حــــزب الإخـــوان المســلمـيــن!!
ياسر الزعاترة
سمعنا أن مجموعة من المنتمين حاليا، وربما سابقا لجماعة الإخوان المسلمين قد تقدموا بطلب لترخيص حزب باسم “الإخوان المسلمين”، وأن النية تتجه لمنحهم الترخيص بحسب ما قال بعضهم، مع ضرورة التوقف عند هذا التأكيد ما لم يصدر شيء رسمي.
إذا صحّت القصة ، فسيكون حزب الإخوان المسلمين هذا هو الأول بهذا الاسم في العالم العربي، إذ لم يسبق لفروع الجماعة أن أنشأت أحزابا بهذا المسمى، لا في البلد الأم مصر (حزب الحرية والعدالة)، ولا في سواها، بل إن النسبة للإسلام لم تظهر في واقع الحال في مسميات الأحزاب التي انبثقت عن فروع الجماعة، إلا هنا في الأردن (جبهة العمل الإسلامي)، بينما بقي الاسم عاما في دول أخرى، كما هو حال الجزائر مثلا (حركة مجتمع السلم)، وتونس (النهضة)، الكويت (الحركة الدستورية).. إلخ.
وفي حين بقيت الصلة عضوية بين الأحزاب التي انبثقت عن جماعات إسلامية وبين الجماعة الأم في جميع الدول، كانت الحالة المغربية هي الاستثناء، حيث كان الفصل كاملا بين الجماعة (التوحيد والإصلاح)، وبين الحزب (العدالة والتنمية)، بينما كانت الحركة هي ذاتها الحزب في الحالة التونسية.
والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بالهدف الذي أراده من قدموا الترخيص لحزب باسم الإخوان المسلمين، ومن ثم الرؤية التي يستند إليها قرار الموافقة في حال اتخاذه، مع أن ذلك ليس مؤكدا إلى الآن.
من الواضح أن الطرف الذي قدم الترخيص يريد وضع اليد على الجماعة بقوة القانون الرسمي، وليس بقوة الشورى والانتخابات، وهو يعتقد أن مسألة ترتيب العلاقة مع التنظيم الدولي يمكن حلها لاحقا عبر إقناع قيادته أنهم الأولى بالعلاقة.
أما قصة الوطنية وغير الوطنية، فالكل يدرك أن فروع جماعة الإخوان المسلمين لا تتصرف بروحية الجماعة الأممية، إذ تعاملت بواقعية مع ظروف الدولة القطرية، أو دولة التجزئة، وهي تتحرك بناءً على رؤيتها لواقعها المحلي.
أما الإطار الدولي فهو أقرب إلى التنسيق منه لشيء آخر، بل حصل مرارا أن كان الخلاف عميقا، كما وقع مع إخوان الكويت إبان أزمة الاحتلال العراقي، ومع إخوان العراق في تعاطيهم مع الاحتلال الأمريكي والعملية السياسية التي رتبها.
وبالتالي فإن حرمان الجماعة من صفة الوطنية بحسب خطاب البعض هو نوع من النكاية لا أكثر، بخاصة حين يجري ربط ذلك بالملف الفلسطيني الذي تتعامل معه الجماعة هنا، تماما مثلما تتعامل معه الفروع الأخرى، بل حتى الجماعات القومية واليسارية، بروحية أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة، من دون أن يؤثر ذلك على سياق نشاطها المحلي.
والحال أن ترخيص الحزب المذكور لن يغير شيئا في حقيقة الوضع، حتى لو تم حلُّ الجماعة الأصلية، فضلا عن حزبها المرخَّص أصلا، فيما قد يعوِّل بعضهم على أن بوسعهم أن يستقطبوا عناصر الجماعة من هوية معينة، مع ما ينطوي عليه ذلك من إشكال سياسي واجتماعي وربما أخلاقي ومبدأي في آن.
شخصيا، قلت مرارا إن إدارة قيادة الجماعة للأزمة الداخلية لم تكن موفقة بحال، وهي لم تأخذ حساسيات وضعها في الاعتبار، خلافا للسنن الصحيحة في مثل هذه الحالات، وكان بوسعها استيعاب الوضع، لكن ذلك لا يعفي الطرف الآخر من الأخطاء، بخاصة بعد رفضه لمبادرة الدكتور عبداللطيف عربيات الأخير، وهو اليوم يفاقمها على نحو أوضح.
بوسع هؤلاء الذين خرجوا وقدموا الترخيص أن يختاروا اسما آخر، ويؤسسوا حزبا وفق رؤاهم التي يرونها صائبة ومختلفة، ولهم كل الحق في ذلك، وفرصتهم في النجاح ربما تكون أكبر من فرصتهم في هذه الحالة الجديدة التي لن تغير في حقائق الواقع شيئا، لاسيما أن الجماعات السياسية الكبيرة لا تتحرك على الأرض بناء على الموقف الرسمي وحسب، بدليل أن الجماعة الأم في مصر مكثت عقودا وهي محظورة، لكنها كانت فاعلة وبقوة في المجتمع.
من المؤمل والحالة هذه ألا تستجيب الأوساط الرسمية لهذا المسار.
ورغم إدراكنا لطبيعة العلاقة بين أية سلطة وجماعة معارضة، فإن شق الجماعة على أساس “هوياتي” ليس في مصلحة المجتمع بأي حال، وهو أخطر على منظومة التطرف والاعتدال من وجودها الطبيعي الذي جرى التعايش معه طوال عقود دون إشكالات كبيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق