السبت، 14 فبراير 2015

في مجزرة كارولينا .. فتّش عن حفلة الشاي

في مجزرة كارولينا .. فتّش عن حفلة الشاي




شريف عبد العزيز

"الإسلامفوبيا" ظاهرة باتت تجتاح العالم الغربي بحيث أصبحت من القضايا الأساسية في الشأن الداخلى لكثير من دول العالم الغربي ، فقد خرجت عن طور الأعمال الفردية التي لا تمثل إلا أشخاصها إلى كونها عمل مؤسسي متكامل تدعمه هيئات وجماعات وربما دول بأكملها .

آخر تجليات هذه الظاهرة الطائفية المقيتة تمثل في مجزرة بشعة بحق ثلاثة من الطلبة العرب المسلمين الأمريكان في عمر الزهور بولاية كارولينا الشمالية عندما أقدم مهووس ديني امتلئ حتى مشاشه كراهية وبغضا للإسلام والمسلمين حتى حمل سلاحه المحشو بالرصاص وأفرغه في أجساد أسرة مسلمة معروفة بحسن الخلق والطيبة والود للجميع . هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها والتي لم توضح السلطات الأمريكية حتى الآن دوافع الجريمة عند مرتكبها، فشيماء العوضي سيدة عراقية مسلمة وجدت غارقة في دمائها بولاية كاليفورنيا أواخرالعام 2012 وتركت بجوارها رسالة مكتوب فيها "عودي إلى بلدك أنتِ إرهابية". هذا الحادث قد يفسر لنا سبب مقتل الطلاب المسلمين الثلاثة في هذه المرة في ظاهرة واضحة تغض عنها الولايات المتحدة الطرف تمامًا، وهي تنامي العنف تجاه المسلمين في الولايات المتحدة بعد تغذية ذلك بخطاب إعلامي يصم المسلمين فقط بالإرهاب.

فالعنصرية باتت وحشًا يتنامى في الولايات المتحدة والعالم الغربي ، وإذا لم تبذل جهودًا حقيقية في الحد منه سيعاني الأمريكان والغرب عامة منه لعقود قادمة، فمن العنصرية تجاه السود وحوادثها الأخيرة إلى العنصرية تجاه المسلمين، غير أن العنصرية تجاه السود يسهل مواجهتها، حيث إن هناك رغبة عند السلطات في ذلك؛ فتجد ظهيرًا شعبيًا لرفض هذا النوع من العنصرية، أما على العكس في مكافحة قضية العنف والعنصرية تجاه المسلمين فإنك تجد قبولًا لهذه العنصرية وتعتيما إعلاميا مقصودا ، وتأكيدات الحكومة أنها حوادث عرضية .

المسلمون في أمريكا ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يعانون من حملات منهجية ومنظمة تستهدف وجودهم ومعتقداتهم ودينهم بشكل مؤسسي ومدروس وممول من جهات كثيرة ومتنوعة ، جهات حكومية ، ومنظمات استخباراتية ، وشركات فنية تنتج الأفلام المسيئة والمشوهة للمسلمين ، قنوات فضائية وإذاعية ، فنانون ، سياسيون ، مفكرون ، رجال أعمال كبار ، حتى أن القضاء الأمريكي نفسه المتفاخر بحياديته ونزاهته يساهم بقوة في شرعنة الاضطهاد الديني للمسلمين ، فقد حكم القاضي الفدرالي في مدينة نيوارك بولاية نيوجرسي الأميركية، ويليام مارتيني، بأن مراقبة السلطات الأمريكية للمسلمين المقيمين فيها "أمر قانوني يتوافق مع الجهود المبذولة من أجل مكافحة الإرهاب، ولا يعتبر انتهاكا للحقوق المدنية". وجاء في القرار الذي رد فيه القاضي على دعوى قضائية رفعتها مؤسسات مدنية إسلامية للمطالبة بوقف انتهاك خصوصية المسلمين بحجة مكافحة الإرهاب، أن ضرورة "تصويب برامج المراقبة لا تعني نشر معلومات حولها في وسائل الإعلام، الأمر الذي سيكون سبباً في أضرار واسعة". وبحسب مركز الحقوق الدستورية الأميركي فقد قامت شرطة ولاية نيوجرسي منذ عام 2002 بوضع عدد من المؤسسات الإسلامية قيد المراقبة من بينها 20 مسجداً و14 مطعماً و11 متجراً ومدرستين ابتدائيتين واتحادين للطلبة المسلمين !! .القاضي "دينيس هود" بمحكمة مقاطعة "مترو ديترويت" الأمريكية بأحقية السياسية الأمريكية اليمينية "باميلا جيلر" المسؤولة عن جمعية "العمل من أجل أمريكا" ومنظمة المبادرة الأمريكية للدفاع عن الحريات اليمينيتين القائمتين على محاربة الإسلام ، في وضع الإعلانات الداعية للردة عن الإسلام على الحافلات العامة ،وقد أرسل القاضي إنذارًا قضائيًا لإدارة مواصلات جنوب شرق "منهاتن"؛ لامتناعها عن وضع الإعلانات الخاصة بالمنظمة اليمنية المتطرفة، والتأكيد على أن ذلك يتعارض مع الحقوق الدستورية.

هذه العنصرية التي أخذت في الانتشار بقوة في جسد المجتمع الأمريكي المتفاخر بقدرته الفائقة على استيعاب كافة الأعراق والأديان في بوتقة الحلم الأمريكي يقف ورائها جهة معينة تنتهي كل خيوط ظاهرة " الإسلامفوبيا" عندها ، وهذه الجهة تحديدا هي " حفلة الشاي " . فما هي هذه الحركة العنصرية وما دورها في تأجيج ظاهرة الكراهية ضد المسلمين ؟

حفلة الشاي وهي حركة سياسية شعبية (ليست حزباً بعد ولا قيادة لها) أطلقتها في بادئ الأمر مجموعات من المحافظين الجمهوريين كردة فعل على فوز "جون ماكين" بتسمية الحزب في انتخابات 2008، لأنها رأت فيه سياسياً تقليدياً وسطياً، لا يمكنه تعزيز القيم المحافظة أو الوقوف بوجه ما يرونه التحرر الاجتماعي للديمقراطيين، الحركة التي بدأت فعلياً بمظاهرة شعبية خلال سبتمبر 2009 في واشنطن ضد مشروع الإصلاح الضريبي امتدت لتشمل كافة المدن الأمريكية، واستوحت الحركة اسمها من احتجاج شعبي نفذه أمريكيون عام 1773 على ضرائب فرضها البرلمان البريطاني على الشاي المستورد إلى المستعمرات الأمريكية، وقاموا خلاله بالاستيلاء على ثلاث سفن بريطانية في ميناء بوسطن، ورموا صناديق الشاي في المياه، ليشعلوا بذلك شرارة الثورة الأمريكية أو حرب الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني.

أبرز أفكار حركة حفلة الشاي الجمهورية هي : التأييد المطلق لإسرائيل، مع معارضة مستميتة للتقارب مع العالم الإسلامي، ومكافحة أسلمة أمريكا، والتشدد في الحرب علي الإرهاب، ومواجهة سياسة التساهل في الهجرة، لذلك فهي تؤيد سن أشد القوانين شراسة لمكافحة الهجرة، وتدعو إلى حماية المنتج الأمريكي من غزو المنتجات المستوردة وخاصة من الصين . والعمل علي إعادة الاعتبار السياسي والاجتماعي للرجل الأبيض الأنجلوسكوني البروتستانتي، ممن يعتبرونهم أحفاد الأمريكان الأوائل الذين حرروا الولايات المتحدة ، لما كان يمثله فوز أوباما الأسود بمنصب الرياسة في أمريكا من تهديد لتلك المكانة . هذه الحركة المتطرفة تلقى رواجا كبيرا في أوساط الأمريكان بسبب سيطرتها القوية على العديد من وسائل الإعلام والدعم الضخم الذي تتلقه من الكيان الصهيوني ، والناخب الأمريكي معروف أنه شديد التأثر بوسائل الإعلام، ويخضع بشدة لعوامل الشحن الإعلامية خاصة التي تكون خلال فترة الانتخابات، والتي تدغدغ مشاعر القومية والشعوبية فيه، علي الرغم من كون الشعب الأمريكي نفسه عبارة عن خليط متنافر من قوميات وعرقيات وألوان شتي، إلا أن الآلة الإعلامية فيه لها كلمة الفصل في توجيه مزاج الناخب الأمريكي، وهو ما استفادت به جماعة "حفلة الشاي" جيداً من خلال تبني بعض المؤسسات الإعلامية المعروفة بعدائها للإسلام مثل فوكس نيوز، تخصص برامج تلفزيونية وإذاعية لتسويق هذه الحركة، كما أنها تحظي بتواجد واسع النطاق علي مواقع التعارف الشخصية علي الإنترنت مثل الفيس بوك، توتير، وماي سبيس .

هذه الحركة العنصرية استطاعت أن تخضع الحزب الجمهوري لـتأثيرها بحيث أن73 من أصل ال78 مشروع قرار التي قدمت للكونغرس وللبرلمانات المحلية تقدم بها ممثلون عن الحزب الجمهوري في الفصل البرلماني السابق تضمنت كلها موادا تهدف إلى إقصاء المسلمين من الحياة السياسية والمجتمعية بصفة عامة، وإلى دفع الشعب الأمريكي إلى كره الدين الإسلامي والمسلمين . كما أن هذه الحركة جمعت 119 مليون دولار جمعتها من شتى الجماعات المعارضة للدين الإسلامي في أمريكا خلال الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2011 ، ومع توثيق 51 هجوم على مساجد المسلمين في مختلف ولايات أمريكا خلال الفترة ما بين يناير 2011، وديسمبر 2012، اتضح أن منتسبين لحركة حفلة الشاي يقفون ورائها ، بالإضافة إلى أرقام ومعلومات أخرى وثقها مركز العلاقات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية في تقرير من 158 صفحة تحت عنوان "ظاهرة الإسلام فوبيا وآثارها في الولايات المتحدة الأمريكية".

التناقض الأمريكي في ملف الإسلامفوبيا يظهر على أشده عندما تستمع إلى قادة حفلة الشاي مثل جلين بيك رئيس قناة فوكس نيوز ، وكريستن أودونيل ، ومارك وليامز، وهو قيادي داخل الحركة، سب الإسلام والذات الإلهية، وذلك في أعقاب الموافقة على بناء مسجد قرطبة بجوار مقر هجمات 11 سبتمبر بنيويورك وغيرهم ، وهم يتحدثون عن الإسلام والمسلمين ، فقد انتشر بين هؤلاء الذين يكرهون الإسلام أن خوفهم وبغضهم ليس عنصرية، لأن الإسلام ليس عرقا، أو كأنهم يقولون ضمنا إن كره المسلمين أمر عقلاني وحكيم في حين أن كره السود هو أمر غبي وغير عقلاني! فمن غير الطبيعي نفسيا الادعاء بأنك تكره أيديولوجية ما دون كره الناس الذين تعبر حياتهم عن تلك الأيديولوجية . فهذا التناقض يذكرنا بما قاله جورج بوش الصغير قبل حملته الصليبية على العراق بأن مشكلتنا ليس مع الشعب العراقي ولكن مع النظام العراقي ، وبعد ذلك قامت قواته بقتل قرابة المليون عراقي !!

هذه الحركة المتطرفة عبارة عن خليط فكري واقتصادي وديني وسياسي ، يشترك فيه من يريد إعادة إنتاج لفكر المحافظين الجدد الذين كانوا يسيطرون علي الإدارة الأمريكية أيام بوش الصغير، وصياغته بشكل جديد أكثر نفوذا وأعمق تأثيراً، باستخدام القاعدة الشعبية لانتشاره وتسويقه. ويشترك فيه لوبي تجارة السلاح وشركاته الضخمة التي استفادت كثيرا أيام بوش، وتعاني الآن من تقلص أرباحها بسبب سياسات أوباما هي التي تقف وتمول تلك الحركة الجديدة. وبالطبع يشترك فيه الكيان الصهيوني بما له من نفوذ واسع المجال داخل أمريكا، وتأثير ضخم علي صانع القرار الأمريكي، بل هو التي يقف خلف هذه الحركة لتكون ورقة ضغط مؤثرة علي الإدارة الأمريكية تستل بها المزيد التأييد والدعم الأمريكي، وتضعف موقف البيت الأبيض تجاه بعض المطالب مثل وقف الاستيطان وبدء مفاوضات السلام وهكذا، وأيضاً لدفع أمريكا لمزيد من التشدد والعنف تجاه العالم الإسلامي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق