صديقي أيمن نور: اقرأ البرادعي
وائل قنديل
حين تتحدث في قضية هي الشغل الشاغل لعموم المصريين، ومحل اهتمام قطاعات واسعة من الأشقاء العرب، وتدلي بدلوك فيها تلفزيونيا وورقيا في الصحف السيارة، يكون نافعا تماماً، بل ومطلوبا، أن يكون الرد عليك في هذا المجال الواسع نفسه، لأن القضية، حينئذٍ، تكون قد خرجت من كونها تداولاً بين أصدقاء وشركاء حلم سياسي واحد إلى موضوع يخص الجميع ممن اكتووا بجريمة الانقلاب على ثورة يناير.
نحن، يا صديقي، لا نمارس نشاطا سريا، ولا نخفي ما نؤمن به ونعتنقه، ولا نقول عكس ما نبطن، فآراؤنا معروفة للجميع، ومعلنة. وبالتالي، حين نتجادل حولها، في حضور صاحب الشأن، والطرف الأصيل في الموضوع، الذي هو القارئ المحترم، فهذا شيء صحي ومطلوب، بل وواجب، إذا كنا مدافعين عن قيم الديمقراطية والشفافية. لذا، دعني أختلف معك في قولك إنه "ما ينفعش"، يا صديقي، أن أكتم حزني من أن نتخابط ونتحاور عبر صفحات الصحف، على الرغم من محبتي "العربي الجديد"، التي كنت أحد كتابها.
لقد تلقفت المواقع المدافعة عن سلطة الانقلاب ما دار بيننا، أمس، على أنه "تلاسن" و"اشتباك لفظي"، وأظنك تتفق معي في أن ما نحن بصدده هو حوار، جاد ومطلوب، في لحظة شديدة الضبابية، تبدو معها المسألة المصرية ملبدة بغيوم كثيرة، هو اشتباك موضوعي ومواجهة بين أصدقاء، لابد منها، إعمالا للمبدأ الذي تتبناه في قولك "ما ينفعش أن نعيش أسرى لفكرة السيناريو الواحد.. ونضع مجرد فكرة "مناقشة" أفكار وسيناريوهات أخرى، في دائرة التجريم".
فالذي حدث أنك نقلت هذه "الأفكار والسيناريوهات الأخرى" إلى العلنية، وحتى وإن كنت مجرد ناقل لها ومعلق عليها، ولست مستحدثها ومتبنيها، فإن أيمن نور الرقم المهم في معادلة المشهد السياسي المصري حين يتناولها بهذه الكثافة، يكون عنصر ترويج لها، وليس في ذلك ما يشين.
ويبقى جوهر الخلاف في الموضوع، أعني قصة الانتخابات المبكرة التي لا تمانع في خوضها ضد عبد الفتاح السيسي، الذي تقول إنك لا تعطيه شرعية، وهنا دعني أسألك: ماذا لو تلقفها السيسي، ودعاك إلى النزال؟
هل لديك أدنى شك في أن من استطاع استخدام كل حيل الخداع والتزييف، منذ الثلاثين من يونيو، وما تلاها يستطيع أن "يهندس" عملية انتخابية، ظاهرها الجدية، وباطنها التزوير، يخرج منها فائزاً باكتساح، وساعتها سيكون قد وجه الضربة القاضية لأية محاولة لمناهضة انقلابه؟
هل لديك شك في أنك لو فعلت، وخضت المنازلة، ستكون قد جردت المعسكر الرافض للانقلاب من مشروعية وجوده؟
عزيزي: إن القول بدعوة السيسي لانتخابات مبكرة، يواجهه فيها أيمن نور، لا يختلف كثيرا عن دعوات ما قبل سقوط حسني مبارك، بترك الرجل يكمل فترته الرئاسية ويرحل، هو وابنه، وهو الفخ الذي نجت منه الثورة المصرية، والتي إن قبلت به، لكانت قد فقدت كونها ثورة، وتجردت من كل قيمها الأخلاقية والإنسانية.
تقول، في ردك الجديد، إنك كنت تعني "المناقشة" لا "الموافقة"، وهنا اسمح لي أن أذكرك بأن إجابتك على السؤال كانت واضحة في إعلان استعدادك للرجوع ومواجهة السيسي في انتخابات، وهذا، في أقل التقديرات، يعني "عدم ممانعة"، إن كنت ترى في وصفك بـ"الموافق" إجحافا بك.
أخيراً: لا أظن أن حوارا من هذا النوع يمكن أن يحمل مخاطر حمق يمكن معها أن يفقد صديق صديقا قديما، فقد اختلفنا، وسنختلف، في فروع وتفاصيل. لكن، لا أتخيل أننا سنختلف في توصيف ما جرى في مصر على أنه "جريمة انقلاب دموي"، أوصلت قائدها إلى السلطة. وعليه، أربأ بالصديق أيمن نور أن يرضى بالمنافسة أمام هؤلاء، على أرضهم، وبإدارة تحكيمية من لدنهم.
وختاماً، لا أطالبك ولا أحد يطالبك بأن تظل" حبيس توجه أو صندوق، لا أفكر أبداً خارجه، فلا أضيف إلا أصفارأً على يسار أرقام، لا تتحرك للأمام. ولا ترى غير لحظة في الماضي، ولا تريد أن تعزف إلا على وتر واحد".
من حقك أن تتمرد على الصندقة والخندقة، لكني استحلفك بما بيننا أن تقرأ اعترافات الدكتور محمد البرادعي الأخيرة عن كواليس الجريمة التي أوصلت إلى السلطة من تريد منافسته في معركة أخلاقية، وتسأل نفسك: هل يستحق هؤلاء مقابلتك لهم على ملعبهم المزروع بالجماجم، والمخطط بالدماء؟
دمت بخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق