السبت، 10 أكتوبر 2015

سَمّيْتُك الغضب المقدس

سَمّيْتُك الغضب المقدس


وائل قنديل

تورق أشجار انتفاضة ثالثة في فلسطين، فتلتزم قاهرة عبد الفتاح السيسي الصمت أمام إعلان موقع "والا" المخابراتي الصهيوني، أن إسرائيل ستمد مصر بالغاز!
يشتعل الغضب في صدر المواطن العربي بامتداد الخارطة، ضد الجرائم الصهيونية ضد المقدسات والبشر، فيبادر جبريل الرجوب، رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني، إلى إعلان "جهاد الفيفا" لإشباع رغبة سلطات الكيان الصهيوني في تلويث جوازات سفر أعضاء المنتخب السعودي بأختام إسرائيلية، وتحقيق متعة الاحتلال في إذلال القادمين من بلاد الحرمين الشريفين، قبل السماح لهم بالعبور للعب مباراة في كرم القدم ضد منتخب أولى القبلتين.
في موضوع استيراد الغاز، لم تعد هناك ألغاز، ومات الخجل في الوجوه البليدة، وما كان يدور سراً، صار علنياً وبكل فخر، حتى أنهم باتوا لا يجرؤون على ذكر "إسرائيل"، وهم يحتفلون بذكرى انتصار أكتوبر، وكأن المعركة كانت ضد قوى غيبية، مخافة أن توضع دولة الاحتلال الصهيوني كعدو في خطبة الجنرال المشمول برعايتها. لو أن طفلا من مواليد بداية الألفية الجديدة استمع إلى خطاب عبد الفتاح السيسي الأخير، لظن أن الجيش المصري ربح معركة 1973 ضد الفلسطينيين، أو ضد الإخوان المسلمين، أو ضد الإرهاب، حيث لا حرب إلا الحرب على الإرهاب، حسب عقيدة النظام المصري الحالي، منذ قرر الانقلاب على ثورة يناير، منتزعاً صيحات الإعجاب والتأييد من الصهاينة، حكاماً ومستوطنين. 
محوا فلسطين من خرائط كتب الجغرافيا، وغيّبوها من حصص الإعلام المسموم، وأصبح الكلام عن "إسرائيل" كحليف وصديق، بلا تورية، ومن دون لف أو دوران.
وفي حكاية "جهاد الفيفا" ضد المنتخب السعودي، كنا نتمنى أن يوفر جبريل الرجوب كل هذا الجهد الذهني للتفكير في وسائل لدعم صمود الشعب الفلسطيني في انتفاضته الثالثة، ذلك أن الفلسطيني ليس بحاجة إلى ثلاث نقاط من مباراة، بقدر حاجته إلى قطرات من الدماء في عروق التافهين.
وفي الوقت نفسه، حريٌّ بالمسؤولين عن الكرة السعودية ألا يمنحوا سلطات الاحتلال هذه الفرصة، فالتاريخ لن يحتفي بحصول السعوديين على ثلاث نقاط من فلسطين المحتلة، لكنه لن ينسى أبداً نقاط الحبر الصهيوني على جوازات سفر بعثتهم.
والحاصل أنه حين تغرق الأمة في واقع مهين، يكون الاعتصام بالأشياء الرمزية مطلباً وواجباً، ويكون ارتداء الكوفية والحطة الفلسطينيتين أضعف الجهاد، وكذلك يكون الإبقاء على جواز السفر طاهراً من دنس الأختام الصهيونية. وإذ يقف المقاوم الفلسطيني في خطوط المواجهة وحده، تقفز إلى الذهن، على الفور، تلك الشراكة بين "والي رام الله" ورئيس حكومة العدو الصهيوني، ووالي مصر، بشأن مشروع الحرب على الإرهاب، إذ تتطابق الرؤى والأقوال والأفعال، فقبل عدة أشهر، وحين بدأ سعي السيسي إلى إنشاء قوة عربية مشتركة، أعلن محمود عباس أنه يتمنى أن تتولى هذه القوة الحرب على الإرهاب المستقر في غزة، محرّضاً على المقاومة الفلسطينية.. 
وفي تلك الأثناء، كان عبد الفتاح السيسي منخرطاً في الحرب ضد سيناء، ليجعل عاليها سافلها، ويهجر أهلها إلى المجهول، رافعا الشعار نفسه "الحرب على الإرهاب"، ليأتي بنيامين نتنياهو، ويلتقط الخيط ويعلنها، حين اندلع الغضب الفلسطيني ضد الاعتداءات على المسجد الأقصى: نحن نحارب الإرهاب الفلسطيني.
أي عار يلفنا جميعا، حتى بتنا لا نملك إلا الكتابة والنحيب! أو أن نفتش في ديوان الشعر العربي، ونأتي بأبياتٍ للشاعر الراحل محمد عفيفي مطر، من قصيدة "ألف قيامة لموت واحد" التي كتبها في رثاء المناضل الشيشاني شامل باسييف، ونهديها للفتى المقاوم في فلسطين وفي سورية:
سَمّيتُكٓ النجم الذي يعلو، 
يشق غياهب المنفى تٓوٓقُّدُه
سميتك النسر المحموم في سماء الروح،
 سدرة منتهى الأشعار مرقده
سميتك الحصباء والأعشاب في جبل العشيرة.. سميتك النبع المزفزف بالمياه ليشرب
الطير الشريد ويصطفي عشا 
سميتك الغضب المقدس 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق