السبت، 9 مايو 2015

العدالة والتنمية في الانتخابات...نقاط ضعف لا تخلو من قوة

العدالة والتنمية في الانتخابات...نقاط ضعف لا تخلو من قوة
إحسان الفقيه 

لم تكن بنود صلح الحديبية الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم مُرضية للمسلمين، ورأوا فيها إجحافًا وظلماً، فكيف يقبل المسلمون أن يردّوا من يأتيهم إلى مكة حيث المشركين، بينما من يعود إلى مكة لا ترده قريش، لكنّ رأي النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر بركة {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}.

هاجر الصحابي "أبو بصير" إلى المدينة، فأرسلت قريشٌ رجلين في طلبه استنادا إلى المعاهدة، فردّه النبي وفاءً بما قطع من عهد، لكنه في الطريق تمكن من الفرار منهم، وعاد إلى النبي ظنًا منه أن النبي قد أوفى عهده وقُضي الأمر، وأن بمقدوره البقاء في المدينة.

لكن العهد هو العهد، فخرج أبو بصير من مدينة الرسول، وعسكر بسيف البحر، فكان كل من يردّه النبي من المهاجرين ينحاز إلى أبي بصير، فكوّنوا تشكيلا قتاليا يقطع الطريق على تجارة المشركين، فاضطرت قريشٌ إلى أن تطالب بنفسها رسول الله بإلغاء هذا البند وقبول من يأتيه مهاجرا.

فكثيرا ما تكون نقاط الضعف مُنطوية على أدوات قوة، وهذا ما يظهر لي من خوض حزب العدالة والتنمية التركي الانتخابات المقبلة بحُزمة من نقاط الضعف، وهو ما نُلقي عليه الضوء خلال هذه السطور.

صعوبة الهدف

العدالة والتنمية بهذا الرصيد الضخم من الإنجازات على أرض الواقع، تجاوز هدفه الفوز بالأغلبية في البرلمان، فذاك أمرٌ تتعامل معه الأوساط المختلفة على أنه أمرٌ مُتحقّق.

فهدف الحزب هذه المرة هو الحصول على نسبة مقاعد تُمكّنه من تمرير تغيير دستوري وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، بمُفرده دون الحاجة إلى توافُق القوى الأخرى في البرلمان والذي حتما يخضع لمقايضات سياسية.

ولا يخفى صعوبة تحقيق هذا الهدف لعدة أسباب، أبرزها: غياب النجوم الكبار عن هذا العرس من بينهم رجب طيب أردوغان وعبد الله جول، وحوالي 70 بالمائة من وجوه الفترة السابقة.

ومنها كذلك الحضور القوي لقوى المعارضة هذه المرة، ومنهم حزب الشعوب الديموقراطي (الكردي)، والذي كشفت الاستطلاعات أن بمقدوره تخطّي حاجز العشرة بالمائة لدخول البرلمان.

بالإضافة إلى عدد من الملفات الداخلية والخارجية التي تتفاوت تجاهها الرؤى في تركيا.

لكن برغم صعوبة الهدف، إلا أنّه ينطوي على نقاط قوة، أبرزها أن هذه الصعوبة استنفرت الحزب وأعضاءه ومُحبيه للعمل على قدم وساق لتحقيق هذا الهدف المرتبط بحلم تركيا الجديدة، وذلك بعد أن ارتفع سقف طموحاتهم.

وقد نلمس ذلك في الحملات الدعائية للحزب، والتي يُركز فيها على إنجازاته السابقة القابلة لتدفُقٍ أسرع وأقوى في المرحلة القادمة، كما أنها تُركز على انتصار الحزب في معركة الحريات، وليس أدلّ على ذلك من مقاطع الفيديو التي تبثّها الحملة، ومنها الفيلم الدعائي الذي يجسد معاناة المُحجبات في الجامعات التركية.

* ومن ناحية أخرى، فإن هذا الهدف الصعب الذي يُصرح الحزب بأهميته لإتمام مشروع النهضة في تركيا الجديدة - والذي يرجى قطف ثماره عام 2023م بدخول تركيا في نادي العظماء العشرة - فيه تدشين قوي وتعبئة عامة للشعب التركي لأن يسير في الركب لتحقيق هذا الحلم.

كما أنه في حد ذاته يرفع من أسهم الحزب شعبيا، حيث أن الحزب كما تدل تجربته يسير على خطى ثابتة متزنة ويطلق وعوده ويفي بها، فمثل هذا الحزب الذي لم يخدع شعبه، ويُعلي من سقف طموحه في كل مرة، يكتسب مصداقية لدى الشعب، وبالتالي يلقى الدعم من الأتراك الذين يحدوهم الأمل في أن يروا تركيا الجديدة.

غياب النجوم

لا يستطيع أحد إنكار ثقل أردوغان في حزب العدالة والتنمية، بما له من تاريخ طويل وإنجازات ومواقف رفعت من شأن تركيا داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى الكاريزما القيادية العالية، فالرجل تحوّل إلى زعيم تركي بلا منافس.

وغياب أردوغان عن الحزب بسبب تولّيه منصب الرئيس والذي يقتضي قطع صلاته بالحزب والوقوف على الحياد بين الأحزاب كافة، أحد العقبات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية.

ولا يقتصر الأمر على أردوغان، ولكن على حوالي 70 بالمائة من القوة الضاربة والوجوه المعروفة في الحزب، وهو الأمر الذي يثير مخاوف داخل دوائر الحزب.

ويرجع هذا الغياب لنجوم الحزب إلى قوانينه الداخلية التي يتبعها، حيث تنص على منع أي نائب من الترشح لأكثر من ثلاث فترات متتالية، ما جعل الحزب يخوض الانتخابات بدماء جديدة، علمًا بأنه قانون داخلي للحزب ولا تلزمه الدولة به، وقد نادى البعض بتغيير هذا القانون لضمان تحقيق نتائج أفضل، إلا أنه قد استقر الرأي على عدم التنازل عن هذا المبدأ.

* نقطة الضعف هذه تنطوي أيضا على نقاط قوة، أبرزها: تعزيز التماسك الداخلي للحزب، وتنامي الثقة لدى أعضائه – والشباب بصفة خاصة - في حزبهم، والذي يحرص على ضخ دماء جديدة، ويفسح المجال أمام الشباب والعناصر غير اللامعة في الحصول على فرصتهم.

كما أن تمسك الحزب بمبادئه سوف يكسبه مزيدا من المصداقية لدى الجماهير، تمكّنه من اكتساب أعضاء جدد وخاصة من الشباب، بل قد يصل الأمر إلى انسحاب بعضهم من الأحزاب الأخرى التي لا تراعي هذا البعد، والانضمام إلى حزب العدالة والتنمية.

ومن جهة ثالثة، فإن الحزب كما هو متوقع سوف يفوز بالأغلبية، وهذا في حد ذاته مكسب كبير، بل هو المكسب الأساس الذي يهتم به عامة الجمهور التركي، فإذا ما فاز الحزب بالأغلبية رغم غياب قوته الضاربة، ففي هذا أكبر عمل دعائي للحزب، حيث أنه ليس حزب الفرد أو الرجل الواحد، وإنما هو حزب يكتسب قوته من سياساته العميقة وتوجهاته.

وإضافة إلى ما سبق فإن الحزب بتمسكه بمبادئه ربما يكون أنموذجا يُحتذى به في الحياة السياسية التركية لتمكين الشباب.

قضية اللاجئين السوريين

أقرّ المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس" في كلمة ألقاها في مجلس الأمن، بأن عدد اللاجئين في تركيا يفوق أي دولة في العالم.

هذه اللفتة الإنسانية الواضحة التي تبرز تقديم تركيا المبادئ على المصالح، ورقة تضغط بها قوى المعارضة والكيان الموازي قبل الانتخابات لتأليب الرأي العام على الحزب الحاكم الذي تَحسب عليه المعارضة وجود اللاجئين السوريين بهذا العدد الكبير.

فرئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال كلتشدار أوغلو" لا يكف عن إثارة قضية اللاجئين، ويروج لأنهم عبء اقتصادي يتحمّله المواطن التركي، ويدعو لطردهم.

بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما صرّح قبل شهور في حواره مع الصحافي أحمد هاكان على قناة "سي إن إن ترك" بأن احتضان الحكومة التركية لـ 1.5 مليون لاجئ سوري خيانة للوطن.

كما أن الكيان الموازي بدوره والذي يتزعمه فتح الله كولن، يضغط بهذه الورقة في معركة تكسير العظام التي يخوضها ضد حزب العدالة والتنمية.

فمنذ أيام قامت صحيفة زمان التابعة لـ كولن بنشر تحريف لنداء أطلقه مواطنون أتراك في ولاية بورصة إلى المسؤولين، ونشرت الصحيفة تقريرا عنوانه "المواطنون الذين ضاقوا ذرعاَ: يطردوننا من بيوتنا التي نسكنها منذ 30 عاماَ ويعطونها للسوريين".

وأضافت الصحيفة عبارة "ويعطونها للسوريين" وهو ما يُكذّبه الفيديو المرفق في الخبر، والذي يخلو من أي ذكر للسوريين، وهو ما يعني الإقحام المُتعمد لقضية اللاجئين في شكاوى المواطنين، للتأليب على الحكومة التي فتحت أبواب البلاد للسوريين.

كما أن هناك تجاوزات من بعض الأفراد والمسؤولين المنتمين للكيان الموازي، والذين يعملون في مؤسسات الدولة تجاه اللاجئين لاستفزازهم وجرهم إلى أعمال شغب، يتحمل تبعاتها في النهاية الحزب الحاكم.

* أقول أنه بالرغم من كل ذلك، تظهر نقاط قوة للحزب الحاكم في هذه المسألة، فاستقبال اللاجئين السوريين من ناحية يُلبّي تطلعات معظم الشعب التركي، الذي استحضر الروح التي تعامل بها الأنصار مع المهاجرين في الصدر الأول من الاسلام، انطلاقا من الشعور بأمة الجسد الواحد، والترابط بين الشعوب الإسلامية، وكما قال الباحث والكاتب محمود عثمان في إحدى مقالاته: " الغالبية في تركيا حكومة وشعبا يعتبرون أنفسهم أنصارا والسوريين ضيوفا مهاجرين".

ومن وجهة نظري، مع مساحة الحريات في عهد العدالة والتنمية، وبالنظر إلى الشعب التركي الذي تظاهر للضغط على البرلمان في 2003م لمنع التصويت للمشاركة في الحرب على العراق، لم يكن ليسكت عن استقبال اللاجئين لو لم يكن معظمه على قناعة بسلامة هذا الموقف.

ومن جهة أخرى، فإن إعلاء الحزب الحاكم من قيمة هذه المبادئ واستضافة اللاجئين، تُظهر للشعب التركي ما لدولته من دور فاعل في القضايا الإقليمية، وأن تركيا لم تعد دولة تقتصر على حل مشاكلها الداخلية.

ومن جهة ثالثة، فإن قضية اللاجئين سوف تجذب للتصويت للحزب، عدة شرائح، منها: أصحاب التوجه الإسلامي الذين يرون في استضافة اللاجئين واجبًا شرعيا، ومنها: الأتراك الذين يرتبطون بالعرب عن طريق المصاهرة والنسب أو العلاقات المتينة، ومنها أيضا الأتراك في الخارج المتعاطفين مع الأزمة السورية وهم عدد لا يستهان به.

ومن جهة رابعة، فإن حزب العدالة والتنمية لا شك أنه سيحظى بدعم كل النخب السورية المعارضة لنظام الأسد في تركيا وخارج تركيا، وهؤلاء لا شك سيكون لهم تأثيرهم في بعض القطاعات التركية في الداخل والخارج.

الحملات المغرضة للمعارضة

تشن المعارضة خاصة حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب (الكردي)، حملة شرسة ضد العدالة والتنمية لعرقلة مسيرته، رغم أن كلا منهم يفقد الأمل في الحصول على أغلبية المقاعد، لكن لكل منهما أجندته الخاصة.

كما أن الكيان الموازي يلعب دورا بارزا في صراعه مع الحزب الحاكم، من التحالف مع المعارضة، وتجييش القوميين ضد العدالة والتنمية.
ورغم خطورة هذا الخطاب العدائي وحملات التشويه المغرضة، إلا أنها تنطوي كذلك على نقاط قوة، فهي تؤكد – لدى الشعب التركي- فشلها، حيث أنّ جُلّ بضاعتها تشويه الآخرين، ولا تجد أرضية أو واقعا من الإنجازات ترتكز عليه.

وفي هذا يقول الأستاذ محمد زاهد جول: "أحزاب المعارضة التركية تفشل في خطابها قبل خوض الانتخابات، فهي لا تخاطب الناخب التركي من خلال عقله وطموحاته ومستقبله، وإنما من خلال مكاسبها الخاصة في الوصول إلى البرلمان التركي فقط."

وفي المقابل، فإنها تنكشف أمام الخطاب الدعائي لحزب العدالة والتنمية، والذي يرفع شعار "غيرنا يتكلم ونحن نعمل"، فهو يخاطب الشعب التركي بإنجازاته على أرض الواقع، فالنموذج موجود، وفي المستقبل الزيادة.

ختاما

الانتخابات التركية تتجه إليها أنظار العالم بأسره، وقوى داخلية وخارجية تتربّص بمسيرة العرس الديموقراطي، وبغضّ النظر عن نتائج الانتخابات، فإنني متفائلة بأن الخطوات الواسعة التي قطعها حزب العدالة والتنمية في النهوض بتركيا سوف تؤتي ثمارها عما قريب، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق