الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

مشروع المليون فدان وبيع غرب مصر للأجانب

مشروع المليون فدان وبيع غرب مصر للأجانب


عامر عبد المنعم
ما يتم في مشروع المليون ونصف المليون فدان أغرب عملية تأميم ومصادرة للأراضي الصالحة للزراعة في الصحراء الغربية لصالح الأجانب، فالمشروع تخطيطا وتنفيذا يهدف إلى نقل ملكية الأراضي المصرية إلى الشركات الأمريكية والمستثمرين المرتبطين بها، وتكرار تجربة جمهوريات الموز التي سيطرت على أراضيها شركة الفواكه الأمريكية "يونايتد فروتس" تحت شعارات الاستثمار الزراعي، وقدمت أسوأ تجربة استعمارية في أمريكا الوسطى والجنوبية طوال القرن الماضي.

قررت الحكومة المصرية تخصيص 90 % من أراضي مشروع المليون ونصف المليون فدان للمستثمرين وبيعها بمساحات تتراوح بين 10 ألاف إلى 50 ألف فدان، والمطروح في المرحلة الأولى 500 ألف فدان، أي أن عددا قد لا يزيد عن 30 مستثمرا وشركة أجنبية ستتملك الأراضي التي تزيد عن مساحات دول، خاصة وأن إجمالي أراضي المشروع المعروضة للبيع يصل إلى 4 ملايين فدان.

حرمت الحكومة مواطنيها المصريين من تملك أراضيهم،  فلم تعطهم غير 10 % فقط من المشروع، بل وحرمت هذه النسبة القليلة من أجود الأراضي في غرب المنيا التي خصصتها للمستثمرين، ووضعت لهم شروطا صعبة وتعجيزية.

وللإفلات من محاسبة الأجهزة الرقابية الحكومية ولأسباب قانونية، تم تأسيس شركة باسم "الريف المصري الجديد" لتتولى عملية نقل الملكية من الدولة للأجانب، وتم اختيار موظف سابق في هيئة المعونة الأمريكية والبنك الدولي لرئاسة الشركة، ليقوم بعملية الخصخصة والبيع بالتعاون مع المؤسسات الخارجية.

وفي خطوة تعد الأخطر على الإطلاق قرر المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة عبد الفتاح السيسي طرح شركة "الريف المصري الجديد" في البورصة لبيعها للأجانب، وبهذا تكون عملية بيع غرب مصر خاضعة للقوى الخارجية، وبهذا يتم إبعاد الحكومة بشكل نهائي عن عمليات البيع والشراء، وتكون الصحراء مجرد مشروع يتداوله الأجانب بحماية دولية.

هم يستنسخون ما فعلته شركة الفواكه الأمريكية التي استأجرت الأراضي كمزارع، واعتبرت نفسها هي الدولة، فأنشأت السكك الحديدية لخدمة إنتاجها وبنت الموانيء على المحيط لخدمة صادرات الشركة، وأدارت البلاد وتصدت الشركة لكل محاولات الاستقلال، وسخرت الجيوش والأنظمة المستبدة  لقمع الثورات الشعبية، وقتلت رؤساء، وأدارت انقلابات، وعينت رؤساء، واستعبدت شعوبا، ولذلك أطلق على هذه الجمهوريات الضعيفة مصطلح "جمهوريات الموز" لكونها دولا بلا حكومات حقيقية.

جمهوريات الموز
أنشئت شركة الفواكه المتحدة "يونايتد فروتس" الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، ونمت لتصبح الأداة المسيطرة على أمريكا الوسطى والجنوبية بما لها من مزارع كبرى في كولومبيا ونيكارغوا وكوستاريكا وجامايكا وسانت دومينغو وغواتيمالا وبنما وهندوراس وكوبا، وكانت تستولي بمعاونة الحكام الفاسدين التابعين للولايات المتحدة على 90% من الأراضي الصالحة للزراعة، وكان الحكام يزعمون أن الاستثمار الأمريكي سيجلب التكنولوجيا ويوفر الوظائف، فانتشر الفقر وعمت المجاعات.

 لقد تعاملت الشركة مع مواطني الدول التي استعمرتها زراعيا كعبيد، لم تدفع لهم أجورا عادلة، ورفضت دفع الضرائب، وتوسعت في السطو على المزيد من الأراضي للاستحواذ بدون استخدام، ومدت السكك الحديدية الخاصة بها لنقل الموز إلى موانئ خاصة أنشأتها خصيصا لخدمة عملية التصدير، كما أنشأت محطات لتوليد الكهرباء لخدمة الشركة فقط ومؤسساتها.
استخدمت شركة الفواكه الأنظمة القمعية والجيوش لقمع حركات الاحتجاج التي قام بها العمال، فامتلأت السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين، وقامت سلطات دول الموز بقتل العمال المضربين في وقائع كثيرة سجلتها الكتب (يمكن الرجوع لكتاب التاريخ الشعبي للولايات المتحدة لهوارد زن وكتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم لجون بركنز )، وقد أشار الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارثيا ماركيز إلى الكثير من هذه الفظائع لشركة الفواكه في رواياته، وفي مقدمه مذكراته  كتب عن المذبحة التي ارتكبتها قوات الأمن ضد عمال شركة الموز في مسقط رأسه وقتل المضربين في ميدان القرية الذين قال أن عددهم بلغ 3 آلاف، ثم قاموا بشحن الجثث في القطار وألقوهم بعيدا في المحيط لإخفاء الجريمة، وحتى ينسى الناس!

تجربة غواتيمالا
عملت شركة الفواكه على صناعة نخبة حاكمة من سكان كل دولة ووضعها في مواجهة باقي الشعب، فانتشرت حملات التمرد، ولكن نجح الشعب في غواتيمالا في انتخاب حاكم وطني انحاز لشعبه وقرر مواجهة شركة الفواكه في تجربة لها دلالة، ففي عام 1951 انتخب الغواتيماليون العقيد جاكوبو آربينز رئيسا من خلال انتخابات حرة وديمقراطية تمت لأول مرة في هذا البلد، وأعلن عن إجراء إصلاحات فكان الصدام مع شركة الفواكه.

سار آربينز في تنفيذ وعوده الانتخابية لشعبه الفقير بالإصلاح الزراعي وفرض الضرائب على الاستثمار الأجنبي وقرر إعادة توزيع الأراضي، فحاول انتزاع 234 ألف فدان من الأراضي غير المستغلة من أصل ممتلكات شركة الفواكه التي بلغت 295 ألف فدان، وكانت الشركة تزرع فقط 61 ألف فدان وتضع يدها على الباقي بالقوة، واستند إلى أن الشركة لم تدفع عنها ضرائب، وقدمت الحكومة تعويضا لكن الشركة رفضت، وقامت الشركة بحملة دعائية واسعة داخل الولايات المتحدة ركزت على أن آربينز زعيم شيوعي يعمل في إطار مؤامرة سوفيتية على أمريكا!!

وحتى لا تخرج غواتيمالا عن بيت الطاعة وتغري الآخرين بالتمرد دبرت المخابرات الأمريكية انقلابا في عام 1954 على النظام المنتخب ديمقراطيا وضرب الطيارون الأمريكيون العاصمة واستبدل آربينز بديكتاتور هو الكولونيل كارلوس أرماس والذي ألغى على الفور الإصلاح الزراعي وأعاد الأراضي التي انتزعت من الشركة وألغى الضرائب على الاستثمار الأجنبي وألغى نظام الاقتراع السري في الانتخابات، وأعاد المزايا والسلطة مرة أخرى لشركة الموز.

كاسترو وإغلاق الشركة
تم إجهاض محاولة آربينز لكن محاولة الاستقلال نجحت في كوبا في عام 1959 عقب الثورة التي قادها فيدل كاسترو وأطاحت بالدكتاتور باتيستا الموالي لأمريكا، وكان من أول القرارات التي اتخذها كاسترو بعد الثورة مصادرة أكثر من مليون فدان من شركة الفواكه التي كانت تزرع الموز وتسيطر على صناعة السكر وأغلق الشركات الأمريكية الأخرى، وفشلت محاولة التدخل العسكري وأفلت الزعيم الكوبي من مصير آربينز بعد تسرب موعد العملية، وتم سحق القوة التابعة للمخابرات الأمريكية في خليج الخنازير.
الاستثمار الأجنبي الموجه
الاستثمارات الأجنبية هي أداة التوسع الخارجي الأمريكي والسيطرة على الدول، وشركة الفواكه فقط مجرد مثال على الاستثمارات التي لها أهداف أخرى بجانب البحث عن الربح، وهذه الشركات حصيلة ناتج التحالف بين طبقة العائلات الثرية الممتدة داخل السلطة والمخابرات والمؤسسة العسكرية، وتمثل الشركات طليعة النفوذ الأمريكي الخارجي.
وليس من المستغرب أن جورج بوش كان مالكا لشركة الفواكه في غواتيمالا بالمشاركة مع شركة زباتا للبترول. والأمثلة كثيرة على تبادل رؤساء الشركات الأمريكية الكراسي والمناصب، بين الشركات والبيت الأبيض والكونغرس والوكالات الأمنية والبنتاغون، ولذلك فإن الكثير من الشركات المتقدمة لشراء الأراضي في بلاد بها مشاكل سياسية وأمنية ليس هدفها الربح فقط.

مشروع التقسيم
لا يمكن تجاهل مخططات التقسيم التي أعدتها دوائر إسرائيلية وأمريكية للدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وبخصوص مصر فإن المخططات بخرائطها المعلنة تشير إلى تقسيم مصر إلى 5 دويلات، وقد أشرت لبعض هذه المخططات في مقالات سابقة أبرزها مخطط برنارد لويس الذي يدعو إلى انتزاع الصحراء الغربية لإقامة دويلة طائفية صهيونية في غرب مصر.
  وكان من الأهمية الإستراتيجية أن ينتبه صناع القرار في مصر  إلى مخاطر تخلي الحكومة عن ملكيتها للصحراء الغربية وتقديم الأراضي على طبق من ذهب للاستثمارات الأجنبية، وكان حريا بهم أن لا يسهلوا عملية التقسيم المخطط لها، فضلا عن المشاركة في التسريع بإنجاز مخططات التقسيم بهذه الطريقة على النحو الذي نراه.
إن الصحراء الغربية تمثل فرصة حقيقية للشعب المصري، للخروج من أزماته الاقتصادية، فالخزان الجوفي والأراضي الصالحة للزراعة كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والاستغناء عن استيراد ما يقارب 10 ملايين طن من القمح سنويا من الولايات المتحدة، كما أن بها من البترول والمعادن وجبال الفوسفات والكنوز ما يحدث نقلة تنموية كبيرة لو أحسن إدارتها.
هذه الأراضي من حق الشعب المصري، وهي البوابة لتنمية وإنقاذ مصر، وليس من حق الحكومة الحالية أن تسلمها للشركات الأجنبية ووكلائها وواجهاتها، فما يجري عملية تبديد يقوم بها من لا يملك ويهبها لمن لا يستحق، وقبل أن تكون تنفيذا لمؤامرات خارجية فهي جريمة تفريط في الأرض وتبديد لحقوق الأجيال القادمة التي يبدو أن هناك من حكم عليهم بالإعدام قبل أن يولدوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق