الخميس، 23 مارس 2017

الكاردينال چان لوي توران، القرآن والكتاب المقدس

الكاردينال چان لوي توران، القرآن والكتاب المقدس

أ. د. زينب عبد العزيز  
أستاذة الحضارة الفرنسية




الكاردينال چان لوي توران، الذي ترأس لجنة الفاتيكان للحوار مع الأزهر، يشغل منصب "رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان" منذ 25/6/2007. 
وقبلها كان يتولى منصب "مؤرشف الأرشيفات السرية للفاتيكان".. ومن كان يشغل مثل هذا المنصب الأرشيفي الخطير، بعد شغله وظيفة "رئيس مكتبة الفاتيكان"، أي أنه على دراية بتفاصيل التفاصيل المتعلقة بالمكتبة السرية ومختلف ما تضمه من أرشيفات، فمن المفترض أن يكون ملما بتاريخ وتفاصيل وخبايا "الكتاب المقدس"، المثقل بالتغيير والتبديل منذ بداية صياغته وحتى يومنا هذا، أكثر من أي شخص آخر حتى في الكيان الكنسي برمته..
ومنذ أن تولى رئاسة المجلس البابوي للحوار بين الأديان، وخاصة الحوار مع الإسلام، بادر بالإعلان عن رأيه في الإسلام بعد بضعة شهور من تسلمه منصبه، فهو القائل في نوفمبر 2007: "حينما يتعلق الأمر بالحوار مع المسلمين فإنه يكون مستحيلا، بسبب ذلك الإصرار والجمود، من قِبل المسلمين، على إن القرآن كتب بإملاء من الله.. أو ما أضافه بعد ذلك: إن المسلمين، إذا كانوا يريدون حوارا مع الفاتيكان، فعليهم أن يتخلوا عن تقديسهم للقرآن الذي يعتقدون أنه كلام الله الذي لا يقبل النقد".. وتم نشر تعليقه هذا في الجرائد المصرية آنذاك.
وقبل أن أبدأ بكتابة ما أود توضيحه ردا على تعريفه بالإسلام والمسلمين، أقول لنيافته بكل وضوح وثقة: أن المسلمين لا يريدون بل ولم يطلبوا أصلا أي حوار مع الفاتيكان، خاصة بعد أن سبه البابا بنديكت 16 عمدا متعمدا، ولم يعتذر عن هذا الجُرم، وإنما الحوار قد فُرض عليهم سياسياً ودينيا من قِبل الفاتيكان، لأن الحوار، وفقا لنصوص مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، يعني "كسب الوقت الى أن تتم عملية التنصير"..
أما عن رأى نيافة الكاردينال المتعصب، الجارح والمهين للإسلام، فمن الواجب علينا أن نذكره بتاريخ ذلك "الكتاب المقدس"، الذي كانت الكنيسة تمنع الأتباع من الاطلاع عليه رسمياً حتى القرن الثالث عشر وما بعده، لكي لا يدركوا ما يتم به من تغيير وتبديل، وإلا تعرضوا لما لا تحمد عقباه.. إلا أن التحريم قد امتد فعلا لما بعد القرن الثالث عشر.

 وهنا لا يسعني إلا أن أقدم لسيادته بعضا من الأرشيف السري للفاتيكان، الذي كان يترأسه لمدة أعوام ممتدة، علّه يرأف بحال مسيحيته وكتابها "المقدس"، ويكف عن سب الإسلام والمسلمين.. وأبدأ ببعض المجامع من القرن الثالث عشر وإلا ستطول القائمة :

مجمع لاتران سنة 1215 :

أول ثلاثة بنود من المجمع الرابع لمدينة لاتران تتعلق بالهراطقة، الذين كانوا يبشرون بدون الحصول على إذن من الكنيسة. ونطالع في "قاموس اللاهوت الكاثوليكي" أن هذا الإجراء كان متعلقا بالڤودوَا الذين كانوا يبشرون باللغة العامية، ثم تبيّن أنهم كانوا يرفضون بدعة تأليه السيد المسيح ويسقطونها في تبشيرهم، فتمت إبادتهم..

مجمع مدينة تولوز سنة 1229 :

بند 14 من قرارات المجمع ـ "نمنع كليةً السماح للمدنيين أن يحصلوا على إصحاحات من العهد القديم أو الجديد، إلا إن كان يود الاحتفاظ ببعض التراتيل للخدمة الدينية أو كتيب "ساعات مريم طيبة الذكر". لكننا نمنعهم بصرامة أن يحتفظوا بأحد هذه الكتب باللغة العامية".
محاكم التفتيش :
سيتم هدم المنازل حتى أبسط الأبنية منها أو الخبيئات الأرضية للأشخاص الثابت ضدهم امتلاك أية نصوص. وسيتم مطاردتهم حتى الغابات أو كهوف الحيوانات تحت الأرض. وستتم المعاقبة بشدة لكل من يأويهم.

مجمع ناربون سنة 1227 :
حرّم على كافة المدنيين امتلاك اي إصحاح من الكتاب المقدس.

مجمع ترّاجون سنة 1234 :

بند 2 ـ "لقد أصدرنا قرارا بأنه لا يجوز لأي شخص الاحتفاظ بإصحاح من العهد القديم أو الجديد باللغة العامية، وإن كان أي شخص لديه أيّ إصحاح منها عليه تسليمه خلال ثمانية أيام من صدور هذا القرار إلى أسقف المنطقة، ليقوم بحرقه، وإلا سيتم اتهامه بالهرطقة، سواء أكان كنسيا أو مدنيا، وذلك الى ان تتم تبرئته". والاتهام بالهرطقة يعني محاكمته أمام محاكم التفتيش وإن لم تتم تبرئته، وهو ما لم يحدث ابدا، فمصيره الحرق حيا أو على إحدى آلات التعذيب أو "فشجا" بربط كل ساق للمتهم في جواد يقاد كلا منهما بعنف في اتجاه عكسي..

مجمع بزييه سنة 1246 :

"ستتصرفون على الإطلاق، بحسم وبالقانون، على ألا يمتلك أي شخص كان من المدنيين أية كتب لاهوتية، ولا حتى باللاتينية بالنسبة للكنسيين، وستحرصون على تطبيق العقوبات ضد هؤلاء المذكورين والعمل على اقتلاع الهرطقة وغرس الإيمان". وينص البند رقم 36 على ما يلي: "ستراعون تماما وفقا لكل ما هو صحيح وعادل، ألا يمتلك أي شخص من المدنيين أو صغار الكهنة أية كتب لاهوتية لا باللغة اللاتينية ولا بالعامية".

تلك كانت بعضا من قرارات المجامع، وذلك لكيلا يفهم الأتباع ما بالأناجيل من متناقضات أو ما يتم فيها من تغيير وتبديل في كل مجمع من المجامع.. أما عن تاريخ اعتراض الكنيسة الكاثوليكية والباباوات بخلاف المجامع، على تعليم الكتاب المقدس أو قراءته أو حتى الاحتفاظ به، فأذكّر نيافة الكاردينال توران، الذي يسب الإسلام والقرآن، الذي انزله المولى عز وجل، وبدأ بفعل أمر للجميع: "اقرأ". أي إن قراءة القرآن فرض مفروض من الله سبحانه وتعالى على كافة المسلمين، وليس محجبا أو محجورا عليه كالكتاب المقدس. 

أذكره فحسب ببعضٍ من هذه التواريخ على سبيل المثال لا الحصر:

سنة 1179 :
البابا إسكندر الثالث يمنع تبشير شعب الڤودوَا لأنهم يقومون بالتبشير مستعينين بأجزاء مترجمة من الكتاب المقدس باللغة العامية ويستبعدون القضايا التي لا يقرونها كتأليه السيد المسيح أو بدعة الثالوث. وتمت إبادتهم. وهو موضوع ثابت تاريخيا بإبادتهم هم والكاتار والبوجوميل.

سنة 1184 :
أثناء مجمع ڤيرونا في إيطاليا، أصدر البابا لوشيوس الثالث، الذي كان يسانده الإمبراطور الروماني فريدريك الأول باربروسا، قرارا بأن كافة الهراطقة الذين يحبون الكتاب المقدس ويواصلون الاعتقاد فيه أو تعليم أي شيء مخالف للعقيدة الكاثوليكية سيتم حرمانهم وتسليمهم للسلطة المدنية لمعاقبتهم. (وعادة ما كان العقاب حرقهم أحياء)..

سنة 1199 :
البابا إنوسنت الثالث يدين ترجمة نشيد الإنشاد والمزامير وانجيل ورسائل بولس الرسول الي الفرنسية، كما منع اللقاءات التي كانت تُعقد في إبراشية مدينة ميتز في فرنسا لدراسة النصوص المقدسة. وقام رهبان سيسترس بحرق كافة الترجمات باللغة العامية التي عثروا عليها. كما تلقى أسقف نفس المدينة من البابا إنوسنت خطابا مروعا لدرجة أنه قام بحرق كافة الأناجيل الموجودة باللغة الألمانية التي استطاع العثور عليها.

سنة 1211 :
قام برترام، أسقف مدينة ميتز، بأمر من البابا إنوسنت الثالث، بترتيب ،حملة صليبية" أي حملة كاسحة ضد كل قراء الكتاب المقدس بأي لغة من اللغات العامية وتم حرق كافة الكتب المقدسة التي عثر عليها.


سنة 1553 :
تم تنفيذ الحكم بحرق العالم اللاهوتي الطبيب ميشيل سرڤيه (Michel Servet) (1511ـ1553) لأنه قام بنشر بحث بعنوان: "أخطاء عقيدة التثليث"، أعلن فيه أنه لن يستخدم أبدا كلمة "الثالوث" التي نطالعها في النصوص الكنسية والتي هي ليست سوى امتداد واستمرار لخطأ فلسفي"، ووصف عقيدة التثليث بأنها "عقيدة لا يمكن فهمها ولا تتمشى مع طبيعة الأشياء، بل يمكن النظر إليها على أنها تجديفيه في حق المسيح" ! كما أدان الطبيعة الإلهية للسيد المسيح، وطالب بالعودة إلى الأناجيل الأولي التي لا يوجد بها الثالوث بل ولا تحتوي على أي دليل عليه، فهي بدعة أدخلها مجمع القسطنطينية الأول سنة 381 لفصل المسيحية عن اليهودية. ومجرد وجودها في أخر إنجيل متّى (19: 28) لهو أكبر دليل قاطع على أنها مقحمة في النص الأصلي بعد ابتداعها سنة 381. وواصل ميشيل سرڤيه إصراره الشديد على وحدانية الله ولم يتراجع حتى وهو يُحرق. وكانت آخر مؤلفاته كتاب ضخم بعنوان "تصويب المسيحية"..
فقامت كلا من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية بإدانته لجرأته، وتم القبض عليه ومحاكمته أمام محكمة التفتيش التي ساهم فيها كالڤين وأصدرت حكمها بربطه على عامود التشهير و"حرقه بنار خافتة" حتى يمتد عذابه..


سنة 1559 :
بخلاف إصدار البابا بولس الرابع قراره باستمرار الوصايا السابقة إلا أنه أضاف اليها مجموعة من الكتاب المقدس باللغة اللاتينية لمخالفتها "الأصول".. مضيفا أنه لا يمكن طباعة أو الاحتفاظ بأي نسخ منها باللغة العامية دون موافقة محاكم التفتيش (وارد في قاموس اللاهوت الكاثوليكي مجلد 15).

سنة 1564 :
البند الرابع من قانون "الإيندكس" (الكتب التي تحرم الكنيسة قراءتها)، الذي أصدره البابا بيوس الرابع ينص على: "ان التجربة تؤكد أنه إذا سمحنا لأي فرد بلا تمييز قراءة الكتاب المقدس باللغة العامية سيحدث من الأضرار ما لا تحمد عقباه بسبب جرأة الأشخاص أكثر من نفعها". وهذه العبارة دليل قاطع على أن الكنيسة لا تقبل أي نقاش لما تفرضه على الأتباع قهرا حتى يصير قانونا لا نقاش فيه.

سنة 1590 :
البابا سيكس كانْتْ أعلن بوضوح أنه لا يمكن لأي شخص أن يقرأ الكتاب المقدس باللغة العامية. وذلك لكى لا يفهم ما به من متناقضات أو ما يتم فيه من تغيير وتبديل.

سنة 1836 :
البابا جريجوار السادس عشر يحذر الكاثوليك قائلا "ان البند الرابع من قانون "الإيندكس" الذي أصدره البابا بيوس الرابع سنة 1564 لا يزال ساريا"..

سنة 1897 :
البابا ليون الثالث عشر أعلن في خطابه الرسولي "أوفيتشيوروم" : "كل النسخ التي باللغة العامية حتى تلك التي قام الكاثوليك بطباعتها محرمة قطعيا إن لم يكن الكرسي الرسولي قد أقرها أو إن لم يكن قد تفحصها أحد الأساقفة وعلق عليها "بملاحظات كنسية" أي الملاحظات التي تريدها المؤسسة الكنسية ان تستقر في الأذهان.. كما تمنع تماما أية كتب كتبها غير الكاثوليك باللغة العامية أو قامت بنشرها إحدى الجمعيات الإنجيلية التي حرّمها الباباوات"..
إن مجرد النظر إلى التواريخ السابقة ندرك إلى أي عصر امتد فعلا منع الأتباع من دراسة نصوص دينهم أو مناقشة ما يتم فيه من تغيير وتبديل.. ومن الواضح أن هذه القرارات التعسفية، التي تثبت قطعا تحريف المسيحية الحالية، لا تزال قائمة بدليل أن كل من يثيرها أو يقدّم ما يدينها تتم محاصرته فورا، ولا أدل على ذلك مما حدث للكاتب دان وبراون وما قام به الفاتيكان ومؤسساته فيما بين 2004 و2006 لمحاصرة روايته المعروفة باسم "شفرة دافنشي" التي أورد بها بعضا من الحقائق التي يتم التعتيم عليها بشدة، رغم انها موجودة في بعض الأناجيل المحجبة، خاصة فيما يتعلق بزواج السيد المسيح من مريم المجدلية، وهو السر الذي أودعه فنان عصر النهضة، ليوناردو دافنشي، في لوحته الشهيرة المعروفة باسم "العشاء الأخير"..

زينب عبد العزيز
20 مارس 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق