الأربعاء، 11 فبراير 2015

تلبيس إبليس باروكة لميس

تلبيس إبليس باروكة لميس

أحمد عمر

تنادت وسائل الإعلام، ورقية وبصرية وسمعية، إلى التنديد بالجريمة" المروعة" التي ارتكبها عبد الله عبد الله، وهو عالم ورئيس جمعية خيرية، وسجين إسلامي سابق، بقتله ضبعاً، فبات الضحية أيقونة العصر والأوان والأخيار، والمؤمنين والكفار. نقلت وسائل السوبر ميديا صورة ساكنة لضبع أعجف هزيل، وفيلماً لضبع حليق معرور، مثل الخنزير الأوروبي، ليس في جسمه وبرة واحدة، ومكموم، وثمة فاعل مجهول غير ظاهر، يقوم بإغراقه كما يغرِّق البلغار الكلاب، في بئر.
وتبارى زعماء الأمم العظمى، أميركا وروسيا والصين والفاتيكان ومنظمة هيومان رايتس وتش والغرين بيس، في التنديد بوحشية "الإرهابي" عبد الله عبد الله، الذي سلخ الضبع من فروته، وأجاعه حتى الموت، وقصَّ ذنبه، وسَمَل عينيه وصبره صبراً. وقطع الرئيس زيارته في سويسرا، حزناً على الضبع الذي قال علماء حيوان إنه من سلالة عربية منقرضة، ولعله الضبع "الباندا" الأخير.
وأصدر إعلانا دستورياً، لتأميم جميع القرى الفلاحية المحيطة بالعاصمة، لصالح مؤسسة الجيش، وزعمت صحف حكومية أنّ التأميم هو الثاني من نوعه في العالم العربي، بعد تأميم قناة السويس، وسيرفع الإنتاج القومي، ويرفع الدخل الفردي عشرة أضعاف.
وانهمكت برامج "التوك توك" شو في الحديث عن الضبع "الأخير والشهيد"، فصاحت مذيعة رقطاء سكينية الصوت: الضبع هو الحيوان الوحيد الذي يضحك ويقهقه، يا أولاد الوسخة، اتركونا نضحك، بدلاً من تخويفنا من عذاب القبر.
وذكر الإمام الأكبر (إكس إكس لارج)، وكان في زيارة إلى فرنسا للحوار بين الأديان، أنّ الرسول نهى عن المثلة، حتى مع الكلب العقور، وقال، لاحقاً، بعد ظهور الرئيس، في صورة ثابتة ودية مع ضبع تبيّن أنه دمية، وأفتى، وهي المرة الأولى التي يفتي فيها، فهي ليست من اختصاصه؛ بقتل الجاني إغراقاً، فالعين بالعين و.. الضبع بالضبع.
وذكرت مواقع رصد اجتماعي أنّ اسم "هاييينا" أطلق بكثرة على المواليد، نساء ورجالاً، تعاطفاً مع الضحية.
الفضائية الوحيدة التي حاولت بخجل، موازنة الخبر هي الجزيرة، فذكّرت ضيوفها بأن "الضحية" ضبع، وهو حيوان قمّام، ومن أقذر الحيوانات، وأشرِّها والوحيد الذي يفترس ضحيته من غير أن يقتلها، وأن عبد الله، إن كان هو الفاعل، فإنما قتله ثأراً لافتراسه طفله، فرد الضيف الاستراتيجي بأنّ ذلك لا يجيز تغريق الضحية، وتلويث مياه الشرب، أو غسل الحيوان بالحمض السالخ.
حلّ أحد الشيوخ ضيفاً على برنامج "هزي يا نواعم"، وقال، وهو ينظر إلى ركبتي المذيعة اللامعتين: إنّ تصرف عبد الله ليس إسلامياً، وإن لحيته للنصب والاحتيال، والإسلام بريء منه، فالرفق ما خالط شيئاً إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. 
وغردت روائية عربية معروفة، قائلة: لم أنم تلك الليلة، وأنا أرى الضبع، وهو يستغيث... واثكل أمه. 
ما لم يذكره أحد أن العالم عبد الله عبد الله لم يظهر أبداً سوى بصورة ثابتة، وأنه كان قد استنفى من الدولة، بعد سجن طويل، واستغنى عنها، وراح ينتج الكهرباء بمروحة ريحية، ويستجر بها المياه من باطن الأرض، ويسقي الزروع، حتى أسس جمعية خيرية من غلالها، وشغّل ما يقارب ألف عامل.
وذكر صحفي جريء أنّ سعر الخضروات ارتفع بحدة، بعد مصادرة القرى والعزب بالإعلان الدستوري، وزادت العشوائيات وسكان المقابر الأحياء والأموات.
وما لم يذكره أحد أنّ جميع القرى التي صودرت دمرت، وتحولت منتجعات سياحة للعسكر، 
وكان أغرب ما ذكر على وسائل الإعلام تصريحٌ من شيخٍ سلفي، طويل اللحية، له زبيبة سوداء: إنّ سيادة الرئيس تفوّق برفقه، على الرسول بعد وصفه "بالكريم" من غير صلاة عليه، واستشهد، ابن "الهايينا"، بسورة الكهف، وقصة الولي "المعلم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق