الأحد، 10 مايو 2015

مدير الثورة وقطها العجوز

مدير الثورة وقطها العجوز


وائل قنديل

يعترض حمدين صباحي، المرشح السابق، كديكور لمسرح وصول السيسي إلى الحكم، إن قانون التظاهر "باطل دستورياً، وغبي سياسياً، وجائر إنسانياً"، ولا يتركنا نجتهد في الأسباب ليضيف "وأضر قوى ثورتي 25 يناير و30 يونيو، أكثر من إضراره بتنظيم الإخوان، أو الإرهابيين".
إذن، تلك هي فلسفة القوانين عن الشخص الذي كان يحلم يوما برئاسة مصر (بالطبع ليس هذا اليوم هو يوم استدعائه لتمثيل دور منافس السيسي).
 القوانين تصدر من وجهة نظره للإضرار بمن يختلف معهم، ولا يحبهم، ولا تصدر لتحقيق العدل والمساواة، بمعنى أنه لو أدى قانون التظاهر للعصف بالإخوان، وكل من لا يعجب السيد صباحي شكلهم، لكان قانونا عظيما، يصفق له ويؤيده.
والطريف أن صباحي كان ينثر فاشيته التشريعية من فوق منصة مؤتمر "تحالف التيار الديمقراطي" في القاهرة، ويعلن نفسه زعيما للتحالف الجديد الذي يعرفه كالتالي "لا يسعى للنزول للشارع أو التظاهر، وإنما تحقيق أهداف الثورة عبر الطرق السلمية، في شكل اقتراحات ومطالبات للدولة، مشددا على ضرورة مواجهة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية"
لا يزال السيد صباحي يصر على أنه "مدير الثورة"، حتى وهو يناضل من بلكونة منزلهم، في طابق مرتفع من بناية شاهقة، ساعة العصاري، وهو يحتسي الشاي أو القهوة مع السيد محمد أبو الغار، "قط الثورة العجوز" الذي صار أكثر وداعة من سلحفاة، تكمن في جنبات بيت الانقلاب، كقطعة ديكور متحركة، والذي يعلن، في المؤتمر السنوي الثاني لنساء حزبه، اكتشافا تاريخيا مذهلا مؤداه "أن القوى الدينية من تيار الإسلام السياسي ضد المرأة بكل وضوح، وليس لديهم مانع في قتلها، قائلاً: "الإسلام السياسي عاوزين يقعدوا المرأة في البيت، ولو يموتوا مش بطال".
تقول الأرقام إن أعداد المناضلات الصامدات من تيار الإسلام السياسي داخل سجون النظام الذي يعمل أبو الغار على خدمته، بلغت مستويات غير مسبوقة في تاريخ المشاركة السياسية للمرأة المصرية، ويمكن للسيد أبو الغار أن يعود إلى مقالات نشرتها شابة مصرية، اسمها سماح إبراهيم، عن فظائع يمارسها الأمن المصري بحق مئات، بل آلاف المعتقلات، من سيدات وبنات تيار الإسلام السياسي، ويمكنه أن يقلب في أرشيف الصحف والفضائيات، ليقرأ عن شهيدات المنصورة، عقب الانقلاب مباشرة، هالة أبو شعيشع وأخواتها، ثم أسماء البلتاجي عروس الشهادة في فض رابعة وأخواتها، سيجد، أيضاً، مادة غزيرة عن حركة "بنات 7 الصبح"، وعن الحاجة سامية شنن التي تنتظر تنفيذ حكم الإعدام في محاكمات كرداسة الهزلية، وسيعرف أن قاضيا جليلاً، اسمه زكريا عبد العزيز، حملته ثورة يناير على الأعناق، ثم طرحته أرضاً، حين حكم بالسجن المشدد على مجموعة من الثائرات، ينتمين لتيار الإسلام السياسي.
يمكن للسيد أبو الغار أن يرجع قليلا بالذاكرة إلى الليلة التي طار النوم من عينه فيها، حين علم باستشهاد شيماء الصباغ (الاشتراكية)، سيجد أنه، في الليلة نفسها، كانت "سندس" المحجبة الصغيرة (17 عاما) قد لقيت ربها شهيدة برصاص الأمن في تظاهرات الإسكندرية.
لقد ضربت نساء تيار الإسلام السياسي المثل الأروع في نضال المرأة المصرية، منذ وقوع الانقلاب، فهي الأم التي دفنت ابنها، أو ابنتها الشهيدة، وودعت زوجها إلى المعتقل، وعكفت على رعاية بقية أبنائها، من دون أن تكف عن التظاهر والغضب ضد سلطة الدم، وهي البنت التي فقدت أبا أو أختا، ولم تكتف بالنحيب خلف حوائط صماء، وخرجت تزين حوائط الشوارع بعبارات الاحتجاج والصمود، وتخترق جدران الخوف والمهانة..
هي كل هؤلاء، حتى أن أبواق إعلام السلطة لا تزال تهذي بأن معارضي الانقلاب، والأكثرية منهم من تيار الإسلام السياسي، يتخذون النساء دروعا في التظاهرات.
تقول الحقيقة العملية إن إصرار هؤلاء الثائرات، الصامدات، على المشاركة في التظاهر والغضب النبيل، كان المحفز الأول للرجال والشباب للاستمرار في المقاومة، حولين كاملين، حتى اشتد عودها، وفرضت نفسها على الجميع.
إن "القعود في البيت" يليق بمن أجروا ميادين النضال، مفروشة بشعارات يناير، لقوى الثورة المضادة، واقتسموا معها الخيام والأموال المنقولة جوا.. ويليق أكثر بقطط عجوز، تحتضر سياسيا وثوريا، وتأبى إلا أن تختم حياتها بأسوأ النهايات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق