الأحد، 8 فبراير 2015

أيها المصريون.. قد جاءكم من يعلمكم دينكم


أيها المصريون.. قد جاءكم من يعلمكم دينكم
إحسان الفقيه

"شيخ علي الجفري أهلا بيك، سعيد بيك والله، محتاجين والله السماحة والوسطية، الدنيا كلها تعبت مننا، الدنيا تعبت مننا".

هذا المقطع الدرامي جسده السيسي، على مسرح الجلاء خلال ندوة تثقيفية نظمها الجيش، بحضور لفيف من النخب السياسية والحزبية وعلماء الأزهر والأقباط ورجال الجيش والشرطة والإعلاميين.

فالدنيا إذًا (تعبت من المصريين) أو إن شئتَ فعمم وقل: من الأمة الإسلامية..

وبناء عليه، فإن السيسي يحتاج إلى من يعلم الشعب المصري السماحة والوسطية، فلذا كان هذا الاحتفاء بالحبيب الجفري ونعته بأنه يمثل الإسلام الوسطي المعتدل، بمثابة إطلاق هذا النجم في سماء مصر، ليقود المصريين إلى حلم السيسي المنشود ويصبح الشعب المصري (وسطيا).

لست هنا بصدد مناقشة أفكار ومعتقدات الجفري الصوفي، ولست هنا كذلك بصدد الحديث عما يُتهم به الحبيب الجفري من التشيع، ولكن أجد نفسي أسأل نيابة عن الكثيرين ممن شاهدوا اللقاء: لماذا وقع الاختيار علي الجفري والذي كان ممنوعا في السابق من دخول مصر؟ وفي هذه الفترة من الصراع المحتدم بين السيسي ومعارضيه؟ ورغم ما يقع تحت نطاق سيطرته من علماء السلطة؟

فلنشرع في قراءة ما وراء النص الدرامي للفنان عبد الفتاح السيسي، نختصره في نقاط محددة بما يتسع له المقام:

* لا يمكن النظر إلى استعانة السيسي بالجفري بمعزل عن خطابه الأول في احتفالية المولد النبوي، والذي دعا خلاله إلى الخروج على النص الشرعي والنظر فيه من جديد، فكان استيراد الجفري خطوة أخرى على سبيل التجديد الديني الذي يطرحه السيسي.

* علماء السلطة أصبحوا (كروتا) محروقة، لم تعد تصلح لإشباع المواطن المصري دينيا وفكريا، فالتبعية مفضوحة حتى لمؤيدي السيسي أنفسهم، وبناء عليه فإنه يحتاج إلى شخصية غير رسمية، ولها حضور وثقل جماهيري، وهو ما يراه في الجفري نجم الفضائيات وصاحب الأسلوب العاطفي الناعم.

* ولا يمكن كذلك النظر إلى المشهد بمعزل عن الفكر الصوفي الذي يعتنقه الجفري، والذي يرتكز على التزكية دون المشاركة في صناعة الحدث السياسي، حتى إن بعضهم يرى في المشاركة السياسة رجسا، وبعضهم يجد في مقاومة الحكام الظالمين أو حتى الغزاة نوعا من الاعتراض على قدر الله.

* مواقف الجفري السابقة تجاه الثورة المصرية وتوابعها وتداعياتها تنسجم مع الإرادة السيساوية، فلا ينسى الشعب المصري يوم أن كان في ميدان التحرير في بدايات ثورة 25 يناير، أن الجفري وصف الثوار في التحرير بأنهم "فئة غوغائية".

ومن جهة أخرى فقد أفتى الجفري في مايو الماضي (أي العام التالي لانقلاب 3 يوليو) بعدم جواز الخروج على الحاكم، داعيا معارضي الانقلاب وأنصار الشرعية إلى العودة إلى منازلهم، ليسمح له بعد ذلك بإلقاء محاضراته التوعوية في ثكنات الجيش المصري.

* اختيار الجفري ينسجم مع السياسة الأمريكية والغربية التي تتجه لدعم الصوفية لمواجهة الإسلام السياسي، وهي نقطة بالغة الأهمية، حيث إن تقارير المؤسسات الاستشراقية البحثية الأمريكية، كمؤسسة راند ومعهد نيكسون، وغيرهما، وكذا تقارير الكونجرس الأمريكي وتوصياته، تؤكد على دعم الصوفية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، لتكون بديلا عن التيار الإسلامي.

ومن ثَمَّ تكون هذه النقطة إحدى مواضع التلاقي مع السياسة الأمريكية، وهو جزء حيوي يضع السيسي في السياق الغربي الأمريكي تجاه التعامل مع الإسلام السياسي.

* الجفري مؤسس ورائد مؤسسة طابة التي تحتضنها الإمارات، وهي مؤسسة ذات توجه صوفي، وتعد أحد النماذج الحية المعبرة عن الصورة الغربية للفكر الإسلامي، وتتوافق مع الليبرالية الغربية، وتركز في أهدافها على استيعاب التنوع الثقافي والديني والحضاري والإنساني، ونزع خصوصية الإسلام. بمعنى أوضح: تهدف لدمج القيم الغربية بالإسلام، ونشر الفكر الحداثي باعتباره الإطار العصري لتفسير الإسلام.

فهذا التوجه إذًا لمؤسس طابة، هو عين المراد لدى السيسي، لضمان الذوبان في القيم الحضارية الغربية، ليريح العالم من العناء والكدر الذي تسبب فيه المسلمون.

* الجفري ذو مسلك تطبيعي. قد يعترض البعض على تلك العبارة، لكنني مهما لفحتني نيران النقد، فلن أنسى ولن تنسى الأمة، أن الجفري - شأنه كشأن مفتي مصر السابق وكاهن الانقلاب علي جمعة- ضرب بعرض الحائط فتاوى وتوصيات وتأكيدات العلماء على عدم زيارة القدس في ظل الاحتلال.

ومن المعلوم أن هذه الزيارات التي يقوم بها العلماء والدعاة والنخب والرموز تضفي الشرعية على حكومة الاحتلال وهو ما قابله المقدسيون بالرفض والاستنكار.

وهذه القابلية لدى الرجل للتطبيع، تنسجم مع العلاقات الحميمة التي توطدت بين السيسي وحكومة الاحتلال، إذ إنه يُعتبر في الأوساط الإسرائيلية بطلا قوميا لليهود، حيث قام بقمع التيار الإسلامي الذي تعتبره إسرائيل الخطر الأعظم.

*ولا يفوتني في هذا المقام أن ألفت الانتباه إلى أن الاستعانة بالجفري، تأتي في سياق الدعم الإماراتي لزعيم الانقلاب، حيث إن الإمارات تحتضن الجفري منذ عدة سنوات، وأقام بها مؤسسته (طابة)، وله حضور قوي في الفضائيات والمحافل الرسمية، ويحظى بمكانة رفيعة لدى المسؤولين في الإمارات.

فاستبشروا أيها المصريون، أيها المتطرفون المتشددون، فقد أتى لكم السيسي بمن يعلمكم دينكم.

ehssanfakih@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق