الملك السابع ومعالم الدولة الجديدة
إحسان الفقيه
ياسائـلًا عـــن موطـني وبـلادي
ومُفتّشـًا عـن مـوطـن الأجداد
وطنـي به البيت الحرام وطيبـة
وبه رسـول الحـق خـيـر منـادٍ
تساءلت يومًا في ظل أجواء مُحبطة:
تلك الأرض التي نزلت بها الرسالة، وعلى أرضها عاش ومات سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، وكانت شمسًا أرسلت أشعتها لتضيء للعالمين؛ كيف لها أن تنأى عن قيادة الأمة وريادتها، وتكتفي بأن تكون مركزًا دينيًا فحسب؟
إلى أن جاء الملك السابع في تلك المملكة؛ فصبّ الله عليّ التفاؤل والأمل صبًا، ورأيت منذ توليه زمام الأمور، أنها مرحلة جديدة للمملكة والأمة بأسرها.
أمسى السكون يعمّني وأنا التي
قد كنت ضائقة بقلبٍ حائرِ
والآن أشرق في محيايَ السنا
وانساب إشعاعًا يُضيء بناظري
لذا؛ سأكتب اليوم وأكتب، وأكتب..
أكتب عن ذلك الرجل، غير مكترثة بتُهم “التطبيل” التي ستنهال عليّ تترًا؛ فلطالما كنتُ، ولا زلتُ، وسأظل، أكتب ما أقتنع أنه الحق، بعشوائيتي، وتلقائيتي، وتمرُّدي على الأنماط المُتّبعة في عالم الكتابة؛ فهكذا أحب أن أكون، وبهذه الطريقة (غير المقصودة) دخلتُ قلوب الكثيرين ممن يُحسنون النية ويُجيدون قراءتي ويبذلون جهدًا لفهم ما أريد توصيله لهم دون تأويلات مريضة.
ماهو الخطأ حين نثني على فعل الإنسان الحسن؟ لسنين كنا نوصي بعضنا أن نقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت! وبقينا سنينًا عجافًا نقول في كل مكان للمسيئين أسأتم.
ولم نكن وقتها نحسب الخسائر التي تلحق بنا جراء كلمات قد يدفع الإنسان ثمنها من حريته أو مستقبله. ولأن المسيئين كثر؛ تشربنا النقد، ولمسنا مكامن الوجع إلى أن قولبنا عقولنا وفق نظرية ليست دقيقة، ملخصها أن الأصل في الحاكم هو العمل السيئ والحسن أمر عارض!
لذلك؛ مقبول ومستساغ أن تسمع النقد والجرأة فيه في كل مكان. وهذه ليست شجاعة لدى المثقفين بحد ذاتها؛ لأن كل مثقف أو ثوري يحسنها.
الشجاعة أن تكون مهووسًا بالحرية وتنادي بها، وطامحًا للنضال وتعيشه، وفجأة تنصف الإنسان الذي يحسن وتقول له “أحسنت” دون حسابات الجماهير التي تعترضك وتتهمك ولاينقصها الآن تهمة.
سنظل نقول للمحسن أحسنت؛ كلما فعل ما هو في صالح الأمة الإسلامية، أحسنت كلما قدم عملا فيه خير للشعوب العربية.
سنظل نقول للمحسن أحسنت؛ كلما فعل ما هو في صالح الأمة الإسلامية، أحسنت كلما قدم عملا فيه خير للشعوب العربية.
وإذا أساؤوا؛ سنشير إلى ذلك ونقول أسأتم، ليست هناك شيكات على بياض في المواقف، لا مع الجماهير ولا مع الحكام.
هذا هو العدل “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”.
يقول المفسرون: “لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، وأراد (ألا تعدلوا فيهم) لكنه حذف للعلم. وفي الآية قولان: الأول- أنها عامة والمعنى لا يحملنكم بغض قوم على أن تجوروا عليهم وتجاوزوا الحد فيهم؛ بل اعدلوا فيهم وإن أساؤوا إليكم، وأحسنوا إليهم وإن بالغوا في إيحاشكم؛ فهذا خطاب عام، ومعناه: أمر الله تعالى جميع الخلق بألا يعاملوا أحدًا إلا على سبيل العدل والإنصاف، وترك الميل والظلم والاعتساف”.
الأحداث اليومية التي نعيشها أثبتت أن الإساءة سهلة، أن النقد سهل، أن الحديث دون بينة سهل، أن إساءة الظن سهلة؛ أن تعدل وتنصف مع من تختلف معه ربما في جوانب كثيرة هي المهمة الشاقة.
يقول المفسرون: “لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، وأراد (ألا تعدلوا فيهم) لكنه حذف للعلم. وفي الآية قولان: الأول- أنها عامة والمعنى لا يحملنكم بغض قوم على أن تجوروا عليهم وتجاوزوا الحد فيهم؛ بل اعدلوا فيهم وإن أساؤوا إليكم، وأحسنوا إليهم وإن بالغوا في إيحاشكم؛ فهذا خطاب عام، ومعناه: أمر الله تعالى جميع الخلق بألا يعاملوا أحدًا إلا على سبيل العدل والإنصاف، وترك الميل والظلم والاعتساف”.
الأحداث اليومية التي نعيشها أثبتت أن الإساءة سهلة، أن النقد سهل، أن الحديث دون بينة سهل، أن إساءة الظن سهلة؛ أن تعدل وتنصف مع من تختلف معه ربما في جوانب كثيرة هي المهمة الشاقة.
ليست على المستوى الشخصي فقط، ليست حين تمسك قلمك لتكتب كلمتين هنا أو هناك؛ بل على مستوى الجمهور.
هناك جماهير تحب أن تظل في حالة حرب دائمة؛ تحب ألا ترى الحاكم يفعل خيرًا، وإذا فعل، قالوا أراد به كذا، وإنما فعل لأجل كذا.
الإنسان بطبيعته يحب أن يسمع شكرًا، يحب أن يجد تقديرًا من الآخرين، سماها الرسول “عاجل بُشرى المؤمن”.
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: “تلك عاجل بشرى المؤمن”، رواه مسلم.
هذه العاجلة ربما تُسهم في أن يستمر المحسن في إحسانه ويكف ويصحح إساءاته.
لنعود..
الملك السابع الذي أوشك على بلوغ عامه الثمانين، لم يكن في حاجة إلى التذكير بأن عمره قد لا يبقى فيه ما يكفي لرؤية أحلامه التي ينشدها لوطنه وأُمّته تتحقق على أرض الواقع داخليًا وخارجيًا.
لكنني رأيته عُمَريّ العزم، قد استنهض عزائم المُخلصين منذ اللحظة الأولى، ليرسم معالم السعودية الجديدة، والتي تقوم على الانطلاقة من الإصلاح الداخلي، وإقامة علاقاتها الخارجية على أساس المبادرة الفاعلة.
بدأها سلمان بثورة داخلية هادئة؛ قرّب أهل الثقة، واستبعد المُغردين في سرب طيور بنت أعشاشها في غابات بلادٍ بعيدة لا تُشبهُنا تفاصيلها، وأقصى ذوي الأجندات الخاصة والمقاصد المشوّهة، وجعل من “العمل لصالح الشعب السعودي” عنوان المرحلة وكل مرحلة لدى كل مسؤول سعودي.
أصدر حزمة من القرارات الخاصة بالهيكل الإداري للدولة، منها ما قلب الموازين في الداخل والخارج؛ حيث قفز بجيل الأحفاد ليكون لهم الأمر من بعده، وذلك بعد أن نصّب الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، كما عيّن السفير عادل الجبير وزيرًا للخارجية، رغم أنه ليس من الأسرة المالكة؛ وهو ما يعني ضخًّا لدماء شبابية في القيادة السعودية، والتي تناسب المرحلة.
كان الحدث الأبرز في فترة 110 أيام التي تولى فيها سلمان حتى اليوم قيادة المملكة، هي التحرّك الإيجابي غير المتوقع خارج حدود المملكة، مُتمثّلًا في قيادة التحالف لشنّ عملية عاصفة الحزم ضد الانقلاب الحوثي المدعوم من قِبل إيران.
وأراد سلمان أن يُخرج بلاده من سياسة رد الفعل، وانتظار نتائج تحركات إيران بمشروعها التوسعي في المنطقة، إلى المبادرة بالتصدّي له في أحد معسكراته الهامة ونقاطه القوية القريبة وهي التمدد الحوثي الموالي لإيران، والذي بات يهدد أمن السعودية والخليج والمنطقة بأسرها.
ورغم المشاركة من دول الخليج وغيرها في التحالف؛ إلا أن العبء الأكبر تحملته السعودية في القيادة والعتاد العسكري وعدد الجنود.
سعى سلمان لتجميع دول الخليج على رؤية موحدة تجاه النفوذ الإيراني، رغم علمه أن بعض الدول في مجلس التعاون الخليجي لها سياستها الخاصة، وأن دول المجلس تتفاوت فيما بينها في علاقتها بإيران، ما بين دول ممانعة، إلى مُسايرة؛ إلا أنه يعلم جيدًا أن اجتماع تلك الدولة ككتلة واحدة من شأنه أن يغير الخارطة السياسية بالمنطقة إن أُحسن استغلاله.
وإلى الآن، تسير الدول الخليجية في اتجاه واحد، بما فيها دول المُسايرة التي تربطها بإيران علاقات اقتصادية وأمنية.
بنى سلمان على ذلك الدور المحوري تجاه أزمة اليمن دورًا آخر، انطلق لأدائه من خلال العاصفة التي رفعت من أسهُمه داخليًا وخارجيًا؛ وهو دعم الشعب السوري في نيل حقوقه، ومُساندته ضد طاغية الشام.
وهو ما أكّد عليه المندوب السعودي في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، أمام الجمعية العامة؛ حيث شدد على مسمع الجعفري، مندوب بشار الأسد، على أن السعودية التي أثبتت قدرتها على الحزم والحسم سوف تساند الشعب الثوري.
لقد ارتبط بهذا الدعم بالتحالف الجديد الذي عقدته السعودية مع تركيا وقطر، وهي الدول التي تعارض النفوذ الإيراني بقوة، ولها رؤية موحدة تجاه المشروع الإيراني وتمدده في المنطقة؛ ترتب على ذلك انتصارات ساحقة للثوار في الشمال السوري، وهو ما يستبعد القول بتحققه دون دعم تركي سعودي.
ويبدو أن سلمان يسعى لإقامة علاقات جديدة مع فصائل التيار الإسلامي المُعتدلة، مع إدراك تام بأنها قد تكون ورقة رابحة في التعامل مع إيران؛ ولذا أبطل إدراج جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب، ونفى رجاله أن يكون هناك عداء للإخوان.
وهذه الورقة رغم حساسيتها؛ إلا أنها تعتبر ورقة رابحة إن أحسن استغلالها، ومن ذلك دعم الجماعات المُسلّحة المعارضة للنشاط الإيراني الصفوي، داخل إيران وفي سوريا أيضًا.
وعلى صعيد العلاقات السعودية المصرية، فإن السعودية في عهد سلمان لم تعد حليفًا للسيسي، وخرجت من لعبة رعاية الانقلاب ودعمه؛ ويظهر ذلك بوضوح في المشاركة الواهنة المشبوهة لزعيم الانقلاب في الحرب على الحوثيين، رغم خطورة الوضع الراهن على مصر؛ بسبب مضيق باب المندب.
كما يظهر الاختلاف وعدم التناغم في رفض السيسي لعاصفة حزم ضد بشار الأسد، بالإضافة إلى أن إطلاق الإعلام المصري على السعودية بذاءاته وانفلاتات مرتزقته من مشاهير الدناءة والخسّة والسوقيّة (يعكس شكل العلاقات الجديدة بين نظام السيسي والسعودية).
وأرى أن من أبرز ما فعله سلمان مؤخرًا تلك الصفعة التي قام بتوجيهها إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عندما اعتذر عن حضور كامب ديفيد، وأناب عنه المحمدين: بن نايف، وبن سلمان.
غياب سلمان عن لقاء أوباما رسالة تذمر واضحة من التقارب الأمريكي الإيراني على حساب الخليج؛ حيث إن أمريكا لم تعط الخليج ضمانات كافية للدفاع ضد أي اعتداء من جهات خارجية (إيران) في الوقت الذي تمضي المفاوضات على النووي الإيراني لصالح طهران وبما يهدد أمن الخليج.
وعندما أقول إنها صفعة فلست أبالغ في الوصف؛ فنحن نتحدث عن غياب لخادم الحرمين وهو في عافية ودون ارتباطات بلقاءات دولية أخرى، نتحدث عن غيابه في لقاء رئيس أقوى دولة في العالم، في لقاء يتعلق بقضايا بالغة الحساسية، وهو ما يقد يربك حسابات أوباما الذي يسعى لتوافق عربي في إمضاء الاتفاق على النووي مع إيران.
وفيما يتعلق بالملف الفلسطيني، فهناك من يتحدث عن دور سعودي قادم تجاه المصالحة الفلسطينية، لكن ينتظر من سلمان أكثر من ذلك تجاه دعم المقاومة؛ حتى لا تُترك حماس فريسة اللجوء لإقامة علاقات متينة مع إيران بعد أن تخلى عنها العرب.
عقبات
رغم تفاؤلي برسم معالم جديدة للمملكة العربية السعودية، أتوقع أن يكون لها تأثير إيجابي على المنطقة بأسرها؛ إلا أن هناك عدة عقبات أمام (الإمام سلمان):
١- التقارب المصري مع الحلف الصفوي المناهض للسعودية (إيران وسوريا ومِن ورائهم روسيا).
٢- الدعم الإيراني المحموم للحوثيين باليمن، وهو ما جعلهم يصمدون حتى اليوم؛ بل وقاموا بالاعتداء على نجران.
٣- التقارب الإيراني الأمريكي كما أسلفنا.
٤- ملفات داخلية بحاجة إلى معالجة، أبرزها ملف المعتقلين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء المسلمين ولم يحرضوا على العنف يومًا، من المشائخ والعلماء والمصلحين وسجناء الرأي. نأمل خيرًا في إفراجات قريبة تُسعد كثيرًا ممن فقدوا أبناءهم أو ذويهم خلف القضبان.
أخيرًا، لعلّ الُّلحمة الداخلية القوية في المملكة السعودية، والتركيز على تجميع دول الخليج على رؤية موحدة، والتحالف مع تركيا؛ هي أبرز أوراق القوة لدى الرجل.
ونسأل الله أن يجعله عند حسن ظننا به وأن يردّ كيد أعداء أُمّتنا وبلادنا إلى نحورهم.
لنعود..
الملك السابع الذي أوشك على بلوغ عامه الثمانين، لم يكن في حاجة إلى التذكير بأن عمره قد لا يبقى فيه ما يكفي لرؤية أحلامه التي ينشدها لوطنه وأُمّته تتحقق على أرض الواقع داخليًا وخارجيًا.
لكنني رأيته عُمَريّ العزم، قد استنهض عزائم المُخلصين منذ اللحظة الأولى، ليرسم معالم السعودية الجديدة، والتي تقوم على الانطلاقة من الإصلاح الداخلي، وإقامة علاقاتها الخارجية على أساس المبادرة الفاعلة.
بدأها سلمان بثورة داخلية هادئة؛ قرّب أهل الثقة، واستبعد المُغردين في سرب طيور بنت أعشاشها في غابات بلادٍ بعيدة لا تُشبهُنا تفاصيلها، وأقصى ذوي الأجندات الخاصة والمقاصد المشوّهة، وجعل من “العمل لصالح الشعب السعودي” عنوان المرحلة وكل مرحلة لدى كل مسؤول سعودي.
أصدر حزمة من القرارات الخاصة بالهيكل الإداري للدولة، منها ما قلب الموازين في الداخل والخارج؛ حيث قفز بجيل الأحفاد ليكون لهم الأمر من بعده، وذلك بعد أن نصّب الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، كما عيّن السفير عادل الجبير وزيرًا للخارجية، رغم أنه ليس من الأسرة المالكة؛ وهو ما يعني ضخًّا لدماء شبابية في القيادة السعودية، والتي تناسب المرحلة.
كان الحدث الأبرز في فترة 110 أيام التي تولى فيها سلمان حتى اليوم قيادة المملكة، هي التحرّك الإيجابي غير المتوقع خارج حدود المملكة، مُتمثّلًا في قيادة التحالف لشنّ عملية عاصفة الحزم ضد الانقلاب الحوثي المدعوم من قِبل إيران.
وأراد سلمان أن يُخرج بلاده من سياسة رد الفعل، وانتظار نتائج تحركات إيران بمشروعها التوسعي في المنطقة، إلى المبادرة بالتصدّي له في أحد معسكراته الهامة ونقاطه القوية القريبة وهي التمدد الحوثي الموالي لإيران، والذي بات يهدد أمن السعودية والخليج والمنطقة بأسرها.
ورغم المشاركة من دول الخليج وغيرها في التحالف؛ إلا أن العبء الأكبر تحملته السعودية في القيادة والعتاد العسكري وعدد الجنود.
سعى سلمان لتجميع دول الخليج على رؤية موحدة تجاه النفوذ الإيراني، رغم علمه أن بعض الدول في مجلس التعاون الخليجي لها سياستها الخاصة، وأن دول المجلس تتفاوت فيما بينها في علاقتها بإيران، ما بين دول ممانعة، إلى مُسايرة؛ إلا أنه يعلم جيدًا أن اجتماع تلك الدولة ككتلة واحدة من شأنه أن يغير الخارطة السياسية بالمنطقة إن أُحسن استغلاله.
وإلى الآن، تسير الدول الخليجية في اتجاه واحد، بما فيها دول المُسايرة التي تربطها بإيران علاقات اقتصادية وأمنية.
بنى سلمان على ذلك الدور المحوري تجاه أزمة اليمن دورًا آخر، انطلق لأدائه من خلال العاصفة التي رفعت من أسهُمه داخليًا وخارجيًا؛ وهو دعم الشعب السوري في نيل حقوقه، ومُساندته ضد طاغية الشام.
وهو ما أكّد عليه المندوب السعودي في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، أمام الجمعية العامة؛ حيث شدد على مسمع الجعفري، مندوب بشار الأسد، على أن السعودية التي أثبتت قدرتها على الحزم والحسم سوف تساند الشعب الثوري.
لقد ارتبط بهذا الدعم بالتحالف الجديد الذي عقدته السعودية مع تركيا وقطر، وهي الدول التي تعارض النفوذ الإيراني بقوة، ولها رؤية موحدة تجاه المشروع الإيراني وتمدده في المنطقة؛ ترتب على ذلك انتصارات ساحقة للثوار في الشمال السوري، وهو ما يستبعد القول بتحققه دون دعم تركي سعودي.
ويبدو أن سلمان يسعى لإقامة علاقات جديدة مع فصائل التيار الإسلامي المُعتدلة، مع إدراك تام بأنها قد تكون ورقة رابحة في التعامل مع إيران؛ ولذا أبطل إدراج جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب، ونفى رجاله أن يكون هناك عداء للإخوان.
وهذه الورقة رغم حساسيتها؛ إلا أنها تعتبر ورقة رابحة إن أحسن استغلالها، ومن ذلك دعم الجماعات المُسلّحة المعارضة للنشاط الإيراني الصفوي، داخل إيران وفي سوريا أيضًا.
وعلى صعيد العلاقات السعودية المصرية، فإن السعودية في عهد سلمان لم تعد حليفًا للسيسي، وخرجت من لعبة رعاية الانقلاب ودعمه؛ ويظهر ذلك بوضوح في المشاركة الواهنة المشبوهة لزعيم الانقلاب في الحرب على الحوثيين، رغم خطورة الوضع الراهن على مصر؛ بسبب مضيق باب المندب.
كما يظهر الاختلاف وعدم التناغم في رفض السيسي لعاصفة حزم ضد بشار الأسد، بالإضافة إلى أن إطلاق الإعلام المصري على السعودية بذاءاته وانفلاتات مرتزقته من مشاهير الدناءة والخسّة والسوقيّة (يعكس شكل العلاقات الجديدة بين نظام السيسي والسعودية).
وأرى أن من أبرز ما فعله سلمان مؤخرًا تلك الصفعة التي قام بتوجيهها إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عندما اعتذر عن حضور كامب ديفيد، وأناب عنه المحمدين: بن نايف، وبن سلمان.
غياب سلمان عن لقاء أوباما رسالة تذمر واضحة من التقارب الأمريكي الإيراني على حساب الخليج؛ حيث إن أمريكا لم تعط الخليج ضمانات كافية للدفاع ضد أي اعتداء من جهات خارجية (إيران) في الوقت الذي تمضي المفاوضات على النووي الإيراني لصالح طهران وبما يهدد أمن الخليج.
وعندما أقول إنها صفعة فلست أبالغ في الوصف؛ فنحن نتحدث عن غياب لخادم الحرمين وهو في عافية ودون ارتباطات بلقاءات دولية أخرى، نتحدث عن غيابه في لقاء رئيس أقوى دولة في العالم، في لقاء يتعلق بقضايا بالغة الحساسية، وهو ما يقد يربك حسابات أوباما الذي يسعى لتوافق عربي في إمضاء الاتفاق على النووي مع إيران.
وفيما يتعلق بالملف الفلسطيني، فهناك من يتحدث عن دور سعودي قادم تجاه المصالحة الفلسطينية، لكن ينتظر من سلمان أكثر من ذلك تجاه دعم المقاومة؛ حتى لا تُترك حماس فريسة اللجوء لإقامة علاقات متينة مع إيران بعد أن تخلى عنها العرب.
عقبات
رغم تفاؤلي برسم معالم جديدة للمملكة العربية السعودية، أتوقع أن يكون لها تأثير إيجابي على المنطقة بأسرها؛ إلا أن هناك عدة عقبات أمام (الإمام سلمان):
١- التقارب المصري مع الحلف الصفوي المناهض للسعودية (إيران وسوريا ومِن ورائهم روسيا).
٢- الدعم الإيراني المحموم للحوثيين باليمن، وهو ما جعلهم يصمدون حتى اليوم؛ بل وقاموا بالاعتداء على نجران.
٣- التقارب الإيراني الأمريكي كما أسلفنا.
٤- ملفات داخلية بحاجة إلى معالجة، أبرزها ملف المعتقلين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء المسلمين ولم يحرضوا على العنف يومًا، من المشائخ والعلماء والمصلحين وسجناء الرأي. نأمل خيرًا في إفراجات قريبة تُسعد كثيرًا ممن فقدوا أبناءهم أو ذويهم خلف القضبان.
أخيرًا، لعلّ الُّلحمة الداخلية القوية في المملكة السعودية، والتركيز على تجميع دول الخليج على رؤية موحدة، والتحالف مع تركيا؛ هي أبرز أوراق القوة لدى الرجل.
ونسأل الله أن يجعله عند حسن ظننا به وأن يردّ كيد أعداء أُمّتنا وبلادنا إلى نحورهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق