السبت، 20 أبريل 2024

سحب التمثيل الاسلامي من قيادة حماس في المسار السياسي للقضية الفلسطينية.. لماذا؟

 سؤال في الصميم

سحب التمثيل الاسلامي من قيادة حماس في المسار السياسي للقضية الفلسطينية.. لماذا؟
بقلم: مضر أبو الهيجاء


يسألني البعض لماذا تصر على وجوب سحب التمثيل الاسلامي من قيادة حماس الحالية في مسار القضية الفلسطينية!

 والجواب يكمن في عدة نقاط رئيسية:

إن حركة حماس عندما تشكلت وانطلقت فإنها طرحت نفسها كبديل اسلامي في مواجهة التيار والطرح الوطني، وذلك باعتبارها تنطلق وتلتزم بأحكام الدين في سياساتها، كما أنها تنحاز للأمة وتعبر عن هذا الانحياز في مواقفها ورؤيتها السياسية.

والواقع أن ما انتهت اليه قيادة حماس الحالية نقض كلا الأمرين، فمن جهة لم تعد تقيم اعتبارا في سياساتها وأحلافها للأمة وشعوبها وقضاياها، الأمر الذي عبرت عنه بحلفها مع أعداء الأمة ومحتلي بلاد العرب في محيط فلسطين، كما أنها لم تعد تعتبر المرجعية الاسلامية ملزمة في تصورها للمشروع الوطني الفلسطيني، وذلك حين دخلت في العملية السياسية على أرضية اتفاق أوسلو وبموافقة أمريكية اسرائيلية، مستهدفة الوصول للسلطة، الأمر الذي عطل وشوه مشروع الجهاد والتحرير، والذي أصبحت أهدافه مرتبطة بالتموضع في السلطة.

وكما أن حركة فتح أدخلت فلسطين في نفق العلاقة مع الأعداء الاسرائيليين، فإن حركة حماس قد أدخلت فلسطين والأمة في نفق العلاقة مع العدو الايراني المحتل، مع اعتبار أن كلا الطرفين نواياه سليمة في حرصه على تحقيق منافع لشعبه وللقضية الفلسطينية وفق اجتهاده السياسي القاصر.

إن النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه حركة فتح في العلاقة مع الأعداء الاسرائيليين المحتلين، أهون بكثير من النفق المظلم والظالم الذي أدخلتنا فيه حركة حماس في العلاقة العويصة مع الأعداء الملالي المحتلين، بل إن التخلص من العلاقة مع الاسرائيليين أهون وأبسط بكثير من التخلص والانفكاك عن إيران، لاسيما أن الأول لا يزال يسمي الاسرائيليين بالأعداء، خلافا للثاني الاسلامي والذي بات يعتبر ويروج لشعوب الأمة أن الطرف الإيراني أخ وناصر وحليف صادق وأمين على القدس وفلسطين!

إن سحب التمثيل الاسلامي السياسي من قيادة حماس الحالية فيه انقاذ للدين، وحفظ لنقائه ومنع لإتلافه لاسيما مع وجود سيل من المشرعين القاصرين، والذي أصبحت عندهم العلاقة مع ملالي إيران ركن ودين والعمود الفقري في مشروع تحرير القدس وفلسطين!

لابد من إدراك حقيقة اليوم، وهي أن قيادة حماس قد غرقت في حضن إيران وتم ابتلاعها لدرجة لا يمكن انقاذها وتخليصها من تلك الورطة مهما دفعت لها الأموال، إلا من خلال نبي مرسل، وقد ختمت النبوة.

وإذا كان هذا الخلل والعوج السياسي في مسار الحركة واضحا لدى بعض قياداتها الصامتين، فإنهم باتوا عاجزين عن الفعل، بل إن إزاحتهم والتخلص منهم أسهل ألف مرة من التخلص من العلاقة مع إيران.

إن التعامل الراشد يجب أن ينظر للحركات السياسية باعتبارها آليات ووسائل وليست أهدافا، وبقدر ما تحقق تلك الآليات والوسائل الأهداف المطلوبة، وبقدر ثباتها على مبادئها، وبقدر ما تلتزم بمرجعيتها فإن تقييمها يتقدم ويتأخر بحسب ذلك.

والحقيقة أن عملية 7 أكتوبر، التي أخذت وصف معركة طوفان الأقصى -دون ترتيب سوى مع إيران وساحاتها-، قد قضت سياسيا على فاعلية حركة حماس الاسلامية، وحسمت ارتباطها بإيران الى غير رجعة، الأمر الذي يشير الى حقيقة مرة مؤلمة وموجعة!

إن بقاء الارتباط والتمثيل الاسلامي في المسار السياسي الفلسطيني بحركة حماس وقياداتها الحالية، يعني بالضرورة أن المشروع الاسلامي في فلسطين مختطف تماما من قبل الملالي الايرانيين.

ويزداد الأمر سوءا عند استشراف الاحتواء السياسي الأمريكي المحتمل جدا لحركة حماس من خلال فتح الأبواب الاقليمية أمامها في ظل أزمة وجودية تعيشها، وهي أشبه بالحالة التي مر بها ياسر عرفات عام 1990 بعد الحرب العراقية حيث انتهت فتح الى اتفاق أوسلو وبات عرفات في فك الاسرائيليين والأمريكان حتى قتلوه.

وقد كتبت إبان انطلاق المعارك أن أمام حماس ثلاثة سيناريوهات أمريكية ورجحت أن أمريكا ستمارس الثلاثة سيناريوهات، وهي قد وصلت الآن للسيناريو الثالث، وهو الاحتواء السياسي من خلال إطار عربي أو اسلامي، وذلك بعد أن مرت بالأول وهو قتل بعض القيادات، ثم الثاني وهو المحافظة عن قصد ووعي بغزة المضطربة والضاغطة دوما.

إن أمريكا التي فتحت أبوابها لسياف ورباني وحكمتيار، يمكن أن تفتح أبواب كثيرة أمام قيادة حماس لاستيعابها ووضعها في المربع المطلوب على رقعة الشطرنج، التي تقف عليها حماس منذ أن قبلت الدخول في العملية السياسية بموافقة المحتل، ومنذ أن اختارت في استراتيجيتها السياسية الارتباط بالمشروع الإيراني.

فإذا كانت حركة حماس ستغرق -كما هو واضح- فلماذا تغرق معها فلسطين كما أغرقتها حركة فتح، وإذا كانت فلسطين أمام منعرج وانحراف كبير، فلماذا نسلم بانحراف واختطاف المشروع الاسلامي النقي والكبير؟

لا يوجد اليوم في فلسطين مشروع وطني ولا مشروع اسلامي، بل هما متماهيان في أهدافهما العملية، بغض النظر عن اختلاف أدبياتهما الفكرية، وذلك رغم وجود شعب مضح وعظيم، وقيادات تبذل وتضحي بفلذة أكبادها والغالي والرخيص، ولكن دين الله أغلى وواقع الأمة أعلى مقاما وأولى نظرا، وأنا أتحدث هنا عن المشروع السياسي والرؤية المنهجية التي شوهتها حركة فتح ونحرتها حركة حماس، وكلا الطرفين يغلق الباب أمام الناقدين بعلة أنه بذل جهدا وضحى ردحا من الزمن وقدم الشهداء الميامين!

بلا شك إن أمام فلسطين وأهلها ردحا من الزمن عنوانه المعاناة القاسية والظروف الصعبة، فدعونا نحول دون غرقه في تيه بعيد وطويل، واذا كانت قيادة حماس الحالية مأزومة سياسيا وماليا واجتماعيا، فليس بالضرورة أن تدخل في أزمتها المشروع الاسلامي وتغبشه، بل وتعيد صياغته وفق أزمتها وخلل مواقفها وقصور رؤيتها السياسية، ثم تضفي من خلال دعاتها وكتابها على كل هذا صفة الدين القويم، مشرعنة لكل خطواتها وأحلافها بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم استعار درع يهودي ودخل في جوار مطعم بن عدي، ومكممة أفواه الدعاة بالقول أن هناك مجاهدين وشهداء وشعب صامد واثق بالنصر عنيد!

إن المشروع السياسي الاسلامي ومشروع التغيير والتحرير الذي لم تعد تطيقه الأطراف الفلسطينية جميعا، يمكن أن تديره أطراف وجهات غير فلسطينية في ربوع أمة تنتسب جميعها للدين، وتؤمن بواجبها نحو فلسطين وأقصى المسلمين، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فلسطينيا، والمعراج للسماء لم يكن تعبيرا عن جغرافيا غزة أو الضفة أو كل فلسطين، ودين الله ليس ملكا لأحد ليعبث به ويعيد صياغته وفق ظروفه المرحلية، ثم يسمي هذا ثبات على الدين!

وبكلمة يمكن القول إن المشروع السياسي الفلسطيني قد انحرف على أيدي الوطنييين ونحر بيد الاسلاميين، ولا حل اليوم في فلسطين، بل واقع أليم ومنعرج خطير، يوجب على الأمة ونخبها الواعية والشجاعة والصادقة أن تعيد بلورة رؤية ناظمة للمشروع الفلسطيني من خلال الأمة وليس في حدود القطر الفلسطيني، وخلاف ذلك فإن غزة والقدس والضفة ستبقى بين أيدي الاسرائيليين والايرانيين برعاية أمريكية شيطانية مدبرة، ستطيل معاناتنا وتعقد أحوالنا وتتلف قضيتنا، وتفقد الأمة جوهرة هي أصلب قضاياها ومحل اجماعها وسر نهضتها والتغيير .. إنها الأرض المباركة فلسطين.

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 18/4/2024

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق