الاثنين، 9 فبراير 2015

الشرح والبيان لحرب العدوان والشيطان

الشرح والبيان لحرب العدوان والشيطان



د. أحمد الريسوني
***********************

بعد الكلمة المقتضبة التي كتبتها مؤخرا بعنوان (حرب العدوان والشيطان)، تلقيتُ عدة استفسارات واستشكالات لبعض ما تضمنته تلك الكلمة، وخاصة عدم تأييدي للحرب القائمة ضد داعش، واعتباري أن تلك الحرب هي مثل داعش وأفعالِـها، أي أنها عبارة عن “حرام في حرام”.


ثم تلقيت مقالا من الدكتور محمد بولوز يردُّ فيه علي، ويرى وجوب قتال داعش… وقد نشرته في موقعي الإلكتروني.

لذلك وجب الشرح والبيان.
1– لقد أصبح من المعلوم أن تنظيم “داعش” تَشَكَّل وتضخم وتفرعن بفعل عوامل متعددة، أكثرها وأهمها مصنَّع وموجَّه، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن الأيدي الأمريكية والسورية والعراقية والإيرانية ضالعة في ذلك قطعا. وهذا ما صرح به — أو اعترف به — كثير من السياسيين والمسؤولين الغربيين والعرب والإيرانيين، وهو ما أكده كثير من المحللين والخبراء. وعلى سبيل المثال فقد صرح السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق — في حوار تلفزي — أنه سبق له أن اتصل بنوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، ونبهه إلى أن نحو خمسمائة مسلح من داعش عبروا من سوريا إلى العراق، وقال له: إن قواتنا، أي قوات البشمركة، جاهزة وقادرة على سحقهم إذا وافقتم على ذلك، فأجابه المالكي: الزم شؤون إقليمك ودع هؤلاء عنك.

وحدثني صديق ثقة، سمع من مصدر عليم، أن السفير الأمريكي في العراق — وأثناء المفاوضات التي سبقت اختيار رئيس الوزراء — لما رأى تعنت نوري المالكي وتمسكه بمنصبه بدعم من إيران، واعتراضه على تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء، قال له: إذا لم تقبل بالتنحي وتولي العبادي، فإن داعش ستدخل إلى بغداد في غضون 24ساعة، بعدها رضخ المالكي وأعلن قبوله بالأمر الواقع.

وعلى العموم فإن العشرات ممن استمعت إليهم من العلماء والأكاديميين وقادة العمل الإسلامي — خاصة من العراق وسوريا — مجمعون على أن “داعش” مدعومة ومخترقة وموجهة، من عدة جهات معادية للعرب والمسلمين، هي نفسها التي تتصدر الآن ما يسمى بالحرب على “داعش”، وأن نظام بشار الأسد هو المحتضن الأول والراعي المباشر لولادة هذا التنظيم ونشأته.


2– من الواضح تماما أن الدول العربية والأوروبية التي يتوافد منها “المجاهدون والمجاهدات” إلى صفوف “داعش” تتغاضى عن خروجهم وتَنَقُّلِهم وعبورهم… أي أنها تتركهم يلتحقون بداعش، وهي قادرة تماما على منعهم لو أرادت. ومن الواضح أن هذه السياسة ترمي إلى التخلص من أولئك الشباب، ثم إرسالهم إلى المعركة والمحرقة.


3– أما تضخيم داعش ولو مؤقتا، ثم القيام لمحاربتها عدة سنين، فيحقق للأمريكيين — والغرب عموما — بيع الأسلحة وتجريبها، وتدريب العسكريين وتطوير مهاراتهم، وجلب أموال خيالية مقابل العمليات الحربية ومقابل ما يسمى “إعادة الإعمار”، كما ييسر لهم مزيدا من التمكن والتحكم في المنطقة ومزيدا من تفتيتها وإغراقها في العداوات والصراعات والحروب الثأرية التي لا تنتهي.

وأما الساسة الإيرانيون والطائفيون العراقيون، فإن وجود داعش وحروبها تمكنهم من سحق المناطق السنية وأهلها، لفائدة التمدد الشيعي.

وأما النظام السوري فإنه الرابح الأكبر من “داعش”، فقد أنقذه ظهور داعش من ورطة خانقة، بل من موت محقق.


4– بناء عليه، فهذه الحرب على “داعش”، هي بالدرجة الأولى صناعة أمريكية غربية، وهي بالدرجة الثانية صناعة إيرانية طائفية، وأما الشعوب العربية وعموم المسلمين، فليس لهم في هذه الحرب ناقة ولا جمل؛ ليس لهم فيها قرار ولا تخطيط ولا قيادة ولا مصلحة. بل هي عبارة عن قتل المسلمين بالمسلمين بأموال المسلمين، فهي وبال عليهم في دينهم ودنياهم، في الحال والمآل.


5– أما “الدواعش” في حد ذاتهم ولوحدهم، أي باعتبارهم طائفة من الخوارج البغاة المتمردين الفتانين، فإن أي دولة منفردة من دول المنطقة — كالسعودية والعراق والأردن وتركيا — قادرة على سحقهم وإبادتهم في بضعة أشهر، لو كان لها قرار مستقل وتدبير مستقل. فالسعودية على سبيل المثال سكانها نحو30 مليون، وثرواتها وقدراتها التسليحية لا حدود لها. ولعلمائها ودعاتها قدرة فائقة تامة على التعبئة والتجييش والتجنيد لملايين المواطنين من داخل المملكة، ولأكثر من ذلك من خارجها.
فما الذي يمنعها من ذلك: أهو العجز والإفلاس، أم الارتهان للتبعية والاستسلام للإرادة الأجنبية؟.


وقد سبق للزعيم الجزائري عباسي مدني أن عرض على الملك فهد أن يأتيه بمليون متطوع من الجزائر وحدها، لأجل ألا يستقدم الجيوش الأجنبية إلى بلاد الحرمين، ولكنه رفض العرض، وجاءت الجيوش الأجنبية، ثم جاءت القاعدة، ثم جاء داعش، ثم جاء الـحــَـوَثة، ثم لا أدري…؟

ومعلوم أن دول مجلس التعاون الخليجي لها اتفاقية دفاع مشترك، وقوات مشتركة. وهم أعضاء في اتفاقية الدفاع العربي المشترك، في إطار الجامعة العربية…

فلو أن حربهم على طائفة البغاة المتمردين المفسدين تمت في هذا الإطار، وعلى صعيد من هذه الأصعدة، وكانت لمصلحة الإسلام والمسلمين، لكانت حربا مشروعة واجبة، ولكانت شعوبهم وجميع المسلمين فيها ومعها.

ولكن الدول الاستعمارية تصر على أن يكون القرار قرارها، وأن يكون زمام الحروب بيدها، وأن يكون السلاح تحت تحكمها وإمرتها، ولصالحها ولصالح إسرائيل. ففي هذا الإطار وُجدت داعش، وفي هذا النطاق تجري الحرب على داعش. وهذا هو لب المسألة وجوهر المشكلة.

6– دول المنطقة العربية الآن:

- إما أن تستمر — وهي مستمرة حتى الساعة — في خيار التبعية والانخراط والدوران في فلك المشاريع الصهيوغربية. وهي المشاريع التي نعيش أطوارها ونتائجها وآلامها منذ الحرب العالمية الأولى، ومنذ تفكيك الدولة العثمانية، ومنذ أكذوبة “الثورة العربية الكبرى”، ومنذ اتفاقية سايكس/​بيكو ووعد بلفور…

- وإما أن تسلك مسلك السيادة واستقلال القرار، والنِّدية في علاقاتها وسياساتها الخارجية، وأن تتصالح مع شعوبها وتراعي إرادتها ومصالحها. وهذا — وحده — هو العلاج والدواء.

وأما الخيار الأول، فهو الداء، وهو الدواء الذي يزيد استفحال الداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق