الجمعة، 15 مايو 2015

هل انتهت الحرب العالمية الثانية؟!

هل انتهت الحرب العالمية الثانية؟!


طلعت رميح

ما تزال الحرب العالمية الثانية ممسكة بكل شيء في الإدارة السياسية لعالم اليوم، رغم مرور نحو 70 عاما على انتهائها بإعلان الحلفاء تحقيق النصر على دول المحور، وانعقاد مؤتمر يالطة لتقسيم العالم بين المنتصرين.لا نقصد استمرار تأثيرات الحرب فقط، بل تحيزاتها وتحالفاتها أيضا.
ويمكن القول إن الخلاصة الجديدة الأهم في خبرات الدول التي تحاربت أو ارتكبت أكبر مذبحة في تاريخ البشرية، هو أن قررت ألا تتقاتل مباشرة بجيوشها مع بعضها البعض، وأن يجري التقاتل والصراع على مناطق النفوذ التي كانت أهم أسباب اندلاع الحرب، عبر وكلاء لكل منها على أرض الغير، أو بين جيوشها والدول الصغرى.
ذاك هو الجديد الذي أصبح قاعدة أساس في العلاقات والصراعات بين الدول الكبرى منذ نهاية الحرب عند منتصف أربعينيات القرن وحتى الآن... بل هو ما يلخص تاريخ العالم من تلك الحرب الواسعة إلى كل تلك الحروب المجزاة البعيدة عن حدود وجيوش ومدنيي الدول الكبرى، وفي ذلك جرت الحروب في الشرق الأوسط وآسيا وحرب الانقلابات والحروب الداخلية في إفريقيا. كما التهمت روسيا أفغانستان وأجزاء من جورجيا وأوكرانيا، والتهمت الولايات المتحدة العراق وأفغانستان والتهمت فرنسا العديد من دول إفريقيا..إلخ.
لم يذهب الزمن بتحيزات الحرب وتحالفاتها، بل السنوات تعيد إنتاجها.
فالغرب الذي ظهر كغرب في الحرب العالمية – وهو لم يكن على هذا النحو قبل الحربين الأولى والثانية- ظل على حاله في ممارسة الاستعمار وفي المواجهة مع الآخرين على هذا النحو ولم يتغير تحالفاته القديمة.
والصين وروسيا إذا كانتا الأقرب إلى بعضهما البعض خلال الحرب العالمية وما تلاها في الحرب الكورية بعد سنوات قليلة، عادا إلى تحالفهما بعد مرحلة من تراجع العلاقات واختلال التحالفات.الآن تمثل روسيا والصين عمود محور التحالف الآخر في العالم.
واليابان التي قصفت نوويا واحتلت أمريكيا ما تزال على تحالفها مع الولايات المتحدة والغرب ولم تستطع الفكاك مما فرض عليها رغم ما حققته من طفرة اقتصادية وتكنولوجية وعلمية، بل إن بعض الساسة اليابانيين يعمقون نتائج الحرب على صعيد العلاقات مع أمريكا والغرب أو على صعيد العداء مع الصين وروسيا على خلفية احتلال جزر أو الهيمنة عليها خلال الحرب.
لقد تغيرت بعض الامور،كما حالة توحيد ألمانيا،غير أن ما فرضته الحرب الثانية عليها ظل قائما كعنوان دائم ومستمر، إذ لا تزال ألمانيا -وإن قويت وعادت دولة محورية في أوروبا –شبه محتلة عسكريا وواقعه تحت الحماية الأمريكية.
وروسيا عادت إلى حالتها السابقة كدولة تطلب نفوذا ودورا عالميا،وكأن ما حدث خلال وبعد نهاية الحرب الباردة من ضعف وتفكك وخفوت في دورها الدولي كان مرحلة طارئة وانتهت، لتعود لاحتلال مكانتها التي احتلتها بعد الحرب الثانية.
وأوروبا الشرقية التي كانت قد تخلصت بعد الحرب الباردة، من سيطرة الشيوعيين السوفيت عليها خلال الحرب، عاد الكثير منها إلى نمط من الاقتراب والتحالف مع روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي وبعضها أعيد بالقوة المسلحة.
ومجلس الأمن الذي كان وليدا لتلك الحرب،هو والأمم المتحدة التي تشكلت بديلا لعصبة الأمم -التى كانت عنوانا للحرب العالمية الأولى-ما يزال على حاله، فإذ أصبحت الدول الكبرى المنتصرة في الحرب صاحبة فيتو على بعضها في داخل مجلس الأمن فالحال كذلك دون تغيير. 
وإذ تجرى إرهاصات هنا أو هناك حول ضرورة إدخال دول كبرى جديدة للمجلس،فلا تقدم يحدث بسبب ثأرات الحرب. حيث لا مكان لليابان بسبب فيتو صيني..إلخ.
ما تزال الحرب العالمية ممسكة بخناق العالم إذن.. وكأن البشرية قد اعتمدت وبشكل نهائئ، حالة استخدام القوة والقتل أساسا لتغيير التوازنات وتحديد معالم السيطرة على القرار الدولي، وأن ما تفرزه الحرب لا دور للدبلوماسية ولا الاقتصاد في تغييره.
فهل تستمر الأمور على هذا النحو؟ وهل تسقط البشرية في جريمة ارتكاب مذبحة بشرية أشد إجرامية لكي تتخلص من نتائج وأحكام الحرب العالمية الثانية،أم أن ثمة طريق آخر؟
الإجابة لدى طرف واحد في العالم.. لدى الولايات المتحدة، إذ تتعلق كل الأمور ببقائها وبقوتها وضعفها وباستمرارها كحالة قوة إمبراطورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق