الاثنين، 6 مارس 2017

@WSMAl3odah 9 | وسم ٩ | نسيت

@WSMAl3odah 9 | وسم ٩ | نسيت


أن أنسى عمرًا عشناه معًا حيث كنّا ولا يخشى تفرقنا .. وأصبحنا ولايرجى تلاقينا



 أنا الباحث عن النسيان أمام فخاخ الذاكرة،كان أبي يرمم أذني بلا تنسَ يا ولدي،وكنت أُرمم أذن صغيري انسَ يا ولدي..

غداً يأتي بأوجاعه وذاكرته المثقلة.. غداً يأتي كفصل خريف منزوع من قلب أم، كدمعة منسيّة في محجر طفل، كقبضة محارب على سلاحه؛ صلبة موجعة، وأنا المفخخ بك.
سنوات تفتل الذاكرة كحبْل، تُلغّمها بأشيائك البسيطة الكبيرة عندي، وكلما نبتت نبتة جاءت تشبهك، متجذّرة كحضورك، موجعة كوداعك، طويلة كغيابك..
سنوات وأنت تختبئ كطفل سارق في مخارج حروفي، حتى إذا داهمني النطق جئت كنغمة عذبة في أسماعي، وأنا أردد بيني وبيني: أغداً ألقاك؟
فتجيبني بيني الثانية: يا خوف فؤادي من غدي!
يأتي الغد ثقيلاً كهزيمة أب، أسوداً كفوهة مدفع، بائساً كجيب مشرّد، مليئاً بهم غريباً لا يحملك.
يحضر الأمس بطيف أبي وصوته المتعَب: لا تنسَ صلاتك، لا تنسَ فطورك، لا تنسَ يا ولدي لحافك..
كان يخاف عليَّ أن أُهزم أمام الشوك، أمام الشك، أمام الجوع، أمام البرد.. ونسي أن يحميني من الذاكرة، لقد هُزمت في معركتها.
أنا الباحث عن النسيان أمام فخاخها، كان أبي يرمم أذني بلا تنسَ يا ولدي، وكنت أُرمم أذن صغيري انسَ يا ولدي..
انسَ اليوم أشياءك القليلة لتنسَ غداً أشياءك الكثيرة.
انسَ اليوم هزائمك الصغيرة لتنسَ غداً هزائمك الكبيرة.
انسَ اليوم قسوة عدوك لتنسَ غداً وجع صديقك.
انسَ اليوم كلمة عاتبة لتنسَ غداً كلمة جارحة.
انسَ اليوم وجبتك لتنسَ غداً جوعك.
انسَ اليوم نصف جملة لتنسَ غداً الجملة كاملة.
انسَ الرحيل، الوداع، الدمعة؛ التي بقيت وحيدة وجرت وحيدة وسقطت وحيدة.
انسَ العالم الذي جئت إليه وحيداً وستتركه وحيداً.
انسَ الكلمة التي شطرت قلبك وكوّنت لك وطنين.
انسَ الموت الذي حضر فجأة وأخذ حشاشة قلبك.
انسَ العين التي عميت عن بياضك، الأذن التي صُمّت عن شكواك، الكتف التي خذلت ضعفك، المرآة التي أعادت لك وجهاً لا يُشبهك، اللسان الذي يبس يوم أن شوهوك، انسَ الذي وهبته عمراً ووهبك حزناً أبديّاً.
يا ولدي.. الذاكرة وعاء مثقوب على القلب كلما نزفت غرق القلب.
يا رب.. هبه نعمة النسيان كما وهبتني نعمة الذاكرة، وامنحه جناحين يرفرفان عالياً عن غول الذاكرة..
استجاب الله دعوتك يا أبي، نسيت ألم رحيلهم وخطأهم ووجع خيانتهم، الكلمة الجارحة، الأمكنة الضاجة بهم، نسيت سر المجلس وبوح الصديق، الفشل والسقوط، نسيت حبك الجامح، كلماتك العذبة، عينيك المتقدتين، نسيتك.. نسيت طلقة الرحمة أنت طالق، وهمسك الأول، وتفاحة قضمناها سوياً.
نسيت سكينك المغروز في ظهري وطوق النجاة المعقود.
نسيت وحشة الظلام، والسرداب الطويل، وعجز الحبيب، وبهتان القوم، رائحة لحمي في أفواههم..
نسيت شعرتي البيضاء الأولى، رحيلك الذي كساني المزيد منها، أغداً ألقاك، أغداً أنساك..؟!
فتعلّم كيف تنسى وتعلم كيف تمحو!

شيخنا.. الجبل الأشم.. صار يخفي بداخله قلباً أرق من القطن.. وألين من الحرير.. قلباً من لحمٍ ودم!
جبر الله كسرك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق