ابن الزبال وابن الإخواني والسيناوي
وائل قنديل
حسنا: لقد غضبت من أجل تهميش وحرمان أبناء جامعي القمامة، هذا جيد وإنساني تماما، وأخلاقي. لكن، ماذا عن السكوت على عنصرية أكثر بشاعة، مارستها أنت شخصيا، وفي الحد الأدنى صفقت لها، ووافقت عليها، ضد أبناء جماعة الإخوان المسلمين، وضد أبناء سيناء الحبيبة الذين صاروا بمعيار جنرال العنصرية الذي فوضته، شعباً شقيقاً، مثلهم مثل الإثيوبيين؟
رائع أن تحتج على حرمان أبناء فئة في المجتمع من التعيين في وظائف بعينها، فهذا تمييز طبقي بغيض. لكن، ماذا عن حرمان قطاع هائل من المجتمع من الحق في الحياة، والحق في التنفس، والتعليم والتنقل، على أساس عقدي وفكري؟ أليس ذلك تمييزاً أسوأ بكثير من التمييز الوظيفي؟
عمليات الإقصاء الوظيفي والتطهير على أساس فكري داخل الهيئات والمؤسسات لم تتوقف منذ الانقلاب الأخلاقي قبل عامين، ولم نسمع أن أحداً اعترض.
وفي اللحظة التي شهدت انتفاضة "الوزير والزبال" كم حكمٍ قضائيّ صدر ضد أبناء وبنات وأطفال بأحكام السجن المشدد، لمجرد أنهم أبناء مواطنين ينتمون لجماعة الإخوان؟ ومع ذلك، لم نر أحداً يحتج على جموح هذه "العدالة الفاشية" البشعة.
لماذا لم تغضب للون آخر من الفاشية والعنصرية، طاولت ألسنته مجموعة من أروع الرياضيين الذين عرفتهم مصر، من محمد أبو تريكة، ثم قائمة من 15 شخصا قررت الحكومة أن تسطو على أموالهم وممتلكاتهم، بقرارات جائرة، صفقت لها الحناجر المحشوة بالقبح، في اللحظة نفسها التي صرخت فيها الحناجر نفسها ضد وزير العدل، وتصريحه الرافض لتعيين الزبالين في الوظائف العليا بسلك القضاء؟
لقد أنهى بعضهم وصلة الرقص الخليع على إيقاعات العدالة الاجتماعية ورفض التمييز الطبقي، لمناسبة موقعة الوزير وجامع القمامة، ليبدل ملابس الاستعراض، ويقدم وصلة جديدة، تجسد قمة العنصرية والطبقية، حين راح يثغو دفاعاً عن ضابط الشرطة قاتل الشهيدة شيماء الصباغ، بحجة أنه قتلها في حب الوطن، ودفاعا عن أمنه، ولم يكن يقصدها هي بعينها.
ثم يخرج آخر، تتقاطر الدماء من شدقيه، ليطالب بمزيد من القتل والدماء والإبادة، بحجة أن الوطن في خطر والجنرال في خطر، ونخبته الوضيعة في خطر أعظم، ومع ذلك، لا يستشعر هؤلاء حرجاً ولا خجلاً، وهم يتحدثون عن العدالة والمساواة، في موضوع وزير العدل وجامعي القمامة، تلك القصة التي تجسد نموذجا للألعاب النارية المثيرة في فضاء الرأي العام.
إن نظاما يصل الحال بإعلانه أن ينشر خبراً عن "ضبط إخوانية تمارس الدعارة مقابل المال بلا تمييز"، ويطلق كلاب صيد مسعورة تنهش في كل من ينطق بكلمة، أو يرفع صوته محذرا من الانهيار الشامل الذي توشك عليه مصر، في ظل إدارة سياسةٍ أدمنت الكذب والتلفيق والتزييف، كثالوث مقدس لعقيدتها في الحكم، إن نظاماً كهذا لا يمكن أن يتصور عاقل أبداً أنه معني بأمور مثل المساواة والعدالة والإخاء.
وفي هذا تكفي واقعة تزييف حكاية الإثيوبيين المحتجزين في ليبيا، وحدها، دليلاً دامغاً على أنك بصدد نظام متحلل قيمياً، ومتضعضع أخلاقياً، في نظر العالم أجمع، باستثناء أولئك المنضمين إلى كتائب القبح والكذب، فلم يحدث في أي عصر أن صدر تكذيب من ثلاثة أطراف أساسية في قضية، لطرف متطفل على هذه القضية، مدعياً أنه حرر رهائن إثيوبيا من قبضة الإرهاب في ليبيا، لتخرج ليبيا وإثيوبيا ومحتجزوها العائدون ليسقطوا هذه الأكذوبة في صوت واحد.
لقد غضب مصريون بسطاء من تصريح وزير العدل المستقيل، وهذا جيد وعلامة سلامة لا تزال باقية في الضمير المجتمعي، لكنّ ما ابتذل هذا الغضب، أن يجري استثماره من قبل نظام تأسس على عنصرية أكثر شراسة، محاطاً بنخبة ينحني أمامها "دراكيولا" تواضعاً وخجلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق