تحالف بين شلة مبارك ورجال أعمال وفصائل من الجيش.. ما الذي يحدث في مصر الآن؟
منظومة داخلية متصارعة
لم يكن ولا يقبل العقل الناقد فكرة أن ظهور المقاول والفنان محمد علي أمر عبثي ومحض صدفة غير مقصودة. ولكننا نؤمن بأن ظهوره هذا هو نتيجة طبيعية لتحالف العديد من القوى والمكونات الأساسية للنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المصري، هذه القوى والمؤسسات تضررت مصالحها بشكل كبير وتحجّم دورها وتعرّضت للاستهداف المباشر من جانب السيسي والمنظومة الموالية له التي عمل على صنعها خلال السنوات الثماني الماضية، بعد ثورة يناير 2011.
وتتكون منظومة الرفض الداخلية للسيسي من عدة مكونات:أولاً، قطاع واسع من المؤسسة العسكرية، التي رغم تضخم شبكة نفوذها ومصالحها، فإن من تم العصف بهم من قادة المجلس العسكري بعد 2013، حتى الآن تضرروا كثيراً في مكانتهم داخل المؤسسة وفي حجم المزايا التي كانوا يتمتعون بها.
وتتكون منظومة الرفض الداخلية للسيسي من عدة مكونات:أولاً، قطاع واسع من المؤسسة العسكرية، التي رغم تضخم شبكة نفوذها ومصالحها، فإن من تم العصف بهم من قادة المجلس العسكري بعد 2013، حتى الآن تضرروا كثيراً في مكانتهم داخل المؤسسة وفي حجم المزايا التي كانوا يتمتعون بها.
ثانياً، عدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي تم تفكيك بنيتها، لصالح شخصيات تابعة للسيسي، عملت على الرصد والتوثيق لكل الانتهاكات وقادت حركة التسريبات لضرب صورته الذهنية، التي لا تحتاج إلى تشويه، لأنها بالأساس مشوّهة، ولكن تحتاج إلى توثيق وترسيخ هذا التشويه.
ثالثاً، أركان منظومة مبارك، التي ما زالت تتعامل مع الدولة على أنها جزء من ممتلكاتها؛ لأنها تحكمت في هذه الدولة لنحو 30 عاماً، وأنشأت دولة عميقة من المنتفعين والفاسدين والمجرمين، الذي تم استهداف أشخاصهم واستبدالهم في منظومة 2013 بوجوه أخرى، لكن دون اقتلاع للفساد والإجرام الممارس.
رابعاً، منظومة رجال الأعمال، الذين كان لاحتكار الجيش وتغلغله في كل النشاطات الاقتصادية تدمير لمقدراتهم ونشاطاتهم، وأصبح الكثيرون منهم تحت رحمة رجال السيسي، وما يمنحونه وما يمنعونه، خاصة أن هذه المنظومة تتعامل مع كل النشاطات بالأمر المباشر دون رقابة أو سيطرة من أي مؤسسة.
هذه نصف الصورة فقط، إذ تكتمل الصورة بتسليط الضوء على المعارضة المصرية بالخارج.
معارضة «عدو عدوي صديقي»
هذه القوى التي تعمل منذ 6 سنوات ضد السيسي ومنظومته، لكنها لم تُنتج فعلياً ما يمكن اعتباره عوامل حاسمة لإسقاط النظام، فلم يكن لديها رؤية واضحة أو برنامج عمل محدد، وتشرذمت وتفككت أوصالها، حتى طال التشرذم أهم مكوناتها، جماعة الإخوان المسلمين، واكتفت هذه القوى جميعها، بمكوناتها وشخصياتها، برد الفعل، العشوائي وغير الممنهج، بل والمُتراجع.
حتى أصبحت عاجزة عن الفعل بامتياز، وتنتظر أي تحول من داخل النظام، أو تغير في توجهات داعميه الإقليميين والدوليين، أو حدوث تحول مؤثر في البيئة الإقليمية والدولية يكون له ارتداداته في الداخل المصري، سواء في ليبيا أو اليمن أو السودان أو غيرها من دول الإقليم المتفاعلة مع المشهد في مصر.
ورغم تعدد الفرص التي أُتيحت لقوى المعارضة، فإنها فشلت في الاستفادة منها بشكل مؤثر، حتى جاءت فرصة محمد علي، فكان التعامل أيضاً من باب رد الفعل، والتحرك مع المتحركين، من باب «عدو عدوي صديقي» ولكن أيضاً مع غياب الرؤية والبديل القادر على إدارة الفرصة الراهنة.
وبين هذين المنظومتين (منظومة المتضررين في الداخل من السيسي، ومنظومة المعارضين في الخارج لعصابة السيسي)، يمكن القول إن الأزمة قوية بالفعل للسيسي ومنظومته، ويمكن أن تعصف بهذه المنظومة فعلياً، إذا نجحت منظومة المتضررين في بناء الحشد الشعبي الضاغط والداعم لحركتها الراهنة، وهي حتى الآن تحقق نجاحاً لافتاً في هذا الإطار، على الأقل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر عدد من الهاشتاغات الكاشفة للسيسي ومنظومته مثل #كفاية_بقى_ياسيسي و#استناني_ياسيسي، والدعوة للاحتشاد في الميادين نهاية هذا الأسبوع.
أما منظومة المعارضة في الخارج فهي تنتظر مع المنتظرين ما سيتمخض عن صراع المنظومتين الفاسدتين، وترى في إسقاط السيسي مخرجاً للتنفس والتهدئة، وحلحلة الأوضاع المأزومة، ولكن دون أن يكون لها دور في المشهد السياسي القادم، حال سقوط السيسي، لأن الأمر في نهايته سيكون انقلاباً على الانقلاب.
ومن المؤكد أن منظومة المعارضة المأزومة سيخرج من بين صفوفها من يقدمون أنفسهم أبطالاً قوميين، كانوا ركيزة الحراك لإسقاط السيسي، رغم محدودية -إن لم يكن انعدام- أي تأثير لهم جميعاً في المشهد، ولكنها طبيعة مراحل التحولات، مع الانكسارات يختفي الكثيرون، ومع الانتصارات يحاولون القفز فوقها والتربح منها مع المنتفعين.
وتبقى مصر تدور في فلك العسكر، ويهيمن الفاسدون على مقدراتها حتى حين،
ويقبل الخانعون بمبدأ «أخفّ الضررين» أمام عدم قدرتهم على الفعل، بل وأحياناً على رد الفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق