الأربعاء، 11 فبراير 2015

شرق أوسط جديد منزوع الجيوش

شرق أوسط جديد منزوع الجيوش

عادل سليمان

يبدو أن أحد عناصر "الفوضى الخلّاقة " التي من المفترض أن تتمخض عن الشرق الأوسط الجديد هو وضع نهاية للجيوش الوطنية في الدول العربية الرئيسية، المستهدفة بإعادة الهيكلة، بحلها وتسريحها، أو بتفكيكها وهدم هياكلها ومقوماتها الأساسية، أو باستنزافها بعد استدراجها في حروب لا تناسقية مفتوحة.
ذلك لأن تلك الجيوش الوطنية هي "محور الارتكاز الرئيسي" للدول القومية التي بدأت تتصدر المشهد في المنطقة، منذ منتصف الخمسينيات، واعتبرها الغرب العقبة الرئيسية أمام مشروعه للشرق الأوسط الجديد، وأبرزها، مصر والعراق وسورية وليبيا واليمن. والجدير بالملاحظة أن هذه الدول الخمس هي التي تعرضت، أو تتعرض جيوشها لتحديات وجودية حقيقية.
وليس مصادفة أنها دول في قلب الشرق الأوسط القديم، والمطلوب أن يتحول إلى شرق أوسط جديد، عبر المشروع الذي بدأ طرحه بجدية عام 2000؟
بدايةً، تم طرح الأفكار الرئيسية عن شرق أوسط كبير، يضم، إلى جانب العالم العربي، أفغانستان وباكستان وإيران وتركيا، وأيضا دولة العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وإعادة صياغته على أسس جديدة، سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
ومع التطورات الدراماتيكية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر، وإعلان الحرب الأميركية العالمية على الإرهاب، والدعوة إلى تحالف دولي شعاره "من ليس معنا فهو ضدنا"، وغزو أفغانستان 2001.
وفي هذا السياق، أيضاً، غزت أميركا العراق في مارس/آذار 2003، وبدأ تنفيذ مخطط التخلص من الجيوش الوطنية، ونزع سلاح الدول القومية، تمهيداً لإعادة هيكلتها في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، المزمع تدشينه.
وكان أول قرار يصدره الحاكم الأميركي للعراق، بول بريمر، هو حل الجيش العراقي، وتسريح كل أفراده، قادة وضباطاً وجنوداً. وللمفارقة، فإن قرار حل الجيش العراقي عقب الاحتلال الأميركي، جاء مطابقاً، على وجه التقريب، لقرار حل الجيش المصري، والذي كان أول جيش وطني يتم تأسيسه في المنطقة على يد محمد علي في الربع الأول من القرن التاسع عشر (1822)، والذي صدر عقب الاحتلال البريطاني لمصر في 19 سبتمبر/أيلول 1882.
كان حل الجيش العراقي بمثابة المسمار الأول في نعش الجيوش الوطنية في المنطقة، وكان العراق حقل التجارب للمشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد، والذي تم بلورته وطرحه بعد عام من غزو العراق وحل الجيش العراقي، في مؤتمر مجموعة الثمانية في مارس/آذار 2004، ثم جاء إعلان وزيرة الخارجية الأميركية الشهيرة، كوندوليزا رايس، في عام 2006، والذي تواكب مع غزو إسرائيل جنوب لبنان، عندما قالت إن تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد بدأ، وسيولد من رحم هذه الحرب.
وجاء التطور الدراماتيكي الثاني مع تفجر ثورات الربيع العربي في ديسمبر 2010، وسريان شرارتها سريعاً، والتي انطلقت من تونس، لتصل إلى "الدول القومية" التي أشرنا إليها، مصر وسورية وليبيا واليمن.
واختلفت مسارات الربيع من دولة إلى أخرى، لكنها اتفقت كلها في أن تلك الدول تعرضت لحالة تصدع سياسي حاد. وجدت فيه القوى الدولية، وفي مقدمتها أميركا، وأيضاً بعض القوى الإقليمية غير العربية، فرصة تاريخية، لتدشين مشروع الشرق الأوسط الجديد، بشكل عملي، بتعميم حالة "الفوضى الخلّاقة"، وأهم ركائزها، كما أشرنا، التخلص من الجيوش الوطنية، وإنهاء دورها ومكانتها، وتم التعامل مع كل حالة طبقاً لظروفها.
في العراق، كان الأمر قد تم حسمه، بقرار حل الجيش، وأعقب ذلك ظهور المليشيات 
والتنظيمات 
العسكرية، وشبه العسكرية الطائفية، وآخرها داعش. في ليبيا، تم التدخل العسكري المباشر، وتم تفكيك الجيش الليبي الذي انفرط عقده، وتحول إلى مجرد شراذم ومجموعات التحقت بمليشيات مسلحة مختلفة ومتصارعة لاحقاً.
 ولم يعد هناك ما يمكن أن نسميه جيشاً ليبياً وطنياً. وفى اليمن، تم تفريغ الجيش اليمني من جوهره، وفقد وحدة القيادة والسيطرة، وتغلبت الانتماءات القبلية والمذهبية على الاحترافية العسكرية، وانتهى الأمر بسيطرة مليشيات الحوثي على مقدرات البلاد، ولم يعد هناك جيش يمني وطني بالمفهوم السائد. أما في سورية، فالأمر أكثر تعقيداً، حيث تحول الجيش الوطني السوري إلى جيش لنظام بشار الأسد، بينما تعددت الجيوش على الساحة السورية، بقدر ما شهدته من تمزق، فهناك جيش تنظيم داعش، والجيش السوري الحر، والمعارضة الوطنية المسلحة، وجبهة النصرة، وجيش الإسلام، وغيرها من المليشيات. ولم يعد لسورية جيش وطني.
ونستطيع القول إن أربع دول من الدول القومية الخمس الرئيسية التي أشير إليها لم تعد تملك جيوشاً وطنية، قادرة على حماية الدولة القومية، ومشروعها القديم، العراق وسورية وليبيا واليمن.
تبقى مصر، وهي محور الارتكاز في مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحكم مكانها، ومكانتها، جغرافياً، وجيوسياسياً، وجيوستراتيچياً، وبحكم عمقها التاريخي والحضاري، وتجانسها الاجتماعي إلى حد كبير، والأهم بحكم طبيعة تكوين الجيش المصري، باعتباره أقدم الجيوش النظامية الاحترافية في المنطقة، حيث يقترب عمره من مائتي عام، وبحكم كونه جزءاً من نسيج المجتمع المصري بكل فئاته وطوائفه، وبحكم تجربته الطويلة، عبر مراحل سياسية عديدة مرت بها مصر. 
كل هذا جعل الجيش المصري (على الرغم من الاختلاف بشأن تقييم دوره منذ 25 يناير 2011) هو بحق العمود الفقري لكيان الدولة المصرية الوطنية، خصوصاً في الظروف التي تمر بها المنطقة، والذي بقي في منأى عن عمليات التفكيك التي تعرضت لها الجيوش الأربعة الأخرى.
وهذا ما يفسر التطور النوعي المتسارع في عمليات استهداف الجيش المصري في سيناء، والسعي إلى استدراجه، واستنزافه في حرب "لا تناسقية/ عصابات" مفتوحة مع تنظيمات إرهابية.
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، السعي "الخبيث" من تيارات وقوى تدّعى زوراً تأييدها الجيش، وحرصها عليه، لتوريط الجيش في المستنقع السياسي، وهو أمر لا يقل خطورة عن تورطه في حرب مفتوحة في سيناء.
أميركا والغرب ليسوا في عجلة من الأمر، طالما أن المشروع يمضي في اتجاه تشكيل شرق أوسط جديد، قلبه العربي خال من الجيوش الوطنية، وشعاراتها القومية، وقواه المجتمعية مستنزفة في صراعات دينية ومذهبية وطائفية، لا نهاية لها،
يستند على ثلاثة ركائز رئيسية غير عربية، تحيط به وتحتويه:
تركيا بنموذجها الإسلامي السني العلماني والديمقراطي.
وإيران بنموذجها الإسلامي الشيعي، ثوري الشعارات.
وإسرائيل باعتبارها قوة الردع الرئيسية.
أفيقوا يرحمكم الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق