الأربعاء، 8 مارس 2017

«أرب آيدل»: فلسطين تعرف نجمها!

ِ
«أرب آيدل»: فلسطين تعرف نجمها!

أحمد بن راشد بن سعيّد


قُبيل إعلان اسم «الفائز» في برنامج «أرب آيدل» الذي تبثّه قناة إم بي سي، طار رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، إلى بيروت، ليستقبل متسابقي البرنامج ولجنته التحكيمية، ويهمس للمطربة الإماراتية أحلام: «أنا متابعك منيح مع أرب آيدل».

 لم يأت عبّاس إلى لبنان ليتفقّد أحوال مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الموزّعين على مخيّمات مزرية وبائسة، بل ليسعى إلى تحقيق ما يراه «نصراً» معنوياً، يرمّم شيئاً من صدقيّته التي دمّرها «التنسيق الأمني» مع الأصدقاء في تل أبيب.

في ساحة المهد، بمدينة بيت لحم، مسقط رأس المتسابق يعقوب شاهين، نُصبتْ شاشة كبيرة، وتجمّع الآلاف أمامها حاملين أعلاماً فلسطينية وأخرى لطائفة السّريان المسيحية التي ينتمي إليها شاهين آملين أن «يفوز».
حبس الجميع أنفاسهم وهم يترقّبون الإعلان، بمن فيهم محافظ بيت لحم، جبريل رجوب، الذي تابع إعلان النتيجة في ساحة المهد. 
أمين سر حركة «فتح» في «بيت لحم»، محمد صبح، اهتزّ طرباً وهو يتمتم: «نحن نرفع هاماتنا عالياً في فتح. نضالنا ليس بالسلاح فقط، بل بالفن والثقافة. نتمنى أن يصبح ابن مدينتنا نجم أرب آيدل». 

أعلنت «إم بي سي» النتيجة، وتوّجت «النجم» يعقوب شاهين، «محبوب العرب»، وقالت معلّقة القناة بلهجة عربيّة محكيّة لا فصيحة ليتلاءم ذلك مع طبيعة ما يجري هذه الأيام: يعقوب شاهين «حقّق الحُلُم، وأثبت أنّ الفن هو الابن البار وسلاح القضيّة»، وأنّ «فلسطين أرض للحياة والفن والثقافة»، مضيفةً أنّ اسم فلسطين عاد ليتصدّر أعمدة الصحافة العالمية بصفته «دولة نموذج للمقاومة الثقافية».
مذيع قناة العربية، محمد أبو عبيد، هلّل للنتيجة: «فلسطين تسدّد هدفاً جديداً في عالم الفن بفوز ابنها يعقوب»!
الاحتفال تحوّل إلى كوميديا تراجيدية على أعمدة الرأي في صحف خليجية. الكاتب السعودي، مازن بليلة، زعم في جريدة «المدينة» أنّ الرئيس الأميركي ترمب قد لا يعجبه «فوز» فلسطيني بلقب «أرب آيدل»، لأنّ ذلك «أعاد إحياء دولة فلسطين وبقوّة، بعد أن حاول هو جاهداً، مع سفيره الجديد في إسرائيل ديفيد فريدمن، التشكيك في حلِّ الدولتين». 
الكاتب الكويتي، محمد الرميحي، لم يستطع أن يختار عنواناً لمقاله في جريدة «الشرق الأوسط» يعبّر عن مشاعر الفرح التي تملّكته، فاحتار، كما يقول، بين عناوين عدّة منها: «شكراً إم بي سي»، و «تبّاً للظلام»، لكنّه «اهتدى» في النهاية إلى عنوان أكثر ملاءمةً للسّياق: «إنعاش المجتمعات بالفرح»! 
غنّى شاهين، فأغنى «عن مئة خطيب مُفوّه يتحدّث عن الوطن الفلسطيني» بحسب تعبير الكاتب القومي الذي كان ذات يوم رئيس تحرير مجلة «العربي». 
ولكي يوضّح الرميحي ملامح الثقافة الجديدة التي يُراد تسويقها في عصر شيطنة الإسلام والإسلاميين، فقد أضاف: «أغنيةً مُشوّقةً وطنيّةً جميلةً قد تكون أفضل من امتلاك كتيبة من المقاتلين». 
إذن لم لا يكون المطلوب عربياً في هذه اللحظة تفكيك «كتائب القسّام»، لاسيما أنها تنتمي إلى «الإخوان المسلمين»، وإبدالها بفِرَق موسيقية تشرف عليها مجموعة إم بي سي؟ كيف يمكن للرميحي وأمثاله أن يسوّقوا ما لا يُسوَّق، أو يدافعوا عمّا لا يمكن الدفاع عنه؟ باللغة الملتبسة والخطاب المزدوج. الاحتفال بمسابقة «أرب آيدل» ونتائجها هو احتفال بالثقافة والفولكلور والتراث والتاريخ، والاهتمام بها إعلاء لشأن الجمال، والتشكيك فيها أو نقدها لا يقوم به سوى «أعداء الفرح» الراغبين في «تصحير فضائنا الثقافي من أجل تهيئته لقبول التشدّد المفضي حتماً إلى الإرهاب»، بحسب تعبير الرميحي الذي يتردّد كثيراً هذه الأيام في وسائط خليجية، ولكن بصيَغ مختلفة.
في فجر يوم الإثنين الماضي، هاجمت قوّة إسرائيليّة منزلاً كان يسكنه المثّقف والمناضل الفلسطيني، باسل الأعرج (31) في مدينة البيرة، فاشتبك معها ساعتين كاملتين حتى نفدت ذخيرته، وبعدها اقتحم الجنود البيت، وأعدموه، ثم حملوه من قدميه وهو مضرّج بالدماء، ولم يعيدوا جثمانه حتى الآن. لم تتحدّث «الميديا» عن باسل، لكنّ فلسطين (ومن ورائها الأمّة) تعرف أنّه النجم الحقيقي، لأنها تستطيع تمييز النور رغم كل هذا الظلام.;

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق