بالتعليم الجامعي المباشر في تخصصات علمية وتطبيقية جديدة شملت علوم الحاسب الآلي , والعلوم المالية والإدارية , والهندسة والتي تعتزم أن يتم البدء بها منتصف العام 2010 م .
    13. أوائل عام 2010 م. زاد عدد الطلبة المنتسبين في الجامعة الى (3057 ) طالب من مختلف دول العالم , من بداية موسم 2010 .
    14. نهاية عام 2010 م. بلغ عدد طلبات الإلتحاق الواردة الى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (511) بلغ عدد المسجلين أكثر من (154) طالباً .
    15. أوائل عام 2011 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الواردة إلى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (2312) وبلغ عدد المسجلين أكثر من (362) .
    16. أوائل عام2011 م. إدراج برامج جامعة المدينة العالمية الحاصلة على الإعتماد الأكاديمي الكامل لأربعة برامج دراسات عليا في كلية العلوم الاسلامية ضمن قائمة المؤهلات المعترف بها من قبل هيئة الخدمة المدنية بماليزيا .
    17. نهاية عام 2011 م. تم تخريج الدفعه الأولى من طلبة جامعة المدينة العالمية في مرحلة برامج الماجستير والبكالوريوس وعددهم (84) طالبا وطالبة لدرجة البكالوريوس, و(27) طالبا وطلبة لدرجة الماجستير .

    ردحذف