حول حملة «لا للتكفير والتفجير» في مصر
أطلقت الجماعة الإسلامية المصرية قبل أسبوعين حملة تحت شعار «لا للتكفير والتفجير»، قائلة إنها ستنفذها من خلال نشاطات متنوعة، تشمل عقد دورات ونشر دراسات وتوزيع مطبوعات ونقل خبرات الجماعة في مواجهة دعاوى التكفير والتفجير.
وللجماعة كما يعرف الجميع خبرتها الفعلية في هذا الميدان، هي التي خاضت مواجهة طويلة ودموية مع النظام المصري امتدت لسنوات طويلة خلال الثمانينات والتسعينات، إلى جانب حركة الجهاد، وانتهت بالمراجعات المعروفة التي نفذها عدد من كبار قادة التنظيمين في السجون.
ويبدو مصدر الأهمية في تجربة الجماعة الإسلامية هو أنها لم تكن في الأصل تنتهج سبيل العنف (خلافا لجماعة الجهاد)، بل كانت تركز على النشاطات الاجتماعية والدعوية قبل أن تحاصرها السلطة وتدفعها دفعا نحو سبيل العنف.
وتزداد أهمية الحملة من زاوية مجيئها في ظل جدل كبير تعكسه مواقع التواصل بين الشبان الإسلاميين، إن كانوا من الإخوان أو الجماعة ذاتها، أو من يقتربون منهما حول جدوى العمل السلمي في مواجهة الانقلاب، ومطالبة الكثيرين منهم بانتهاج سبيل السلاح كحل وحيد، وهو ما اضطر الإخوان في بياناتهم، وتصريحات قادتهم إلى التأكيد مرارا على أن تلك الدعوات لن تدفعهم إلى استخدام السلاح أو العنف، وأنهم مصممون على المسار السلمي.
والحال أن قرار العنف لا ينشأ بالضرورة عن قرار رسمي من قيادة جماعة أو حزب، بل يحدث أحيانا أن يتم التدحرج نحوه دون دراسة وافية ولا قرار، وهو ما حدث على سبيل المثال في تجربة الإخوان المسلمين في سوريا مطلع الثمانينات، وهو أيضا ما حدث في الجزائر بعد انقلاب العسكر على المسار الديمقراطي مطلع التسعينات، ويبدو أن تصريحات قادة الجماعة المؤكدة على رفض هذا المسار تعكس إدراكا منها لهذه الحقيقة.
ثمة جانب آخر لأهمية هذا الموضوع يتمثل في أنه يأتي في ظل صعود لافت لظاهرة السلفية الجهادية لم يعهد من قبل، وذلك بعد أن كانت في طور التراجع بعد ربيع العرب وانتصاره (سلميا) في تونس ومصر، والإصرار على المسار السلمي في اليمن، ولولا الثورة السورية لكان المشهد مختلفا، مع العلم أن جزءا من التدحرج نحو الخيار العسكري في سوريا كان تطورا بسيطا وغير مدروس نتج عن الانشقاقات في الجيش والأجهزة الأمنية، وردا على بطش النظام، فيما كان جزءا لا بأس به منه نتاج توجه النظام، وبالطبع في سياق من إرادته وصم الثورة بالعنف والإرهاب لتسهيل قمعها، وتبريره في الآن نفسه، هو الذي يعتقد أنه يتفوق في القمع أكثر من مواجهة ثورة شعبية كان يمكن أن تفضي إلى عصيان مدني بمرور الوقت في ظل اتساع نطاق التأييد لها في الشارع، من دون أن يعني ذلك أي شكل من أشكال الإدانة لمن خرجوا يدافعون عن أنفسهم، وعن أهلهم وأعراضهم ضد نظام مجرم.
أيا يكن الأمر، فإن الجدل حول مسار السلاح في مصر ينبغي أن يواجه بشكل حاسم، وإذا حدث أن ذهب أحد في اتجاهه، فإن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى جر الآخرين، فضلا عن الجماعة إليه، مع ضرورة أن يجري نصح هؤلاء الشبان ومناصحتهم حتى الرمق الأخير حرصا عليهم، لاسيما أنهم يمضون في مسار عبثي لا جدوى منه، لا لهم، ولا للفكرة والقضية، ولا للبلد وأهله، وهذا هو الأهم، لأن جهادهم في الأصل كان لخدمة المشروع الإسلامي، وخدمة الجماهير والأمة عموما.
في مصر، من الصعب تبرير تكفير العاملين في أجهزة الدولة، بما فيها العسكرية والأمنية، وبالطبع في ظل حالة انقسام حقيقية موجودة في المجتمع، وهو انقسام يعني استحالة أن يكون للسلاح أي أفق بتحقيق شيء، فضلا عن أن يأتي في ظل ميزان قوى مختل بالكامل لصالح الطرف الآخر الذي يتمتع بدعم المؤسسة الأمنية والعسكرية والقضاء والإعلام وجزء من المؤسسة الدينية، فضلا عن دعم الخارج له بشكل شبه حاسم أيضا.
والنتيجة أنه لا تتوفر حاضنة شعبية للسلاح والعنف، ولا يتوفر له إسناد خارجي، وفوق ذلك لا تتوفر له مبررات شرعية ولا سياسية مقنعة، وذلك رغم أن ما يفعله النظام منذ الانقلاب إلى الآن ممثلا في بشاعة القمع وشراسته التي تجعل قناعة شبان بالتكفير والتفجير واردة.
السياسة والحروب ليست ثارات شخصية وقبلية، بل هي قضايا كبيرة تقدر بقدرها على كافة الأصعدة، وهنا في الحالة المصرية لا أفق أبداً للسلاح، والقضية هي في نهاية المطاف جلب للمصالح ودرء للمفاسد، وإذا ترتب على تغيير المنكر منكر أكبر منه، فإن الأفضل هو ترك المنكر، كما هي القاعدة الفقهية المعروفة.
من المؤكد أن المعركة ضد الدكتاتورية الجديدة قد تستغرق وقتا، يطول أو يقصر، لكن ذلك سيحدث في نهاية المطاف عبر قناعة الناس بأن ما جرى لم يكن سوى انقلاب عسكري ضد ثورة رائعة، وبالطبع بعد أن تتضح للجميع معالم الدولة البوليسية، ومعالم الفساد والاستبداد الجديد، وحينها سيتوحد الجميع في سياق ثورة جديدة تستفيد من أخطاء السابقة وتتجاوزها.
من منطلق الحرص على مصر، وعلى أولئك الشبان المخلصين، نقول: إن مسار العنف والسلاح مسار كارثي، حتى لو كان مسار السلمية لا يحقق المطلوب في الوقت الراهن، الأمر الذي يعود لذات الأسباب التي تجعل من فشل مسار العنف مؤكدا، أعني خلل ميزان القوى الداخلي والخارجي لصالح الانقلاب.
بقي القول: إن الحملة هنا تبقى ناقصة، لأن التكفير والتخوين يبدو أكثر وضوحا من الطرف الآخر، أعني السلطة الانقلابية وحلفاءها. وحين يقف مفتي مصر السابق أمام السيسي ليقول «طوبى لمن قتلهم وقتلوه» ويتبعه في ذلك حشد من المشايخ والإعلاميين، فإن الأزمة تبدو أكبر من احتمال (مجرد احتمال) أن يذهب بعض الشبان، أو مجموعات صغيرة نحو خيار العنف والتفجير، لأن موقف السلطة وأبواقها يضع مجتمعا بكامله رهن التأزيم المتواصل، في ظل حقيقة أن القوى المستهدفة هي الأقوى حضورا في البلاد إلى جانب السلطة نفسها.
وللجماعة كما يعرف الجميع خبرتها الفعلية في هذا الميدان، هي التي خاضت مواجهة طويلة ودموية مع النظام المصري امتدت لسنوات طويلة خلال الثمانينات والتسعينات، إلى جانب حركة الجهاد، وانتهت بالمراجعات المعروفة التي نفذها عدد من كبار قادة التنظيمين في السجون.
ويبدو مصدر الأهمية في تجربة الجماعة الإسلامية هو أنها لم تكن في الأصل تنتهج سبيل العنف (خلافا لجماعة الجهاد)، بل كانت تركز على النشاطات الاجتماعية والدعوية قبل أن تحاصرها السلطة وتدفعها دفعا نحو سبيل العنف.
وتزداد أهمية الحملة من زاوية مجيئها في ظل جدل كبير تعكسه مواقع التواصل بين الشبان الإسلاميين، إن كانوا من الإخوان أو الجماعة ذاتها، أو من يقتربون منهما حول جدوى العمل السلمي في مواجهة الانقلاب، ومطالبة الكثيرين منهم بانتهاج سبيل السلاح كحل وحيد، وهو ما اضطر الإخوان في بياناتهم، وتصريحات قادتهم إلى التأكيد مرارا على أن تلك الدعوات لن تدفعهم إلى استخدام السلاح أو العنف، وأنهم مصممون على المسار السلمي.
والحال أن قرار العنف لا ينشأ بالضرورة عن قرار رسمي من قيادة جماعة أو حزب، بل يحدث أحيانا أن يتم التدحرج نحوه دون دراسة وافية ولا قرار، وهو ما حدث على سبيل المثال في تجربة الإخوان المسلمين في سوريا مطلع الثمانينات، وهو أيضا ما حدث في الجزائر بعد انقلاب العسكر على المسار الديمقراطي مطلع التسعينات، ويبدو أن تصريحات قادة الجماعة المؤكدة على رفض هذا المسار تعكس إدراكا منها لهذه الحقيقة.
ثمة جانب آخر لأهمية هذا الموضوع يتمثل في أنه يأتي في ظل صعود لافت لظاهرة السلفية الجهادية لم يعهد من قبل، وذلك بعد أن كانت في طور التراجع بعد ربيع العرب وانتصاره (سلميا) في تونس ومصر، والإصرار على المسار السلمي في اليمن، ولولا الثورة السورية لكان المشهد مختلفا، مع العلم أن جزءا من التدحرج نحو الخيار العسكري في سوريا كان تطورا بسيطا وغير مدروس نتج عن الانشقاقات في الجيش والأجهزة الأمنية، وردا على بطش النظام، فيما كان جزءا لا بأس به منه نتاج توجه النظام، وبالطبع في سياق من إرادته وصم الثورة بالعنف والإرهاب لتسهيل قمعها، وتبريره في الآن نفسه، هو الذي يعتقد أنه يتفوق في القمع أكثر من مواجهة ثورة شعبية كان يمكن أن تفضي إلى عصيان مدني بمرور الوقت في ظل اتساع نطاق التأييد لها في الشارع، من دون أن يعني ذلك أي شكل من أشكال الإدانة لمن خرجوا يدافعون عن أنفسهم، وعن أهلهم وأعراضهم ضد نظام مجرم.
أيا يكن الأمر، فإن الجدل حول مسار السلاح في مصر ينبغي أن يواجه بشكل حاسم، وإذا حدث أن ذهب أحد في اتجاهه، فإن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى جر الآخرين، فضلا عن الجماعة إليه، مع ضرورة أن يجري نصح هؤلاء الشبان ومناصحتهم حتى الرمق الأخير حرصا عليهم، لاسيما أنهم يمضون في مسار عبثي لا جدوى منه، لا لهم، ولا للفكرة والقضية، ولا للبلد وأهله، وهذا هو الأهم، لأن جهادهم في الأصل كان لخدمة المشروع الإسلامي، وخدمة الجماهير والأمة عموما.
في مصر، من الصعب تبرير تكفير العاملين في أجهزة الدولة، بما فيها العسكرية والأمنية، وبالطبع في ظل حالة انقسام حقيقية موجودة في المجتمع، وهو انقسام يعني استحالة أن يكون للسلاح أي أفق بتحقيق شيء، فضلا عن أن يأتي في ظل ميزان قوى مختل بالكامل لصالح الطرف الآخر الذي يتمتع بدعم المؤسسة الأمنية والعسكرية والقضاء والإعلام وجزء من المؤسسة الدينية، فضلا عن دعم الخارج له بشكل شبه حاسم أيضا.
والنتيجة أنه لا تتوفر حاضنة شعبية للسلاح والعنف، ولا يتوفر له إسناد خارجي، وفوق ذلك لا تتوفر له مبررات شرعية ولا سياسية مقنعة، وذلك رغم أن ما يفعله النظام منذ الانقلاب إلى الآن ممثلا في بشاعة القمع وشراسته التي تجعل قناعة شبان بالتكفير والتفجير واردة.
السياسة والحروب ليست ثارات شخصية وقبلية، بل هي قضايا كبيرة تقدر بقدرها على كافة الأصعدة، وهنا في الحالة المصرية لا أفق أبداً للسلاح، والقضية هي في نهاية المطاف جلب للمصالح ودرء للمفاسد، وإذا ترتب على تغيير المنكر منكر أكبر منه، فإن الأفضل هو ترك المنكر، كما هي القاعدة الفقهية المعروفة.
من المؤكد أن المعركة ضد الدكتاتورية الجديدة قد تستغرق وقتا، يطول أو يقصر، لكن ذلك سيحدث في نهاية المطاف عبر قناعة الناس بأن ما جرى لم يكن سوى انقلاب عسكري ضد ثورة رائعة، وبالطبع بعد أن تتضح للجميع معالم الدولة البوليسية، ومعالم الفساد والاستبداد الجديد، وحينها سيتوحد الجميع في سياق ثورة جديدة تستفيد من أخطاء السابقة وتتجاوزها.
من منطلق الحرص على مصر، وعلى أولئك الشبان المخلصين، نقول: إن مسار العنف والسلاح مسار كارثي، حتى لو كان مسار السلمية لا يحقق المطلوب في الوقت الراهن، الأمر الذي يعود لذات الأسباب التي تجعل من فشل مسار العنف مؤكدا، أعني خلل ميزان القوى الداخلي والخارجي لصالح الانقلاب.
بقي القول: إن الحملة هنا تبقى ناقصة، لأن التكفير والتخوين يبدو أكثر وضوحا من الطرف الآخر، أعني السلطة الانقلابية وحلفاءها. وحين يقف مفتي مصر السابق أمام السيسي ليقول «طوبى لمن قتلهم وقتلوه» ويتبعه في ذلك حشد من المشايخ والإعلاميين، فإن الأزمة تبدو أكبر من احتمال (مجرد احتمال) أن يذهب بعض الشبان، أو مجموعات صغيرة نحو خيار العنف والتفجير، لأن موقف السلطة وأبواقها يضع مجتمعا بكامله رهن التأزيم المتواصل، في ظل حقيقة أن القوى المستهدفة هي الأقوى حضورا في البلاد إلى جانب السلطة نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق