حسام الغمري يكتب: لماذا يهزم الاخوان ، وكيف ومتى ينتصرون ؟
المناورة السياسية هي أعمال تقوم بها الدولة أو الحزب أو الجماعة السياسية قاصدةً غاياتٍ غير الغايات التي تظهر للوهلة الأولى من القيام بالعمل .
وقوة المناورة تكمن في تأثير الإعلان عن الأعمال وإخفاء الأهداف الحقيقية دون افتضاح يفقد الحزب أو الجماعة أو الدولة المصداقية .
والمناورة السياسية تكون محصورة فقط في الأعمال وليس في المبادئ والأفكار.
فالمبادئ والأفكار لا مكان للمناورة فيها بل الصراحة والوضوح في العلن وفي الخفاء هي ما ترسخ قوة الجماعة وتزيد من أهميتها ومكانتها .
من الغبن للسياسة أن يقال إنها فن الممكن لأن عمل الممكن ليس فنا ولا سياسية وإلا صار الحصول على انبوبة بوتاجاز في مصر فنا سياسيا عظيما ، أو ركوب الباص ، أو العودة من مسيرة في شارع هامشي ضيق على قيد الحياة .
والحق أقول لكم ان السياسة عمل متميز لا يستطيع القيام به الكثيرون ، لأن السياسي الحقيقي في الواقع يمارس ذلك الفن في ضوء علاقة خاصة جدا بين الممكن و المستحيل الآن أو بمعنى أدق في ظل المناخ السائد ، في إطار يجمع بين الواقع و قدر لازم وضروري جدا من الخيال يساعد علي تغيير هذا الواقع في إطار من الممكن ، وهنا يحدث نوع التزاوج بين الحقائق الثابتة والأحلام الممكنة التطبيق في ظل واقع يبدوا مستحيلا أو رافضا .
و هناك ثلاثة أنواع من السياسات :
- الممكن فى الزمن الممكن
- المستحيل فى الزمن المستحيل
- فن الممكن في الزمن المستحيل او فن المستحيل في الزمن الممكن.
والسياسة بصفة عامة هى التى تتعامل مع الوضع القائم اما بهدف تثبيته والمحافظة عليه وتحسينه ان امكن، كما نلحظ في سياسات العسكر والمنتفعين من نظامهم عبر سته عقود ، أو بهدمه وتدميره لبناء نظام جديد كما يهدف الثوار وفي القلب منهم جماعة الاخوان المسلمين بإعلانهم ان الثورة خيار استراتيجي .
أى نحن هنا أما نوعين مختلفين من السياسة :
- السياسة الثائرة على الوضع القائم .
- والسياسية المتسقة المتناغمة معه.
تعرّف السياسة التى تتعامل مع الواقع وتدور فى إطاره ولا تخرج عنه هى سياسة فن الممكن فى الزمن الممكن ككل سياسات مبارك ، وهى سياسة مصنوعة وليست صانعة ، مخلوقة و ليست مبدعة ، وهى خالية من الصراع مع عصرها فهى تبغى الاستقرار والاستمرار وتتفادى الصراع وتميل للتنازلات والحلول الوسط حتى ولو استخدمت أساليب انبطاحية رخيصة كالجزء الخاص بالخليج في خطاب السيسي التليفزيوني الأخير
اما الصراع فيرتبط بالسياسة الأخرى الثائرة على الوضع القائم و المناخ السائد .
وهذه السياسة الأخرى الناقمة الثائرة تنقسم بدورها الى قسمين :
1- سياسة تبغى تغيير الوضع القائم وتدميره ،ولكن لا تفهم ثقافة عصرها وما فيه من حتميات بشرية فى ظل المناخ السائد فتفشل ، وهى سياسة فن المستحيل فى الزمن المستحيل . و تخرج هذه السياسة من الصراع خاسرة مهزومة مأزومة وهي باختصار تجربة الاخوان من بعد ثورة يناير وحتى عزل الرئيس مرسي في يوليو 2013 ، حيث كان من المستحيل اصلاح مؤسسات دولة تكرست بالفساد والعمالة للخارج فضلا عن اجتذاب تيارات سياسية ذات ايدولوجيات ترفض الفكرة الإسلامية تماما حيث انها تتربح من ضحدها ومحاربتها .
2- سياسة تبغى التغيير بل تدمير الوضع القائم ولكن مع ادراك ماهية الممكن فى الوضع أو فى الزمان والمناخ ، وتستخدم الممكن هنا أو هناك ضد المستحيل هنا أو هناك ولكن بقدر كبير من الخيال والمرونة السياسية والتكتيكية ، فتنجح فى التغيير وتخلق واقعا جديدا ومناخا جديدا وثقافة جديدة، وتخرج من الصراع منصورة بإذن الله .
وهذا ما يحاول الاخوان صناعته بعد الانقلاب ولكن بضعف كبير في الخيال السياسي اللازم لتحقيق النصر .
و إرادة التغيير دائما تبدأ بفكرة – كفكرة حسن البنا – ، ثم الدعوة لهذه الفكرة ليتقبلها الناس وليتحمس الأفراد للدفاع عنها وتحمل الأذى فى سبيلها .
ولكى يتقبل الناس هذه الفكرة في مصر يجب أن ترتبط بنفع عام وتحقيق الآمال للفقراء المطحونين ، وهم دائما الأغلبية فى مصر ، وهم دائما وقود الحركات الثورية وضحايا الثوار والسياسيين دون استثناء لاحد ، وهما العنصر المفتقد في خطاب التحالف الوطني الذي لا يرسم لهذه الفئة أي ملامح جادة للمستقبل حال عودة الشرعية في حين ان السيسي ادرك ذلك منذ اليوم الأول وبشرهم كذبا بأنه سيحنو عليهم وكانت هذه الجملة ذات تأثير كبير على البسطاء والمهمشين .
أى أن أرض الصراع ومسرحه هو تلك الأغلبية الصامتة البسيطة والمهمشة .
وأصحاب الفكر الجديد يلجأون لتلك الأغلبية الصامتة يحاولون إنهاضها وإقناعها بأن مصلحتهم (فى الدنيا و الآخرة ) تستلزم التمسك بهذه الفكرة الجديدة و الدفاع عنها وتجسيدها واقعا على أنقاض الوضع القائم ( الظالم ).
وفى المقابل فإن النظم المستبدة تستند دائما الى عقلية ( ما وجدنا عليه آباءنا ) وتترصد أى فكر جديد بالمصادرة والمنع .
لذا فإن سياسة فن الممكن في الزمن المستحيل أو سياسة فن المستحيل في الزمن الممكن هي أفضل انواع السياسة اذ تجمع بين الواقعية والابداع والخيال السياسي في اطار العلم بحقائق الاوضاع ومدي امكانية التغيير فيها دون التخلي أو التفريط ، وبكل الصلابة الممكنة وبعزم لا يلين .
والسياسي هنا يقف علي ارض الواقع ويتعامل مع حقائقه ، ولكن يترك في عقله مساحة كبيرة للخيال السياسي فيحاول مع المستحيل ليجعله ممكنا بكل ما يستطيع ، لكي يخلق واقعا جديدا مستغلا بعض الثغرات والفجوات في الاوضاع الخارجية والاقليمية والمحلية ومستنهضا معه كل القوي والامكانات لتكون فاعلة ومؤثرة معه ، ويحاول التأثير علي المناخ العام ليطوعه ما امكن وفق مشروعه السياسي .
وهذه القدرة في التأثير علي المناخ العام وعلي القوى المتحكمة هي التي تعين ذلك السياسي علي خلق واقع جديد في اطار عملية غاية في التعقيد ،اذ تحتاج سياسة فن الممكن في زمن المستحيل وفن المستحيل فى الزمن الممكن الي تضافر المعلومات والتحليلات والحسابات التي تعطي خريطة متكاملة بالمتاح والبدائل وامكانات التقدم، وحساباته، وتكاليفه، واحتمالات التراجع المحسوب مع الجرأة العقلية والرغبة في التغيير والاقتحام عندما يتعين الاقدام دون تفويت للفرصة تلو الفرصة كدأب قيادات الاخوان بكل اسف .
وبهذا يخلق السياسي وضعا جديدا، ويصنع احداثا جديدة يجعلها تحمل بين امواجها السياسيين الاخرين من اصحاب سياسة فن الممكن في زمن الممكن، وفن المستحيل في الزمن المستحيل .
و سياسة فن الممكن فى الزمن المستحيل أو فن المستحيل فى الزمن الممكن هي التي تحسن التعامل مع المناخ الثقافي السائد، فتغيره الي الافضل، وتحسن التصرف مع القوى المتحكمة لتقيم علي حسابها واقعا جديدا بأقل قدر ممكن من الخسائر والتكاليف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق