الجمعة، 31 مارس 2017

إخوان البحر الميت


إخوان البحر الميت



ليست قمة، بل حفلة"ماتينيه" لمجموعة من الممتلئين نشوة بانتصارهم على ربيع الشعوب العربية، كل الكلام فيما سميت "قمة" لم يكن عن الشعوب، بل عن استقرار الأنظمة التي ترفل في دفء الرضا الأميركي، والقبول الصهيوني. باستثناء كلمة أمير قطر، لم يكن هناك كلام في السياسة، أو عن المواطن العربي، فيما جاءت معظم الكلمات، على ركاكتها، أشكالاً من الدجل وفنون الردح والمكايدة والابتزاز، ومباراة في إظهار الولاء للسيد ترامب، والسيدة إسرائيل.. 
غير أن الأبرز كان التجاهل التام للشعوب العربية، ومسيرتها إلى التغيير الديمقراطي، باستثناء ذلك الهتاف ضد ثورات الربيع العربي، باعتبارها أصل الخراب والتدمير.

كانت قمة ترامب، من حيث جدول الأعمال، والخطب، والنتائج، وكغيرها من قمم عرب الانقلابات والثورات المضادة، لا تغضب إسرائيل، أو حتى تثير بعض انتباهها، بل وضعت في سلتها ثماراً جديدة، مثل تلك التي ألقى بها القيادي الإخواني في لندن، بحديثه عن"دولة إسرائيل".

هذا البيان الإخواني هو أبرز أعمال القمة، وأسوأها على الإطلاق، إذ لم يكن مطلوباً من الإخوان، ولا غيرهم من الحركات السياسية، أن يدلوا بدلوهم في أمر لا يخصهم من الأساس، ولا أذكر أنهم سبق لهم إصدار بيانات من هذا النوع في اجتماع نواكشوط، العام الماضي، أو الاجتماع الذي سبقه في شرم الشيخ، ما يجعلنا أمام لحظة تناغم مع قمة تضع في مقدمة أولوياتها الإجهاز على ما تبقى من ملامح مشروع ثورات شعبية، مرت على العرب.

بمقياس الأرباح والخسائر، لم يفعل هذا البيان أكثر من تعميق حالة الانشقاق داخل جمهور الإخوان المسلمين، ولم يثن المجتمعين في البحر الميت عن تقديم مزيد من الرعاية لجنرالات الحرب على أحلام الشعوب العربية، في الحرية والعدل واحترام حق الحياة، وهو ما يعبر عنه بيان إخواني، لاحق، صدر بعد انتهاء "القمة" يرفض نتائجها، جملة وتفصيلاً، قبل أن يقدم اعتذاراً واضحاً وشجاعاً عن خطيئة البيان الأول.

والحاصل أنك لن تكون مجحفاً لو حذفت وصف "قمة" مما جرى، ذلك أن القمة الحقيقية كانت قد انعقدت برئاسة الكيان الصهيوني، في المكان ذاته، سراً بحضور ثلاثي دول المواجهة- سابقاً- قبل أن تتحول فعلياً إلى دول الموالسة والموالاة والمؤانسة، السيسي من مصر وعباس من رام الله وعبد الله من الأردن، وبرعاية أميركية في فبراير/شباط من العام الماضي، وفيها طرح نتنياهو "خطة النقاط الخمس" لبناء الثقة مع الفلسطينيين مقابل قمة تجمعه بقادة السعودية ودول الخليج، وفق ما كشفت عنه"هآرتس" الإسرائيلية.

جل النائمين فوق المقاعد، والساقطين على العتبات، جاءوا من أجل مشروع وحدوي ضد نضال الشعوب العربية طلباً للديمقراطية والتغيير، وهو المشروع ذاته الذي يلتقون فيه مع الكيان الصهيوني، وهو الموضوع الأول في جدول الأعمال، منذ قمة شرم الشيخ، التي سعى خلالها السيسي، حثيثاً، لإنشاء قوة عربية مشتركة، تحارب، نيابة عن إسرائيل، ضد الربيع العربي، وكما وصفتها في ذلك الوقت من العام 2015 كانت محاولة لتوفير غطاء أممي عربي لرغبات مجنونة، تؤرق تحالف دعم الانقلابات، أو "القيادة العامة لتنظيم الثورات المضادة"، ليصبح بإمكان شلة الأصدقاء الكارهين للثورات أن يذهبوا إلى الحرب، لتثبيت مشاريعهم الحارقة للربيع، وقتما شاءوا.

مصرياً، لم تكن حفلة البحر الميت تعني لعبد الفتاح السيسي سوى مناسبة لتلعيب الحواجب، وتطليع اللسان، برقاعة فائقة لدولة قطر، مهرولاً من القاعة، وخلفه فرقته الاستعراضية، إلى حيث يجلس ملك السعودية، بإحدى القاعات الجانبية، لتنطلق بعدها زغاريد الاحتفال الماجن بما اعتبرته دوائره السياسية والإعلامية "انتصاراً فشيخاً حققه دكر السلطة على قطر" على نحو يذكرك ببلاهة انتصار وزير خارجيته على"مايك الجزيرة".

كان السيسي قبلها يتحدث عن فلسطين والوحدة العربية والمصير المشترك، تماماً كما تتحدث سما المصري عن إصلاح منظومة القيم، وتجديد الخطاب الديني، وتبشر ببرنامجها الروحاني القادم على شاشة التلفزة الرمضانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق