نهاية ترمب وصبيانه
عجلة التغيير في مصر دارت، ولم يعد ممكنا أن يستمر السيسي طويلا بعد أن سقطت هيبته، وفقد كل مبررات وجوده كرئيس،
دارت الدوائر على ترمب وصبيانه في العالم العربي، وانقلب الهدوء والاستقرار الزائف الذي كانوا يتسترون خلفه إلى نيران تحاصرهم من كل جانب، وانشغل كل منهم بنفسه عن الآخرين، وتصاعدت موجات من الغضب الشعبي تبدد غطرستهم، وتهدد استمرارهم، وظهرت المؤشرات تلو المؤشرات على أن موجة التغيير القادمة ليست عربية فقط.
هذه الشبكة التي تضم بجانب ترمب كلا من: محمد بن زايد ومحمد بن سلمان وملك البحرين وعبد الفتاح السيسي وبنيامين نتنياهو العقل المفكر الذي يوظفهم جميعا لتنفيذ أجندة إسرائيلية تواجه موجة عنيفة من الرفض والاستنكار وتحركات مؤثرة لإزاحتهم والتخلص منهم.
الرئيس الأمريكي انقلب على الإدارة الأمريكية، وتجاهل الوكالات الأمريكية، وحاول رسم سياسة جديدة تعتمد على شخصه وبضعة أشخاص من أقربائه ورموز اليمين المتطرف، وتجاهل الأمم المتحدة في إدارة النظام الدولي، وتصرف وكأنه زعيم مافيا، يمارس الزعامة ويلوح بالعصا الغليظة يمينا وشمالا.
لم يتعامل ترمب مع العالم العربي كدولة، من خلال وزارة الخارجية الأمريكية ولا تقديرات وزارة الدفاع كما دأب سلفه من الرؤساء الأمريكيين، وإنما شكل خليه برئاسة زوج ابنته جاريد كوشنر لتحقيق المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح الأمريكية.
أجندة الإسرائيليين
حاول ترمب استثمار حالة الضعف والتبعية في العالم العربي بسرقة الملف الفلسطيني واستبعاد كل الشركاء الدوليين والإقليميين، والإجهاز على القضية بضربة خاطفة أطلقوا عليها صفقة القرن، وفوض صهره بالقيام بالمهمة لكنه تعثر لأن القضية أكبر منه، ولقوة المقاومة على كل الصعد.
وبطلب إسرائيلي اندفع ترمب لتحجيم المشروع النووي الإيراني ولم يراع الاتفاق النووي الذي وقعه الأوربيون وأوباما مع الإيرانيين، وورط أمريكا في معركة خاسرة، كشفت الضعف الأمريكي وقضت على الهيبة العسكرية الأمريكية كقوة مهيمنة.
حاول ترمب استعراض قوته فصفعه الإيرانيون على وجهه، ونقلوا المعركة إلى أمن الملاحة في الخليج وهددوا بضرب الوجود العسكري، وأسقطوا أحدث طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار بمنظومة دفاع جوي محلية الصنع فأجبروه على التراجع والبحث عن التفاوض.
ولمزيد من الإذلال ضرب الإيرانيون أهدافا داخل المملكة السعودية تؤثر على إمدادات النفط العالمية، لإحراج الرئيس الأمريكي الذي طالما تفاخر بأنه يحمي المملكة، وأن الجيش الأمريكي يوفر الأمن للسعوديين، وكان من نتائج ضرب شركة أرامكو تأليب الدول الصناعية التي تعتمد على النفط السعودي.
وانكسر جنون ترمب باستجداء الحوار مع الإيرانيين وطلب من الأوربيين التدخل للوساطة، والبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه، لكن يبدو أن الإيرانيين المتأكدون أن أمريكا لن تدخل في حرب مع إيران يواصلون الإذلال حتى يصلون إلى لمس الأكتاف.
عصابة إسرائيل
الظاهرة الملفتة أن ترمب وعصابته يتعرضون لضربات موجعة، وخسائر كبيرة في وقت متزامن، فالرئيس الأمريكي يتم التحقيق معه في الكونجرس تمهيدا لعزله، بسبب استغلال منصبه في الضغط على رئيس أوكرانيا لاتهام نجل منافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن بالفساد، وإذاعة نص المكالمات وأدلة إدانته.
وفي إسرائيل فشل بنيامين نتنياهو الذي يحرك شبكة ترمب في تحقيق الأغلبية البرلمانية التي تجعله يشكل الحكومة منفردا وهذا يجعله تحت التهديد بقضايا الفساد التي تلاحقه وتنتظر خروجه من السلطة لسجنه والقضاء على أحلامه.
وفي السعودية يعيش محمد بن سلمان في رعب ويحاصره دم جمال خاشقجي الذي لا فكاك منه، فالجريمة ثابته وهو المتهم الرئيسي رغم كل المحاولات للهروب، ولم ينقذه ترمب من الحبل الذي يضيق كل يوم حول رقبته، لكن الأخطر الآن هو الانهيار العسكري والاقتصادي والنتائج الكارثية لتخريب المجتمع تحت عنوان نشر الترفيه.
ابن سلمان هو المسؤول عن الهزيمة العسكرية في اليمن ويقف عاجزا عن التصدي لضرب المنشآت داخل حدود المملكة في الشرق والغرب والجنوب، ويلهث خلف الحوار مع الإيرانيين (من خلال وساطة رئيس الوزراء الباكستاني) وهذا الانهيار العسكري المصحوب بخيانة الشرعية في اليمن سيطيح بالحد الجنوبي ويفتح الباب أمام اقتطاع جنوب المملكة.
أما الإمارات فقد انكشف دورها التخريبي، وتطاردها لعنات الشعوب، وتواجه انتكاسة كبيرة، ففي اليمن ترفض الحكومة الشرعية وجودها في جنوب اليمن، ويصطف اليمنيون ضدها، في كل الساحات داخليا وخارجيا، وأصبح التوصيف المعتمد لدى اليمنيين لها بأنها قوة احتلال وهذا يعني اقتراب نهايتها وطردها غير ماسوفا عليها.
وفي ليبيا فشل المشروع الإماراتي المتحالف مع الفرنسيين في غزو العاصمة الليبية، وتعرض لانتكاسة عسكرية مع ضرب غرفة العمليات الإماراتية في قاعدة الجفرة وقتل 6 من كبار ضباطها، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى استقدام مرتزقة روس بعد استنزاف مليشيا حفتر القادمة من الشرق الليبي، ووضع الليبيين أمام عدو أجنبي واضح، وهذا يعجل بنهاية هذا المشروع الصهيوني قريبا.
البحرين لا وزن لها في الصراع وهي مجرد تابع بالأمر السعودي، وملك البحرين هو أول الخاسرين لأنه أعلن الحرب على الإخوان في بلد أكثر من 60% من سكانه من الشيعة التابعين لإيران، ومثله مثل من يذبح نفسه بالسكين ليظهر أمام نفسه أنه يواجه الإرهاب!
مصر وحل العقدة الكبرى
أما مصر فهي العقدة الكبرى التي بدأت تنفك، وعادت الثورة إلى الشوارع من جديد، وتبدد حلم عبد الفتاح السيسي في البقاء، وهو الذي غير الدستور ليستمر في الحكم حتى 2034، واستطاع الفنان المقاول محمد على أن يهز عرشه، ويفضح مشروعاته، التي طالما كان يضحك بها على بعض البسطاء، وأثبت أنها غير منتجة وعبارة عن قصور وفيلات ومجاملات لأعوانه وأصدقائه فتزلزلت مصر.
لم تعد مصر كما كانت، وانقلب السحر على الساحر، وبدأ بركان الغضب الشعبي ينفجر رغم القمع والقبضة الخشنة، وبدا التصدع داخل دوائر السلطة، وتسبب الذعر الذي سيطر على الحكم في اتخاذ إجراءات قمعية، وإغلاق الميادين لمنع الشعب من التظاهر في فضح حالة الاستقرار المصطنع وغير الحقيقي أمام الخارج، وبدأ الإعلام الدولي يفتح النار على السيسي بما يشبه الأيام الأخيرة من حكم مبارك.
عجلة التغيير في مصر دارت، ولم يعد ممكنا أن يستمر السيسي طويلا بعد أن سقطت هيبته، وفقد كل مبررات وجوده كرئيس، فقد ظهر أمام الرأي العام مفسدا فاشلا، ينفق المليارات ببذخ على رفاهيته وأهل بيته، في وطن يعاني من الانهيار الاقتصادي والفقر يطرق كل باب.
هذا الانهيار الجماعي لترمب وعياله يشير إلى أن المنطقة على موعد مع تغيير قادم، يعطي مزيدا من الأمل في انتهاء أسوأ حقبة تاريخية عاشتها الشعوب العربية، والخلاص من الاختراق الإسرائيلي للسلطة وقصور الحكم الذي حقق لبني إسرائيل في أعوام قليلة ما لم يكونوا يحلمون بتحقيقه في عشرات السنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق