الأحد، 8 فبراير 2015

«الشعب الجعان» و«فلوس الخليج اللي زي الرز»!!


«الشعب الجعان» و«فلوس الخليج اللي زي الرز»!!

شريف عبدالغني


(1)
أيام طفولتي كنت أتغيب عن المدرسة لو عرض التلفزيون أثناء توقيت الدراسة، الفيلم الخالد في أذهان عامة المصريين «رصيف نمرة 5»، والذي لم أكن أشعر أبداً بملل من تكرار مشاهدته. في هذا الفيلم مسح نجم الترسو وفتوة الغلابة فريد شوقي البلاط بمحمود المليجي مساعد زعيم العصابة، وبينما كان الأخير يرتطم بالأرض، صاح فيه بعض الحضور فرحين بما جرى له: «حوش اللي وقع منك يا معلم!».
المعلم لم يقع وحده. مصر كلها وقعت معه. لا أقصد أي تشاؤم لا سمح الله، فحال المحروسة في السياسة والاقتصاد والإعلام والرياضة وكافة شيء كويس وممتاز وعال العال وتسلم الأيادي و»عشنا وشفنا ماسر قد الدنيا». مصر دخلت «الحمّام» ونظفت نفسها من غبار «الإرهابيين الأشرار» وكبيرهم محمد مرسي الحاصل على شهادة الدكتوراه في التخابر وتهريب «البط» من السجن أثناء فراره من «فندق وادي النطرون للتأديب والإصلاح» أثناء «وكسة 25 يناير».

(2)
لكن المشكلة أن مصر تعاني أزمة «تسريب» بعد ما ربنا نتعها بالسلامة ووضعت مولودها آخر العنقود «انقلاب» وهو رقم 1 بعد التسعين مليون. المولود سكر. شربات مكرر. دمه خفيف. وسيم. «جاذب للستات». لكنه نزل من بطن أمه عصبي ومش طايق نفسه. يفهم ويتحدث جميع اللغات الحية والميتة. فقط يكره كره العمى كلمة «اعتصام»، بينما يصاب بحالة تشنج وهيستريا ويعملها على روحه لو رأى رقم «4». الأطباء احتاروا في حالته وعلاجه. أخيرا نصحوا الأم بعدم إدخاله الدراسة حتى لا يصل إلى سنة «رابعة» فعندها ستكون نهايته. سمعت الأم الكلام. لذلك لم يندهش أحد من مستواه التعليمي والثقافي. المسكين توقف عند سنة «ثالثة».
يقال: إن سبب كل أزماته النفسية أنه يبحث عن والد «شرعي» له. الغلبان لفظه الجميع. حتى محمود المليجي لم يعترف به. لم يجد من يتبناه من أشباه الرجال سوى اللصوص والتافهين و»بتوع البتاع». من بين النسوة لم يجد صدراً حنوناً سوى عند سما المصري وسمية الخشاب وإلهام شاهين وصاحبة أسطورة «شت أب يور ماوس أوباما». مسكين. هو مثل الشعب لم يجد من يحنو عليه!
كل حاجة في المحروسة «تتسرب» هذه الأيام. كل «الحنفيات» تسّرب. حنفيات المياه وحنفيات السياسة وحنفيات الغرف المغلقة وحنفيات الشائعات. مصر ليست في حاجة الآن إلى «دكر». إنها تحتاج إلى «كوع» يربط مواسيرها. مصر الكبرى ليست بحاجة إلى رئيس. مصر تحتاج إلى «سباك» يوقف هذا التسريب.

(3)
يا سباكين مصر اتحدوا. الانتخابات البرلمانية الجديدة أمامكم والتسريب من خلفكم. لا تكونوا جبناء خائبين خائفين مرتعشين متبلدين مثل السياسيين وتمتنعون عن الترشح خوفاً من زئير أسد «مزور في الصناديق» أو دلع لبؤة على الشاشة مزورة في عقولكم. ترشحوا ولا تسربوا. لا تخشوا شيئاً. المرحلة الدقيقة من عمر «الوتن» تحتاجكم. أنتم لها. من غيركم يستطيع وقف سيول التسريب. مصر كانت «ملكية» أيام فاروق. «جمهورية» أيام عبدالناصر. «منفتحة» أيام السادات. «مفتوحة» أيام مبارك. الآن المسكينة «مسربة». من يشتري لها «بامبرز». فينك يا ست ليلى مراد.. مين يشترى «البامبرز» مني وأنا بنادي وأغني. وفود رسمية تركب الطائرة وتشرخ هنا وهناك تجمع لـ»الشعب الجعان المتنيل بستين نيلة» شوية مساعدات من «اللي معاهم فلوس متلتلة وعايشين حياتهم بالطول والعرض»: 10 من فلان في الحساب الفلاني وزيهم من علّان وغيرهم من ترتان.. وأوعى تنسى تقولهم «قرشين» في البنك المركزي.. الشعب برضه حبيبنا ونور عينينا.
في رحلاتهم الخارجية التسولية يتكلمون في كل المجالات. المشروعات. الاستثمارات. التحويلات. الرهانات. المصالحات. الإرهابيات إخوات فتاكات. لكنهم ينسون أهم شيء: «البامبرز». من يأتي لنا به. نريد «بامبرز» من أي نوع. ليس مهما 7 طبقات وأستك. أغيثونا يا عرب. النجدة يا قوم. أنقذونا يا خليجيين من «التسريب». الحالة صعبة. ربنا يفك زنقتنا.

(4)
ليس»الكبار» فقط الذين يسربون. التسريب يشمل الجميع. المصريون سواسية في الظاهرة. لا فرق بين وزير وخفير. كلنا مسربون. ادخلوا مصر إن شاء الله مسربين. في مصر خير مسربي الأرض. الزوجة صباح الجمعة تسرب لصديقتها على التليفون ما حصل مساء الخميس: جوزي اللي ما يتسمى امبارح نزل القهوة ورجع نص الليل عامل نفسه تعبان.. أسأله: مالك يا راجل وليه التعب ده اللي بيجليك من الأسبوع للأسبوع؟ يقولي: بفكر في حال البلد وخايف قوي يا تفيدة إن «التسريب» الجاي يكون الكلام فيه عليا.. أصل دلوقتي محدش ضامن نفسه وواضح إن أسامي البلد كلها جاية في التسريبات..استرها يا رب علينا.
أما «أم التسريبات» فهي التي سمعتها أمة لا إله إلا الله، والتفت حول الشاشات لمتابعتها، وكأنها تنتظر مباراة ريال مدريد وقاهره أتليتكو مدريد، أو كليب جديد لهيفاء وهبي. في مصر لو قال لك أحدهم «كلمة في سرك» أو «بيني وبينك» فاعرف فورا أنها ستشيع بين الناس وتصير على كل لسان. لو نتذكر في أول تسريباته بعد مولده منذ سنة ونصف قال «انقلاب» لمحاوره «بيني وبينك» فسمعتها قارات العالم الخمس، والأجنة في بطون أمهاتها. إنها مصر وتأثيرها إن كنتم لا تعلمون.

(5)
التسريبات عملت عمايلها في المصريين. أطلقت دفعات جديدة من صواريخ نكاتهم. لم يفلت من العملية سوى شخص واحد: محمد مرسي رغم أنهم كانوا يعدون عليه أنفاسه في القصر الرئاسي، وكاميراتهم تحاصره في كل ركن وزاوية، فلما لم يجدوا له تسريباً، سربوا هم بأنفسهم عنه حكاية سرقة «البط» المشار إليها!! يقولون: إن التسريبات لن تتوقف. يا ما في الجراب يا «مسرّب». وقت إذاعة التسريب السابق تذكرت «رصيف نمرة 5» وفريد شوقي ومحمود المليجي وهو على الأرض، بينما المشاهدون يسخرون ويقولون: «حوش اللي وقع منك يا معلم»، لكنه لم يلتفت، وراح يجمع ما وقع منه وخرج من جيوبه.. فلوس الخليج «اللي زي الرز»!

shrief.abdelghany@gmail.com •
@shrief_ghany

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق