الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

عزة سليمان: الاغتيال الثاني للضمير

عزة سليمان: الاغتيال الثاني للضمير


وائل قنديل
 فايزة أبو النجا، مستشار عبد الفتاح السيسي للأمن القومي، لم تشبع بعد، من الانتقام من كل الحقوقيين المنتمين لثورة يناير.
لم تفرغ جعبتها من رغبات الثأر، فنبشت في الملفات القديمة، وأخرجت قضية ملفقة عنوانها "التمويل الأجنبي" للمنظمات الحقوقية.

كانت فايزة أبو النجا، متحدثة باسم حكومة كمال الجنزوري، المعينة من مجلس العسكر، حين اخترعت قضية التمويل، للانتقام من ثوار يناير. لكن الثورة نجحت في الإطاحة بها، مع عسكرها، مؤقتاً، بانتخاب الرئيس محمد مرسي.. ثم عاد العسكر، ومعهم فايزة، بانقلاب صيف 2013 لتجدد رغبات الانتقام مرة أخرى، وتبدأ عملية التصفية لكل رموز العمل الحقوقي في مصر، ومن هؤلاء المحامية عزة سليمان، التي بدأت المحاولة الثانية لاغتيالها، أمس.

 أما عملية الاغتيال الأولى فقد دونتُها في مارس/آذار 2015 كالتالي:

جاءت عملية اغتيال عزة سليمان في مصر، في اللحظة ذاتها التي أُعيد فيها حبيب العادلي إلى بيته، وحلقت طائرة عبد الفتاح السيسي باتجاه القاهرة، بعد تسليم مفاتيح قرار التصرف بمياه النيل إلى إثيوبيا.

سأقول لكم من هي عزة سليمان أولاً. هي قبل أن تكون ناشطة حقوقية مصرية محترمة، راسخة كالجبال، في وقت تراقصت فيها أقدام، و"تحنجلت" وزلت أقدام أخرى، هي أم، أشجع من كل الرجال، وبمعايير الرجولة الحقة، هي امرأة بمائة رجل ممن تعدون.

عزة، هي الموقف الإنساني ذاته، بلا تغيير في زمن حسني مبارك، ثم المجلس العسكري، ثم محمد مرسي، فعبد الفتاح السيسي، تخوض المعركة نفسها ببسالة، دفاعاً عن إنسانية البشر.

شاء القدر أن تكون عزة سليمان شاهدة على لحظات احتضار الشهيدة شيماء الصباغ، في وسط القاهرة، بعد إطلاق الرصاص عليها، بواسطة الشرطة. كتبت شهادتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وذهبت إلى جهات التحقيق، بقدميها، للإدلاء بأقوالها، كي لا يضيع حق مواطنة مصرية هدراً.

وبعد شهرين بالتمام والكمال من شهادة الحق، تجد عزة سليمان نفسها، متهمة بقتل شيماء الصباغ، على الرغم من التصريح المسخرة الذي أقيل بسببه المتحدث باسم الطب الشرعي، قائلاً إن نحافة جسد شيماء تسببت في مقتلها، لأنها لم تتحمل طلقة الخرطوش!
تكتب عزة عن ملهاة تحويلها من شاهدة إلى متهمة بالقتل: "اليوم أعلن أنني حالة انكسار كبيرة، ليس لأنني اتهمت، ولكن لأن الأمل يضيق أكثر فأكثر، والانكسار يتسع". تضيف أن "النظام مقرر يخوف ويخرس كل الأصوات، حتى لو فكرت تقول الحق عبر شهادة، يتم لوي كل القوانين والأجهزة لترسيخ سلطة النظام، إنهاك أي فرد أو قوى تحاول أن تعبر عن أي استياء من النظام، أو تساعد أو تدعم آخرين يتعرضون للظلم".

هذه عزة مارس/آذار 2015، لم تختلف عن عزة نوفمبر/تشرين الأول 2012 التي سجلت شهادة لها في مقال لي بعنوان "شرطة مرسي.. شرطة مبارك"، حين فجعت فيما جرى لأولادها الثلاثة على يد بلطجية تحميهم الشرطة، إذ حاولوا الدفاع عن سيدتين تتعرضان للتحرش، فقالت عزة التي تدير مركز قضايا المرأة في ذلك الوقت "أولادي وأصحابهم فوجئوا برجل بيتحرش بسيدتين أجانب يكاد يصل إلى اغتصاب إحداهما، فقام مهند وضرب الرجل وأبعده عنها واستدعى الرجل على الفور أكثر من ثمانية بلطجية، مسلحين بسنج ومطاوى وشوم، والنتيجة كسر بأنف أحد أصحاب أولادي واشتباه في ارتجاج بالمخ لابني الأكبر، وحرق باليد لابني الثاني، وكدمات شديدة لهم، وأثناء هذا، لجأ أحدهم للضابط بمحطة المترو، ليستغيث به، فرفض الضابط قائلاً إنه ليس اختصاصه".

جريمة عزة سليمان أنها ضد كل المذابح التي حدثت، وترى أن ما تسمى الحرب على الإرهاب لا تكفي لتجاوز القانون، وتعطيله، وتؤمن بثورة من أجل الكرامة الإنسانية، فمن الطبيعي، أن يأتي قرار تحويلها إلى متهمة، في لحظة إطلاق سلاح حبيب العادلي، وزير داخلية النظام الذي قامت ضده الثورة.

الآن، تواجه عزة سليمان محاولة الاغتيال الثانية، هذه المرة لم يكتفوا بمنعها من السفر، ووضعها على لائحة الاتهام في قضية عبثية اسمها التمويل الأجنبي، بل ذهب الضباط والجنود الأشاوس للقبض عليها من بيتها واقتيادها إلى قسم الشرطة، ومنه إلى النيابة للتحقيق.

هذه المرة يستهدفون عزة سليمان، باعتبارها عنواناً صحيحاً لمعنى العمل الحقوقي الجاد المدافع عن الحريات والحقوق الأساسية للإنسان، في إطار المرحلة الأخيرة من الحرب على الإنسان المصري، وفي الخلفية سجل هائل من الاتساق مع الذات، وتطابق الأفكار مع الأفعال، بما يجعل "عزة" هدفاً نموذجياً لنظام يكره المحترمين، ويقصيهم وينتقم منهم، كي تخلو الساحة للأوغاد والأوباش، ناهشي الأعراض ومصاصي الدماء، الذين يمارسون تحريضاً على القتل والإبادة، ويجرمون فكرة أن تتمسك بإنسانيتك في بلد يحتقر الإنسان وحقوقه.

في مكان، يتباهى المسيطرون عليه بعملياتهم الإجرامية في إنهاء حياة المعارضين، ولا يجد إعلامهم غضاضة في الاحتفال بالتصفية الجسدية لأنقى وأنبغ شباب مصر، ليس مسموحاً بوجود أمثال "عزة سليمان" حيث لا يريد السفاحون من يزعجهم، أو يفسد عليهم متعة ممارسة القتل خارج القانون، ومن ثم كان لا بد من الانتقام، بأثر رجعي، من كل الذين تصدوا للمقتلة المنصوبة لثورة يناير، منذ خمس سنوات.

انكفأت الثورة، فانتعشت "فايزة" وقررت تصفية "عزة" لكن من قال إن الثورة لن تنهض مجدداً، لتحرر مصر من "فايزة" وعسكرها؟!

أليس الصبح بقريب؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق