الديمقراطية الأمريكية فى أفغانستان
الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
أستاذة الحضارة الفرنسية
للعام الثالث على التوالى تحتل منظمة حلف الأطلنتى أفغانستان لتطبيق "الديمقراطية الأمريكية" التى يسعون جاهدين لتطبيقها على العالم وخاصة على بلدان العالم الثالث.
وأول ما نجم عن ذلك الإحتلال الجديد، المكمل للإحتلال الحربى الأمريكى هو تضاعف زراعة نبات الأفيون بصورة غير مسبوقة فى أى منطقة فى العالم! إذ تزايد إنتاجه حتى بات من الطبيعى رؤية زحف نبات الإفيون يفترش مساحات شاسعة على مدى البصر من الأرض الأفغانية..
ووفقا لتقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (رابطه بآخر المقال)، فإن زيادة زراعته تزايدت فى المناطق الغربية والوسطى لأفغانستاتن، وتزايدت مساحات زراعته عن العام الماضى بنسبة 36 % ! ومن المعروف والثابت أن أيام طالبان تم منع زراعة الأفيون تماما، إلا أنه عاد ليفترش الأرض الأفغانية بتوحش مستمر مع الغزو الأمريكى وتوابعه وديمقراطيته.. فقد وصلت إنتاجية المحصول إلى خمسة آلاف وخمسمائة طن فى العام بزيادة 49 % عن سنة 2012.
وما يكشف المغالطة فى الإعلام الغربى أنه يتهم الطالبان بزراعته، بينما هم الذين كانوا قد إقتلعوه تماما من أراضيهم.
ومن إدعاءات قائد قوات حلف الأطلنتى هناك : "أن الطالبان كانوا يعترضون من حيث المبدأ على زراعته لكنهم الآن باتوا يشجعون زراعته ويفرضون ضريبة على الفلاحين على المحصول الذى يتم جنيه" ! علما بأن قادة طالبان يثبتون عمليا أن المجاهدين يقومون بالجهاد ضد المستعمر وأن الإسلام يحرم عليهم تعاطى المخدرات والكحوليات. وهم يلتزمون حرفيا بهذا التحريم.
وقد دوّت فضيحة فى كابول فى أكتوبر 2013 ، عندما تم رفت خمس وستون ضابطا أمريكيا من الرتب العليا لإدمانهم الهيرويين !. وذلك وفقا لتقرير وكالة رويترز المنشور يوم 22/10/2013 (رابطه بآخر المقال)، بعد أن أشارت الأمم المتحدة إلى أن أفغانستان على وشك أن تصبح عبارة عن مجرد "دولة مخدرات" (narco state)، وذلك بسبب التزايد المخيف لزراعته.
ولقد تم إكتشاف هؤلاء المدمنين، بين قادة الجيش الأمريكى، مع بداية تنفيذ مشروع التصدى لمستخدمى المخدرات بين أفراد هيئة الأمم، وبدأ تنفيذ هذا البرنامج فى كابول ويتواصل فى الأربع وثلاثين محافظة أفغانية.
ومن الملاحظ أنه مع بداية إنسحاب قوات حلف الأطلنتى من أفغانستان فإن قبضة السلطات على منتجى الأفيون قد تراخت.
إذ يكشف تقرير الأمم المتحدة أنه فى سنة 2013 ، نفس هذه السلطات التى تحارب إنتشاره قد إقتلعت أقل عما إقتلعته العام الماضى بنسبة 24 %. ورغمها تحتل أفغانستان المكانة الأولى عالميا لمنتجى نبات الأفيون.
ومن ناحية أخرى كشفت "نيو يورك تايمز" عن أن الأفيون فى الولايات المتحدة شديد الإرتباط بأحداث أفغانستان، وأن المخابرات المركزية الأمريكية، السى آى إيه، قد احتلت مكانة الصدارة فى هذه التجارة : "فقد قامت بتمويل شبكات متورطة عاونت كرزاى على تدعيم مكانته"، حتى بات عدد من الدبلوماسيين الأمريكان يعربون عن قلقهم لأن المصدر الأساسى للفساد فى أفغانستان هى الولايات المتحدة" !
ومن ناحية أخرى، نطالع الأهوال فى واحد من أهم الكتب التى تناولت الصلة الشديدة الإرتباط بين السياسة الأمريكية وتجارة المخدرات وتجارة السلاح، هو كتاب بيتر ديل سكوت (P. D. Scott)، وعنوانه "آلة الحرب الأمريكية : سياسة العمق، السى آى إيه، المخدرات، أفغانستان"، وهو صادر سنة 2012. والمؤلف من المحللين السياسيين البارعين، إذ يجمع الأدلة القاطعة لينزع الغطاء عن العنف الذى تمارسه الدولة، وهو عنف غير شرعى وإن كان منتشرا ويتحكم فى عالم السياسة والأعمال. و يهتم بيتر سكوت أساسا بتورط الولايات المتحدة الأمريكية فى تجارة المخدرات على الصعيد العالمى.
فمنذ خمسينيات القرن العشرين إعتاد المواطن الأمريكى على أن السى آى إيه تعقد الإتفاقيات مع تجار المخدرات وبنوكهم من أجل إقامة حكومات تابعة لها والعمل على تثبيتها لخدمتها والعمل من خلالها.
وقد تكرر نفس التخطيط فى العديد من البلدان ، منها لاوس وفيتنام وإيطاليا والمكسيك ونيجيريا وفنزويلا وكولومبيا وشيلى وبنما وهوندوراس وتركيا وباكستان وأفغانستان. ويا له من تاريخ مخزى..
ويوضح سكوت فى كتابه هذا كيف أن العلاقات الإستخباراتية الأمريكية وعملاؤها مع التجارة العالمية للمخدرات وبعض الشبكات الدولية الإجرامية الأخرى يتطلب دراسة عميقة حول الوجود الأمريكى فى أفغانستان.
فحتى يومنا هذا قامت الحكومة الأمريكية وسياساتها بتدعيم تجارة المخدرات بدلا من الحد منها.
وعبارة "الحرب ضد الإرهاب" المزعومة، خاصة الحرب فى أفغانستان، ليست سوى فصلا جديدا فى هذا التاريخ المشين".
ويقع الكتاب فى 512 صفحة، منها مائة صفحة من المراجع والوثائق الدامغة ليثبت بيتر سكوت كيف أن تجارة المخدرات تغذى آلة الحرب الأمريكية، كما يوضح الدور الأساسى لتجارة المخدرات والجريمة المنتظمة فى السياسات الخارجية والداخلية الأمريكية، وكيف يزدهر كلا من إنتاج المخدرات وتجارتها بدأب فى البلدان التى تتدخل فيها الولايات المتحدة عسكريا.
ومن الوقائع التى يكشف عنها أنه كثيرا ما تتسرب كميات هائلة من المخدرات بموافقة أو تورط مباشر من المخابرات المركزية الأمريكية مثلما حدث فى أمريكا الجنوبية.
فقد قام بعض المسئولين عن مكافحة المخدرات فى فنزويلا بإدخال طنٍ من الكوكايين فى الولايات المتحدة.
و سمحت السى آى إيه بإدخال أكثر من طن من الكوكايين الصافى فى المطار الدولى لمدينة ميامى.
ووفقا للوول ستريت جورنال، فإن الجنرال رامون جيلن قد أدخل أكثر من 22 طنا من المخدرات فى الولايات المتحدة. ورغمها، فلم تطلب السلطات الأمريكية تسليمه لمحاكمته.
بل يضيف بيتر سكوت : "أنه عندما تم القبض عليه سنة 2007 لأنه قام بتخطيط إغتيال هوجو شافيز، ظلت وثيقة إتهامه محفوظة بأحد المكاتب فى مدينة ميامى! وليس بغريب معرفة أنه أحد أعوان السى آى إيه"...
ويوضح بيتر سكوت أن الولايات المتحدة أرادت فرض تأثيرها على بعض مناطق العالم، لكنها كدولة ديمقراطية لم يكن بوسعها شكلا إرسال وحدات الجيش الأمريكى، فقامت بتكوين ما أطلقت عليه "جيوش المساندة" (proxy armies)، التى تم تمويلها عن طريق تجار المخدرات المحليين.
وبالتدريج أصبح هذا النمط من التمويل عبارة عن قاعدة عامة. وباستتباب تجارة المخدرات فى جنوب شرق آسيا أصبح ذلك سابقة تحولت إلى تقليد متواصل للمخابرات المركزية الأمريكية.
إذ تتعاون سراً مع الجماعات التى تمول المخدرات لتولى قيام الحرب.
وذلك هو ما فعلته فى الهند الصينية والصين فى الخمسينات والستينات والسبعينات، وفى افغانستان وأمريكا الوسطى فى الثمانينات، وكولومبيا فى التسعينات، ومرة ثانية فى أفغانستان سنة 2001.
ويقوم عملاؤها، الممولون بأرباح المخدرات، بالتنقل من بلد لآخر لتكرار نفس نسق الحرب. لذلك أطلق عليه المؤلف عبارة "إرتباط مخدراتى شامل" !
وقضية أخرى يكشف عنها بيتر سكوت، أو بمعنى أدق : فضيحة أخرى، متعلقة بغسيل الأموال الناجمة عن تجارة المخدرات، وكيف أنها تستخدم لتمويل الحروب التى تشعلها الولايات المتحدة بعصاباتها. مشيرا إلى ما كشف عنه تقرير اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ سنة 2012، وتورط أحد البنوك الدولية (وقد ذكر إسمه تحديدا) فى تمويل الإرهاب.
والأدهى من ذلك التقرير الجديد لهذه اللجنة الذى يقر بأنه "فى كل عام ما بين ثلاثمائة مليار وتريليون دولار، من أصل إجرامى، يتم غسلها فى البنوك عبر العالم، ونصف هذه الأموال يتم تحويلها من بنوك أمريكية" !
وفى هذا المجال توضح السلطات الحكومية الأمريكية أن ذلك البنك لم يتم تفكيكه لأنه شديد الأهمية فى البنية المالية الغربية. وكل ما تم عمله هو تغريمه حوالى ملياران من الدولارات لتسوية حالته وعدم ملاحقته قضائيا !
وفى واقع الأمر هناك العديد من البنوك الخاصة المحلية التى يتم الإستعانة بها فى غسيل الأموال، وكل ما يطولها من العقاب، على حد قول بيتر سكوت، هو فرض غرامات تقل كثيرا عن رقم الأرباح التى تجنيها من غسيل الأموال.
وما يفهم من كل ذلك التلاعب هو أن تجارة المخدرات تعد من أهم العناصر المساندة للدولار، بدليل إشتقاق عبارة جديدة هى : "narconomy"، أى الإقتصاد القائم على تجارة المخدرات.
وهو ما يدل على أن أهم ثلاث مواد يتم تبادلها فى التجارة الدولية بإشراف الديمقراطية الأمريكية هى : البترول، والأسلحة، والمخدرات..
تلك هى "الديمقراطية" الأمريكية التى يتم بها إقتلاع إستقرار البلدان غير المرغوب فى وجودها، أو المطلوب إعادة تشكيل بنيتها، لإعادة إحتلالها بأرخص الوسائل وأحطها.
وإذا ما تدبرنا ما يدور فى العالم العربى والإسلامى، خاصة فى الشرق الأوسط بعامة وفى مصر تحديدا، ورؤية كيف يتم إستغلال الإسلام لتوسيع الفرقة وإشعال الحروب، إضافة إلى إستغلال الكنائس المحلية ومبشريها ومؤسساتها المزعومة العمل الخيرى، وهى تمثل الوجه الآخر لعملة الإستعمار، أو الديمقراطية الأمريكية، لأدركنا الكثير مما لا تدركه العين فى الوهلة الأولى..
3 إبريل 2014
رابط تقرير الأمم المتحدة حول المخدرات فى أفغانستان :
رابط رويترز حول تسريح 65 مسئول فى الجيش الأمريكى بتهمة الإدمان :
رابط النيو يورك تايمز :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق