الأربعاء، 9 أبريل 2014

إدارة القلق



إدارة القلق

أكاديمي وكاتب قطري


في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس» في «كريستل سيتي» بميسوري؛ وهو مصنع بلغت تكاليفه ملايين الدولارات وتلك ثروة هائلة يومئذ، وكان الهدف من التزويد إزالة الشوائب من الغاز حتى يحترق من دون أن يُؤثر في الآلات، وهذه حينها طريقة حديثة لم تُجَرَّب سوى مرة واحدة وفي حالات مختلفة، وأثناء عمله في «كريستل سيتي» واجهته مصاعبُ كثيرة غير منتَظرة، حيث لم تعمل الآلة بشكل تام مما أدى إلى فشله في المهمة الموكلة إليه وخراب الآلة.
صُدم الشاب بالفشل وشعر أنه خسر كل شيء كما شعر بألم شديد في بطنه ودوار في رأسه وأصابه قلق حاد وانتابه همٌّ كبير لم يستطع النوم بسببه لأيام.
إن الهم والقلق من أخطر الأمراض النفسية فَتْكا بالإنسان وعادة ما يكون سببه الخوف من مجهول قادم تصاحبه احتمالات سلبية كبيرة، وإذا وقع الإنسان في مَصْيدة القلق فعادة ما يدخل في دوامة كبيرة من المشاعر والأفكار السلبية تصيبه بالاكتئاب والأمراض المستعصية وتجعله كمن يلبس نظارة سوداء يرى كل شيء في الكون أسود، وقد يبلغ القلق والاكتئاب بصاحبه إلى حد الانتحار والعياذ بالله.
يقول المتنبي: 

وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً
وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ
لقد كانت تجربة قاسية على شاب غض العود في مقتبل عمره أصابته بحالة نفسية سيئة للغاية، ولكنه بدلاً من الاستسلام لليأس والإحباط أدرك الشاب «ويليس كارير» - وهو المخترع العظيم الذي اخترع أجهزة التكييف التي وفرت لنا نعمة تلطيف الجو أيام الصيف - أن القلق لن يجديه نفعاً ولن يحل له مشكلة، حيث قال: علمت أن القلق لن يُفيدني في شيء فقررت البحث عن خطة تساعدني في حل هذه المشكلة، وفعلاً انتهيت إلى خطة للحل نجحَتْ معي طوال ثلاثين سنة التالية من عمري.
وتتكون خطة «كارير» من ثلاث خُطوات بسيطة باستطاعة كل منا أن يتعلمها ويطبقها ويستفيد منها وهي كالتالي:
1- الخطوة الأولى: أن يسأل الإنسان نفسه: ما أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي نتيجة هذا الفشل؟
فأجاب «كارير» نفسه بأنه لن يُطلق عليه أحدٌ النار ولن يُسجَن، وأقصى ما في الأمر أن يُفصل من عمله وتَخسر الشركة مبلغ 20 ألف دولار وهو مبلغ كبير في حينه.
2- الخطوة الثانية: تقبل هذا الأسوأ والرضا به؛ قال «كارير» مخاطباً نفسه: إذا فُصلت من عملي فسوف أتقبل الأمر بشجاعة وأبذل جهدي في البحث عن عمل آخر، وأما المبلغ الذي ستخسره الشركة فهي قادرة على تحمل خسارته وحسبي أني لم أهمل ولم أختلس وإنما بذلت جهدي وهذا قدر الله وضميري مرتاح.
إن تقبل الأمر الواقع بعد بذل الأسباب خطوة مهمة جداً تبعث بالهدوء والطمأنينة في النفس.
يقول «كارير» بعد تقبله لمواجهة أسوأ الاحتمالات: شعرت بالاسترخاء والراحة التي لم أشعر بها منذ أيام وأصبحت منذ ذلك الحين قادراً على التفكير بشكل صحيح.
وأحسب أن هذا التفكير ينسجم مع قوله تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ».
3- الخطوة الثالثة: العمل على تحسين الوضع الحالي السيئ على قدر الإمكان.
 يقول «كاري»: وجهت كل تفكيري وكرست كل طاقتي في محاولة تحسين الوضع السيئ وتقليل آثار الأخطاء التي وقعت فيها، فاكتشفت أننا لو أنفقنا خمسة آلاف دولار تجهيزات إضافية فستساعد على تخفيف الخسارة، وقد قمنا بذلك بالفعل فتحولت الخسارة بدلاً من 20 ألف دولار.
إن الخطوة الأولى والثانية معاً لم تستغرقا من تفكير «كارير» أكثر من 10 دقائق ولكن الخطوة الثالثة ربما أخذت منه أياماً وليالي، وهذا هو الوضع الصحيح في التعامل مع المشكلات للابتعاد عن القلق وحل المشكلات، ولكن للأسف فأغلب الناس يخطئ في منهجية التفكير فيركز كل وقته في المشكلة ويعيش في آثارها السلبية، فيجلب لنفسه الهم والقلق ولا تُحل المشكلة بل تتضخم وتتضاعف أكثرَ فَأكثر.
إن طريقة تفكيرنا هي الفيصل وهي العامل الحاسم في الأمر وليس وجود المشاكل في حد ذاتها؛ فجميع البشر يشتركون في التعرض للمشاكل ولكنهم يفترقون في طريقة تعاملهم معها.
يقول الدكتور «ألكسيس كاريل»: «إن الذين لا يعرفون مجابهة القلق يموتون مبكرا».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق