الاثنين، 3 ديسمبر 2018

جريمة قتل خاشقجي لها جذورها في الصراع الدموي داخل العائلة الحاكمة السعودية

جريمة قتل خاشقجي لها جذورها في الصراع الدموي داخل العائلة الحاكمة السعودية



بقلم: ديفيد إغناتيوس
كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية
يقف وراء جريمة قتل جمال خاشقجي الوحشية صراع على السلطة بين طيات العائلة المالكة السعودية ساهم في تغذية جنون ارتياب وتهور ولي العهد محمد بن سلمان. في نهاية المطاف، أدى هذا الغضب الرائج في البلاط الملكي إلى مقتل أحد صحفيي “واشنطن بوست” وبتر أعضائه.

بدأت المشاهد الافتتاحية لهذه العداوة العائلية في يناير/كانون الثاني 2015 داخل جناح مستشفى كبار الشخصيات في الرياض، بينما كان الملك عبد الله على فراش الموت. ووفقًا لسعودي كان في المستشفى آنذاك، فإنّ أبناء عبد الله وحاشيته أجّلوا لفترة وجيزة إبلاغ خليفته الملك سلمان بأنّ المنية قد وافت الملك – ربما كانوا يأملون في إحكام السيطرة على أموال البلاط الملكي والحفاظ على المناصب القوية لأفراد العائلة من فرع الملك عبد الله.

وصف لي هذه الدراما الواقعية سعوديون بارزون وخبراء أميركيون وأوروبيون في سلسلة من المقابلات التي أُجرِيَت في الولايات المتحدة والخارج خلال الأسابيع التي تلت وفاة خاشقجي. كان لدى هذه المصادر معرفة مباشرة بالأحداث، ولكنهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن القضية تتعلق بمسائل دولية حساسة. تم التأكد من صحة هذه المعلومات عن طريق مصادر أميركية مطّلعة. تساعد هذه المعلومات على تفسير دوامة الغضب والخروج على القانون التي امتصت كاتب الأعمدة في قسم الآراء العالمية بصحيفة “واشنطن بوست” في نهاية المطاف عندما دخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول.


إليكم الخلاصة التي توصل لها الخبراء الأميركيون والسعوديون الذين راجعوا النتائج الاستخباراتية:

قُتِلَ خاشقجي على يد فريق أرسله البلاط الملكي في الرياض كان جزءًا من قوة العمل السريع التي نُظِّمَت قبل هذه العملية بـ18 شهرًا. 
مقالات خاشقجي الاستفزازية وعلاقاته بقطر وتركيا جعلت ولي العهد الذي يستبد بشكل متزايد يشعر بالإهانة، وأصدر أمرًا “بإعادته” في يوليو/تموز 2018، وهو أمر لم تُدرِك الاستخبارات الأميركية معناه إلّا بعد ثلاثة أشهر عندما اختفى خاشقجي في اسطنبول.

راقبت الولايات المتحدة هذه الحرب الطاحنة عن كثب. أصبح صهر الرئيس ترامب ومستشاره جارِد كوشنَر مستشارًا مقربًا من بن سلمان. 
زار كوشنَر بن سلمان في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017 خلال رحلة خاصة. 
لم يكشف أي من الطرفين عن تفاصيل محادثاتهما، ولكن من الوارد أنّهما ناقشا مكائد العائلة المالكة. بعد مرور أسبوع على زيارة كوشنَر، دبّر بن سلمان ما يرقى إلى انقلاب داخلي يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني واعتقل أكثر من 200 شخص بين أمراء سعوديين ورجال أعمال واحتجزهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض. خَطَّطَ أقرب المقربين من بن سلمان في البلاط الملكي بعناية لهذه الاعتقالات.

تَصَدَّر الابن الطموح للملك الراحل الأمير تركي بن عبد الله قائمة أعداء بن سلمان في انقلاب فندق ريتز كارلتون، وكان قد أعرب في وقت سابق إلى معارفه الأميركيين والصينيين عن مخاوفه من القرارات المتهورة التي اتخذها بن سلمان. لا يزال تركي رهن الاحتجاز وتوفي كبير مساعديه العسكريين اللواء علي القحطاني بسبب احتجازه في فندق ريتز كارلتون في العام الماضي.


صراع على الخلافة


بدأت دسيسة القصر في مطلع يناير/كانون الثاني 2015 عندما تدهورت الحالة الصحية للملك عبد الله حيث قالت تقارير إخبارية إنّ الأطباء شخّصوه بمرض سرطان الرئة في العام السابق. هرعت به طائرة هليكوبتر من معسكره الصحراوي في روضة خريم إلى جناح كبار الشخصيات في مستشفى الحرس الوطني السعودي في الرياض محاطًا بأبنائه ومساعديه في القصر. عندما دخل الملك في غيبوبة، حاول الديوان الملكي أن يُبقي مرضه القاتل سرًا بينما كان يتكهن حول مآلات الخلافة، بما في ذلك احتمالية أن يصبح ابن الملك ورئيس الحرس الوطني متعب بن عبد الله ملكًا.

عندما وصل ولي العهد آنذاك الأمير سلمان إلى المستشفى في 23 يناير/كانون الثاني وطالب: “أين أخي؟”، أخبره رئيس الديوان الملكي وحامي أموال العائلة خالد التويجري أنّ عبد الله كان “يستريح”. الواقع أنّ عبد الله كان قد توفي بالفعل وفقًا لسعودي كان حاضرًا في المستشفى حينئذ وطلب عدم ذكر اسمه. غضب سلمان عندما علم بالحقيقة، وترددت أصداء ضربات قوية في ممر المستشفى عندما صفع الملك الجديد رئيس الديوان الملكي المخلوع. 
اعتُقِلَ التويجري ونُقِلَ إلى فندق ريتز كارلتون في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وهو الآن تحت رهن ما يوصف بالإقامة الجبرية بعد سداد الجزء الأكبر من الأموال التي اختلسها في عهد الملك عبد الله، حسبما ذكرت المصادر السعودية.


يقول مدير الأعمال التنفيذي السعودي طارق عبيد الذي كان يقدم المشورة لفصيل عبد الله: “كان خالد التويجري هدّامًا للغاية لأبناء الملك عبد الله.”

كان أفراد العائلة المالكة يتجسسون على بعضهم البعض عندما بدأ الصراع على الخلافة يلوح في الأفق. وصف أحد أبناء الملك عبد الله عملية التنصت على هواتف العديد من كبار الأمراء. كما اشترى معسكر عبد الله جهاز صيني الصنع يمكنه الكشف سريًا عن رموز الدخول للهواتف الواقعة في نطاق 100 ياردة من دون الحاجة للوصول إلى الهواتف مباشرة. كانت أجهزة المراقبة مخبأة في منافض السجائر وغيرها من القطع المتناثرة حول القصور في الرياض من أجل التقاط المؤامرات السياسية والإشاعات.

أحد أعضاء الحاشية الذين ساعدوا الملك سلمان وابنه محمد على تعزيز سلطتهم خلال تلك الأشهر الأولى كان سعود القحطاني، محام وعضو سابق في القوات الجوية يميل للقرصنة الإلكترونية ووسائل الإعلام الاجتماعي. كان معسكر سلمان يشك في ولاء القحطاني في أول الأمر لأنه كان أحد مساعدي التويجري في البلاط الملكي منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي. وقد تعرض القحطاني للاستجواب والضرب في الأيام الأولى بعد تولي سلمان مقاليد الحكم، حسب قول شخص من داخل القصر. لكنه سرعان ما أثبت ولاءه لابن سلمان بقوة.


بصفته مديرًا لمركز الدراسات والشؤون الإعلامية في البلاط الملكي، كان القحطاني يثير هواجس بن سلمان الدائرة حول منافسين محتملين ومخططين لانقلاب متوقع. بدأ القحطاني بجمع أسلحة إلكترونية لاستخدامها بالنيابة عن بن سلمان. في يونيو/حزيران 2015، اتصل القحطاني بمجموعة إيطالية غامضة تُعرَف باسم “فريق القرصنة” للحصول على أدوات إنترنت سرية. في 29 يونيو/حزيران 2015، راسل القحطاني زعيم فريق القرصنة قائلًا: “إنّ الديوان الملكي السعودي (مكتب الملك) يود أن يكون في تعاون مثمر معكم وأن يطور شراكة طويلة واستراتيجية.”

خلص المحققون السعوديون والأميركيون إلى أنّ القحطاني، بصفته قائد العمليات المتعلقة بالمعلومات، ساعد في تنظيم جريمة قتل خاشقجي.

بدأ فريق الملك سلمان بلعب السياسة العائلية الصارمة منذ الأسبوع الأول لتوليه السلطة. في أواخر يناير/كانون الثاني، عزل مرسوم ملكي اثنين من أبناء عبد الله، تركي ومشعل، من منصبيهما كحاكمَين لإمارتَيّ الرياض ومكة على التوالي. تركت الإطاحة بهما جروحًا لم تلتئم. نُصِّبَ محمد بن سلمان ذو سن التاسعة والعشرين آنذاك وزيرًا للدفاع، وعُيِّنَ الابن المرن لوزير الداخلية السابق، والشخص القوي والمفضل لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أيه” محمد بن نايف نائبًا لولي العهد الأمير مقرن، ورئيساً سابقاً متواضعاً للاستخبارات السعودية.


أحكم سلمان وابنه محمد سيطرتهما في أبريل/نيسان 2015. أُطِيحَ بمقرن كولي للعهد ليحل محله محمد بن نايف.
(قدم الملك يختًا فاخرًا اسمه “سولاندج” يبلغ طوله 280 قدمًا كهدية وداع لمقرن بعد عام من عزله، بالإضافة إلى منحه امتيازات أخرى، وفقًا لسعودي كان على اطلاع بهذه المعاملات.) 
أصبح بن سلمان نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وانضم رسميًا إلى تسلسل الخلافة.

على الرغم من أنّ بن سلمان لم يكن يبلغ سن الثلاثين حتى ذلك الحين، إلّا أنّه كان أميرًا ماكرًا بالفعل، وقد شجعه نائب ولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد وكبير مسؤولي الاستخبارات الإماراتية الشيخ طحنون الذي زار يخت بن سلمان مرارًا وتكرارًا في عطلة نهاية الأسبوع خلال السنة الأولى تلك. كان بن سلمان قد اكتسب سمعةً في الرياض كشخص سريع الغضب، حيث قام في صغره بترهيب مسؤول تسجيل الأراضي الذي كان يعيق نقل الملكية التي كان يريدها الأمير الشاب بإرسال رصاصة له كرسالة تحذير.

كان يفترض أن ينتبه المراقبون إلى علامتي تحذير في سبتمبر/أيلول 2015 كشفتا أنّ بن سلمان “كان أميرًا سعوديًا يمكنه إعادة إنعاش المملكة – أو إسقاطها في الهاوية”، كما جاء في أحد العناوين الرئيسية لإحدى مقالاتي المنشورة عام 2016. 
سافر السفير الأميركي السابق لدي الرياض جوزيف ويستفال إلى جدة في ذلك الشهر، حيث خطط لمقابلة محمد بن نايف، ولكن أُعيدَ توجيهه في المطار وأُرسِل لمقابلة بن سلمان بدلًا من ذلك – كان ذلك بمثابة تلميح بشأن هوية من يدير الأمور حقًا. 
في ذات الشهر، زار مسؤول استخبارات سعودي مكث في منصبه لفترة طويلة يدعى سعد الجبري مدير “سي آي أيه” آنذاك جون برينان في واشنطن خلال زيارة شخصية للبلاد. الجبري، مستشار مقرب لمحمد بن نايف، لم يخبر سلمان عن تلك الرحلة. فُصِلَ الجبري من عمله فور عودته للبلاد والآن يعيش في المنفى.


لم تكن تلك الاجتماعات مؤامرة سرية كما تصورها بن سلمان. على مدى عدة أيام في مايو/أيار 2016، التقى الأمير تركي بن عبد الله وأقرب مستشاريه رجل الأعمال السعودي طارق عبيد بمجموعة من مسؤولي “سي آي أيه” ووزارة الخارجية السابقين في جناح بفندق فورسيزونز في حي جورجتاون. رافقهم المستشار العسكري وحامي تركي وأبناء الملك الراحل عبد الله اللواء علي القحطاني، الرجل الذي سينتهي به الحال ميتًا في نهاية المطاف بعد عام من الزيارة واحتجازه في فندق ريتز كارلتون بالرياض.

وصف عبيد خلال مقابلة أُجرِيَت معه معارف تركي أيام شهر مايو/أيار 2016 في واشنطن على هذا النحو: “كان الهدف من جولة الاجتماعات هو الحصول على تقييم استراتيجي حول وجهات النظر الأميركية تجاه المملكة ومكانتها من خلال مسؤولي الدفاع والأمن القومي الأميركيين المطّلعين.”

جاء بن سلمان إلى واشنطن الشهر التالي في يونيو/حزيران 2016 للاجتماع بالرئيس باراك أوباما ومسؤولين آخرين. حتى ذلك الحين، كانت الإدارة محايدة بشكل مدروس وسط التوتر المتصاعد في أوساط العائلة المالكة، رغم ما كان يبدو كمسار تصادمي بين ولي العهد ونائبه. لكن أوباما أُعجِبَ بالرسالة والطاقة التي جلبها بن سلمان إلى أجندته الإصلاحية. وبعد زيارة يونيو/حزيران، كانت الولايات المتحدة تميل نحو المصلح العصبي الشاب.


“عالق في لعبة قوة”

سافر عبيد إلى شانغهاي في يوليو/تموز 2016 من أجل التحضير لمشاركة تركي بن عبد الله في اجتماع المنتدى المالي الدولي الذي كان سيُعقَد هناك في سبتمبر/أيلول قبل أيام قليلة من اجتماع مجموعة العشرين الذي كان سيُعقَد في مدينة هانغتشو. وبما أنّ بن سلمان كان سيحضر قمة مجموعة العشرين، فإنّ خطة تركي لحضور اجتماع المنتدى المالي الدولي حملت تلميحًا بشأن المنافسة داخل السعودية. وصل عبيد إلى جناح في فندق “بننسيولا” الواقع على واجهة الباوند البحرية. كان اللواء علي القحطاني في الغرفة المجاورة.

كان عبيد مبعوث تركي في مشروع تجاري مهم. وكان تركي قد وافق على استثمار ما لا يقل عن عشرة ملايين دولار في صندوق تنمية يُطلَق عليه “سِلك رَود فاينانس كوربوريشن” أو “أس آر أف سي” يديره رئيس تنفيذي خريج من جامعة “أم آي تي” يدعى شان لي، بحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة. صاحب الجاه الصيني الذي كان وراء مبادرة “سِلك رَود” تشن يوان هو زعيم بارز جدًا كان قد ترأس بنك التنمية الصيني من 1998 إلى 2013 ووَرَدَ أنّ والده كان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني.


عندما سافر عبيد إلى بكين في أوائل أغسطس/آب 2016 للتفاوض على شروط تركي الاستثمارية، كان لديه لقاءً كبيرًا في فندق بارك حياة الفخم. كان قد دعاه رئيس شركة “سِلك رَود فاينانس” جون ثورنتُن للاجتماع وتناول العشاء معه ومع لي. كما دعا ثورنتُن مصرفيًا استثماريًا في نيويورك يُدعى مايكل كلاين الذي أشيع بأنه كان يعمل في ذلك الوقت مستشارًا رئيسيًا لابن سلمان في خطته لجمع ما يصل إلى 100 مليار دولار، من خلال طرح عام أولي لبعض أسهم شركة أرامكو السعودية وتقديم تعزيز نقديّ مرحب به لبلاده التي تواجه ضغوطًا في الميزانية بسبب انخفاض أسعار النفط. (في النهاية لم يُمَثِّل كلاين المملكة في هذه الصفقة وذهبت تلك الوظيفة إلى مصرفيين آخرين.) التقى كلاين مع عبيد لفترة قصيرة ثم غادر، حسب المتحدثة باسمه وحسب قول ثورنتُن.

خلال اجتماع فندق بارك حياة مع مجموعة “سِلك رَود”، حذر عبيد أنّ من شأن الاكتتاب العام في شركة أرامكو السعودية أن يكون له تأثيرًا سلبيًا كبيرًا على الأمن القومي السعودي من خلال إضعاف قبضة العائلة المالكة على السلطة إن فُرِضَت معايير الإفصاح الغربية. إنّ على الصينيين جمع الأموال من خلال العمل مع السعوديين على صفقة مقايضة لتداول جزء من المخزون الصيني الضخم من سندات الخزانة الأميركية مقابل النفط السعودي.

وقال كلاين من خلال متحدثة باسمه إنّه لم يناقش قط صفقة المقايضة مع النفط أو خصخصة شركة أرامكو السعودية خلال محادثته القصيرة مع عبيد. يذكر ثورنتُن أنّ عبيد قدم مقترح مقايضة النفط لكنه لم يذكر من كان حاضرًا: “لم أفكر فيها مرة أخرى كفكرة جادة”، كما قال في مقابلة هاتفية. ووفقًا لأحد المسؤولين التنفيذيين في “سِلك رَود” الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإنّ تركي وعبيد لم يصبحا مستثمرَين فعليَين في هذا المشروع.

وبحسب المصدر المطّلع، اتصل تركي بالحميدان وسأل عمّا إذا كان الملك سلمان قد أمر شخصيًا بعودة عبيد. يُقال إنّ تركي أخبر رئيس الاستخبارات ما يلي: “إن كان الملك هو من طلب ذلك، سأتأكد شخصيًا من طيران طارق إلى الوطن حالًا.” وقد وُصِفَ الطلب بدلًا من ذلك بأنّه قادم من “البلاط” وقيل إنّ تركي نصح عبيد بالبقاء في الصين.

وفي 21 أغسطس/آب، دعا لي عبيد إلى القدوم إلى بكين لرؤية مكتب محتمل لشركة “سِلك رَود” كان سيقع في مركز ينتاي في قلب وسط المدينة، حسبما ذكرت إحدى المصادر. كانت بقعة عصرية تحوي فندق بارك حياة الجديد. وقال لي إنّ خلال هذه الرحلة قد يجتمع عبيد مع عراب مشروع “سِلك رَود” تشن.

طارعندما غادر عبيد طائرته، أوقفه أكثر من 40 رجل أمن صيني يرتدون ملابس مدنية. يُقال إنّ قائد المجموعة الذي يتحدث بالعربية أخبر عبيد: “نحن وزارة أمن الدولة. هل ستتعاون؟” استسلم عبيد لهم وغطّوا رأسه وجسده بكيس ضيق لدرجة أنّه لم يتمكن من الرؤية أو الحركة من دون مساعدة، ثم نُقِلَ إلى مقر تحقيق في مكان ما في بكين وقُيِّدَت يديه إلى كرسي.

قال مسؤول في الاستخبارات الصينية أنّ عبيد كان ممولًا إرهابيًا ينظم مؤامرة من قبل مسلّحين باكستانيين لاستهداف قمة مجموعة العشرين المقرر إجراؤها في الشهر المقبل، حسبما ذكر مصدر مطّلع على القضية. “أين تُخَبِّئ الإرهابيين؟ أين تُخَبِّئ رجال الميليشيات الباكستانية؟” احتج عبيد قائلًا إنّه ليس لديه أدنى فكرة عمّا كانوا يتحدثون عنه وأنّ بحوزتهم الرجل الخطأ. تعرّض عبيد لمحنة استجواب طويلة ومؤلمة.

وبحسب مصدر مطّلع، قال أحد كبار ضباط أمن الدولة بوزارة الخارجية: “أنظر، لقد كان هناك خطأ. شخص ما في بلدك اتصل بنا قبل خمس دقائق من وصولك إلى بكين وقال إنّك كنتَ إرهابيًا يمول عملية ضد قمة مجموعة العشرين.” وأوضح المسؤول الصيني: “أنت عالق في لعبة قوة في بلادك بين أميرين قويَين.”

في هذه الأثناء، كان السعوديون الذين أرادوا خطف عبيد في بكين غاضبين من إفلاته من قبضتهم. أرسلوا وكلاء للبحث عن عميل عشيرة عبد الله في فنادق بكين. وفي شانغهاي، تلقى عبيد اتصالًا من نائب رئيس الاستخبارات السعودية الجنرال يوسف بن علي الإدريسي وطلب منه العودة إلى بكين والالتحاق بالطائرة السعودية التي أُرسِلَت لاصطحابه، وفقًا لمصدر مطّلع على القضية. 
سعى عبيد مرة أخرى لمشورة راعيه الأمير تركي الذي اتصل بالإدريسي. وبحسب مصدر مطّلع، قال تركي: “إن أراد الملك ذلك، فسوف يتم له ما أراد. من الذي تتحدث بالنيابة عنه؟” قدم الإدريسي إجابةً غامضةً حول من أمر بمغادرة عبيد القسرية من الصين. مكث عبيد في شانغهاي تحت حراسة مشددة من وزارة أمن الدولة لمدة أسبوع آخر.
كما تلقى عبيد أيضًا حماية من القنصلية السويسرية في شانغهاي كونه يحمل جواز سفر سويسري. 
أكّدت رسالة إلى محامي عبيد من القنصل السويسري العام فرانسواز كيلياس زلفيغر يعود تاريخها ليوم 11 يناير/كانون الثاني 2017: “بالإشارة إلى تحمّل المسؤولية عن السيد طارق عبيد، فإنني أبلغكم أنّ هذه القنصلية العامة قد وفّرت الامتيازات المتاحة له تحت الحماية القنصلية.”

تحدث بن سلمان في اجتماع مجموعة العشرين عن خطته التحديثية “رؤية 2030”. لكن سرًا، قيل إنّه غضب عندما علم عن فشل الإدريسي المحرج في عملية ترحيل عبيد السرية.

وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ بلاده، أﺟﺮى بن سلمان “تحقيقًا” ﻓﻲ المسألة. أُقيلَ الإدريسي من منصبه كنائب لرئيس الاستخبارات واستُبدِل لاحقًا بالجنرال أحمد العسيري – وهو رجل أقاله السعوديون لاحقًا للاشتباه في أنّه ساعد في قتل خاشقجي في إسطنبول. أرسل السعوديون وفدًا خاصًا إلى الصين للاعتذار عن سوء استخدام قنوات الاستخبارات في قضية عبيد.
أوضح مسؤول سعودي مقرّب من بن سلمان استياء المملكة خلال تصريح خاص إلى مسؤول سعودي آخر: “لقد كانوا محرَجين بسبب خطأ الإدريسي. أعني أنّه حتى السعودية كانت محرَجة من هذا السلوك… لقد ارتكب الإدريسي خطأً. لم يكن عليه فعل ذلك.”

يقول عبيد بشأن الاتهام الباطل بأنّه إرهابي: “كانت هناك إساءة واضحة للسلطة من قبل عصابات غير مؤهلة، لكنني لا أعتقد أنّ تعليمات ولي العهد كانت تنوي أن تجري هذه الحادثة بذات الطريقة التي جرت فيها.”

لكن من الواضح أنّ البلاط الملكي لمحمد بن سلمان لم يتعلم الدرس. فلم يَزِد اشتباهه بالأعداء المُتَصَوَّرين والرغبة في السيطرة المطلقة إلّا سوءًا. ابتداءً من ربيع عام 2017، أنشأ السعوديون برنامجا سريًا لخطف المنشقّين واحتجازهم في مواقع سرية، وفقًا لخبراء أميركيين وسعوديين مطّلعين. اشتمل البرنامج على “فريق نمور” خاص يعمل بالتنسيق مع مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في البلاط الملكي برئاسة القحطاني. ساعد مستشار آخر لابن سلمان يُدعى تركي الشيخ في الإشراف على مواقع الاستجواب، وفقاً للخبراء الأميركيين والسعوديين.

وقد اكتسب الانقلاب الداخلي الذي دبّره بن سلمان زخمًا خلال العام الماضي، حيث بدأ يخشى ولي العهد على حياته. في يونيو/حزيران 2017، خُلِعَ محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد بطريقة مُذِلَّة واستُبدِلَ بابن سلمان. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أسبوع من زيارة كوشنَر، اعتقل بن سلمان أعداءه الملكيين بدءًا بتركي بن عبد الله واحتجزهم في فندق ريتز كارلتون.

تم اعتقال عدة ناشطات سعوديات في مجال حقوق المرأة في مايو/أيار 2018، أي قبل شهر واحد فقط من إلغاء بن سلمان الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارة. يقول منتقدو بن سلمان إنّ ولي العهد لم يرغب في أن تحصل الناشطات على فضل إصلاحاته. كانت إحدى الناشطات مصدومة للغاية إزاء معاملتها القاسية لدرجة أنّها حاولت الانتحار، وفقًا لأحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، الذي نقل أنّها حاولت شق معصمَيها بشفرة حلاقة.

لا يزال عبيد في سويسرا، وهو يخضع للتحقيق هناك وفي الولايات المتحدة للاشتباه في دفع حوالات مالية غير قانونية من صندوق الثروة السيادي الماليزي المعروف باسم 1MDB لشركة تدعى “بتروسعودي إنترناشونال” أسّسها كلًا من تركي بن عبد الله وعبيد. لكنه لم يُتهَم بارتكاب أي جريمة.

جنون ارتياب وحشيّ

المزعج حول قصة التنافس العائلي هذه هو أنّها ساعدت في إثارة جنون الارتياب الذي أدى إلى وفاة خاشقجي.
ويبدو أنّ كلتا العمليتَين نُظِّمتا من قبل خلية خاصة داخل البلاط الملكي حيث كان القحطاني مشرفًا رئيسيًا وليس من قبل الاستخبارات السعودية. وهذا يُطَمئِن المسؤولين الأميركيين الذين ينظرون للحميدان وزميله رئيس جهاز الأمن الداخلي (المباحث) عبد العزيز الهويريني كقوتَين محتملتَين تدفعان للاستقرار.

أوقف المدعي العام السعودي 18 سعوديًا تحت ذمة هذه القضية، من بينهم ضابط استخبارات سابق وأحيانًا حارس شخصي لابن سلمان يُدعى ماهر مطرب اتهمه المسؤولون السعوديون بأنّه قائد الفريق الذي قتل خاشقجي. وقد طُرِدَ كلًا من القحطاني والعسيري من منصبَيهما، وكان القحطاني من بين 17 سعوديًا فرضت عليهم وزارة المالية الأميركية عقوبات بسبب أدوارهم المزعومة في وفاة الكاتب في الصحيفة. وجاء في بيان وزارة المالية أنّ القحطاني “كان جزءًا من جهود تخطيط وتنفيذ العملية” وأنّ مطرب “نسّقها ونفّذها”.



تحكم عائلة آل سعود بيدٍ دموية أحيانًا. باعتبارها حليف المملكة الرئيسي، فعلى الولايات المتحدة الالتزام بتهدئة هذا الخلاف العائلي قبل أنّ يُلحِق ضررًا أكبر بالسعودية والعالم.


المقال بالانجليزية هنا

المصدر
 صحيفة "واشنطن بوست"


******

ترجمة وتحرير: نون بوست

ترجمة وتحرير: نون بوست
وراء جريمة القتل الوحشية التي تعرض لها جمال خاشقجي، يوجد صراع على السلطة داخل العائلة السعودية المالكة، الذي ساهم في تغذية جنون العظمة والتهور لدى ولي العهد محمد بن سلمان. وفي النهاية، أدى هذا الغضب داخل البلاط الملكي إلى قتل وتقطيع صحافي واشنطن بوست.
دارت المشاهد الأولى لهذا الصراع العائلي في كانون الثاني/ يناير 2015، داخل جناح لكبار الشخصيات في مستشفى في الرياض، عندما كان الملك عبد الله يرقد على فراش الموت. وبحسب مصدر سعودي كان متواجدا في المستشفى في ذلك الوقت، فإن أبناء الملك عبد الله وأفراد حاشيته قاموا بتأخير إعلام ولي العهد حينها، الملك سلمان، بأن العرش انتقل إليه، ربما في محاولة للسيطرة على الثروة المالية الموجودة في البلاط الملكي، وضمان مواقع مؤثرة في نظام الحكم لفائدة فرع الملك الراحل من العائلة المالكة.
هذه المخططات الدموية داخل عائلة آل سعود، التي دارت خلال السنوات الموالية لرحيل الملك عبد الله، تشبه أحداث مسلسل الخيال "لعبة العروش". كما أن تبعاتها امتدت إلى الولايات المتحدة والصين وسويسرا وبلدان أخرى، بينما كان أقوى فصيلين داخل العائلة المالكة يتنافسان على السلطة. وفي حين ازداد التوتر بين الجانبين، وصلت جرأة الحاشية المحيطة بمحمد بن سلمان، الابن المفضل للملك الجديد، إلى القيام بمحاولة اختطاف عضو من فرع عبد الله في العاصمة بكين، في عملية جريئة نفذت في آب /أغسطس 2016، التي تبدو لمن يطلع عليها أشبه بفصل مشوق من روايات الجوسسة.
هذه الدراما التي حدثت على أرض الواقع تم وصفها خلال سلسلة من المقابلات التي أجريتها سابقا مع شخصيات سعودية وأمريكية وأوروبية مطلعة على هذا الشأن، في الأراضي الأمريكية وخارجها، خلال الأسابيع التي تلت مقتل خاشقجي
أصبح ابن الملك سلمان، الذي يشار إليه اختصارا بأحرف "ام بي اس" يشعر بتوتر متزايد ويتسم بالعدوانية نحو كل من يعتبرهم أعداء له. وبداية من ربيع 2017، شرع فريق من عملاء الاستخبارات السعودية، تحت إمرة البلاط الملكي، في تنظيم عمليات اختطاف للمعارضين في الداخل والخارج، بحسب خبراء أمريكيين وسعوديين. وقد كان يتم الاحتفاظ بالمعتقلين في أماكن سرية. واستخدم السعوديون "أساليب تحقيق قاسية"، وهي عبارة ملطّفة تدل على ممارستهم للتعذيب، لإجبار المختطفين على تقديم المعلومات المطلوبة. وقد تم إجبارهم على التوقيع على تعهدات بأنهم في حال التصريح بما تعرضوا له، سيدفعون ثمنا باهظا.

هذه الدراما التي حدثت على أرض الواقع تم وصفها خلال سلسلة من المقابلات التي أجريتها سابقا مع شخصيات سعودية وأمريكية وأوروبية مطلعة على هذا الشأن، في الأراضي الأمريكية وخارجها، خلال الأسابيع التي تلت مقتل خاشقجي. وهذه المصادر لديها اطلاع مباشر على الأحداث، إلا أنها طلبت عدم الكشف عن هويتها، لأن المسألة تتضمن بعض المسائل الدولية الحساسة. كما تم التثبت من هذه المعلومات الواردة من قبل مصادر أمريكية مطلعة، لتأكيد صحتها. وهي تساعد على تفسير دوامة الغضب والخروج على القانون التي أدت في النهاية لابتلاع خاشقجي، كاتب مقالات الرأي في واشنطن بوست، عندما دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر.
الرئيس ترامب، يقف إلى جانب المستشار في البيت الأبيض جاريد كوشنر على اليمين، أثناء لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فندق ريتز كارلتون في الرياض في المملكة السعودية في أيار/ مايو 2017.
كانت الولايات المتحدة تتابع عن كثب هذه الحرب المميتة. وقد أصبح جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس ترامب، مستشارا مقربا لمحمد بن سلمان. وقد زار كوشنر ولي العهد السعودي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2017 في رحلة خاصة، لم يكشف أي منهما عن تفاصيل ما دار فيها من حوار، ولكن من المحتمل أنهما ناقشا المكائد الدائرة داخل العائلة المالكة. وبعد أسبوع واحد من زيارة كوشنر، وبالتحديد في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، نفذ محمد بن سلمان عملية ترقى إلى الانقلاب الداخلي حين اعتقل أكثر من 200 من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين، واحتجازهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض. وقد تم التخطيط لهذه الاعتقالات بشكل حذر من قبل أقرب المقربين من بن سلمان في البلاط الملكي.

على رأس لائحة أعداء بن سلمان الذين تم الزج بهم في ريتز كارلتون كان هناك الأمير تركي بن عبد الله، الابن الطموح للملك الراحل، والذي أبلغ سابقا معارفه في الولايات المتحدة والصين بقلقه من القرارات الخاطئة لمحمد بن سلمان. ولحد الآن لا يزال الأمير تركي رهن الاعتقال، إلى جانب مساعده العسكري، كما أن مدير مكتبه علي القحطاني توفي أثناء اعتقاله بعد أن تم احتجازه في فندق ريتز كارلتون خلال العام الماضي.
صراع الخلافة
بدأت المخططات في القصر الملكي تتطور منذ بداية كانون الثاني/يناير 2015، عندما كان الملك عبد الله، الذي كشفت تقارير صحفية أنه قد شخصت إصابته في العام السابق بسرطان الرئة، يتعرض لتدهور كبير في صحته. وقد تم الإسراع به عبر طائرة هيليكوبتر من إقامته الصحراوية في روضة خريم، إلى جناح كبار الشخصيات في مستشفى قوات الحرس الوطني في الرياض محاطا بأبنائه ومساعديه. وبينما كان الملك بصدد الدخول في غيبوبة، حاول البلاط الملكي الحفاظ على سرية حالته الحرجة، والتفكير في فرضيات خلافته في السلطة. ومن بين الفرضيات التي تم طرحها، كانت هناك امكانية تنصيب الأمير متعب ابن الملك عبد الله، رئيس الحرس الوطني كملك للبلاد.
عندما وصل سلمان، الذي كان حينها وليا للعهد، إلى المستشفى في 23 كانون الثاني/ يناير وسأل "أين هو أخي؟"، تم إعلامه من قبل خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي ومدير المكتب الخاص للملك عبد الله، بأن الملك بصدد أخذ قسط من الراحة، رغم أنه في الواقع، وبحسب مصدر سعودي كان حاضرا في المستشفى وطلب عدم الكشف عن اسمه، كان الملك عبد الله حينها قد فارق الحياة. وعندما علم سلمان بالحقيقة انتابته نوبة غضب. وقد ترددت في رواق المستشفى أصوات ضربات بينما كان الملك الجديد يصفع مدير الديوان الملكي الذي تمت إقالته بعد ذلك. وقد تم اعتقال التويجري واقتياده إلى فندق الريتز كارلتون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وهو الآن تحت الإقامة الجبرية، بعد أن دفع مبلغا كبيرا من المال الذي حصل عليه بطرق غير شرعية أثناء فترة حكم الملك عبد الله، بحسب مصادرنا السعودية.
أحد أبرز أفراد الحاشية الملكية الذين ساعدوا الملك سلمان وابنه محمد على تعزيز نفوذهم في تلك الأشهر الأولى هو سعود القحطاني، المحامي والعضو السابق في القوات الجوية، المهتم أيضا بتقنيات القرصنة وشبكات التواصل الاجتماعي
في هذا الإطار، قال طارق عبيد، رجل أعمال سعودي كان مستشارا لفرع الملك عبد الله في العائلة المالكة إن "خالد التويجري ألحق ضررا كبيرا بأبناء عبد الله". وكان أبناء العائلة المالكة يقومون فعليا بالتجسس على بعضهم البعض بعد أن بدأ صراع الخلافة يلوح في الأفق. وقد تحدث أحد أبناء عبد الله عن زرع أجهزة تنصت في العديد من هواتف كبار الأمراء. كما أن معسكر عبد الله اشترى جهازا صيني الصنع يمكنه بشكل سري من التعرف على الرقم التسلسلي لجهاز الهاتف على مسافة 100 ياردة، دون اختراق الهاتف بشكل مباشر. وقد تم إخفاء أجهزة التنصت والمراقبة داخل منافض السجائر وباقي قطع الأثاث التي كانت موزعة في القصور في الرياض، لمتابعة كل المؤامرات السياسية والأحاديث الجانبية.
أحد أبرز أفراد الحاشية الملكية الذين ساعدوا الملك سلمان وابنه محمد على تعزيز نفوذهم في تلك الأشهر الأولى هو سعود القحطاني، المحامي والعضو السابق في القوات الجوية، المهتم أيضا بتقنيات القرصنة وشبكات التواصل الاجتماعي. وقد كان معسكر سلمان في البداية ينظر بعين الريبة إلى القحطاني، لأنه عمل كأحد مساعدي التويجري في الديوان الملكي منذ بداية الألفية. وقد خضع القحطاني للاستجواب وتعرض للضرب في الأيام الأولى من وصول سلمان للحكم، بحسب أحد المصادر من داخل القصر، لكنه سرعان ما أثبت ولاءه لمحمد بن سلمان، من خلال القيام بعملية انتقامية.
باعتباره مدير مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في البلاط الملكي، عمل القحطاني على تعزيز شكوك محمد بن سلمان في المنافسين المحتملين والمتآمرين للإنقلاب عليه. كما شرع القحطاني في جمع الأسلحة السيبرانية لاستخدامها لمصلحة بن سلمان. وفي حزيران/ يونيو 2015، تواصل القحطاني مع مجموعة إيطالية غامضة تعرف باسم "فريق القرصنة"، بهدف الحصول على أدوات سرية للتجسس عبر شبكة الإنترنت.
في 29 حزيران/ يونيو، بعث القحطاني برسالة لزعيم هذه المجموعة، يقول فيها إن "البلاط الملكي السعودي يرغب في إقامة علاقات تعاون مثمرة معكم، وتطوير شراكة استراتيجية وطويلة الأمد". ويُذكر أن المحققين السعوديين والأمريكيين كانوا قد خلصوا إلى أن القحطاني، باعتباره مدير العمليات الاستعلاماتية لدى محمد بن سلمان، ضالع في تنظيم عملية قتل خاشقجي.
الصراع العائلي
منذ أسابيعه الأولى في السلطة، بدأ فريق الملك سلمان باستخدام سياسات قاسية في إطار هذا الصراع العائلي. ففي أواخر كانون الثاني/ يناير 2015، تم إصدار أمر ملكي بإقالة اثنين من أبناء عبد الله، وهما تركي ومشعل، الذين كانا يشغلان منصبا حاكمي الرياض ومكة. وقد خلف هذا القرار تبعات لم يتمكنا من تجاوزها، حيث أن محمد بن سلمان الذي لم يتجاوز عمره حينها 29 سنة، تم تعيينه في منصب وزير للدفاع، وتم أيضا تعيين محمد بن نايف، ابن وزير الداخلية السابق والشخصية المفضلة لدى وكالة المخابرات المركزية، في منصب نائب ولي العهد تحت الأمير مقرن، المدير السابق للمخابرات، وهو على غرار بن نايف، شخصية متواضعة ولا يتصف بالتصلب.
أحكم الملك سلمان وابنه قبضتهما على السلطة أكثر فأكثر في نيسان/ أبريل 2015. فقد تمت إقالة الأمير مقرن من منصب ولي العهد، وتعويضه بنائبه محمد بن نايف (بعد عام من هذا القرار وكهدية توديع، منح الملك للأمير مقرن اليخت الفخم سولانج الذي يبلغ طوله 280 قدما، إلى جانب بعض الهدايا الأخرى، وذلك بحسب مصدر سعودي مطلع على هذه المسألة). وقد أصبح حينها محمد بن سلمان نائب ولي العهد، لينضم رسميا لخط الوصول للحكم.
رغم أن بن سلمان لم يبلغ حينها 30 سنة، إلا أنه كان بمثابة الأمير الميكافيلي، وكان يحظى بتشجيع من محمد بن زايد، نائب ولي عهد الإمارات العربية المتحدة، والشيخ طحنون، وهو مسؤول رفيع المستوى في المخابرات الإماراتية الذي كان يتردد كثيرا على يخت بن سلمان في عطلات نهاية الأسبوع أثناء عامه الأول كولي للعهد. وقد اكتسب بن سلمان سمعته في الرياض منذ البداية كشاب متهور، حيث أقدم في سنوات مبكرة على تهديد موظف في السجل العقاري كان يعطل انتقال ملكية قطعة أرض إلى الأمير الشاب، فقام بن سلمان بإرسال رصاصة إليه كتحذير.
جلس أبناء فرع عبد الله في العائلة المالكة يتفرجون بينما كان محمد بن سلمان يستأثر بكل أركان السلطات التي كانت في يوم ما ملكا لهم
كما عبر محمد بن سلمان عن رغبته في تحديث المملكة، لكنه كان في نفس الوقت مصابا بالارتياب من أعدائه، على غرار أبناء عبد الله، إلى جانب محمد بن نايف، وكان لاحقا مرتابا بشأن التهديد الذي يمثله الصحفي جمال خاشقجي الذي خرج عن السيطرة.
كانت هناك إشارتان تحذيريتان في أيلول/ سبتمبر 2015 اللتين كانتا من المفترض أن تلفتا نظر المتابعين إلى أن محمد بن سلمان قد يكون "الأمير السعودي الذي يدفع المملكة نحو الأمام، أو يلقي بها من أعلى الجرف"، كما ورد في عنوان إحدى المقالات التي كتبتها في 2016. وكان السفير جوزيف ويستفال، المبعوث الأمريكي إلى الرياض، قد سافر إلى جدة في ذلك الشهر وهو يخطط للقاء محمد بن نايف، إلا أنه تم تغيير وجهته في المطار وإرساله لمقابلة محمد بن سلمان عوضا عن ذلك، في إشارة واضحة إلى الممسك الحقيقي بزمام الأمور.
خلال الشهر ذاته، زار المسؤول المخضرم في المخابرات السعودية سعد الجابري مدير وكالة المخابرات المركزية، جون برينان، في واشنطن، في إطار زيارة خاصة. ويشار إلى أن الجابري الذي يعد من المستشارين المقربين من محمد بن نايف، لم يخبر الملك سلمان بشأن الرحلة، ولذلك عند عودته إلى بلاده تمت إقالته، وهو يعيش الآن في المنفى.
جلس أبناء فرع عبد الله في العائلة المالكة يتفرجون بينما كان محمد بن سلمان يستأثر بكل أركان السلطات التي كانت في يوم ما ملكا لهم. وفي ظل معرفتهم بأن جون برينان وباقي أعضاء إدارة أوباما لم يشعروا بالارتياح تجاه صعود محمد بن سلمان، قام أبناء عبد الله بالتعاقد مع مؤسسة استشارات استراتيجية بارزة في واشنطن، لجمع المعلومات بهدف مراقبة تطورات العلاقة بين الرياض وواشنطن.
جاء محمد بن سلمان في الشهر الموالي إلى واشنطن، وبالتحديد في حزيران/ يونيو 2016، للقاء باراك أوباما ومسؤولين آخرين. وإلى حدود ذلك التاريخ، كانت الإدارة الأمريكية حريصة على الحياد وسط التوترات المتصاعدة داخل العائلة المالكة
لكن هذه اللقاءات لم تكن مؤامرة سرية، مثلما اعتقد محمد بن سلمان. ففي شهر أيار/ مايو 2016، عقد الأمير تركي بن عبد الله ومستشاره المقرب رجل الأعمال، طارق عبيد، سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية، في جناح ضمن فندق الفور سيزنز في جورج تاون، وقد كانوا مصحوبين باللواء علي القحطاني، المستشار العسكري والمسؤول عن حماية تركي وباقي أبناء الملك الراحل عبد الله. لكن هذا الرجل كان مصيره الموت في العام الموالي بعد احتجازه في الرياض في فندق الريتز كارلتون.
سبق لي وأن التقيت بهذه المجموعة أنا أيضا، حينما كنت أعمل على جمع معلومات حول شخصية محمد بن سلمان. وأذكر أن تركي كان حذرا في تعليقاته، وعبر عن قلقه حول الحاجة لإحداث مزيد التوازن في السياسة السعودية، إلا أنه لم يقترح أي تغيير في نظام الحكم. وفي لقاء مع عبيد، وصف اللقاءات التي عقدها تركي في أيار/ مايو 2016 في واشنطن على هذا النحو: "تلك الجولة كان هدفها الحصول على تقييم استراتيجي لنظرة الولايات المتحدة للمملكة وموقفها، وذلك من خلال مسؤولين مطلعين في الدفاع والأمن القومي الأمريكي".

جاء محمد بن سلمان في الشهر الموالي إلى واشنطن، وبالتحديد في حزيران/ يونيو 2016، للقاء باراك أوباما ومسؤولين آخرين. وإلى حدود ذلك التاريخ، كانت الإدارة الأمريكية حريصة على الحياد وسط التوترات المتصاعدة داخل العائلة المالكة. ورغم أن ولي العهد ونائبه كانا في طريق الدخول في مواجهة مباشرة، إلا أن أوباما أُعجب بالرؤية والطاقة التي تميزت بها الأجندة الإصلاحية لمحمد بن سلمان. وبعد تلك الزيارة أصبحت الولايات المتحدة تميل إلى ذلك الشاب المتهور والمصلح.
التورط داخل لعبة السلطة
حافظ فرع عبد الله على بعض العلاقات الخارجية المهمة، خاصة في القارة الآسيوية. وفي 2016، أصبح الآسيويون في خلاف متزايد مع أجندات محمد بن سلمان. وقد سافر طارق عبيد إلى شانغهاي في تموز/ يوليو 2016، للتحضير لمشاركة تركي بن عبد الله في ملتقى المنتدى المالي الدولي، الذي كانت ستحتضنه المدينة في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، قبل أيام قليلة من لقاء مجموعة العشرين الذي كان سيدور في غوانزو. وبما أن محمد بن سلمان كان سيحضر قمة العشرين، فإن مخطط تركي لحضور المنتدى المالي العالمي حمل إشارة إلى وجود صراع داخلي في السعودية. وقد نزل عبيد في جناح في فندق بينينسولا، وفي الغرفة المجاورة كان هناك اللواء علي القحطاني.
بعد ذلك، دارت تطورات تتسم بالغرابة. وقد حدثني عن سلسلة الأحداث هذه عدد من المصادر السعودية والسويسرية والأمريكية. وقد كان عبيد مبعوث تركي في هذه المغامرة التجارية الهامة، حيث أن تركي وافق على استثمار مبلغ لا يقل عن 10 مليون دولار في صندوق تنموي يسمى "سيلك رود فاينانس كورب"، يشرف عليه مدير تنفيذي درس في معهد ماساتشوستس للتقنية، يدعى شان لي، بحسب الموقع الرسمي لهذه المؤسسة. أما الشخصية الصينية التي كانت وراء هذه المبادرة مع مؤسسة "سيلك رود" فهي تشين يوان، القيادي البارز الذي ترأس بنك التنمية الصيني بين سنة 1998 و2013، والذي يقال إن والده هو أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني.
عندما سافر عبيد إلى بكين في أوائل شهر آب/أغسطس سنة 2016 للتفاوض حول  شروط تركي الاستثمارية، كان لديه لقاء كبير في فندق بارك حياة الفخم. فقد استدعاه جون ثورنتون، رئيس شركة "سيلك رود فاينانس" للاجتماع معه بغية تناول طعام العشاء رفقة شان لي. كما دعا ثورنتون مايكل كلاين، وهو مصرفي استثماري في نيويورك، الذي كان يشاع عنه في ذلك الوقت أنه أحد المستشارين الرئيسيين لمحمد بن سلمان في خطته التي تهدف لجمع ما يصل إلى 100 مليار دولار من خلال طرح عام أولي لبعض أسهم شركة أرامكو السعودية. وبحسب المتحدثة باسمه ثورنتون، التقى كلاين مع عبيد لفترة وجيزة قبل أن يغادر.
كان عبيد يسعى من خلال انتقاد خطة ولي العهد، المتعلقة بشركة أرامكو، أمام المجموعة الاستثمارية الصينية إلى حث الصينيين على دعم النظام السعودي التقليدي الذي كان، في فترة حكم الملك عبد الله والملوك السابقين للمملكة، يحافظ على استقرار وأمن البلاد
خلال الاجتماع في فندق بارك حياة مع مجموعة "سيلك رود"، حذر عبيد من طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام من خلال اتباع المعايير الغربية لكشف البيانات المالية، نظرا لأن ذلك سيكون له تأثير سلبي على الأمن القومي السعودي عبر إضعاف قبضة العائلة المالكة على السلطة. ويعود هذا الأمر بحسب تعبيره إلى أن شركة أرامكو لطالما مثلت إحدى الركائز الرئيسية للحكم في المملكة. وأضاف عبيد أنه "يمكن للصينيين كسب بعض الأموال من خلال العمل مع السعوديين على صفقة مقايضة، يتم بمقتضاها تداول بعض المخزون الضخم من سندات الخزانة الأمريكية مقابل النفط السعودي".
في الواقع، كان عبيد يسعى من خلال انتقاد خطة ولي العهد، المتعلقة بشركة أرامكو، أمام المجموعة الاستثمارية الصينية إلى حث الصينيين على دعم النظام السعودي التقليدي الذي كان، في فترة حكم الملك عبد الله والملوك السابقين للمملكة، يحافظ على استقرار وأمن البلاد. في الأثناء، أوضحت المتحدثة باسم كلاين أنه، خلال المحادثة القصيرة التي جرت بين كلاين وعبيد، لم يناقش الطرفان صفقة المقايضة، التي اقترحها عبيد على الصينيين، أو أي تفاصيل تتعلق بخصخصة شركة أرامكو السعودية.
يبدو أن أحد الأطراف نقل خطاب انتقاد خطة خصخصة شركة أرامكو، الذي ألقاه عبيد، إلى الرياض. فبعد أسبوع من خطابه، تلقى عبيد العديد من المكالمات من أرقام سعودية مجهولة، ولم يرد عليها. وفي نهاية المطاف، أفاد مصدر مطلع أن عبيد تلقى مكالمة من خالد حميدان، رئيس الاستخبارات العامة. وقد قال حميدان إن "البلاط الملكي طلب عودة عبيد إلى المملكة العربية السعودية على الفور". وأجاب عبيد قائلا إنه "بحاجة إلى طلب الإذن أولاً من رئيسه، الأمير تركي".
أورد المصدر المطلع أن الأمير تركي اتصل بحميدان وسأله عما إذا كان الملك سلمان قد أمر شخصياً بعودة عبيد إلى تراب المملكة. وفي هذا الصدد، قال الأمير تركي لرئيس المخابرات: "إذا كان هذا القرار بطلب من الملك شخصيا، سأعود رفقة طارق إلى الوطن حالا". وعندما علم الأمير تركي أن قرار العودة كان بطلب من المحكمة، نصح عبيد بالبقاء في الصين. وأوضح مصدر ثان أنه في 21 آب/أغسطس، دعا شان لي عبيد للقدوم إلى بكين للبحث عن مكتب لشركة "سيلك رود" الدولية، التي ستقع في مركز ينتاي في قلب وسط المدينة. وقد قال شان لي إن "عبيد قد يجتمع في هذه الرحلة مع تشن، أحد المسؤولين عن مشروع طريق الحرير".
أوضح مصدر مطلع على القضية أن مسؤولا من المخابرات الصينية أكد أن عبيد كان ممولًا إرهابيًا، وكان يحيك مؤامرة رفقة متشددين باكستانيين بغية عرقلة قمة مجموعة العشرين، المقرر إجراؤها في شهر أيلول/ سبتمبر
بعد ظهر يوم 25 آب/ أغسطس، سافر عبيد من شنغهاي إلى بكين على متن طائرة خاصة. ودخلت الطائرة، عند هبوطها، إلى منطقة نائية في المطار. وفي ذلك الوقت، كانت هناك طائرة أخرى متوقفة في مكان قريب، تحمل علامة "HZ-ATR"، وتوضح علامة "HZ" أنها طائرة سعودية. وقد تم وصف ما حدث بعد ذلك من قبل مصادر سعودية وسويسرية مطلعة على القضية.
عند نزول عبيد من طائرته، أوقفه فريق يتكون من أكثر من 40 رجل أمن صيني، يرتدون ملابس مدنية. وأفادت المصادر أن قائد هذه المجموعة، الذي كان يتحدث بالعربية، أخبر عبيد "أنهم من وزارة أمن الدولة" وطلب منه التعاون معه. استسلم عبيد على الفور، وتمت تغطية رأسه وجسده بحقيبة ضيقة، لدرجة أنه لم يكن قادرا على الرؤية والتحرك دون مساعدة، ثم تم نقله إلى قسم تحقيق في مكان ما في بكين وتقييد يديه في كرسي.
أوضح مصدر مطلع على القضية أن مسؤولا من المخابرات الصينية أكد أن عبيد كان ممولًا إرهابيًا، وكان يحيك مؤامرة رفقة متشددين باكستانيين بغية عرقلة قمة مجموعة العشرين، المقرر إجراؤها في شهر أيلول/ سبتمبر. وطالب المحققون عبيد بالإجابة عن أسئلة تتعلق بمكان اختباء الإرهابيين ورجال الميليشيات الباكستانية. وذكر عبيد أنه "ليس لديه أي فكرة عما يتحدثون". وقد تعرض عبيد لفترة  استجواب طويلة ومؤلمة.\
لحسن الحظ، كان الأخصائيون، التابعون لوزارة الأمن، يتحققون من جهاز أيباد  والهاتف المحمول الخاص بعبيد ومن المعلومات التي وردتهم. وقد خلصوا  بسرعة إلى أن اعتقال عبيد كان خطأ وأن السعوديين قدموا إليهم معلومات كاذبة عن عبيد بهدف إلقاء القبض عليه كإرهابي وتسليمه إلى المملكة. وساعدت المخابرات الصينية، الغاضبة بعد أن وقع خداعها من السعودية، عبيد على السفر بسرعة إلى شنغهاي ووفرت له الحماية خلال المدة المتبقية من إقامته في الصين. ونقلت مصادر مطلعة على القضية عن أحد كبار ضباط أمن الدولة قوله لعبيد: "لقد حدث خطأ. لقد اتصل بنا شخص من بلدك قبل خمس دقائق من وصولك إلى بكين، وذكر أنك إرهابي يمول هجوما إرهابيا في قمة مجموعة العشرين". وأضاف المسؤول الصيني: "أنت عالق في لعبة إبراز قوى بين أميرين قويين في بلدك".
ظرا لأنه كان يمتلك جواز سفر سويسري، تحصل عبيد على حصانة من قبل القنصلية السويسرية في شنغهاي
في الأثناء، كان السعوديون، الذين كانوا يأملون في إعادة عبيد من بكين إلى المملكة، غاضبين بعد أن فشلت خطتهم. فأرسلوا رجالا للبحث عنه في فنادق بكين. وأفاد مصدر مطلع على القضية أن عبيد، الذي كان متواجدا في شنغهاي، تلقى اتصالاً من الجنرال يوسف بن علي الإدريسي، نائب رئيس المخابرات السعودية، وطلب منه العودة إلى بكين، والالتحاق بطائرة سعودية أرسلت خصيصا لاصطحابه إلى المملكة. طلب عبيد مرة أخرى المشورة من الأمير تركي. وأوضح مصدر مطلع أن الأمير تركي اتصل بالجنرال الإدريسي، وقال له: "إذا أراد الملك ذلك، فسينفذ الأمر، لكن من هي الجهة التي تتحدث بالنيابة عنها؟". وقد قدم الإدريسي إجابةً غامضةً حول من أمر بعودة عبيد إلى السعودية. وبقي عبيد في شنغهاي، تحت حراسة مشددة من قبل وزارة أمن الدولة لمدة أسبوع آخر.
نظرا لأنه كان يمتلك جواز سفر سويسري، تحصل عبيد على حصانة من قبل القنصلية السويسرية في شنغهاي. وفي 11 كانون الثاني/ يناير سنة 2017، وصلت رسالة إلى محامي عبيد من القنصل السويسري العام، فرانسواز كيلياس زيلويجر، جاء فيها: "بالإشارة إلى تحمل المسؤولية عن السيد طارق عبيد، أبلغكم أن القنصلية العامة قد قدمت مزايا تحت الحماية القنصلية".\
وصل تركي إلى الصين في 30 آب/ أغسطس، حيث تحدث في منتدى التمويل الدولي في الأول من أيلول/ سبتمبر، كما التُقطت له صورة مع الرئيس شي جين بينغ. أما محمد بن سلمان فقد وصل إلى قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في مدينة هانغتشو في الرابع والخامس من أيلول/ سبتمبر. وبحسب ما صرح به أحد المصادر السويسرية، كان عبيد، بحلول ذلك الوقت، على متن طائرة إيرباص تركية خاصة متوجهة نحو سويسرا، وقد حرص الصينيون على التأكد من وصول عبيد بأمان إلى جنيف. وبمجرد وصوله إلى هناك، تلقى عبيد العلاج على الفور في عيادة متخصصة بسبب الإصابات التي تعرض لها عندما كان في الصين.
فشل ذريع
تحدث محمد بن سلمان في منتدى مجموعة العشرين حول خطة التحديث "رؤية 2030". لكن قيل إن بن سلمان غضب عندما سمع بالفشل الذريع لجهود الإدريسي في تسليم عبيد. لذا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ البلاد، أﺟﺮى بن سلمان ﺗﺤﻘﻴقا ﻓﻲ هذا اﻟﺤﺎدث، حيث تمت إقالة الإدريسي من منصبه كنائب لرئيس المخابرات واستبداله لاحقا بالجنرال أحمد عسيري، وهو الشخص الذي لم يصدق السعوديون أنه ساعد في قتل خاشقجي في إسطنبول. وبعد ذلك أرسل السعوديون وفدا خاصاً إلى الصين للاعتذار عن سوء استخدام سياسات الاستخبارات في قضية عبيد.
في تصريح خاص لأحد المواطنين السعوديين، أشار مسؤول سعودي مقرب من ولي العهد إلى استياء المملكة، حيث قال: "لقد كانوا محرجين بسبب الخطأ الذي ارتكبه الإدريسي، أعني أن السعودية كانت محرجة حتى من هذا السلوك. لقد قام الإدريسي بارتكاب خطأ فادح، ما كان يجب عليه أن يرتكبه". من جهته، أجاب عبيد على الاتهامات الباطلة التي تقول إنه إرهابي، حيث أوضح أنه "كانت هناك إساءة واضحة لاستخدام السلطة من قبل عصابات غير مؤهلة، لكنني لا أعتقد أن تعليمات ولي العهد كانت تهدف لحدوث تلك الأمور التي قاموا بها".
من الواضح أن الديوان الملكي السعودي لم يتعلم الدرس، فقد ازدادت شكوك الأعداء المتصورين والرغبة في السيطرة المطلقة. ووفقا لخبراء أمريكيين وسعوديين مطلعين على هذا الأمر، بدأ السعوديون، منذ ربيع سنة 2017، في التخطيط لبرنامج سري لخطف المعارضين واحتجازهم في أماكن سرية. وشمل البرنامج فريقا خاصا من المختصين إلى جانب مركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي برئاسة القحطاني. ووفقا لخبراء أمريكيين وسعوديين، فإن تركي الشيخ، وهو مستشار آخر لبن سلمان، ساعد في الإشراف على مواقع الاستجواب.
قال معارضو بن سلمان إنه لم يرغب في أن تحصل الناشطات على التقدير بفضل إصلاحاته.
تجدر الإشارة إلى أن الانقلاب الداخلي الذي قام به محمد بن سلمان قد اكتسب قوة دافعة خلال العام الماضي، حيث بدأ ولي يشعر بأن حياته مهددة. وفي حزيران/ يونيو سنة 2017، تم عزل محمد بن نايف من منصب ولي العهد واستبداله بمحمد بن سلمان. أما في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وتحديدا بعد أسبوع من زيارة كوشنر، اعتقل ولي العهد بن سلمان جميع أعدائه، على غرار تركي بن ​​عبد الله، وقام باحتجازهم في فندق ريتز كارلتون. وقد كان من بين المعتقلين عدد من كبار الأمراء والأثرياء في المملكة. وبعد أن استأنف فندق ريتز كارلتون أعماله الفندقية، تم نقل المحتجزين الجدد إلى مواقع سرية.
في شهر أيار/ مايو من هذه السنة، أي قبل شهر واحد فقط من رفع ولي العهد حظر قيادة السيارة المفروض على النساء، تم اعتقال عدد من الناشطات في مجال حقوق المرأة السعودية. في هذا السياق، قال معارضو بن سلمان إنه لم يرغب في أن تحصل الناشطات على التقدير بفضل إصلاحاته. ووفقاً لأحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، كانت إحدى الناشطات مصدومة للغاية بسبب المعاملة القاسية التي تعرضت لها لدرجة أنها حاولت الانتحار بقطع شريان معصمها باستخدام شفرة حلاقة.
أما عبيد فقد ظل في سويسرا، وخضع للتحقيق هناك وفي الولايات المتحدة للاشتباه به في تهريب الأموال بطريقة غير مشروعة من صندوق الثروة السيادية الماليزي، الذي يعرف باسم "1 إم.دي.بي" لشركة بترول السعودية العالمي، التي أسسها كل من تركي بن عبد الله وعبيد. لكن في نهاية المطاف، لم يتم اتهامهما بارتكاب أي أفعال غير مشروعة.
جنون ارتياب خطير

إن ما يزعجنا حول قصة الخلافات العائلية هو أنها ساعدت في إثارة جنون الارتياب الذي أدى إلى وفاة خاشقجي. كما أن هذا يجعلنا نتساءل عن السبب وراء عدم محاولة أي شخص إيقاف سلسلة الأخطاء المميتة؟ الجدير بالذكر أن عملية الترحيل الفاشلة لعبيد من الصين يشبه بشكل مخيف جريمة قتل خاشقجي في إسطنبول. ففي كلتا الحالتين، أراد السعوديون إسكات هذا الناقد الفضولي. وعندما فشلت الاتصالات الأولية، حاولوا تنفيذ عملية سرية غير قانونية، تحت إشراف نائب رئيس المخابرات، الذي كانت لديه صلات وثيقة بالديوان الملكي. وفي كل مرة كان نائب رئيس المخابرات هو المتهم. وفي كلتا القضيتين لم تظهر أدلة قوية تثبت تورط محمد بن سلمان.

لكن، يبدو أن كلتا العمليتين قد تم التخطيط لهما من قبل خلية خاصة داخل الديوان الملكي، حيث كان القحطاني المشرف الرئيسي، وليس المخابرات السعودية. وهذا أمر يبعث على الطمأنينة بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، الذين يرون أن حميدان وزميله عبد العزيز الهويريني، رئيس جهاز الأمن الداخلي، المعروف باسم المباحث، قادران على ضمان الاستقرار. ولعل أكبر اختلاف بين القضيتين هو أن عبيد لا زال حيا وهو يعيش الآن في إحدى ضواحي جنيف، بينما قتل خاشقجي وتم تقطيع جثته التي لا يزال مكانها مجهولا.

جعلنا جنون الارتياب العنيف للديوان الملكي خلال فترة حكم بن سلمان نسترجع ما حدث في بغداد في فترة حكم صدام حسين

في هذا الصدد، أوقف المدعي العام السعودي 18 سعودياً متهما في القضية، من بينهم ماهر متعب، وهو ضابط مخابرات وحارس شخصي سابق لمحمد بن سلمان، الذي اتهمه المسؤولون السعوديون بأنه قائد الفريق الذي قتل خاشقجي. وقد تم فصل كل من القحطاني والعسيري من وظيفتهما. وكان القحطاني من بين 17 سعودياً فُرضت عليهم عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بسبب أدوارهم المزعومة في وفاة كاتب العمود في "واشنطن بوست". وجاء في بيان وزارة الخزانة أن القحطاني "كان جزءا من الفريق الذي خطط ونفذ هذه العملية" كما أن متعب هو من نسق ونفذ الجريمة.

جميع السعوديين الذين تحدثت معهم يعتقدون أنه من المرجح جدا أن يبقى ولي العهد بن سلمان في السلطة، على الرغم من الغضب العالمي بخصوص مقتل خاشقجي. تجدر الإشارة إلى أن القحطاني تبادل عديد الرسائل مع بن سلمان قبل يومين من مقتل الصحفي جمال خاشقجي وهو ما يمكن أن يكون دليلا قاطعا على تورطه في القضية. لكن في حال لم يتم الكشف عن هذه الرسائل، قد يكون من المستحيل إثبات وقوع اتصال بينهما.

في الحقيقة، جعلنا جنون الارتياب العنيف للديوان الملكي خلال فترة حكم بن سلمان نسترجع ما حدث في بغداد في فترة حكم صدام حسين. علاوة على ذلك، يمنح تسليط الضوء على مقتل خاشقجي كلا من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة فرصة أخيرة للتحقق من الانحدار نحو حكم استبدادي يشبه حكم صدام حسين واجتياحه للمنطقة. ويحكم بيت آل سعود عن طريق اعتماد سياسة تقوم على القتل في بعض الأحيان. وبما أن الولايات المتحدة هي حليف أساسي للمملكة العربية السعودية، فعليها الالتزام بتهدئة هذه الخلافات العائلية قبل أن تلحق ضررا أكبر بالسعودية والعالم.

المصدر: واشنطن بوست


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق