بيني وبينك ….العيدُ في غزّة
لم يكنْ رمضان هو شهرَ الصّوم الوحيد هذا العام في غزّة في هذه الحرب الشّعواء، لقد كانتْ كلّ شهورهم كذلك منذُ أنْ بدأ الجوع يتسلّل إلى أطفالهم، وينهشُ لحوم صِغارهم.
وها هو رمضان يمضي بوجهٍ حزين لربّما أشدّ حُزنًا من الوجه الّذي أقبلَ به عليهم، فلقد رأى كلّ فظاعات العالَم الّذي يُسمَّى حُرًّا وبشاعاته تُرتَكَب في غزّة!
كان لرمضان بهجة فخُطِفَتْ بالقتل والجوع.
ثُمّ يُفتَرض أنّ تكون للعيدِ بهجة، وها هي أيضًا تُسرَق من أطفالهم.
كيفَ يبتهج مِنَ الأطفال مَنْ لا يجدُ له لعبةً حلوة، ولا ثيابًا نظيفةً صباح العيد؟ بل إنّ ذلك أقلّ ألمًا من أنْ يأتي العيد الّذي كان يستيقظ فيه الأطفال على وجوه آبائهم وأمّهاتهم وابتِساماتهم، واليوم هم لا آباء ولا أمّهات. كيفَ يكون شعور اليتامَى في هذا العيد الحزين الّذي يمرّ بهم؟!
حَطّم الاحتِلال كُلّ فرحة، قصفَ البيوت وهَدّمها على رؤوسِ ساكنِيها، خنقَ ضحكة البراءة في شفاه الصّغار، أحرقَ بالنّار ألعابهم، وبقرَ بُطونَها، وملأها بالسّواد. كيفَ يهنأ قلبُ هؤلاء؟!
كان الأطّفال يُمسكون بأيديهم الصّغيرة أيادي آبائهم وهم يمضون إلى مُصلّيات العيد، يلبسون الثّياب الزّاهية، وتسمع صدى ضحكاتهم ترشّ على الطّريق ندًى… واليوم، لا آباء يُمسكون بأيديهم ليعبروا الطّريق إلى المُصَلّى، بل لا طريق، كلّ الطرّق حُفّرت، ومُلِئت بالرّكام، بل لا مُصلّيات، فلو تجمّع اثنان منهم أو ثلاثة لقُصِفوا أو قُنِصوا…
كان الأطفال يشعرون بالأمان في كنف آبائهم وبالسّعادة في ظلّ أمّهاتهم، اليوم رحل الآباء والأمّهات شُهداء، فلم يبقَ كنفٌ ولا ظِلّ، ولم يبقَ أمانٌ ولا اطمِئنان، وحلّ محلّه الخوف والقلق، والتّرقّب، والنّظر في الفراغ.
كان الأطفال صبيحة العيد يَصحُون فينظرون تحتَ وسادتهم فيجدون شيئًا من المال هديّة، أو يجدون لعبةً، أو يجدون أمنية. اليوم في ظلّ الحرب والجوع والموت الّذي لا يتعب، لا يجد الأطفال ابتِداءً وسائد من أجل أنْ يُريحوا رؤوسهم فوقَها عِوَض أنْ يجدوا هدايا تحتها، إنّهم يريحون رؤوسهم على التّراب والحجارة، ولا يريدون لصباح العيد أنْ يطلع، لماذا يطلع إذا كانوا قد فقدوا مَنْ يطلعُ لأجلهم؛ آباءَهم وأمّهاتِهم.
كان الأولادُ في العيد، يقفزون، يركضون في السّاحات، يلعبون، يمشون على أرجلٍ سليمة، ويُصدِرون ضحكاتٍ صافيةً تخرجُ من القلب. اليوم أكثرُ أطفال غزّة لا يستطيعون الجري ولا القفز، ليسَ لأنّهم لا يريدون، بل لأنّهم بلا سيقان ولا أرجل تُمكّنهم من ذلك. ولا يضحكون، ليسَ لأنّهم نسوا صوتَ الضَّحِكَة، ولكنْ لأنّ وجوههم حُرِقتْ، وشفاههم يبست، وأسنانهم سقطت!
فيا ربّ العيد، ويا ربّ البهجة، ويا ربّ اليتامَى، أَعِدْ لهؤلاء الأطفال بهجَتهم، واملأ بالرّجاء والنّدى والأمن قلوبهم:
ويا رَبّ مِنْ أجل الطُّفولةِ وحْدَها
أَفِضْ بركاتِ السِّلْمِ شَرْقًا ومَغْرِبا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق