عن "الإفلاس السياسي" للسيسي
خليل العناني*
خلاصة الخطاب المقتضب للجنرال عبدالفتاح السيسي، بعد الحادث الإرهابي الأخير في سيناء، هو: "إنتم اللي اخترتم يا مصريين، إما أن تكملوا الطريق معي، وإلا فلن أموت وحدي". رد فعل الرجل، فضلاً عن تهافته وإفلاسه، لا يرقى مطلقاً إلى مستوى رجل الدولة الواثق من نفسه. بل على العكس، فقد بدا الجنرال عابساً ومهزوزاً وفاقداً للثقة في كل من حوله، يتحدث بعصبية وانفعال واضحيْن، يبحث عن أي طرف ليحمله مسؤولية الفشل والتقصير في حماية الوطن وجنوده، فقرر القفز إلى الأمام كعادته، محملاً المسؤولية لخصمه اللدود، جماعة الإخوان.
لم يجرؤ الجنرال على إقالة مسؤول، أو عقاب مقصّر، على الأقل ذراً للرماد في العيون، وإنما قام بترقية أحد اللواءات، من أجل التفرغ لمواجهة ما يسميه الإرهاب في سيناء.
منذ طلب الجنرال السيسي تفويضاً شعبياً لمواجهة "الإرهاب المحتمل"، بعد ثلاثة أسابيع من انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، انطلقت حملة موازية تقوم على الإرهاب السياسي والإعلامي للمصريين، مفادها "من ليس معنا فهو ضدنا". ومنذئذ، انقسمت مصر إلى فريقين، وشعبين، ومجتمعين، وعالمين مختلفين تماماً. وانطلقت حملات الكراهية والتقسيم والتصنيف والتوتير من جميع الأطراف، وكل من يحاول التصدي لها، أو وقفها، تجري مهاجمته وتخوينه.
لم تترك هذه الحملة "الفاشية" أحداً معارضاَ للسيسي، ولو على استحياء، إلا وشوهته، واغتالته سياسياً ومعنوياً. ولا تتوقف، بعد كل حادث إرهابي، عن ضخ مزيد من حملات الكراهية والتحريض، مثلما حدث في الأيام القليلة الماضية. يفعلون ذلك من دون حسيب أو رقيب، بل تجري مكافأة بعضهم، وتقريبهم من السلطة، وترقيتهم في وظائفهم.
لا يدرك السيسي أن "الإرهاب" بدأ فعلياً قبل عام ونصف، عندما تحولت استوديوهات بأكملها إلى منصات صواريخ إعلامية، تحرّض علناً على القتل وسفك الدماء.
لا يدرك السيسي أن "الإرهاب" بدأ فعلياً قبل عام ونصف، عندما تحولت استوديوهات بأكملها إلى منصات صواريخ إعلامية، تحرّض علناً على القتل وسفك الدماء.
إعلاميون لا يستحون
من بث الأكاذيب والافتراءات، وخبراء استراتيجيون لا يكفون عن ترويج الأساطير والترهات، وصحافيون موالون لا يتوقفون عن إطلاق المنشورات والاتهامات.
" السيسي ووزير داخليته لم يتعلما شيئاً من أخطاء حسني مبارك وحبيب العادلي اللذيْن تعاطيا مع سيناء باعتبارها مصدراً للقلق وعدم الاستقرار، فكان القمع الأمني هو الحل الوحيد عندهم. والآن، يتعاطى السيسي ومحمد إبراهيم مع سيناء بالمنطق نفسه، وربما أسوأ" |
والآن، تحصد مصر نتائج الحملة المسعورة، ويدفع ثمنها مواطنون لا ناقة لهم ولا جمل فيها.
إذا كان السيسي جاداً، ولا أعتقده كذلك، في محاربة الإرهاب ووقف الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد، فليكن جريئاً، ويوقف حملات التحريض العلني في الفضائيات على قتل المواطنين.
إذا كان السيسي جاداً، ولا أعتقده كذلك، في محاربة الإرهاب ووقف الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد، فليكن جريئاً، ويوقف حملات التحريض العلني في الفضائيات على قتل المواطنين.
وإذا كان صادقاً، ولا أظنه كذلك أيضاً، فليبدأ مواجهة "الإرهاب" في شرق القاهرة، وليس شرق القناة.
عليه أن يحاسب إعلامييه ودراويشه ورجاله على ما وصلنا إليه، بسبب حملات بث الكراهية والتعصب والتسخين التي أوصلت مصر إلى درجةٍ من صراع أهلي مؤجّل قد ينفجر في أية لحظة.
لم يعد هناك شك بأن السيسي أفلس سياسياً تماماً، ولم يعد في جعبته أية أوراق، لإثبات كفاءته وقدرته على إدارة البلاد، فالرجل لم يحقق أي إنجاز يذكر، منذ وصل إلى السلطة.
لم يعد هناك شك بأن السيسي أفلس سياسياً تماماً، ولم يعد في جعبته أية أوراق، لإثبات كفاءته وقدرته على إدارة البلاد، فالرجل لم يحقق أي إنجاز يذكر، منذ وصل إلى السلطة.
بل كان وصوله أشبه بمن يسكب مزيداً من الزيت على النار، فساهم في تغذية الانقسام والتوتر في البلاد، ومنح أهله وعشيرته من الإعلاميين صكاً على بياض، من أجل مواصلة الهجوم والتعريض بكل من يخالفهم الرأي، بمن فيهم الذين كانوا في معسكره حتى وقت قريب، مثلما حدث مع الكاتب علاء الأسواني.
واستوحشت الشرطة والداخلية في عهده، فاستباحت دماء أبرياء كثيرين، وقتلت وانتهكت واغتصبت أعراض كثيرين، وكأنها مليشيات مسلحة، وليست مؤسسة أمنية يمكن محاسبتها، وإقالة المسؤول عن تجاوزاتها وجرائمها.
ما يحدث في سيناء ليس مجرد إرهاب ديني، أو أيديولوجي، وإنما ثأر مبيّت ضد الدولة وأجهزتها القمعية، بسبب توحشها وإجرامها في حق أهالي سيناء.
ما يحدث في سيناء ليس مجرد إرهاب ديني، أو أيديولوجي، وإنما ثأر مبيّت ضد الدولة وأجهزتها القمعية، بسبب توحشها وإجرامها في حق أهالي سيناء.
فماذا تتوقعون من أهالٍ تم اقتلاعهم وتهجيرهم من بيوتهم وأراضيهم ومزارعهم؟ وماذا تنتظرون من قبائل وعائلات بأكملها، لا تتمتع بأي حقوق للمواطنة والمساواة؟ وماذا يمكن أن يحدث بعد حملات التشويه والتحريض التي تجري علناً ضد أهالي سيناء؟
قطعاً، ليس هذا تبريراً للإرهاب، ولمن يرتكبونه، فهم مجرمون ومخرّبون قلباً وقالباً، وإنما هي محاولة لفهم السياق الراهن للأوضاع، ومحاولة وضعها في إطارها الصحيح، حتى لا تختلط الأمور وتتوه الحقائق. فمن الواضح أن السيسي ووزير داخليته لم يتعلما شيئاً من أخطاء حسني مبارك وحبيب العادلي اللذيْن تعاطيا مع سيناء باعتبارها مصدراً للقلق وعدم الاستقرار، فكان القمع الأمني هو الحل الوحيد عندهم.
قطعاً، ليس هذا تبريراً للإرهاب، ولمن يرتكبونه، فهم مجرمون ومخرّبون قلباً وقالباً، وإنما هي محاولة لفهم السياق الراهن للأوضاع، ومحاولة وضعها في إطارها الصحيح، حتى لا تختلط الأمور وتتوه الحقائق. فمن الواضح أن السيسي ووزير داخليته لم يتعلما شيئاً من أخطاء حسني مبارك وحبيب العادلي اللذيْن تعاطيا مع سيناء باعتبارها مصدراً للقلق وعدم الاستقرار، فكان القمع الأمني هو الحل الوحيد عندهم.
والآن، يتعاطى السيسي ومحمد إبراهيم مع سيناء بالمنطق نفسه، وربما أسوأ، فسيناء عندهما مجرد صحراء، يمكن استباحة أهلها وسكانها وبيوتها ومزارعها، مجرد أرض، وليست بشراً وعائلات وقبائل وجزءاً من تاريخ مصر.
استمرار السيسي في السلطة يعني انتظار ما هو أسوأ، ليس فقط بسبب ضعفه وعجزه عن مواجهة حالة الاحتراب والتوتر الراهنة، وفشله في وقف حملات التحريض والكراهية البغيضة، وإنما، بالأساس، كونه السبب الرئيسي للأزمة السياسية التي تمر بها مصر منذ وقوع الانقلاب.
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية.
عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية،
وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.
استمرار السيسي في السلطة يعني انتظار ما هو أسوأ، ليس فقط بسبب ضعفه وعجزه عن مواجهة حالة الاحتراب والتوتر الراهنة، وفشله في وقف حملات التحريض والكراهية البغيضة، وإنما، بالأساس، كونه السبب الرئيسي للأزمة السياسية التي تمر بها مصر منذ وقوع الانقلاب.
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية.
عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية،
وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق