تفاصيل جديدة وهامة في محاكمة ضباط بالجيش
المصري لمحاولة قلب نظام الحكم
ننشر لكم نسخة من قرار الاتهام الصادر بحق 26 من ضباط القوات المسلحة أدانتهم محكمة عسكرية في أغسطس الماضي بالتخطيط لتدبير انقلاب على النظام الحالي بمعاونة اثنين من القيادات البارزة بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك بحسب ما جاء في المصدر.
كما كشفت مقابلات مع أقارب من الدرجتين الأولى والثانية لعدد من المعتقلين في القضية المزيد من التفاصيل حول خلفية القضية والمعاملة التي تلقوها بعد القبض عليهم وأثناء محاكمتهم وفي أعقاب صدور الحكم بإدانتهم.
ولم تحظ القضية- على أهميتها- بأي تغطية إعلامية في وسائل الإعلام المصرية، واقتصرت الإشارة إليها على مواقع وقنوات فضائية معارضة تبث من خارج البلاد.
ونشر موقع “بي بي سي عربي” في 16 أغسطس، وهو اليوم الذي صدرت فيه الأحكام بحق الضباط والمعتقلين، خبرًا مقتضبًا بشأن القضية نقلا عن “مصادر عسكرية”.
إلا أن وزارة الدفاع وهيئة القضاء العسكري التابعة لها لم تصدرا حتى اليوم أي بيانات رسمية بشأن القضية.
كانت السلطات قد ألقت القبض على الجزار بعد يومين من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، وذلك بتهمة التحريض على العنف في اشتباكات جرت بين مؤيدي مرسي وسكان منطقة بين السرايات بالجيزة وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى، وظل الجزار رهن الحبس الاحتياطي لأكثر من عام قبل أن تقضي محكمة الجنايات بإخلاء سبيله مقابل كفالة 100 ألف جنيه في أغسطس 2014 على ذمة القضية التي لم تتم إحالتها للمحاكمة حتى الآن. وغادر الجزار البلاد في وقت غير محدد بعد إخلاء سبيله (قبل تحريك الدعوى العسكرية) وصرحت أسرته وقتها بأن الأجهزة الأمنية كانت على علم بمغادرته لمصر إلى بلد لم تعلن عنه.
أما محمد عبد الرحمن فتقول مصادر بجماعة الإخوان إنه اختفى داخل مصر منذ فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة في أغسطس 2013. وكانت زوجة عبد الرحمن النائبة السابقة بمجلس الشعب عن الحرية والعدالة سهام الجمل قد لقيت مصرعها في أكتوبر 2013 متأثرة بإصابتها بطلق ناري في اعتداء على مسيرة نسائية في مدينة المنصورة في 20 يوليو من العام ذاته.
وذكرت عدة مواقع وقنوات إخبارية أن أحد المتهمين هو شقيق اللواء أركان حرب توحيد توفيق، قائد المنطقة المركزية العسكرية حاليا. غير أن المتهم المقصود هو الرائد مؤمن محمد سعيد عبد العاطي، وهو شقيق اللواء رجائي سعيد مساعد قائد المنطقة المركزية سابقا والذي برز اسمه في صيف 2013 عندما تولى تأمين منطقة المهندسين وظهر في تسجيل فيديو على يوتيوب يوبخ الشرطة على إطلاقها الغاز على متظاهرين في مسيرة 30 أغسطس 2013. وفيما نقلت “مدى مصر” عن مصادر إن اللواء رجائي قد أحيل للمعاش بعد أسابيع قليلة من القبض على الضباط في القضية العسكرية، فإن هذه المعلومة لم يمكن التحقق منها بشكل مستقل.
الاتهامات بحسب سجل التحقيقات (نصا)
ويتهم أمر الإحالة للمحاكمة العسكرية المتهمين الثمانية والعشرين جميعا بأنهم في الفترة منذ شهر يناير 2011 وحتى القبض عليهم اشتركوا في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جريمة “المحاولة بالقوة قلب وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة” وجريمة “المحاولة بالقوة احتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو لمؤسسات ذات نفع عام، وهي (مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع ومقرها العام، وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، والإذاعة والتلفزيون المصري، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ووزارة الداخلية قطاع الأمن الوطني، والبنك المركزي المصري)”. ويعاقب قانون العقوبات على الجريمتين بالسجن المؤبد أو المشدد.
كما واجه المتهمون جميعا تهمتي الإرهاب والانضمام لـ”جماعة الإخوان المسلمون مع علمهم بأغراضها المتمثلة في الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة مهامها والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي”. وينص قانون العقوبات على تشديد عقوبة التهمتين “إذا كان الجاني من أفراد القوات المسلحة”.
واتهم المدعي العام العسكري المتهم السابع الرائد مصطفى محمد مصطفى بتهمة إضافية وهي مخالفة المادة 80 (ب) من قانون العقوبات والتي تعاقب “بالسجن كل موظف عام … أفشي سراً من أسرار الدفاع عن البلاد” وذلك لتقديمه للمتهم الثامن والعشرين (حلمي الجزار) “معلومات تتعلق بالقوات المسلحة وتشكيلاتها والمتمثلة في طبيعة التدريب داخل القوات المسلحة والتسليح والصلاحية الفنية للمركبات والمدرعات وعلاقة القادة” وغيرها.
وإلى جانب مواد قانون العقوبات تضمن أمر الإحالة تهما يعاقب عليها قانون القضاء العسكري هي الاتفاق على “الخروج على طاعة رئيس الجمهورية ومناهضة السياسة التي تتبعها الدولة في المجال الداخلي”، والترويج لذلك في أوساط القوات المسلحة. وينص قانون القضاء العسكري على استمرار سريان أحكامه على الضباط المتقاعدين حتى بعد خروجهم من الخدمة “إذا كانت جرائمهم وقت وقوعها تدخل في اختصاصه”.
الأحكام
رغم عدم الإعلان رسميا عن الأحكام فإن المحكمة العسكرية عاقبت في 16 أغسطس الماضي جميع الغائبين بالسجن المؤبد، كما عوقب بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما أربعة حضوريًا هم العميد ياسين عبد الحميد محمد والعميد بالمعاش أسامة سيد أحمد علي (وهما أعلى المتهمين رتبة) والرائد بالمعاش أحمد محمد عبد التواب والرائد محمد حامد محمد محمد حمزة والنقيب أحمد عبد الغني جبر.
فيما صدرت أحكام بالسجن 15 عاما على عشرة منهم هم العقيد تامر إبراهيم عبد الفتاح الشامي، والعقيد عبد الحميد محمد محمد عبد الحميد، والمقدم لؤي إمام محمد، والمقدم محمد حسن عبد اللطيف عزمي، والرائد نبيل عمر إبراهيم، والرائد مصطفى محمد سيد مصطفى، والرائد تامر خليفة رجب خليفة، والرائد محمد عبد العزيز سيد، والرائد أمجد سمير سعيد عبد المؤمن، والرائد خالد علي مصطفى.
وقضت المحكمة بالسجن عشر سنوات على سبعة هم المقدم هاني أحمد فؤاد سعد الدين، والرائد محمد عبد الرؤوف محمود الروبي، والرائد محمد سليم علي إبراهيم، والرائد مؤمن محمد سعيد عبد العاطي، والرائد عبد القادر عبد الفتاح الصادق، والرائد محمود شوقي محمد عبد الرحمن، والرائد أحمد محمد علي الرشيدي.
البداية
وفقا لجميع الأقارب الذين تحدثوا (والذين اشترطوا جميعا عدم ذكر أسمائهم أو طبيعة قرابتهم بالضباط المتهمين) فقد تم استدعاء الضباط أو القبض عليهم جميعا في شهر إبريل من العام الجاري.
كان النقيب أحمد عبد الغني جبر هو الأدنى رتبة بين الضباط الذين عاقبتهم المحكمة بالعقوبة الأشد وهي السجن المؤبد. ويبلغ جبر من العمر 30 عاما وهو متزوج وله طفلان في السابعة والثالثة من عمرهما.
تشير المصادر إلى أن جبر كان من أوائل دفعته في الكلية الحربية، ووقت اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كان ضابطا بسلاح المدفعية، وعندما أمر الرئيس المخلوع مبارك بنزول القوات المسلحة لتأمين البلاد كانت خدمة جبر في إحدى مناطق الجيزة. وقال أحد أصدقائه إنه رأى جبر يبذل جهدا “بطوليا” في الدفاع عن أقسام الشرطة بمنطقة أكتوبر حيث يقيمان. وفي فبراير 2011 نشر مركز هايبر وان التجاري بمنطقة أكتوبر إعلانا في الصحف يشكر فيه عددا من ضباط القوات المسلحة على جهدهم في تأمين المتجر طوال أيام الثورة، وتضمن الإعلان شكر جبر بالاسم وعرفه بـ”قائد قوة الاقتحام”.
في مارس 2011 كان جبر أحد ضباط القوات المسلحة الذين شاركوا في مداهمة مقر مباحث أمن الدولة بأكتوبر ومنع ضباط المقر من تدمير وثائقه وملفاته. أحيل رئيس جهاز أمن الدولة حسن عبد الرحمن وأربعون من ضباطه لاحقا للمحاكمة بتهمة فرم وإتلاف وثائق الجهاز في أعقاب تنحي مبارك عن الحكم، واستدعي جبر للشهادة ضدهم في المحاكمة.
ووفقا لجريدة الأهرام الحكومية، نقلا عن وكالة الأنباء الرسمية، فقد “شهد أحمد عبدالغنى جبر عبدالغنى (نقيب بالقوات المسلحة) أنه في يوم 5 مارس من عام 2011 كان ضمن قوة التأمين لمبنى مباحث أمن الدولة بأكتوبر وذلك بعد ورود معلومات بوجود حريق داخل المبنى، حيث تجمع الأهالى فى محاولة لإقتحام المبنى لمعرفة أسباب الحريق، وأثناء مروره على مكاتب المبنى لتفقده قبل عملية الإستلام، وعند دخوله أحد المكاتب، تناهى إلى سمعه أصوات من داخل دورة المياه بالمكتب فقام بدخول دورة المياه فشاهد ثلاثة أشخاص يقومون بوضع مستندات داخل البانيو الممتلئ بالمياه ثم يقومون بفرمها يدويا. وأضاف النقيب عبد الغني أن الأشخاص الثلاثة كانوا يقومون بتكسير أسطوانات الكمبيوتر إلى قطع صغيرة، وانه بالتحقق من شخصيتهم من واقع تحقيق الشخصية الخاص بكل منهم، تبين أنهم العميد عصمت مهنى، والنقيب أحمد نجم، والجندى أحمد سعد، فقام بتحرير مذكرة بالواقعة وقام بتسليمها لأحد أعضاء النيابة العامة.”
وفي يونيو 2013 صدرت أحكام ببراءة عبد الرحمن وجميع المتهمين من ضباط أمن الدولة.
يعتقد قريب جبر أن النقيب الشاب يتعرض للتنكيل بسبب دوره في مواجهة أمن الدولة بعد الثورة: “لما برز اسمه في 25 يناير قرروا ياخدوه من المدفعية للشرطة العسكرية وبعدها طلبوه يلتحق بإدارة التحريات العسكرية، وفي كل الفرق (أي الدورات) كان بيطلع الأول برضو. من التحريات العسكرية تم ترشيحه للانضمام لحراسة عبد الفتاح السيسي لما كان وزير دفاع. كل التحركات دي كانت بتصدر بتصديق أمني بعد التحري عنه”.
ويضيف القريب أن الأمن الوطني (الاسم الحالي لجهاز أمن الدولة) قرر في 2013 استبعاد جبر من حراسة السيسي لأسباب أمنية، غير أنه نظرا لتفوقه لم يعد إلى سلاح المدفعية وإنما تم نقله إلى الشرطة العسكرية حيث عمل في مقر النيابة العسكرية المعروف بـ”معسكر 28″ في مدينة نصر.
في يونيو 2014 تم قبول طلب جبر للسفر في بعثة تدريب للولايات المتحدة الأمريكية ضمن برنامج المعونة العسكرية الأمريكية، وسافر إلى ولاية ميزوري بعد حصوله على التصديق الأمني ليعود بعد خمسة أشهر في نوفمبر 2014. قبل وبعد سفره للبعثة كانت القوات المسلحة تكلف جبر، وفقا لقريبه، بتدريب وفود أجنبية عكسرية بينها قوات أفغانية وأفريقية في مجالات تخصصه وهي مكافحة الإرهاب وحراسة الشخصيات الهامة والعمليات الخاصة.
في يوم 23 إبريل اتصل جبر بأسرته وأخبرهم بأنه تلقى استدعاء لإدارة المدفعية. بعدها بحوالي 20 دقيقة اتصل مرة أخرى بأسرته ليقول: “أنا طالع مأمورية وهطول شوية. يوم يومين أسبوع مش عارف. مش هاقدر اتكلم أكتر. مع السلامة”، ومن وقتها أغلق هاتفه تماما وفقا لأسرته. بعد عدة أيام بدأت الأسرة تشعر بالقلق وحاولت الاتصال بإدارة المدفعية والشرطة العسكرية غير أنهم لم يستطيعوا الحصول على أي معلومات. كما لاحظت الأسرة أن زملاء جبر توقفوا عن الرد على اتصالاتهم لمحاولة العثور عليه. زميل واحد لجبر وأحد جيرانه زار الأسرة وأخبرهم أنه يعتقد أن ابنهم محتجز في مقر المخابرات الحربية المعروف بالمعسكر 75، وهو ما ثبتت لاحقا صحته، خاصة بعد أن تم القبض على الزميل وتقديمه للمحاكمة مع جبر في نفس القضية.
يقول القريب إن جبر ظل محتجزا في المخابرات الحربية لمدة 23 يوم اتصل خلالها بأسرته مرتين ليخبرهم أنه بخير وأن المسألة ستنتهي خلال بضعة أيام. في المرة الثالثة تغيرت فحوى المكالمة، حيث قال جبر للأسرة إنه متهم في قضية كبيرة بقلب نظام الحكم وطلب توكيل محام بالاسم. بعدها تم نقل جبر وزملائه إلى السجن الحربي بمنطقة الهايكستب.
عندما حضر أقارب الضباط الجلسة الأولى في مايو الماضي في قاعة المحكمة العسكرية بالهايكستب أيضا رأوا أبناءهم داخل القفص للمرة الأولى منذ القبض عليهم. قال جبر وقتها، وكذلك باقي زملائه، لأقاربهم إنهم تعرضوا لتعذيب شديد وطلبوا منهم عدم تصديق “اعترافاتهم” لأنهم وقعوا عليها تحت الإكراه وهم معصوبو الأعين. عندما دخل القاضي إلى قاعة المحكمة تم إخراج جميع أقارب الضباط من القاعة والإبقاء فقط على الضباط ومحاميهم، وأكد المحامون أن الضباط جميعا دفعوا أثناء المحاكمة بتعرضهم للتعذيب ووقعوا اعترافاتهم تحت الإكراه.
مع السماح للأسر بزيارتهم في السجن بعد بدء المحاكمة بدأت معلومات إضافية تظهر عن القضية تدريجيا. نقل رجب لأسرته ومحاميه أن الضباط تعرضوا للتعذيب قبل نقلهم إلى السجن الحربي، وأنه تعرض لتعذيب أشد لأن محتجزيه أخبروه أن لديهم ما يثبت أنه كان قد تلقى دورات خاصة كجزء من تدريبه في القوات المسلحة والبعثة الأمريكية على تحمل التعذيب واجتياز اختبارات كشف الكذب، فضلا عن تأكيدهم على أنه أخطر أفراد المجموعة لكونه عمل في الحراسة الشخصية للسيسي وتواجد بالقرب منه لفترة غير قصيرة.
بعدها انتقلت النيابة العسكرية للتحقيق معهم في مقر احتجازهم بالمخابرات الحربية. “هددوهم اللي هيقول للنيابة أي أقوال غير اعترافاته اللي وقع عليها هيتأذى لكن أحمد أمام النيابة وهو معصوب العينين أنكر كل اعترافاته وقال إنها تحت إكراه، وبعد انصراف النيابة انضرب واتعذب تاني”.
ينتمي الرائد محمد الروبي، المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات، لأسرة من ضباط الشرطة والجيش والقضاة. وفقا لأحد أقربائه فإن شقيق والد محمد هو المستشار عبد المنعم الروبي نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية سابقا، بينما تم تعيين ابن عم والده سراج الروبي في 2011 محافظا للمنيا. ويضيف القريب أن محمداً كان من بين ضباط الجيش المكلفين تأمين مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس الماضي قبل أيام من إلقاء القبض عليه.
“آخر مرة ظهر عالتليفون كانت في 27 إبريل” يضيف القريب. “كان دايما بيطلب مني بلاش نتكلم في السياسة لما بننزل البلد (العياط في الجيزة) الخميس والجمعة، وقبلها كان قال لي برضو بلاش أكتب تعليقات عنده على الفيسبوك”.
ويضيف القريب أن الروبي كان شابا متدينا ويحافظ على الصلاة لكنه كان يدخن ولم يكن متشددا، ويستبعد أن تكون له أي علاقة بالإخوان. “صحيح كان بيقول إن الإخوان مخدوش فرصتهم في الحكم وإن الدولة متعاونتش معاهم بس مكانش على علاقة بهم وأكيد مكانش عضو معاهم.”
وقال القريب إن زوجة الروبي ارتدت النقاب لفترة قبل القبض عليه، فتم استدعاؤه من قبل المخابرات الحربية وسؤاله عن الأمر ليجيب بأنها حريتها الشخصية. “زوجته قلعت النقاب بعد شهر لما لقت إنها سببت له مشاكل فاستدعوه تاني في المخابرات الحربية وسألوه قلعته ليه؟ قال لهم لبسته بمزاجها وقلعته بمزاجها.”
لكن القريب يتذكر لحظة فارقة في علاقته بمحمد الروبي، عندما توفي صديق مشترك لهما وأحد أبناء البلدة ويدعى يحيى فاروق بعد إصابته بطلق ناري أثناء مشاركته في مظاهرة أمام مبنى التلفزيون في ماسبيرو في 5 يوليو 2013. “اتكلمنا يومها وأنا كنت منهار وباعيط على صاحبنا، وفاكر إن محمد حاول يخفف عني وقال لي انت صح ويحيى مات وهو بيدافع عن مبادئه بس مش هاقدر اتكلم أكتر من كده. فطبعا مكنش مبسوط من اللي بيحصل عموما.”
مثل الضباط الآخرين، أخبر الروبي أسرته ومحاميه- وكذلك هيئة المحكمة العسكرية- أنه وباقي الضباط تعرضوا للتعذيب في الفترة الأولى من احتجازهم بمقر المخابرات الحربية، ولكن المعاملة تحسنت نسبيا بعد نقلهم إلى السجن الحربي حيث يقدم لهم الطعام والشراب ويسمح لهم بالنوم.
لم تغلق صفحة الروبي على الفيسبوك حتى الآن. ويبدو من زيارة للصفحة الكثير من الاهتمام بكرة القدم وبعض التدوينات الدينية غير السياسية. إلا أن الملفت في الصفحة بوستات الحداد والحزن التي كان ينشرها الروبي في أعقاب كل اعتداء على القوات المسلحة. كانت آخر هذه التدوينات في فبراير 2015 بعد وقوع ثلاثة تفجيرات متزامنة استهدفت مقارا أمنية وعسكرية في سيناء وهجوما بالأسلحة أسفر عن سقوط 32 قتيلا ونحو 50 جريحا. كتب الروبي وقتها “الحمد لله على نعمة أني #للجيش_المصري أنتمي. اللهم ارحم شهدائنا وألحقنا بهم في جناتك وارزقنا الشهادة مقبلين غير مدبرين يا رب العالمين.”
من ضواحي وقرى جنوب الجيزة أيضا يأتي العديد من الضباط، ومن بينهم الرائد محمد حامد حمزة، المحكوم عليه بالسجن المؤبد. يرجع قريب حمزة الحكم المشدد عليه بأنه كان شخصية قيادية، حتى أن شاهد الإثبات الوحيد في القضية وهو ضابط بالمخابرات الحربية كتب في تحرياته وشهد لاحقا أمام المحكمة العسكرية أن حمزة كان يجمع باقي الضباط في مباريات لكرة القدم في جنوب الجيزة وكانوا يلعبون كفريقين أحدهما يسمى فريق الإيمان بينما يدعى الثاني فريق حمزة نسبة إليه.
“الاستدعاءات وصلت للناس يوم 27 إبريل فمحمد قرر يستخبى. بعدها اتصل بأسرته في 5 مايو وقال إنه عنده جلسة ومحتاج محامي بعد بكره.” ويضيف القريب “لما القضية اتحجزت للحكم أول مرة في 11 يونيو (تم مد أجل النطق بالحكم إلى 16 أغسطس) سمحوا للأهالي بالزيارات في السجن الحربي بعدها بثلاث أسابيع، وفي الزيارات كلهم قالوا إنهم اتعرضوا للتعذيب.” ونقل حمزة إلى أسرته أنه مازال يعاني إصابة في ظهره نتيجة التعذيب، وأن متهما آخر في القضية يعاني من ضعف السمع في إحدى آذنيه بعد تعرضه للضرب.
العلاقة بالإخوان
يدافع الأهالي عن أقربائهم، وينكرون التهم الموجهة إليهم، وينفون أي صلة لهم بالإخوان. ومن غير الممكن التأكد من حقيقة الاتهامات أو إنكارها في غياب أي معلومات منشورة حول التحريات، وفي ظل رفض محاميّ الضباط الحديث عن الأدلة التي قدمتها النيابة العسكرية والمخابرات الحربية ضد موكليهم، أملا في تخفيف الأحكام لاحقا.
غير أن أقارب أربعة من الضباط أقروا جميعا بأنهم معروفون بتدينهم والتزامهم وأن بعض مظاهر سلوكهم قد تكون لفتت الأنظار إليهم، مثل دأبهم على قراءة القرآن أو إمامة زملائهم وقت الصلاة.
البعض ذهب أبعد في تفسير تحريك القضية. أحد الأقارب قال إن القضية تم تحريكها بعد أيام من تعيين السيسي لمدير جديد للمخابرات الحربية والاستطلاع في أول إبريل 2015 وإن المدير الجديد ربما كان يحاول إثبات كفاءته. فيما قال قريب متهم آخر: “الدنيا خربانة في سيناء فلازم يعملوا منظر في القاهرة وخدوا الضباط دول كبش فداء.”
“كل الناس كانت بتتكلم براحتها بعد 25 يناير ولحد 2013” كانت العبارة التي ذكرها جميع الأقارب في مقابلات منفصلة، في إشارة إلى أن بعض الضباط الضباط بدأوا للمرة الأولى الحديث الصريح في السياسة بعد 2011، ما قد يكون قد لفت الأنظار إليهم ليخضعوا للمراقبة التي انتهت بالقبض عليهم. فيما نقل أحد الأقارب أنهم يظنون أن الرائد أحمد الرشيدي كان الخيط الذي قاد المخابرات الحربية إلى القضية وأول من تم القبض عليه ليدلي بأسماء باقي الضباط.
الخطوة القادمة
يقول الأقارب إن حيثيات الحكم الصادر في 16 أغسطس قد تم تدوينها، إلا أن الحكم لم يتم التصديق عليه حتى الآن. وينص قانون القضاء العسكري على ألا تصبح الأحكام العسكرية نهائية إلا بعد التصديق عليها من وزير الدفاع أو من يمثله، والذي يملك سلطة تأييد الحكم أو تخفيفه أو إلغائه مع الأمر بإعادة المحكمة.
يأمل الأهالي في استعمال الرأفة مع أبنائهم عند التصديق، أو بعد الطعن بالنقض على الحكم أمام محكمة نقض عسكرية أيضا. وفي هذه الأثناء تجمع الأهالي مرة وذهبوا لوزارة الدفاع الشهر الماضي لالتماس العفو عن أبنائهم، ثم ذهبوا قبل أسبوعين إلى مقر رئاسة الجمهورية بقصر الاتحادية وقدموا طلبا بإعادة النظر في الأحكام.
كما كشفت مقابلات مع أقارب من الدرجتين الأولى والثانية لعدد من المعتقلين في القضية المزيد من التفاصيل حول خلفية القضية والمعاملة التي تلقوها بعد القبض عليهم وأثناء محاكمتهم وفي أعقاب صدور الحكم بإدانتهم.
ولم تحظ القضية- على أهميتها- بأي تغطية إعلامية في وسائل الإعلام المصرية، واقتصرت الإشارة إليها على مواقع وقنوات فضائية معارضة تبث من خارج البلاد.
ونشر موقع “بي بي سي عربي” في 16 أغسطس، وهو اليوم الذي صدرت فيه الأحكام بحق الضباط والمعتقلين، خبرًا مقتضبًا بشأن القضية نقلا عن “مصادر عسكرية”.
إلا أن وزارة الدفاع وهيئة القضاء العسكري التابعة لها لم تصدرا حتى اليوم أي بيانات رسمية بشأن القضية.
المتهمون في القضية
ووفقا لأمر الإحالة الصادر في القضية (رقم 3/2015) عن إدارة المدعي العام العسكري، فإن من بين المتهمين أربعة ضباط متقاعدين تم الحكم عليهم غيابيا، أحدهم برتبة عقيد. أما باقي المتهمين البالغ عددهم 22 تم القبض على عشرين من الضباط أثناء خدمتهم في القوات المسلحة، ومن بينهم عميد وعقيدان.
وإلى جانب الضابط الستة والعشرين، تضمن أمر الإحالة للمحاكمة اثنين من المدنيين حكم عليهما غيابيا بالسجن المؤبد؛ الأول هو حلمي السيد عبد العزيز الجزار، عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين وأمين الحزب بمحافظة الجيزة. أما الثاني فهو محمد عبد الرحمن المرسي رمضان، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان وأحد أبرز قياداتها بمحافظة الدقهلية.
ووفقا لأمر الإحالة الصادر في القضية (رقم 3/2015) عن إدارة المدعي العام العسكري، فإن من بين المتهمين أربعة ضباط متقاعدين تم الحكم عليهم غيابيا، أحدهم برتبة عقيد. أما باقي المتهمين البالغ عددهم 22 تم القبض على عشرين من الضباط أثناء خدمتهم في القوات المسلحة، ومن بينهم عميد وعقيدان.
وإلى جانب الضابط الستة والعشرين، تضمن أمر الإحالة للمحاكمة اثنين من المدنيين حكم عليهما غيابيا بالسجن المؤبد؛ الأول هو حلمي السيد عبد العزيز الجزار، عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين وأمين الحزب بمحافظة الجيزة. أما الثاني فهو محمد عبد الرحمن المرسي رمضان، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان وأحد أبرز قياداتها بمحافظة الدقهلية.
أما محمد عبد الرحمن فتقول مصادر بجماعة الإخوان إنه اختفى داخل مصر منذ فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة في أغسطس 2013. وكانت زوجة عبد الرحمن النائبة السابقة بمجلس الشعب عن الحرية والعدالة سهام الجمل قد لقيت مصرعها في أكتوبر 2013 متأثرة بإصابتها بطلق ناري في اعتداء على مسيرة نسائية في مدينة المنصورة في 20 يوليو من العام ذاته.
وذكرت عدة مواقع وقنوات إخبارية أن أحد المتهمين هو شقيق اللواء أركان حرب توحيد توفيق، قائد المنطقة المركزية العسكرية حاليا. غير أن المتهم المقصود هو الرائد مؤمن محمد سعيد عبد العاطي، وهو شقيق اللواء رجائي سعيد مساعد قائد المنطقة المركزية سابقا والذي برز اسمه في صيف 2013 عندما تولى تأمين منطقة المهندسين وظهر في تسجيل فيديو على يوتيوب يوبخ الشرطة على إطلاقها الغاز على متظاهرين في مسيرة 30 أغسطس 2013. وفيما نقلت “مدى مصر” عن مصادر إن اللواء رجائي قد أحيل للمعاش بعد أسابيع قليلة من القبض على الضباط في القضية العسكرية، فإن هذه المعلومة لم يمكن التحقق منها بشكل مستقل.
الاتهامات بحسب سجل التحقيقات (نصا)
ويتهم أمر الإحالة للمحاكمة العسكرية المتهمين الثمانية والعشرين جميعا بأنهم في الفترة منذ شهر يناير 2011 وحتى القبض عليهم اشتركوا في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جريمة “المحاولة بالقوة قلب وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة” وجريمة “المحاولة بالقوة احتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو لمؤسسات ذات نفع عام، وهي (مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع ومقرها العام، وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، والإذاعة والتلفزيون المصري، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ووزارة الداخلية قطاع الأمن الوطني، والبنك المركزي المصري)”. ويعاقب قانون العقوبات على الجريمتين بالسجن المؤبد أو المشدد.
كما واجه المتهمون جميعا تهمتي الإرهاب والانضمام لـ”جماعة الإخوان المسلمون مع علمهم بأغراضها المتمثلة في الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة مهامها والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي”. وينص قانون العقوبات على تشديد عقوبة التهمتين “إذا كان الجاني من أفراد القوات المسلحة”.
واتهم المدعي العام العسكري المتهم السابع الرائد مصطفى محمد مصطفى بتهمة إضافية وهي مخالفة المادة 80 (ب) من قانون العقوبات والتي تعاقب “بالسجن كل موظف عام … أفشي سراً من أسرار الدفاع عن البلاد” وذلك لتقديمه للمتهم الثامن والعشرين (حلمي الجزار) “معلومات تتعلق بالقوات المسلحة وتشكيلاتها والمتمثلة في طبيعة التدريب داخل القوات المسلحة والتسليح والصلاحية الفنية للمركبات والمدرعات وعلاقة القادة” وغيرها.
وإلى جانب مواد قانون العقوبات تضمن أمر الإحالة تهما يعاقب عليها قانون القضاء العسكري هي الاتفاق على “الخروج على طاعة رئيس الجمهورية ومناهضة السياسة التي تتبعها الدولة في المجال الداخلي”، والترويج لذلك في أوساط القوات المسلحة. وينص قانون القضاء العسكري على استمرار سريان أحكامه على الضباط المتقاعدين حتى بعد خروجهم من الخدمة “إذا كانت جرائمهم وقت وقوعها تدخل في اختصاصه”.
الأحكام
رغم عدم الإعلان رسميا عن الأحكام فإن المحكمة العسكرية عاقبت في 16 أغسطس الماضي جميع الغائبين بالسجن المؤبد، كما عوقب بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما أربعة حضوريًا هم العميد ياسين عبد الحميد محمد والعميد بالمعاش أسامة سيد أحمد علي (وهما أعلى المتهمين رتبة) والرائد بالمعاش أحمد محمد عبد التواب والرائد محمد حامد محمد محمد حمزة والنقيب أحمد عبد الغني جبر.
فيما صدرت أحكام بالسجن 15 عاما على عشرة منهم هم العقيد تامر إبراهيم عبد الفتاح الشامي، والعقيد عبد الحميد محمد محمد عبد الحميد، والمقدم لؤي إمام محمد، والمقدم محمد حسن عبد اللطيف عزمي، والرائد نبيل عمر إبراهيم، والرائد مصطفى محمد سيد مصطفى، والرائد تامر خليفة رجب خليفة، والرائد محمد عبد العزيز سيد، والرائد أمجد سمير سعيد عبد المؤمن، والرائد خالد علي مصطفى.
وقضت المحكمة بالسجن عشر سنوات على سبعة هم المقدم هاني أحمد فؤاد سعد الدين، والرائد محمد عبد الرؤوف محمود الروبي، والرائد محمد سليم علي إبراهيم، والرائد مؤمن محمد سعيد عبد العاطي، والرائد عبد القادر عبد الفتاح الصادق، والرائد محمود شوقي محمد عبد الرحمن، والرائد أحمد محمد علي الرشيدي.
البداية
وفقا لجميع الأقارب الذين تحدثوا (والذين اشترطوا جميعا عدم ذكر أسمائهم أو طبيعة قرابتهم بالضباط المتهمين) فقد تم استدعاء الضباط أو القبض عليهم جميعا في شهر إبريل من العام الجاري.
تشير المصادر إلى أن جبر كان من أوائل دفعته في الكلية الحربية، ووقت اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كان ضابطا بسلاح المدفعية، وعندما أمر الرئيس المخلوع مبارك بنزول القوات المسلحة لتأمين البلاد كانت خدمة جبر في إحدى مناطق الجيزة. وقال أحد أصدقائه إنه رأى جبر يبذل جهدا “بطوليا” في الدفاع عن أقسام الشرطة بمنطقة أكتوبر حيث يقيمان. وفي فبراير 2011 نشر مركز هايبر وان التجاري بمنطقة أكتوبر إعلانا في الصحف يشكر فيه عددا من ضباط القوات المسلحة على جهدهم في تأمين المتجر طوال أيام الثورة، وتضمن الإعلان شكر جبر بالاسم وعرفه بـ”قائد قوة الاقتحام”.
ووفقا لجريدة الأهرام الحكومية، نقلا عن وكالة الأنباء الرسمية، فقد “شهد أحمد عبدالغنى جبر عبدالغنى (نقيب بالقوات المسلحة) أنه في يوم 5 مارس من عام 2011 كان ضمن قوة التأمين لمبنى مباحث أمن الدولة بأكتوبر وذلك بعد ورود معلومات بوجود حريق داخل المبنى، حيث تجمع الأهالى فى محاولة لإقتحام المبنى لمعرفة أسباب الحريق، وأثناء مروره على مكاتب المبنى لتفقده قبل عملية الإستلام، وعند دخوله أحد المكاتب، تناهى إلى سمعه أصوات من داخل دورة المياه بالمكتب فقام بدخول دورة المياه فشاهد ثلاثة أشخاص يقومون بوضع مستندات داخل البانيو الممتلئ بالمياه ثم يقومون بفرمها يدويا. وأضاف النقيب عبد الغني أن الأشخاص الثلاثة كانوا يقومون بتكسير أسطوانات الكمبيوتر إلى قطع صغيرة، وانه بالتحقق من شخصيتهم من واقع تحقيق الشخصية الخاص بكل منهم، تبين أنهم العميد عصمت مهنى، والنقيب أحمد نجم، والجندى أحمد سعد، فقام بتحرير مذكرة بالواقعة وقام بتسليمها لأحد أعضاء النيابة العامة.”
وفي يونيو 2013 صدرت أحكام ببراءة عبد الرحمن وجميع المتهمين من ضباط أمن الدولة.
يعتقد قريب جبر أن النقيب الشاب يتعرض للتنكيل بسبب دوره في مواجهة أمن الدولة بعد الثورة: “لما برز اسمه في 25 يناير قرروا ياخدوه من المدفعية للشرطة العسكرية وبعدها طلبوه يلتحق بإدارة التحريات العسكرية، وفي كل الفرق (أي الدورات) كان بيطلع الأول برضو. من التحريات العسكرية تم ترشيحه للانضمام لحراسة عبد الفتاح السيسي لما كان وزير دفاع. كل التحركات دي كانت بتصدر بتصديق أمني بعد التحري عنه”.
ويضيف القريب أن الأمن الوطني (الاسم الحالي لجهاز أمن الدولة) قرر في 2013 استبعاد جبر من حراسة السيسي لأسباب أمنية، غير أنه نظرا لتفوقه لم يعد إلى سلاح المدفعية وإنما تم نقله إلى الشرطة العسكرية حيث عمل في مقر النيابة العسكرية المعروف بـ”معسكر 28″ في مدينة نصر.
في يونيو 2014 تم قبول طلب جبر للسفر في بعثة تدريب للولايات المتحدة الأمريكية ضمن برنامج المعونة العسكرية الأمريكية، وسافر إلى ولاية ميزوري بعد حصوله على التصديق الأمني ليعود بعد خمسة أشهر في نوفمبر 2014. قبل وبعد سفره للبعثة كانت القوات المسلحة تكلف جبر، وفقا لقريبه، بتدريب وفود أجنبية عكسرية بينها قوات أفغانية وأفريقية في مجالات تخصصه وهي مكافحة الإرهاب وحراسة الشخصيات الهامة والعمليات الخاصة.
في يوم 23 إبريل اتصل جبر بأسرته وأخبرهم بأنه تلقى استدعاء لإدارة المدفعية. بعدها بحوالي 20 دقيقة اتصل مرة أخرى بأسرته ليقول: “أنا طالع مأمورية وهطول شوية. يوم يومين أسبوع مش عارف. مش هاقدر اتكلم أكتر. مع السلامة”، ومن وقتها أغلق هاتفه تماما وفقا لأسرته. بعد عدة أيام بدأت الأسرة تشعر بالقلق وحاولت الاتصال بإدارة المدفعية والشرطة العسكرية غير أنهم لم يستطيعوا الحصول على أي معلومات. كما لاحظت الأسرة أن زملاء جبر توقفوا عن الرد على اتصالاتهم لمحاولة العثور عليه. زميل واحد لجبر وأحد جيرانه زار الأسرة وأخبرهم أنه يعتقد أن ابنهم محتجز في مقر المخابرات الحربية المعروف بالمعسكر 75، وهو ما ثبتت لاحقا صحته، خاصة بعد أن تم القبض على الزميل وتقديمه للمحاكمة مع جبر في نفس القضية.
يقول القريب إن جبر ظل محتجزا في المخابرات الحربية لمدة 23 يوم اتصل خلالها بأسرته مرتين ليخبرهم أنه بخير وأن المسألة ستنتهي خلال بضعة أيام. في المرة الثالثة تغيرت فحوى المكالمة، حيث قال جبر للأسرة إنه متهم في قضية كبيرة بقلب نظام الحكم وطلب توكيل محام بالاسم. بعدها تم نقل جبر وزملائه إلى السجن الحربي بمنطقة الهايكستب.
عندما حضر أقارب الضباط الجلسة الأولى في مايو الماضي في قاعة المحكمة العسكرية بالهايكستب أيضا رأوا أبناءهم داخل القفص للمرة الأولى منذ القبض عليهم. قال جبر وقتها، وكذلك باقي زملائه، لأقاربهم إنهم تعرضوا لتعذيب شديد وطلبوا منهم عدم تصديق “اعترافاتهم” لأنهم وقعوا عليها تحت الإكراه وهم معصوبو الأعين. عندما دخل القاضي إلى قاعة المحكمة تم إخراج جميع أقارب الضباط من القاعة والإبقاء فقط على الضباط ومحاميهم، وأكد المحامون أن الضباط جميعا دفعوا أثناء المحاكمة بتعرضهم للتعذيب ووقعوا اعترافاتهم تحت الإكراه.
مع السماح للأسر بزيارتهم في السجن بعد بدء المحاكمة بدأت معلومات إضافية تظهر عن القضية تدريجيا. نقل رجب لأسرته ومحاميه أن الضباط تعرضوا للتعذيب قبل نقلهم إلى السجن الحربي، وأنه تعرض لتعذيب أشد لأن محتجزيه أخبروه أن لديهم ما يثبت أنه كان قد تلقى دورات خاصة كجزء من تدريبه في القوات المسلحة والبعثة الأمريكية على تحمل التعذيب واجتياز اختبارات كشف الكذب، فضلا عن تأكيدهم على أنه أخطر أفراد المجموعة لكونه عمل في الحراسة الشخصية للسيسي وتواجد بالقرب منه لفترة غير قصيرة.
بعدها انتقلت النيابة العسكرية للتحقيق معهم في مقر احتجازهم بالمخابرات الحربية. “هددوهم اللي هيقول للنيابة أي أقوال غير اعترافاته اللي وقع عليها هيتأذى لكن أحمد أمام النيابة وهو معصوب العينين أنكر كل اعترافاته وقال إنها تحت إكراه، وبعد انصراف النيابة انضرب واتعذب تاني”.
“آخر مرة ظهر عالتليفون كانت في 27 إبريل” يضيف القريب. “كان دايما بيطلب مني بلاش نتكلم في السياسة لما بننزل البلد (العياط في الجيزة) الخميس والجمعة، وقبلها كان قال لي برضو بلاش أكتب تعليقات عنده على الفيسبوك”.
ويضيف القريب أن الروبي كان شابا متدينا ويحافظ على الصلاة لكنه كان يدخن ولم يكن متشددا، ويستبعد أن تكون له أي علاقة بالإخوان. “صحيح كان بيقول إن الإخوان مخدوش فرصتهم في الحكم وإن الدولة متعاونتش معاهم بس مكانش على علاقة بهم وأكيد مكانش عضو معاهم.”
وقال القريب إن زوجة الروبي ارتدت النقاب لفترة قبل القبض عليه، فتم استدعاؤه من قبل المخابرات الحربية وسؤاله عن الأمر ليجيب بأنها حريتها الشخصية. “زوجته قلعت النقاب بعد شهر لما لقت إنها سببت له مشاكل فاستدعوه تاني في المخابرات الحربية وسألوه قلعته ليه؟ قال لهم لبسته بمزاجها وقلعته بمزاجها.”
لكن القريب يتذكر لحظة فارقة في علاقته بمحمد الروبي، عندما توفي صديق مشترك لهما وأحد أبناء البلدة ويدعى يحيى فاروق بعد إصابته بطلق ناري أثناء مشاركته في مظاهرة أمام مبنى التلفزيون في ماسبيرو في 5 يوليو 2013. “اتكلمنا يومها وأنا كنت منهار وباعيط على صاحبنا، وفاكر إن محمد حاول يخفف عني وقال لي انت صح ويحيى مات وهو بيدافع عن مبادئه بس مش هاقدر اتكلم أكتر من كده. فطبعا مكنش مبسوط من اللي بيحصل عموما.”
مثل الضباط الآخرين، أخبر الروبي أسرته ومحاميه- وكذلك هيئة المحكمة العسكرية- أنه وباقي الضباط تعرضوا للتعذيب في الفترة الأولى من احتجازهم بمقر المخابرات الحربية، ولكن المعاملة تحسنت نسبيا بعد نقلهم إلى السجن الحربي حيث يقدم لهم الطعام والشراب ويسمح لهم بالنوم.
لم تغلق صفحة الروبي على الفيسبوك حتى الآن. ويبدو من زيارة للصفحة الكثير من الاهتمام بكرة القدم وبعض التدوينات الدينية غير السياسية. إلا أن الملفت في الصفحة بوستات الحداد والحزن التي كان ينشرها الروبي في أعقاب كل اعتداء على القوات المسلحة. كانت آخر هذه التدوينات في فبراير 2015 بعد وقوع ثلاثة تفجيرات متزامنة استهدفت مقارا أمنية وعسكرية في سيناء وهجوما بالأسلحة أسفر عن سقوط 32 قتيلا ونحو 50 جريحا. كتب الروبي وقتها “الحمد لله على نعمة أني #للجيش_المصري أنتمي. اللهم ارحم شهدائنا وألحقنا بهم في جناتك وارزقنا الشهادة مقبلين غير مدبرين يا رب العالمين.”
“الاستدعاءات وصلت للناس يوم 27 إبريل فمحمد قرر يستخبى. بعدها اتصل بأسرته في 5 مايو وقال إنه عنده جلسة ومحتاج محامي بعد بكره.” ويضيف القريب “لما القضية اتحجزت للحكم أول مرة في 11 يونيو (تم مد أجل النطق بالحكم إلى 16 أغسطس) سمحوا للأهالي بالزيارات في السجن الحربي بعدها بثلاث أسابيع، وفي الزيارات كلهم قالوا إنهم اتعرضوا للتعذيب.” ونقل حمزة إلى أسرته أنه مازال يعاني إصابة في ظهره نتيجة التعذيب، وأن متهما آخر في القضية يعاني من ضعف السمع في إحدى آذنيه بعد تعرضه للضرب.
العلاقة بالإخوان
يدافع الأهالي عن أقربائهم، وينكرون التهم الموجهة إليهم، وينفون أي صلة لهم بالإخوان. ومن غير الممكن التأكد من حقيقة الاتهامات أو إنكارها في غياب أي معلومات منشورة حول التحريات، وفي ظل رفض محاميّ الضباط الحديث عن الأدلة التي قدمتها النيابة العسكرية والمخابرات الحربية ضد موكليهم، أملا في تخفيف الأحكام لاحقا.
غير أن أقارب أربعة من الضباط أقروا جميعا بأنهم معروفون بتدينهم والتزامهم وأن بعض مظاهر سلوكهم قد تكون لفتت الأنظار إليهم، مثل دأبهم على قراءة القرآن أو إمامة زملائهم وقت الصلاة.
البعض ذهب أبعد في تفسير تحريك القضية. أحد الأقارب قال إن القضية تم تحريكها بعد أيام من تعيين السيسي لمدير جديد للمخابرات الحربية والاستطلاع في أول إبريل 2015 وإن المدير الجديد ربما كان يحاول إثبات كفاءته. فيما قال قريب متهم آخر: “الدنيا خربانة في سيناء فلازم يعملوا منظر في القاهرة وخدوا الضباط دول كبش فداء.”
“كل الناس كانت بتتكلم براحتها بعد 25 يناير ولحد 2013” كانت العبارة التي ذكرها جميع الأقارب في مقابلات منفصلة، في إشارة إلى أن بعض الضباط الضباط بدأوا للمرة الأولى الحديث الصريح في السياسة بعد 2011، ما قد يكون قد لفت الأنظار إليهم ليخضعوا للمراقبة التي انتهت بالقبض عليهم. فيما نقل أحد الأقارب أنهم يظنون أن الرائد أحمد الرشيدي كان الخيط الذي قاد المخابرات الحربية إلى القضية وأول من تم القبض عليه ليدلي بأسماء باقي الضباط.
الخطوة القادمة
يقول الأقارب إن حيثيات الحكم الصادر في 16 أغسطس قد تم تدوينها، إلا أن الحكم لم يتم التصديق عليه حتى الآن. وينص قانون القضاء العسكري على ألا تصبح الأحكام العسكرية نهائية إلا بعد التصديق عليها من وزير الدفاع أو من يمثله، والذي يملك سلطة تأييد الحكم أو تخفيفه أو إلغائه مع الأمر بإعادة المحكمة.
يأمل الأهالي في استعمال الرأفة مع أبنائهم عند التصديق، أو بعد الطعن بالنقض على الحكم أمام محكمة نقض عسكرية أيضا. وفي هذه الأثناء تجمع الأهالي مرة وذهبوا لوزارة الدفاع الشهر الماضي لالتماس العفو عن أبنائهم، ثم ذهبوا قبل أسبوعين إلى مقر رئاسة الجمهورية بقصر الاتحادية وقدموا طلبا بإعادة النظر في الأحكام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق