السبت، 2 مايو 2015

مبارك يحييكم من «صدى البلد» وكر الفلول!


مبارك يحييكم من «صدى البلد» وكر الفلول!

سليم عزوز

لم تعد مصر حبلى بنجمه، كما قال أحد شعراء الغبراء، وصفاً للسيسي، فمصر صارت حبلى بالتغيير، بينما القوى التي شاركت في الثورة مشغولة، بالحصول على تنازلات من الإخوان، وإعتراف منهم بأنهم أخطأوا في حق الثورة، وأن من يعبرون عن الإستقامة الثورية هم الذين كانوا جزءاً من أداء المجلس العسكري الحاكم، ومن الإنقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز، ممن مثلوا «ائتلافات الوجاهة الإجتماعية» لثورة لم تفرز زعامات وإنما أنتجت مطالب، ومن أدخلوا على الرأي العام الغش والتدليس بالترويج للدكتور عصام شرف، أول رئيس حكومة بعد الثورة، على أنه رئيس الوزراء المقبل من ميدان التحرير، مع أنه كان قادماً من لجنة السياسات لصاحبها جمال مبارك وصديقه أحمد عز !

«السيسي» بدت شرعيته كعصف مأكول، مما كان سبباً في استدعاء الزعيم الروحي له «حسني مبارك» في مداخلة على قناة جرى إختيارها بعناية، ومع مذيع جرى تخليقه في أنابيب الأجهزة الأمنية، منذ أن كان في حكم «الجنين المستكين»، وفي مرحلة النشأة والتكوين، وما خبث لا يخرج إلا نكدا!
كل خيارات مبارك (الأب) ومبارك (الإبن) هي ذاتها خيارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي شكله مبارك، ليحمي به خيار التوريث، الذي لم يعترض عليه القوم ولو بشطر كلمة، دعك ممن يروجون لهذا المجلس بعد الثورة كما لو كان شريكاً في الحكم، وهو الذي كانت كل خطوات أعضائه تحت المراقبة الدقيقة لجهاز مباحث أمن الدولة، بما في ذلك هواتفهم، وكانوا يعلمون ذلك فلا يتبرمون، خشية أن تضبطهم الأجهزة الأمنية متلبسين بالتبرم!
المشير محمد حسين طنطاوي، اختار لرئاسة الحكومة في عهده، وزيراً سابقاً في «دولة مبارك» و
«عضواً لآخر لحظة» في لجنة السياسات، هو «عصام شرف»، تماماً كما كان الإختيار الحر لقائد الإنقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، لـ إبراهيم محلب، عضو لجنة السياسات أيضاً، مما جعل من حكم السيسي هو الإمتداد، لحكم المشير حسين طنطاوي، الذي هو الإمتداد الطبيعي لحكم المخلوع.
قائد الإنقلاب يعاني أزمة داخل معسكره، لأنه يريد أن ينفرد بالسلطة، ويصبح هو الحاكم الفرد، ويريد أن يغيب سياسياً، كل شركاء الإنقلاب، وإذا كان قد إستطاع أن يغيب السياسيين منهم، كما فعل مع الوزراء: زياد بهاء الدين، وحسام عيسى، وكمال أبو عيطة، ورئيس الحكومة حازم الببلاوي، فإنه يجد صعوبة مع تجمع رجال الأعمال، الذي بدأ مبكراً حملة إفشال الرئيس محمد مرسي، وهم يسيطرون على وسائل الإعلام التي شيطنته، تمهيداً لما جرى في 30 يونيو/حزيران، وهم يرون أنهم «أصحاب الليلة»، ودور السيسي فيها كان «إحياءها»، على طريقة إحياء هذا النوع من الليالي باستدعاء المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم!

المقاول عبد الفتاح السيسي

جناح رجال الأعمال يريد السيطرة على البرلمان، وفي المقابل يؤجل عبد الفتاح السيسي الإنتخابات البرلمانية، وعندما يجد نفسه مضطراً لتحديد موعد لها، يضع القوانين التي يضمن أن المحكمة الدستورية العليا ستقضي بعدم دستوريتها!
ومن هنا كانت الحملة الإعلامية ضد السيسي، التي إنطلقت في لحظة واحدة، وشاهدنا مقدمي برامج يرتجفون وهم يحاورونه، تعلو أصواتهم ضده بالنقد والهجوم، فالتفت حوله فلم يجد إلا خيارات دولة حسني مبارك وولده جمال، فلم يجد الأمان العاطفي سوى في فضائية رجل الأعمال القوي في عهد مبارك محمد أبو العنيين: «صدى البلد» التي يعمل فيها أحمد موسى، ورولا خرسا، ورشا مجدي، التي يقال إنها قريبة زوجة علاء مبارك، ولأجل هذا فعندما تم منعها من الظهور في التلفزيون المصري الرسمي بعد جريمة تحريضها على المسيحيين المتظاهرين أمام المبنى، بدعوة المسلمين للقدوم وحماية مصر منهم، استقبلتها قناة «أبو العنيين» بعد فتحها، ولم تعترض على ذلك قيادة الكنيسة المتحالفة مع نظام مبارك، فقد جرى التفريط في دماء مينا دانيال، شهيد «ماسبيرو» بعد الإنقلاب العسكري على الرئيس المنتخب.
«صدى البلد»، هي «وكر الفلول» الآن، فتضم عزة مصطفى، التي وصفها عباس كامل سكرتير عبد الفتاح السيسي بـ «البت» في التسريبات الشهيرة، وهي رئيسة التلفزيون المصري إبان الثورة، وهي من نفذت فكرة «لقد تم فتح السجون، والشبيحة الآن يهجمون على البيوت»، مطالبة في يوم جمعة الغضب، المتظاهرين بمغادرة الميادين والعودة إلى بيوتهم لحمايتها، وعندما لم تسعفها الإتصالات المرتبة، التي تصرخ عبر الأثير، من هجوم البلطجية، وغزوها للبيوت، إتصلت هي لتعلن من بيتها، أو هكذا قالت، إن الوضع مأساوي للغاية.
لقد كان طبيعياً أن تقال عزة مصطفى بعد الثورة، لتظهر بعد ذلك على قناة صدى البلد، التي هي الأقرب إلى السيسي، لأنها مملوكة لرجل ينتمي مثله لزمن مبارك.
صحيح أن «أبو العنيين»، له رأي سلبي في السيسي من كونه مقاولا ترقى وظيفياً ليصبح رئيساً للجمهورية، فصار منافساً يملك نفوذاً، لكن من جعله يتقرب لحكم محمد مرسي، حتى صار من زمرته، ويسافر معه في طائرته للصين، سيجعله يخفي هذه القناعة ويعمل في خدمة «المقاول عبد الفتاح السيسي» لأعمال رصف الطرق، وحفر الترع، وشق المصارف، وركوب الدراجات!
لاحظ أن قناة «صدى البلد» حصلت على البث الحصري لمحاكمة مبارك وأركان حكمه، في سابقة غير معلوم تفاصيلها، لكن تغطية المحاكمة التي كانت تديرها رشا مجدي كانت تستهدف التمهيد للبراءة التي حصل عليها المخلوع و»حملة عرشه» بعد ذلك.


المنظومة الإعلامية الجديدة
في مواجهة الإعلام الذي يدار لصالح المنافسين، لم يجد عبد الفتاح السيسي سوى رجال مبارك، فكانت «صدى البلد»، وصار مستشاره الإعلامي السري هو عبد اللطيف المناوي الذي يرتب له منظومته الإعلامية الجديدة، وهو من إختاره جمال مبارك سابقاً، ليمهد لمشروع التوريث، وولاه رئاسة قطاع الأخبار في التلفزيون المصري قادماً من خارج المبنى، وكانت زوجته رولا خرسا جزءاً من حملة التمهيد لمشروع التوريث، الذي لم يجد أي إعتراض من قبل العسكر، ولم يكن لأحد منهم أن يجرؤ ويعترض، وأعضاء المجلس العسكري هم من الإختيار الحر لمبارك، وكان بعضهم يجهر بعد الثورة بالإعلان عن أنهم أبناؤه. وجمال مبارك بالتالي هو شقيقهم الأصغر. وإذا كان الحكم لم يذهب لإبن مبارك من صلبه فقد ذهب لابنه بالتبني!
السيسي يصنع الآن إعلامه الخاص، ومن يدير له المنظومة هو عبد اللطيف المناوي، وتظل «صدى البلد»، وإلى حين إشعار آخر، هي قناته المفضلة، ومعلوم أن «أبو العنيين» وفي إطار إخلاصه لنفسه ومصالحه ليس هو من يُضمن وفاءه للنهاية، لأن هناك تضاربا في المصالح، عندما يتذكر كل منهما أنه منافس للآخر بحكم كون كلاهما في الأصل «مقاولا». فضلاً عن أن صاحب «صدى البلد»، باع مبارك واشترى نفسه وتقرب من جماعة الاخوان وعزل رئيس تحرير موقع «صدى البلد» زميلنا سعيد شعيب، إبان حكم الإخوان، لأن إسمه كان كفيلاً بإثارة غضب الجماعة، فهو صاحب الحوار التاريخي مع المرشد العام لجماعة الإخوان السابق مهدي عاكف، الذي قال فيه «طز في مصر»، وأياً كان السياق، فقد وضعت «طز» هذه، الجماعة في حرج شديد!
لأن الشيء بالشيء يُذكر، فقد كان الحوار قد أجري للنشر في جريدة «الكرامة» التي يرأس تحريرها حمدين صباحي، ولأن المصالح كانت تربطه بالجماعة التي كانت تقف معه في الإنتخابات البرلمانية وتدعمه وتسحب مرشحها في الدائرة من أجله، فلم ينشر «طز» فأعاد «شعيب» نشره كاملاً في جريدة «روزاليوسف» التي احتفت بـ «طز»!

إقالة شعيب
في تقربه من حكم الرئيس محمد مرسي أقال محمد أبو العنيين سعيد شعيب من موقع «صدى البلد»، وقد تقابلنا وقتها مصادفة أمام مدخل «نقابة الصحافيين» في مصر، وسألته إن كان يحتاج لوقفة منا معه، فوجدته يأخذ الموضوع بروح رياضية، فصاحب رأس المال يحافظ على مصالحه وهذا من حقه، ووجودي معه ربما يعوق مسيرته الجديدة!
لأن «صدى البلد» هي خيار مبارك الإستراتيجي، فقد كانت مداخلته الثانية في برنامج أحمد موسى، إذ كانت الأولى بعد خروجه من السجن، والثانية في الأسبوع الماضي بمناسبة تحرير سيناء. وقد استغلت عزة مصطفى هذه المناسبة لتطالب بعودة مبارك للتاريخ!
عاطفية عزة مصطفى، فهي لا تعلم أن مصر كلها خرجت من التاريخ ودخله مبارك، ولو علمت لما كادت أن تجهش بالبكاء وهي تطلب بعودة مبارك للتاريخ!
الإحتفاء بمبارك في «صدى البلد»، يأتي من باب أن (الرئيس الوالد) الذي لا تزال دولته تحكم، وجد شرعية الوريث في مهب الريح، فجاء ليجدد شرعيته.
بعد الثورة، اعتبر الثوار أن مداخلة لمبارك عبر قناة «العربية» من كبائر الإثم وأنه بذلك يخرج لسانه للثورة، فكانت الحشود التي حملت المجلس العسكري على تقديمه للمحاكمة.
 الآن مبارك يخرج للثورة والثوار والشهداء كل لسانه، فيولون وجوههم في اللإتجاه الآخر وهم يهتفون: لقد أخطأ الإخوان.
حلقة ذكر منصوبة، لا تتوقف عن الحديث عن خطأ الإخوان، في وقت يرى الإنقلابيون أنه يمكن الإلتفاف على مصر الحبلى بالتغيير بتدوير الإنقلاب والعمل على التخلص من السيسي أو تهميشه، لكن ليس على قواعد الثورة، مستغلين أن الثوار يمسك بعضهم في تلابيب بعض، ولا يملون من الحديث عن خطأ الإخوان وكأنهم هم من أصابوا!
إنه سلوك العجزة الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض أو دفاعاً عن ثورتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق