الثلاثاء، 3 فبراير 2015

العالي والواطي وعبد العاطي

العالي والواطي وعبد العاطي


وائل قنديل

جلست مذيعة "الجستابو" المصري، وصوبت نيرانها على عقل المشاهد الغلبان، ثم قالت إنه من أجل الانتصار على الإرهاب، هناك دول "جابت عاليها واطيها"، بمعنى أنها قتلت المدني وغير المدني.
قبلها، كانت أخرى في ثياب جون مكارثي تعلن، بحزم، أنه ليس من حلول سوى قتل الآخر "المختلف معنا"، لتقول بالنص "إما نحن أو هم"، وهي المعادلة الملخصة لنظرة شعب الله المختار إلى غيره من البشر في تلمود الإبادة، باعتبارهم "الأغيار".
 أنت، إذن، بصدد خطاب رسمي لسلطةٍ، بلغت حدوداً غير مسبوقة في التناغم مع العدو الصهيوني، بالنظر إلى ما بات معلوماً، بالضرورة، من أن إعلام النظام الانقلابي لا ينطق عن هوى، إلا هوى اللواء عباس، وهذا التناغم ليس على مستوى التنسيق الأمني والتبادل التجاري فقط، بل صار هناك أيضاً نوع من "التناص" والتفاهم الأيديولوجي، يجعل بعضهم يفكر ويسلك عبرياً، ويتحدث عربياً، وبالعكس، فتجتمع العقيدتان والإرادتان والرغبتان في كراهية المقاومة ومعاداة "حماس" وكتائب القسام.
 وكما أن هؤلاء لا ينطقون إلا بما يُملى عليهم، فإنني أستغرب كثيراً أولئك الذين يعتبرونهم خصوماً في معركة، كونهم ليسوا سوى أدوات قتل وقتال، بيد قتلة، مثلهم مثل المسكين عبد العاطي في حرب الكفتة، والذي وجد نفسه فجأة صاعداً من قاع البيروقراطية إلى أعلى رتبة في الإقطاع العسكري، من فني في معمل في وزارة الصحة إلى لواء مرصّع بالنجوم والسيوف، يلمع في وسائل إعلامهم كأخطر مخترع في العالم، متحدثاً باسم دولة الدجل.
"عبد العاطي" في هذه الفضيحة ليس جانياً بقدر ما هو مجني عليه، وليس مجرماً بقدر ما هو ضحية، وهل كان يملك أن يقول لا، حين أمروه بصعود خشبة المسرح، وتمثيل هذا الدور الهزلي؟ هو ابن هذه المرحلة من القبح والانحطاط في السلوك وفي القول، مثله مثل هؤلاء الشتامين بالأمر، الساخرين تنفيذاً لتعليمات صاحب سلطة المنع والمنح والبطش.
 وأمامك نماذج عدة لمن فكروا في الخروج عن النص، فكان نصيب سعيد الحظ منهم الإيقاف عن الكلام، والظهور مع الاحتفاظ بإمكانية الاستمرار على قيد الحياة.
وأزعم أن النموذج الـ "عبد العاطي" يمثّل حلاً سهلاً لأولئك الرماديين من فرق "الصلاة مع علي والأكل على موائد معاوية"، ممن ينتقدون قمع دولة العسكر، وفي الوقت ذاته، يحتقرون من يتصدون له، ويدفعون الثمن من أرواحهم وحرياتهم وممتلكاتهم. ولا أدري ما هي الفروسية في الانقضاض بعنف على أناسٍ تحت مقصلة أحكام إعدام جائرة، تبريراً لانتقاد خجول لنظام دموي قاتل.
لقد انخفض منسوب القيم إلى درجة صار معها رؤساء أحزاب يفاخرون بأن الرئيس داعبهم، ولاطفهم، والتقط معهم صورة تذكارية، نخب الإبادة والإقصاء، ورقصاً فوق جثة وطنٍ، أحرقوه بكل ما يملكون من كراهية وعطش لدماء المخالفين والمعارضين. وفي ظل هذه الحالة من الانهيار الأخلاقي الذي يضرب المجتمع، لا غرابة في أن تحتفي صحف "30 يونيو" بخبر كاذب عن تنفيذ أحد المصريين جريمة سرقة باعتبارها إنجازاً وطنياً، كون المسروق منه هنا هو "تنظيم داعش".
تقول صياغة الخبر، بصرف النظر عن أنه غير صحيح على الإطلاق، بحسب الصحيفة المصرية "تمكن أحد المصريين، ويدعى "أبو عبيدة"، من سرقة أموال الزكاة التي يجمعها تنظيم "داعش" الإرهابي في دير الزور، والهروب بها".
 ولو صح هذا الخبر، لكان من غير المستبعد، في هذه اللحظة الاستثنائية في تاريخ مصر، أن يتحول هذا الـ "أبو عبيدة" إلى أيقونة ورمز وطني مصري، في هستيريا "الحرب على الإرهاب" التي يختبئ في ضجيج طبولها فاسدون وأفّاقون وانتهازيون وقتلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق