الخميس، 10 أبريل 2014

تطبيع مع إسرائيل ٠٠ وتمييع مع الانقلاب



تطبيع مع إسرائيل ٠٠ وتمييع مع الانقلاب



وائل قنديل
هذه الاحتفالية العربية الهوجاء بأن ملاكما تونسيا اسمه "عبد الله اللاوي" سدد لكمات لمنافسه الإسرائيلي فانتقل الأخير إلى المستشفى تبدو لي أشبه باحتفال بسقوط ظنا أو توهما أنه صعود إلى المجد ٠
إن "إسرائيل" مستعدة لنقل أكثر من مائة ملاكم إلى المستشفيات مصابين بلكمات من ذوي القفازات العربية، ولن تعتبر ذلك هزيمة لها، بل هو الانتصار بعينه : أن يصبح خبر اللقاءات العربية الصهيونية شيئا اعتياديا روتينيا لا يستثير الدهشة في الأذن العربية ولا يستفز مضادات التطبيع الفطرية الساكنة في الوجدان العربي٠
لقد جاء إخراج "ملحمة الانتصار" بالضربة القاضية على اللاعب الإسرائيلي دانيال مارون ببطولة فرنسا للجامعات في الملاكمة محملا بشحنات هائلة من الدراما، في محاولة لإضفاء جو احتفالي بالفوز في معركة يعتبر دخولها من الأصل هزيمة إنسانية وحضارية وسياسية قبل أن تبدأ، وبالتالي تبقى أي نتائج مترتبة عليها خسرانا صريحا٠
ولعلك تذكر أن الأصل في الموضوع أن هناك موقفا عربيا برفض التطبيع مع العدو، وهذا الموقف إن كان قد شاه وتحلل على مستوى مؤسسات الحكم، إلا إنه بقي صلبا ومتينا على الصعد الشعبية والنقابية، ومن هنا تصبح ملاقاة لاعب عربي لملاكم إسرائيلي اختراقا صريحا لهذه القضية، ولا يهم هنا أن تسأل عن حصيلة المواجهة/المصافحة، إذ كفى بالإسرائيليين إحساسا بالنصر أن يحدث اللقاء، سواء انتهى بلاعبها في مستشفى أو حتى على مقعد للعجزة٠
"وقد رفض الملاكم التونسي في البداية، ملاقاة الملاكم الإسرائيلي لعدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكنه غيّر موقفه وصمم على المواجهة، ولقّن خصمه درسا قاسيا، وفاز عليه بالضربة القاضية، وأهدى فوزه إلى الشعب الفلسطيني" 
هكذا تقول صياغة الخبر، وهي لا تختلف كثيرا عن تلك المبررات العقيمة التي يسوقها المروجون للتطبيع الثقافي، سمعناها مبكرا من المفكر القومي اليساري الراحل لطفي الخولي ومن لف لفه من مجموعات التطبيع التي عرفت فيما بعد بجماعة كوبنهاجن ٠٠ كلهم كانوا يتحدثون عن أفضلية المواجهة وهزيمة العدو في غرف سرية بفنادق فاخرة ، بل إن ذلك المطبع المسرحي الظريف ذهب أبعد من ذلك حين قال في تسعينيات القرن الماضي إنه استقل سيارته المتهالكة وذهب ليهزم العدو ثقافيا في عقر داره، وفي رواية أخرى لفهم "الأخر" ومعرفته عن قرب، لكن النتيجة لم تكن فهما، بل عناقا ومدّا لخطوط اتصال وإنشاء لبوتيكات فخمة لتدفئة العلاقات.
وفي كل ذلك ستبقى "إسرائيل " راضية وسعيدة بهزائمها/انتصاراتها في حلبات التطبيع، وإن كلفها ذلك نفقات باهظة٠
ومن التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى مماحكات التطبيع من الانقلاب في مصر لا تختلف الصورة كثيرا، فسلطات الانقلاب التي أبادت مئات من المصريين قرروا التظاهر والاعتصام أمام ناد ترفيهي للحرس الجمهوري احتجاجا على خطف رئيس منتخب، هي ذاتها التي تهدهد اعتصام عدد من النشطاء على بوابة قصر رئيس معين بإرادة وزير دفاع منقلب ٠
والسلطات التي حصدت أرواح الآلاف في فض مجزرتي فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة تبدو وديعة ورقيقة حد التخلع والميوعة وهي تتعامل مع نشطاء اعتصموا على باب القصر الجمهورية للإفراج عن نشطاء ( ليسوا من الشعب الثاني الجنوبي بالطبع)
وفي خلفية الصورة تشتعل الدعوات والوقفات والمناشدات بطلب العفو من رئيس لا يرأس شيئا عن النشطاء المسجونين ٠
وفي الغالب سوف يستجيب "الرئيس الذي لا يرأس" وستنطلق أهازيج الفرح المصنوع بالحرية وستقام سرادقات الاحتفاء بإنسانية الرئيس والذين عينوه واستجابته للجماهير (جماهير ثورة ٣٠ يونيو العالمية العظيمة" وهكذا يكسب الانقلاب نقطة حتى وإن بدا مهزوما في حلبة النزال الوهمية٠
وبدلا من أن يكون محور الحديث رفض الانقلاب ومحاولات كسره يصبح المتاح اللعب في مساحة صغيرة للغاية تتعايش مع الانقلاب وتمنحه لكمات بطعم القبلات وتسدد له ضربات بنكهة الوردات٠
غير أن أكثر أشكال اللعب مع الانقلاب فجاجة تبقى هذه الهرولة المضحكة في طريق الانتخابات الرئاسية، وهنا ينبغي أن ترفع القبعة احتراما للناشط السياسي والحقوقي خالد علي الذي فضح هذه المهزلة في قرار محترم بعدم المشاركة٠
وأخيرا : ستبقى إسرائيل هي العدو وستظل في الذاكرة دير ياسين وبحر البقر وسلسلة طويلة من المجازر ٠٠
كما سيبقى الانقلاب هو الجريمة الكاملة وستظل في الذاكرة رابعة العدوية والنهضة والحرس الجمهوري ورمسيس والمنصة٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق