الاثنين، 5 ديسمبر 2016

الحسيني شهيداً

الحسيني شهيداً


 شهيد الصحافة الحسيني أبو ضيف


 وائل قنديل
من بين غابة الدعاوى والاتهامات ضد الرئيس محمد مرسي، كان القرار النهائي والحكم البات، الوحيد، لمحكمة النقض بعشرين عاماً من السجن المؤبد ضد الرئيس، في أحداث الاتحادية.

يبدو من السياق والحيثيات وكأن القرار يعاقب مرسي لأنه دخل قصر الاتحادية، رئيساً منتخباً، يجسد انتخابه انحيازا لثورة يناير/ كانون ثاني، ضد الثورة المضادة.. 

وبالنظر إلى أن جميع الأحكام في الدعاوى الأخرى، بما فيها أحكام الإعدام، قد تم إلغاؤها، وإعادة المحاكمة فيها من جديد، فإن قضية "الاتحادية" هنا تتخذ مدلولاً مثيراً للانتباه، خصوصاً أن منطوق الحكم وحيثياته لم يشيرا إلى اتهام للرئيس ومعاونيه بالمسؤولية عن سقوط ضحايا، جلهم من المنتمين لجماعى "الإخوان المسلمين"، بل جاءت الحيثيات باعثة على الدهشة، حين تسبب الحكم بأنه "استقر فى وجدان المحكمة أن الطاعنين ارتكبوا جرائم استعراض القوة والعنف والقبض والاحتجاز بغير حق المقترن بالتعذيبات البدنية، والنعى بشأن تناقض الحكم فى تحديد وصف المظاهرات لا يؤثر فى جوهر الواقعة".

في مثل هذه الأيام من العام 2012، كانت ذروة أحداث الاتحادية، تلك التي فعلت في مصر أبشع مما فعلت "عاصفة الصحراء" في الوطن العربي، إذ تمزق الجسد، وتناثرت الدماء، وتبعثرت الأشلاء، وارتدى القتلة أزياء الشهداء، فيما ذهبت أرواح الشهداء الحقيقيين سدى..

من هؤلاء الشهداء كان الشبان الثمانية من أبناء "الإخوان المسلمين"، وكان شهيد الصحافة الحسيني أبو ضيف، إذ أسدلت "النقض" الستار على قضية "الاتحادية" من دون أن تجيب عن السؤال: من الذي قتلهم؟ من أسقط الشهداء؟!

في تلك الليالي السوداء من شتاء العام 2012، كان الداعون إلى المقتلة قد محوا الحدّ الفاصل بين الخيط الأبيض "الثورة" والخيط الأسود"الثورة المضادة"، وسمعت من ثوار يناير الحقيقيين أن مسلحي الثورة المضادة يهيمنون على المشهد، وأن إحساساً بالاغتراب يجتاحهم، كلما ذهبوا إلى المكان، مضطرين، انسحاقاً أمام ابتزاز مقاولي الحشد الملوث، الذين اتهموا كل من يقعد عن المشاركة في حفل الدماء بالأخونة، والخيانة للثورة..

وفي ذلك المناخ المشبع بالملوثات سقط الشهيد الحسيني أبو ضيف صريعاً، لتبدأ عملية الاستثمار الوضيع في دمائه، بتعليق الاتهام برقبة الرئيس مرسي و"الإخوان المسلمين".

مدهش حقاً أن القضاء المسكون برغبات الثأر والانتقام من الدكتور مرسي، الذي، في نظرهم، ارتكب خطيئة محاولة تطهير القضاء، لم يستطع إدانته وأنصاره بقتل الحسيني أبو ضيف، على الرغم من أن "الورق ورقهم" والطقس طقسهم.

علقت في ذلك الوقت، قبل أربع سنوات، بأن دماء الشهيد الحسيني ذهبت هدراً، وقلت إن أبشع أحداث 2012 على الإطلاق، كان قتل الشهيد الصحفى الحسينى أبوضيف فى أحداث قصر الاتحادية. غير أن الأبشع أننا جميعا ساهمنا فى إهدار دمه حين انشغلنا فى مهرجان مصطنع للبكاء على الشهيد الحى المستشار مصطفى خاطر المحامي العام لنيابات شرق القاهرة، الذي جرى طرحه فى سوق الإعلام باعتباره فارس معركة التصدي للنائب العام طلعت عبد الله ورئيس الجمهورية.

لقد تم التعامل مع مذكرة خاطر المقدمة لمجلس القضاء الأعلى باعتبارها وثيقة اتهام للنائب العام الجديد بإفساد العدالة واستخدام النفوذ لإرضاء رئيس الجمهورية. وتبارت الصحف السيارة والبيارة والفضائيات التي صارت ثورية فجأة في الطنطنة والنواح على العدالة المقتولة والقضاء الشهيد، دون أن يتوقف أحد لقراءة محتوى المذكرة بهدوء.

ووفقا لنص مذكرة خاطر، وهو بالمناسبة الذي تولى تحقيقات النيابة في قضية قتل الثوار المتهم فيها مبارك والعادلي، فإن شيئا مما أشيع عن تهديد النائب العام له وتدخله لحبس أبرياء تزلفا لرئيس الجمهورية لم يرد فيها.. وبنص كلمات المحامي العام لنيابات شرق القاهرة: "تلقيت اتصالا هاتفيا من النائب العام يستفسر فيه عن مجريات التحقيق". وفي موضع آخر "أفاد سيادته أنه يتعين اتخاذ قرار حاسم بشأن هؤلاء المتهمين خصوصا المجموعة التي تم ضبطها في قصر الاتحادية"، و"حبسهم احتياطيا إذا توافرت الأدلة على ذلك".

أما هؤلاء المتهمون فقد كانوا بلا محل إقامة معروف، ضبطوا ومعهم سلاح غير مرخص، فإما أن يكون لهذا السلاح علاقة بقتل شهداء الموقعة، أو أنه جرى تلفيق تهمة حيازة السلاح لهم بمعرفة أمن الرئاسة، وأنصار الرئيس.. وفي الحالتين ما كان ينبغي إخلاء سبيلهم بهذه السهولة. وبهذا الاستعجال في واقعة سالت فيها دماء نحو عشرة شهداء من بينهم الشهيد الحسينى أبوضيف، وسقط خلالها مئات الجرحى.. كان يجب عرض المتهمين عليهم؛ فربما تعرف عليهم أحد، أو تتجمع خيوط تخدم التحقيقات وتؤدي للوصول إلى الجناة في هذه المذبحة.

.. وبعد إهدار دم الشهيد الحسيني أبو ضيف، من خلال مواراة أدلة الجريمة الثرى، يصبح محامي عام شرق القاهرة، مصطفى خاطر، رئيساً لمكتب مكافحة الفساد، المعين بقرار من عبد الفتاح السيسي، فيما لا تخلو الصورة من ملامح أخرى، أكثر إثارة، فثوار يناير الذين دافعوا، باستبسال، عن قضاء الثورة المضادة، يصرخون بين أنياب هذا القضاء الآن، لتصبح قصة الاتحادية، باختصار، كالتالي:

1- محمد مرسي أصدر إعلانا دستورياً رأي فيه تطهيراً للقضاء وإصلاحا لمنظومة العدالة، بما يتوافق مع مطالب معلنة لميادين ثورة يناير، حددت إزاحة نائب عام حسني مبارك، هدفاً استراتيجيا لها.


2- انتفض مقاولو الحشد من رموز ثورة يناير ضد محمد مرسي وإعلانه، يداً بيد جموع الثورة المضادة، والدولة العميقة، لإعادة نائب عام مبارك إلى موقعه، ثم تطور الأمر إلى التطوع في مشروع الانقلاب على محمد مرسي.


3- نجح الانقلاب وانتصرت الثورة المضادة، وعادت الدولة العميقة، أشرس وأشد فتكا، فالتهمت الإخوان، ثم استادرت لتأكل كل من يثبت أنه لا يزال يؤمن بثورة يناير.


4- يبقى السؤال: من أهدر دم الشهيد أبو ضيف، ومن أضاع حقه؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق