موجز تاريخ الدولة الأموية (5)
محمد إلهامي
اقرأ أولًا:
موجز تاريخ الدولة الأموية (1)
موجز تاريخ الدولة الأموية (2)
موجز تاريخ الدولة الأموية (3)
تولَّى بعد عمر بن عبد العزيز يزيد بن عبد الملك، ومهما بلغ أمر يزيد فإن المقارنة مع عمر تجعله في وضع صعب، فلو أنه تولَّى بعد الوليد أو بعد سليمان فربما كانت صورته في التاريخ أفضل، لقد كان يزيد شخصية عادية ليست في صلاح عمر، ولا في سياسة عبد الملك بن مروان، ولا في همَّة الوليد بن عبد الملك، وحاول أول عهده أن يسير على خطى عمر بن عبد العزيز فلم يستطع؛ إما لأنه لم يتحمَّل، أو لأن بطانته خلت من العلماء؛ فتسلقها أهل السوء فعدلوا به عن هذه المسيرة، ونُسب إليه الإسراف في المأكل، وفي الإقبال على الجواري، ووردت في هذا أمور مبالغة وباطلة لا تُصَدَّق، على أن جوهر المشكلة كان في افتقاد يزيد للرؤية العامة والاستراتيجية في الإصلاح (1).
وفي عهده عاد ذكر الثورات، ولكنه قضى عليها، وكان من أكبرها ثورة يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وبعض ثورات للخوارج، كما استوعب بذكاء ثورة البربر في الشمال الإفريقي؛ حين قتلوا واليهم الظالم يزيد بن أبي مسلم، وولَّوْا عليهم محمد بن يزيد، وكان مولى، فأقرَّهم سليمان على ما فعلوا، وفي عهده كَثُر الموالي في المناصب القيادية.
واستمرَّت سياسة الغزو والفتوح في عهد يزيد بن عبد الملك؛ فقضت الجيوش الإسلامية على تمردات الترك فيما وراء النهر، وأعادت فرض نفوذها على مناطق الشمال في أرمينية وبلاد الخرز (2)، واستمرَّت الفتوح في البحر المتوسط؛ وفي عهده غزا المسلمون جزيرة صقلية أكبر جزر البحر المتوسط، التي كانت مركزًا حربيًّا للروم ينطلقون منه في حملاتهم العسكرية على بلاد الشمال الإفريقي، وكذلك استمرَّت الفتوح في فرنسا على يد السمح بن مالك الخولاني، وعنبسة بن سحيم الكلبي، وعبد الرحمن الغافقي.
ومات يزيد بن عبد الملك في شعبان عام 105هـ، بعد أربع سنوات من الخلافة، وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، وتولَّى الأمر بعده أخوه هشام بن عبد الملك.
يُعَدُّ هشام بن عبد الملك آخر الخلفاء الأقوياء، الذين استقامت لهم البلاد في بني أمية، قضى في الخلافة عشرين سنة، ضبط فيها أمر الدولة ضبطًا إداريًّا فائقًا، وكان حريصًا على الأموال، شديد الرقابة على العمال والموظفين، حريصًا على إقامة العدل، وكان له مجلس للعامة يُقَدِّمون له فيها الشكاوى مهما كان حال الشاكي من العبودية أو الفقر أو قلَّة الحال، وفي عهده استمرَّ الغزو في البلاد لا سيما في جبهة السند والهند على يد عمرو بن محمد بن القاسم، وجبهة أذربيجان وأرمينية على يد أخيه مسلمة بن عبد الملك، ثم مروان بن محمد.
وكان يقرب العلماء، وأشهرهم في هذا الإمام الكبير محمد بن شهاب الزهري والإمام الفقيه الأوزاعي، وكان لهما أثر على سياسة هشام بن عبد الملك، وعانى هشام بن عبد الملك في عهده من بعض الثورات، وكان أكبرها ثورة زيد بن علي بن الحسين، وثورات البربر في المغرب، الذين انتشر فيهم فكر الخوارج، كما عانى من ظهور المذاهب المنحرفة في عهده؛ كغيلان الدمشقي الذي تزعَّم القول بمذهب القدرية (3)، والجعد بن درهم؛ الذي كان أول مَنْ قال بخلق القرآن، والمغيرة بن سعيد وبنان بن سمعان وكانا من غلاة الشيعة؛ يكفران كلَّ الصحابة إلَّا مَنْ ثبتوا مع علي – رضي الله عنه-، ويزعمون أنه نصف إله، وغير ذلك من المذاهب المنحرفة التي أطلَّت برأسها في عهد هشام.
ظلَّ هشام بن عبد الملك خليفة قويًّا حتى وافاه الأجل (ربيع الآخر 125هـ)، بعد عشرين عامًا في الخلافة، وأربعة وخمسين عامًا في الحياة، ثم دخلت الدولة بعده في مرحلة الانهيار (4).
إن من اللافت للنظر أنه فيما عدا أربعة من الخلفاء هم: معاوية بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، فيما عدا هؤلاء مات جميع الخلفاء في سنٍّ صغيرة في العشرينيات والثلاثينيات ومشارف الأربعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق