الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

البابا والغنوج والأرز

البابا والغنوج والأرز


 وائل قنديل
هل لدى عبد الفتاح السيسي، ونظامه، مشكلة مع سد النهضة الإثيوبي، حتى تثير زيارة وفد سعودي مشروع السد كل هذا الغضب والانزعاج في إعلام السيسي؟

واقع الأمر أن السيسي جاء عليه وقتٌ كان فيه أكثر تحمساً لإتمام بناء السد من الأثيوبيين أنفسهم، ولم يثبت أنه، في يوم من الأيام، عبر عن انزعاج من انفراد إثيوبيا بتقرير مصير مياه النيل.

وقبل أكثر من عام، ومع بدء تشغيل السد الأثيوبي، كان السؤال ذاته: هل فوجئ عبد الفتاح السيسي ببدء تشغيل سد النهضة فعلياً؟ هل النظام المصري الحالي غاضبٌ لهذه الخطوة حقاً؟ هل فاجأتهم أديس أبابا بخطواتها المتسارعة، وهل هم منزعجون حقاً مما يجري في منابع النيل؟

الشاهد، فيما مضى والآن، أن كل شيء جرى ويجري بعلم نظام السيسي، وبموافقته، أو بإذعانه الكامل للأطراف الفاعلة في مشروع سد النهضة الإثيوبي، وهي إسرائيل ودول أوروبية والولايات المتحدة الأميركية. 

ولن تكون نائماً في فراش نظرية المؤامرة، لو ذهبت إلى أن تمرير موضوع السد كان من الأثمان التي دفعها عبد الفتاح السيسي لتعويم انقلابه، إقليمياً ودولياً.

وعلى ذلك، لا يمكن أن يأخذ أحد هستيريا الصياح الغاضب على زيارة مستشار العاهل السعودي سد إثيوبيا على محمل الجد، ذلك أن مفاهيم الكرامة الوطنية والسيادة والأمن القومي اتخذت أشكالاً جديدة ومختلفة لدى السلطة في مصر، بما يجعلها في صدامٍ مع كل الثوابت والمبادئ المؤسسة للدور المصري، عربياً وإقليمياً ودولياً.

والوضع كذلك، فالحاصل أن هذا الصياح القادم من القاهرة إنما يقصد من ورائه إنعاش حملات المكايدة والمغانجة للسعودية، والتغطية على فضيحة استقبال النظام المصري، سراً، الجنرال اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، في القاهرة، والذي تعده السعودية خصمها الأول في الموضوع اليمني الذي قبض السيسي ثمن مشاركته السعودية فيه، ولا يقل فضائحية أيضاً مع ما أعلنه السفاح في سورية أنه لم يكن لينجح في إنجاز كل هذه الفظائع في حلب، وغيرها، لولا دعم السيسي. 

الإعلان عن زيارة وفد سعودي سد النهضة جاء فور تسريب زيارة المخلوع صالح القاهرة، ليقفز إلى السطح مجدّداً ملف العلاقات السيسية السعودية التي تتخذ أشكالاً من الكيد والمناورة والمغامرة، تجعلك لا تتوقع خيراً في ظل الحصار الثنائي المفروض على هذه الأمة، من إيران، شمالاً، وإسرائيل، جنوباً، وفي لحظةٍ عبثيةٍ تحولت معها جامعة الدول العربية إلى مقهى للثرثرة، يخصص جل إيراداته لمصالحة إسرائيل، ورجالها، بعواصم العرب.   
وما دامت المسألة صارت مكايدةً ومناكفة،  تلعيب حواجب، 
هل يستطيع عبد الفتاح السيسي أن يخرج على جماهيره التي يمارس عليها الدجل بأحاديث الكرامة الوطنية، ويقول لها كم أخذ من مليارات الدعم السعودي، فوق المنضدة وتحتها، 
وهل كان ذلك لمكتبه الخاص، أم لخزينة الدولة؟ 
وهل كانت موضوعات مثيرة، مثل قضية"تيران وصنافير" جزءً من لعبة عضّ الأصابع؟ 
هل كان معروفاً من البداية أن "القضية" محجوزة للاستثمار واللعب السياسي، على المدى المفتوح؟ وفي المقابل، هل يمكن أن يصدر بيان من السعودية، بحجم ما أنفقت "الرياض" على صناعة وتثبيت حكم عبد الفتاح السيسي الذي لم يعد يترك مناسبةً إلا وطعنها فيها بغدر وكيدً مبتذل؟ 
نريد أن نفهم حقاً هل هناك علاقة استراتيجية بين السيسي والرياض، أم أن كل يوم يمر يؤكد ما بحّت به الأصوات منذ صعد الجنرال إلى الحكم من أن الثابت الوحيد في عقيدة السيسي السياسية هو العلاقة بإسرائيل، وما عدا ذلك من المتغيرات، وبالتالي، هذا نظام يستطيع أن يبدل تكتيكات الحصول على الأرز، لكنه غير مستعد للتخلي عن ارتباطه الوجودي، الاستراتيجي، بإسرائيل.. هذا شخصٌ يهمه الحاخام الأكبر، والبابا الأكبر، أكثر مما يحسب حساباً للإمام الأكبر، أو إمام الحرم. 

ارجعوا إلى تصريح  آفي ديختر عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن العام) في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حين قال، في محاضرة في المعبد الكبير في تل أبيب، احتفالاً بعيد "الحانوكا اليهودي" إن إسرائيل أنفقت المليارات، لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق