من المستفيد من "قتل" الكساسبة؟
بقلم: أحمد دعدوش
كاتب وإعلامي سوري
ما إن أُعلن عن "حرق" الطيار الأردني معاذ الكساسبة الاثنين الماضي حتى سارع العوام والمثقفون على حد سواء -كالعادة- لإبداء آرائهم، وعمّت موجة غضب عارمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل إزاء المشهد "البربري".
كما اندلعت بالتوازي نيران الجدل البيزنطي المعتاد لبحث الموقف الشرعي من طريقة الإعدام الجديدة و"الإبداعية"، حتى انخرط العلماء والمجامع الفقهية والمؤسسات الدينية في حملات الدفاع التقليدية عن الإسلام، تماما كما يحدث كلما احتفى الإعلام بصورة يُدان فيها الإسلام دون دليل مع تجاهل ملايين الصور التي يكون فيها المسلمون هم الضحية المسكوت عنها.
كنتُ كأي مشاهد مفجوعا عند الصدمة الأولى، فمع أني أصبحت معتادا على مشاهدة كافة أشكال القتل الوحشي -بحكم عملي في غرفة الأخبار- إلا أن الإعدام بالحرق كان عملا "إبداعيا" لم أتصور أن أشهده يوما، سيما مع تصويره بهذه الطريقة الإبداعية أيضا.
ومع ذلك فقد آثرتُ التريث وعدم التورط في الجدل البيزنطي ريثما ينقشع الدخان وتهدأ ثورة الغضب التي لا تخلو غالبا من العبث.
تذكرت بعدها شكوكي التي احتفظت بها لنفسي لحظة نشر الصور الأولى لاعتقال الكساسبة، فكان أول ما لفت نظري هو مظهر أفراد داعش المحيطين بالطيار الأسير في الرقة، إذ فوجئت بمظهرهم العسكري الاحترافي.
فمع أن المشهد كان يُفترض أنه تم تصويره فجأة عقب القبض على الطيار الذي سقط بنهر الفرات، لكن العناصر كانوا فيما يبدو مهيئين لالتقاط صور تذكارية جميلة، فملابسهم وأقنعتهم وتجهيزاتهم العسكرية الكاملة لم تكن تشبه مظهرهم المعتاد في كل الصور المنشورة سابقا ولاحقا.
وقد قارنت هذه الصور بكل ما وجدته من صور أخرى -وخصوصا في الرقة- ولم أجد سوى صور لمقاتلين يجمعون في مظهرهم بين الملابس القروية والعسكرية، دون انضباط بزي موحد نظيف ومرتب.
قد لا تعني هذه الشكوك بالضرورة أن الطيار لم يسقط في الرقة، لكنها تبقي الأمر مفتوحا أمام احتمالات مخالفة للرواية الرسمية، فإذا كان تنظيم داعش بصعوده الصاروخي والمفاجئ يضم تشكيلات مختلفة ومتفاوتة الولاء والارتباطات بجهات عدة، فمن الصعب الجزم بحقيقة التشكيل الذي قبض على الطيار واحتفظ به عنده، ولا ندري هل هو تشكيل أصيل أم مرتبط بجهة ما.
وبعد قصة "الحرق" بيومين، بدأت التساؤلات والشكوك بشأن مصداقية الفيلم تتكاثر في وسائل التواصل، وانتشرت مقالات ومشاهد فيديو تشرح للعوام الذين لا يملكون أدنى معرفة بالخدع السينمائية أن فيلما كهذا يمكن لأي مخرج محترف أن يصنعه وبطريقة أكثر إقناعا مما بدا عليه.
ومع أن الجدل بشأن هذه النقطة سيكون بيزنطيا أيضا ما يجعل من الصعب التوصل به إلى قرار حاسم، إلا أن النقطة الأهم التي يجب طرحها هنا هي: هل يمكن في ظل هذه الشكوك لأي جهة أن تثبت أن القتل قد تم فعلا؟ أو إنه قد حدث بالطريقة المذكورة تحديدا؟
وبما أنه لا يمكن لأحد أن يؤكد ذلك، سيما وأن الفيلم قد تم تصويره وإخراجه بطريقة احترافية تكفي لإثبات أن الذي أنتجه قادر على تزييف عملية الحرق كلها، إذن فالشك بمصداقية الفيلم أولى من التسليم به.
علاوة على ذلك، هل يمكن التصديق بأن تنظيما متخلفا وبربريا تمكن من امتلاك قدرات إعلامية وسينمائية بهذا الاحتراف وبسرعة غير منطقية؟ فمن واقع خبرتي وتجربتي بالعمل مع مؤسسات إعلامية عملاقة يحمل أصحابها فكرا تقليديا لكنه أكثر انفتاحا بكثير من فكر القاعدة؛ خرجت بنتيجة مفادها أن التطوير التقني البصري لا يمكن أن يحدث دون تطوير فكري وإداري تراكمي على المدى البعيد.
وليس هناك أي مؤشر على أن تنظيما لا يزيد عمره عن عام قد نجح في التخلص من عبء التخلف الفكري والتنظيمي ليؤسس هيكلا إعلاميا وسينمائيا ناجحا، فالأمر لا يتعلق بوجود كفاءات احترافية فردية، بل يتطلب بيئة عمل كاملة وعقلية إدارية منظمة تتدرج من السلطة العليا وصولا لفريق العمل.
ولا يغير شيئا مما سبق القول بأن تنظيم داعش قد استفاد من تراكم الخبرات التي أسسها تنظيم القاعدة الأم، ولا يفيد كثيرا الاستناد إلى حقيقة اندماج خبرات تنظيمية من حزب البعث العراقي المنحل في التنظيم، فالقاعدة وحزب البعث على السواء مازالا حتى الآن أبعد بكثير عن المستوى المطلوب فنيا وإداريا وتنظيميا لما يقدمه داعش من أفلام الذبح والحرق الاحترافية.
أما القول بأن منتجي هذه الأفلام هم من أفراد داعش الغربيين الذين حملوا خبراتهم من الغرب لتوظيفها في التنظيم؛ فهذا عذر يقوي الشكوك نفسها، إذ ما الذي يضمن أن هؤلاء الغربيين -وبعضهم ادعى اعتناق الإسلام حديثا- ليسوا سوى عملاء للمخابرات الغربية التي نشك أصلا بأنها وراء التنظيم كله؟
وقد كشفت صحيفة "صندي تايمز" مؤخرا عن هوية 5 شبان بريطانيين يشكلون فريقا احترافيا لإنتاج أفلام الذبح التي يطبّل لها الغرب ويزمّر على مدار الساعة لإثبات وحشية المسلمين، بل تحدث ناشطون عن إجراء عمليات المونتاج والمؤثرات الخاصة لبعض تلك الأفلام داخل استديوهات احترافية في أميركا.
وسيُطرح هنا بالطبع الطعن التقليدي في شكوكنا استنادا إلى القاعدة التي يروّج لها الإعلام دائما وهي "عليكم أن تصدقوا ما يقوله الإعلام، ولا سيما الإعلام الحكومي، وإلا كنتم ضحايا لنظريات المؤامرة المغرضة".
ولكي يهرب المواطن المسكين من تهمة الإتباع الأعمى لمروّجي "نظرية المؤامرة"، فإنه يرتضي لنفسه تلقائيا أن يلقي بها في التيار الجارف لقطيع المصفقين للسلطة، سواء كانت إعلامية أو سياسية، ويريح بذلك عقله المثقل بهموم الحياة اليومية من تبعات مخالفة الجماعة ومن تحمل الاتهامات الثقيلة بانعدام الوطنية والانتماء. وهذه ليست سوى إحدى القواعد المبدئية لسيكولوجيا الجماهير.
لنبحث عن المستفيد إذن، ولنعد إلى كواليس حرب 1973 ضد إسرائيل، حيث توجه الملك حسين بطائرته الخاصة إلى تل أبيب ليحذّر غولدا مائير من المعركة التي يستعد لها العرب، ثم لنستحضر مسارعة النظام الأردني نفسه للمشاركة في ضرب إسرائيل بعد اندلاع المعركة كي لا يبدو أنه يحلّق خارج السرب العربي، ثم لنحاول أن نفكر بعقلية رجال السياسة الذين يتخذون من الميكيافيلية دستورا لهم، حيث تنعدم الأخلاق والمبادئ والولاءات، وتصبح المصلحة هي الهدف الوحيد.
عندئذ يمكن أن نحلل موقف الأردن الحالي الذي انصاع لأوامر الغرب بالدخول في معركة عسكرية ضد داعش، وهو البلد الذي لم يخض حربا منذ عام 1973، ولنستحضر أيضا حالة الغضب الشعبي السائدة إزاء مشاركة بلادهم في التحالف الدولي ضد المسلمين (مع أنهم خوارج)، خصوصا وأن قطاعا شعبيا واسعا كان يميل إلى موالاة داعش والقاعدة.
فحتى والد الكساسبة نفسه كان رافضا لمشاركة ابنه في الغارات ولانخراط بلاده أصلا في المعركة وفقا لما نقلته عن صحيفة التلغراف، ثم لنتأمل في انقلاب الرأي العام الأردني مباشرة بعد إعلان أسر طيار أردني ينتمي لقبيلة عريقة، ولنقرأ أيضا عن حالة الاصطفاف الاستثنائية وراء السلطة التي أكدت لشعبها أن داعش عدو مباشر للأردنيين وأن الحرب ضدها ليست مبررة فقط بل ضرورية جدا، لا سيما وأن فيلم "إحراق" الطيار يؤكد بلغة بصرية مبهرة أن داعش في حرب مفتوحة مع الأردن الذي يتشكل أصلا من قبائل تحتكم في حياتها إلى مفهوم الولاء والعصبية.
وأختتم بطرح شكوك أخرى قد تساعد القارئ على المزيد من التأمل، فأثناء عملي على تأليف كتاب "ضريبة هوليود" عام 2010 عثرتُ على كتابات لناشطين غربيين يشككون في الرواية الرسمية لتفجيرات عمّان عام 2005 التي استهدفت 3 فنادق في ليلة واحدة وأسفرت عن 57 قتيلا، حيث ثبت تورط تنظيم القاعدة فيها بإرساله لانتحاريين عراقيين كي يقتلوا أنفسهم وسط الجموع، دون أن يتساءل العرب والمسلمون عن تلك الصدفة العجيبة التي كانت وراء وجود مصطفى العقاد (المخرج المسلم الوحيد في هوليود) بذلك المكان البعيد عن مقر إقامته في كاليفورنيا ليلقى مصرعه، علما بأن العقاد كان قد اقترب آنذاك من تحقيق حلم ظل يتأجل عشرات السنوات بشأن إنتاج فيلم هوليودي عن صلاح الدين الأيوبي، ويقدّم به للعالم رؤية المسلمين للصراع الحساس على القدس.
المدهش هنا أن ساجدة الريشاوي، التي ثبت خلال التحقيقات أنها امرأة خرقاء لم تستطع حتى تفجير الحزام الناسف آنذاك فهربت مع الهاربين قبل أن يُقبض عليها؛ هي تلك المرأة التي قيل إن داعش يساوم عليها مقابل الإفراج عن الكساسبة.
إذن، هل القاعدة بريئة من الاختراق ومن تحقيق أهداف اليهود والأنظمة العربية؟
تذكرت بعدها شكوكي التي احتفظت بها لنفسي لحظة نشر الصور الأولى لاعتقال الكساسبة، فكان أول ما لفت نظري هو مظهر أفراد داعش المحيطين بالطيار الأسير في الرقة، إذ فوجئت بمظهرهم العسكري الاحترافي.
فمع أن المشهد كان يُفترض أنه تم تصويره فجأة عقب القبض على الطيار الذي سقط بنهر الفرات، لكن العناصر كانوا فيما يبدو مهيئين لالتقاط صور تذكارية جميلة، فملابسهم وأقنعتهم وتجهيزاتهم العسكرية الكاملة لم تكن تشبه مظهرهم المعتاد في كل الصور المنشورة سابقا ولاحقا.
وقد قارنت هذه الصور بكل ما وجدته من صور أخرى -وخصوصا في الرقة- ولم أجد سوى صور لمقاتلين يجمعون في مظهرهم بين الملابس القروية والعسكرية، دون انضباط بزي موحد نظيف ومرتب.
قد لا تعني هذه الشكوك بالضرورة أن الطيار لم يسقط في الرقة، لكنها تبقي الأمر مفتوحا أمام احتمالات مخالفة للرواية الرسمية، فإذا كان تنظيم داعش بصعوده الصاروخي والمفاجئ يضم تشكيلات مختلفة ومتفاوتة الولاء والارتباطات بجهات عدة، فمن الصعب الجزم بحقيقة التشكيل الذي قبض على الطيار واحتفظ به عنده، ولا ندري هل هو تشكيل أصيل أم مرتبط بجهة ما.
وبعد قصة "الحرق" بيومين، بدأت التساؤلات والشكوك بشأن مصداقية الفيلم تتكاثر في وسائل التواصل، وانتشرت مقالات ومشاهد فيديو تشرح للعوام الذين لا يملكون أدنى معرفة بالخدع السينمائية أن فيلما كهذا يمكن لأي مخرج محترف أن يصنعه وبطريقة أكثر إقناعا مما بدا عليه.
ومع أن الجدل بشأن هذه النقطة سيكون بيزنطيا أيضا ما يجعل من الصعب التوصل به إلى قرار حاسم، إلا أن النقطة الأهم التي يجب طرحها هنا هي: هل يمكن في ظل هذه الشكوك لأي جهة أن تثبت أن القتل قد تم فعلا؟ أو إنه قد حدث بالطريقة المذكورة تحديدا؟
وبما أنه لا يمكن لأحد أن يؤكد ذلك، سيما وأن الفيلم قد تم تصويره وإخراجه بطريقة احترافية تكفي لإثبات أن الذي أنتجه قادر على تزييف عملية الحرق كلها، إذن فالشك بمصداقية الفيلم أولى من التسليم به.
علاوة على ذلك، هل يمكن التصديق بأن تنظيما متخلفا وبربريا تمكن من امتلاك قدرات إعلامية وسينمائية بهذا الاحتراف وبسرعة غير منطقية؟ فمن واقع خبرتي وتجربتي بالعمل مع مؤسسات إعلامية عملاقة يحمل أصحابها فكرا تقليديا لكنه أكثر انفتاحا بكثير من فكر القاعدة؛ خرجت بنتيجة مفادها أن التطوير التقني البصري لا يمكن أن يحدث دون تطوير فكري وإداري تراكمي على المدى البعيد.
وليس هناك أي مؤشر على أن تنظيما لا يزيد عمره عن عام قد نجح في التخلص من عبء التخلف الفكري والتنظيمي ليؤسس هيكلا إعلاميا وسينمائيا ناجحا، فالأمر لا يتعلق بوجود كفاءات احترافية فردية، بل يتطلب بيئة عمل كاملة وعقلية إدارية منظمة تتدرج من السلطة العليا وصولا لفريق العمل.
ولا يغير شيئا مما سبق القول بأن تنظيم داعش قد استفاد من تراكم الخبرات التي أسسها تنظيم القاعدة الأم، ولا يفيد كثيرا الاستناد إلى حقيقة اندماج خبرات تنظيمية من حزب البعث العراقي المنحل في التنظيم، فالقاعدة وحزب البعث على السواء مازالا حتى الآن أبعد بكثير عن المستوى المطلوب فنيا وإداريا وتنظيميا لما يقدمه داعش من أفلام الذبح والحرق الاحترافية.
أما القول بأن منتجي هذه الأفلام هم من أفراد داعش الغربيين الذين حملوا خبراتهم من الغرب لتوظيفها في التنظيم؛ فهذا عذر يقوي الشكوك نفسها، إذ ما الذي يضمن أن هؤلاء الغربيين -وبعضهم ادعى اعتناق الإسلام حديثا- ليسوا سوى عملاء للمخابرات الغربية التي نشك أصلا بأنها وراء التنظيم كله؟
وقد كشفت صحيفة "صندي تايمز" مؤخرا عن هوية 5 شبان بريطانيين يشكلون فريقا احترافيا لإنتاج أفلام الذبح التي يطبّل لها الغرب ويزمّر على مدار الساعة لإثبات وحشية المسلمين، بل تحدث ناشطون عن إجراء عمليات المونتاج والمؤثرات الخاصة لبعض تلك الأفلام داخل استديوهات احترافية في أميركا.
وسيُطرح هنا بالطبع الطعن التقليدي في شكوكنا استنادا إلى القاعدة التي يروّج لها الإعلام دائما وهي "عليكم أن تصدقوا ما يقوله الإعلام، ولا سيما الإعلام الحكومي، وإلا كنتم ضحايا لنظريات المؤامرة المغرضة".
ولكي يهرب المواطن المسكين من تهمة الإتباع الأعمى لمروّجي "نظرية المؤامرة"، فإنه يرتضي لنفسه تلقائيا أن يلقي بها في التيار الجارف لقطيع المصفقين للسلطة، سواء كانت إعلامية أو سياسية، ويريح بذلك عقله المثقل بهموم الحياة اليومية من تبعات مخالفة الجماعة ومن تحمل الاتهامات الثقيلة بانعدام الوطنية والانتماء. وهذه ليست سوى إحدى القواعد المبدئية لسيكولوجيا الجماهير.
لنبحث عن المستفيد إذن، ولنعد إلى كواليس حرب 1973 ضد إسرائيل، حيث توجه الملك حسين بطائرته الخاصة إلى تل أبيب ليحذّر غولدا مائير من المعركة التي يستعد لها العرب، ثم لنستحضر مسارعة النظام الأردني نفسه للمشاركة في ضرب إسرائيل بعد اندلاع المعركة كي لا يبدو أنه يحلّق خارج السرب العربي، ثم لنحاول أن نفكر بعقلية رجال السياسة الذين يتخذون من الميكيافيلية دستورا لهم، حيث تنعدم الأخلاق والمبادئ والولاءات، وتصبح المصلحة هي الهدف الوحيد.
عندئذ يمكن أن نحلل موقف الأردن الحالي الذي انصاع لأوامر الغرب بالدخول في معركة عسكرية ضد داعش، وهو البلد الذي لم يخض حربا منذ عام 1973، ولنستحضر أيضا حالة الغضب الشعبي السائدة إزاء مشاركة بلادهم في التحالف الدولي ضد المسلمين (مع أنهم خوارج)، خصوصا وأن قطاعا شعبيا واسعا كان يميل إلى موالاة داعش والقاعدة.
فحتى والد الكساسبة نفسه كان رافضا لمشاركة ابنه في الغارات ولانخراط بلاده أصلا في المعركة وفقا لما نقلته عن صحيفة التلغراف، ثم لنتأمل في انقلاب الرأي العام الأردني مباشرة بعد إعلان أسر طيار أردني ينتمي لقبيلة عريقة، ولنقرأ أيضا عن حالة الاصطفاف الاستثنائية وراء السلطة التي أكدت لشعبها أن داعش عدو مباشر للأردنيين وأن الحرب ضدها ليست مبررة فقط بل ضرورية جدا، لا سيما وأن فيلم "إحراق" الطيار يؤكد بلغة بصرية مبهرة أن داعش في حرب مفتوحة مع الأردن الذي يتشكل أصلا من قبائل تحتكم في حياتها إلى مفهوم الولاء والعصبية.
وأختتم بطرح شكوك أخرى قد تساعد القارئ على المزيد من التأمل، فأثناء عملي على تأليف كتاب "ضريبة هوليود" عام 2010 عثرتُ على كتابات لناشطين غربيين يشككون في الرواية الرسمية لتفجيرات عمّان عام 2005 التي استهدفت 3 فنادق في ليلة واحدة وأسفرت عن 57 قتيلا، حيث ثبت تورط تنظيم القاعدة فيها بإرساله لانتحاريين عراقيين كي يقتلوا أنفسهم وسط الجموع، دون أن يتساءل العرب والمسلمون عن تلك الصدفة العجيبة التي كانت وراء وجود مصطفى العقاد (المخرج المسلم الوحيد في هوليود) بذلك المكان البعيد عن مقر إقامته في كاليفورنيا ليلقى مصرعه، علما بأن العقاد كان قد اقترب آنذاك من تحقيق حلم ظل يتأجل عشرات السنوات بشأن إنتاج فيلم هوليودي عن صلاح الدين الأيوبي، ويقدّم به للعالم رؤية المسلمين للصراع الحساس على القدس.
المدهش هنا أن ساجدة الريشاوي، التي ثبت خلال التحقيقات أنها امرأة خرقاء لم تستطع حتى تفجير الحزام الناسف آنذاك فهربت مع الهاربين قبل أن يُقبض عليها؛ هي تلك المرأة التي قيل إن داعش يساوم عليها مقابل الإفراج عن الكساسبة.
إذن، هل القاعدة بريئة من الاختراق ومن تحقيق أهداف اليهود والأنظمة العربية؟
هل داعش تمثل حقا دولة الخلافة النظيفة؟
هل قبض تشكيل نظيف داخل داعش على الكساسبة؟
هل جرت بالفعل مفاوضات نظيفة لمبادلته بالريشاوي؟
هل تم قتل الكساسبة حرقا بالفعل؟
هل كانت تفجيرات 2005 تستهدف المدنيين الأبرياء لإرهابهم وللضغط على حكومتهم فقط؟
أعتذر عن إزعاجكم بهذه الأسئلة، فقد أحببت فقط أن أذكركم بضرورة النظر إلى المستفيد في كل قصة، وبأن الأًصل في رواية السلطة هو الكذب حتى يثبت العكس.
أعتذر عن إزعاجكم بهذه الأسئلة، فقد أحببت فقط أن أذكركم بضرورة النظر إلى المستفيد في كل قصة، وبأن الأًصل في رواية السلطة هو الكذب حتى يثبت العكس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق