السيسي...والصعود إلى الهاوية "1"
إحسان الفقيه
"الصعود إلى الهاوية"
عنوان لفيلم مصري قدمته السينما في سبعينيات القرن الماضي..يُجسّد حلم فتاة لها طموحات وتطلعات، وجدت في العمل الاستخباراتي مع الموساد ضد بلادها وسيلة لتحقيق هذا الحلم، فحَسبت أنها اعتلت قمة المجد لتجد نفسها تهوي وتسقط سقوطًا مدويّا.
هذه الدلالة اللفظية لعنوان الفيلم تنسحب على حلم السيسي (السيف وساعة أوميجا) الذي صدّره كأيقونة طموحاته، ينطلق منه لأن يكون الرجل الأول، ليس في مصر، وإنما في المنطقة. لكنّ السيسي قد هداه شيطانه إلى اتخاذ طريق وعر لترجمة حلمه، فوصل إلى ما ينشده عبر أشلاء الشرفاء، وتكميم الأفواه، وإذلال الشعب، والارتماء بين أحضان سادته في الشرق والغرب على حساب حرية وكرامة المصريين.
وظنّ السيسي أنه بوصوله إلى عرش مصر قد وصل إلى قمة المجد، إلا أنه لم يلتفت- بتأثير نشوة السلطة - إلى أنه يهوي.
وعندما قلت أن السيسي يهوي، لم يكن ذلك بدافع تفاؤليٍّ او تلبية لنداء الحكمة التي تطالبنا بالنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، وإنما هو رصد للواقع الذي فُكّت رموزه وانجلَت غوامضه، ورُصّت فيه الأحداث بشكل لا يجعل الربط بينها عسيرا، وهذا ما ينطق به المشهد:
* استمرار الحراك الثوري:
وهو المُعضلة التي تواجه السيسي، حيث أن استمرار الحراك الثوري وحتى وقتنا هذا بمثابة إعلان واضح لكل دول العالم أن قطاعا واسعا من المصريين يرفضون حكم السيسي الذي اقتحم القصر الجمهوري المصريّ عبر انقلاب عسكري، وعلى جثمان الديموقراطية التي كادت أن تنشأ في مصر بانتخاب أول رئيس مدني الدكتور محمد مرسي.
وهذا القطاع يجد له في كل يوم أنصارا في الخارج والداخل، وتكمن خطورته على نظام السيسي في أنه يعد نواة وأساسا للموجة الثورية الثانية، ينتظر أن تلحق به القوى الثورية المتوجسة، والشرائح القابلة للتثوير، لذلك أعتبر أن هذا الحراك ضرورة لإكمال الثورة المصرية، بعد وجود صيغة توافقية لقوى الثورة تعيد استنساخ ثورة 25 يناير بما تضمنته من اصطفاف ثوري لكل قوى وشرائح المجتمع.
أضف إلى ذلك أن استمرار السياسة القمعية للأمن المصري إزاء معارضي الانقلاب، يزيد من النقاط السوداء في ملف السيسي على الصعيدين الداخلي والخارجي.
* الوضع ينبئ بثورة البسطاء:
واستعضت به عن تعبير ثورة الجياع، فأربأ بإخواني المصريين على أن ألبسهم هذا المعنى، لكنها أحلام البسطاء، المواطن العادي الذي يكدّ ويكدح في الحياة من أجل تحقيق الاكتفاء في ضرورات الحياة، ولا يجد في خياله متسعا لأن يكون من أصحاب الثروات.
تلك الفئة التي يتحدث عنها نشطاء مصريون بأنها صدمت في السيسي الذي لم يحقق لها الحد الأدنى من طموحاتها رغم أنها كانت سندا له وعونا، فأزمات تطال الخبز والسلع التموينية، ارتفاع في الأسعار، أزمة أنابيب الغاز، في ظل العودة لامتهان الكرامة من قبل رجال الأمن كما كانت في عهد مبارك بل أشد.
هذه الفئة تتجه حيث كان الخبز، غير معنية بأيديولوجيات أو أفكار، فإذا لم تجد –في ظل هذا الفشل الذريع للإدارة- ما تسد بها رمقها، فليرتقب السيسي غضبتهم.
*تصدع العلاقة مع دول الخليج:
وهو بمثابة ضربة قوية موجعة لظهر السيسي، فمنذ تولي خادم الحرمين الملك سلمان السلطة في المملكة السعودية، ظهر التوجس لدى نظام السيسي وزبانيته، نظرا لأن خادم الحرمين – ومنذ البداية - لم يكن مؤيدا للانقلاب، بالإضافة إلى تقاربه مع قطر وتركيا (العدوين اللدودين للنظام الانقلابي) وما رافق ذلك من قيامه بحزمة تغييرات في صفوف رموز الهيكل الإداري للدولة السعودية مما أفقد السيسي أنصاره وداعميه الرئيسيين في البلاد، ولذلك أطلق السيسي زبانية الإعلام على السعودية بصفة خاصة.
وزاد من هذا الشقاق تلك التسريبات الفاضحة التي أوضحت سياسة الابتزاز التي يتعامل بها السيسي مع دول الخليج، وهو ما أثار القوى السياسية الداخلية والنخب والجماهير داخل تلك البلاد، وهو بلا شك له أثره على سياسة الأنظمة تجاه النظام الانقلابي الانتهازي.
وبلغ هذا الشقاق مبلغه بعد الضربات الجوية التي شنها طيران السيسي ضد مواقع قيل أنها لتنظيم داعش في ليبيا ردا على مقتل 21 قبطيا قتلوا في ليبيبا، وهو ما اعتبرته عدة دول من بينها قطر انتهاكا للسيادة الليبية تم بعيدا عن التوافق العربي.
وعلى الفور اتهم الجانب المصري دولة قطر إزاء هذا الموقف بدعم الإرهاب، وهو ما ردّ عليه مجلس التعاون الخليجي في اصطفاف وتلاحم وتوافق يُحسد عليه –ونسأل الله دوامه - حيث أكد مجلس التعاون رفضه وبقوة لاتهام قطر بدعم الإرهاب.
وهذا التصدع في العلاقة المصرية الخليجية له أثره في إقامة تحالفات جديدة في المنطقة تغيّر من شكلها، تعدّ هي الأخرى مؤشرا لزوال النظام الانقلابي بمصر، وهو ما نبدأ به حديثنا في
الجزء الثاني ان شاء لنا الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق