"فورين أفيرز": مصر أصبحت "مجنونة" في عهد السيسي
لماذا سيصبح سيسي مصر أخطر مما تعتقد الولايات المتحدة؟ سؤال طرحه "جيف مارتيني" في العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز" الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية.
قال "مارتيني"، المحلل في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة "راند"، إن القاهرة أصبحت مدينة مجنونة، فمن إقامة منطقة عازلة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة إلى تجريم من يثبت انتماؤه للإخوان المسلمين إلى استخدام القوة المفرطة ضد من يخرق قانون التظاهر.
ويرى أن إستراتيجية السيسي للأمن تعتمد بشكل كبير على إطلاق النار من الخراطيش والجرافات وعلى قضاة مطواعين بيد الحكومة.
ويعتقد "مارتيني" أن دعاة الواقعية في السياسة الخارجية يحلو لهم القول إن مشاكل مصر خاصة بها ولا تغير بالضرورة المصالح الإستراتيجية الأمريكية. فقرار إدارة الرئيس باراك أوباما الإفراج عن الدعم العسكري للجيش المصري الذي علق بعد الانقلاب من دون انتظار تحسن ملف حقوق الإنسان في مصر هو تعبير عن هذه القراءة.
ومع ذلك، لا يمكن عزل السياسة المحلية عن الخارجية، خاصة وأن السياسات المحلية والخارجية في مصر باتت متشابكة وتداعيات كل هذا يجب أن يثير القلق. ويرى الكاتب أن مدخل النظام المصري للأمن الداخلي فشل في التفريق، وأحيانا بقصد كما يقول البعض، بين المتطرفين والمعارضة السياسية.
ويشير هنا إلى ما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري من أن الفرق بين الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية "ليس كبيرا".
ومع أن هذه المشاعر ليست جديدة في مصر، إلا أن الجديد فيها هو الحماس الذي يزرعه النظام في محاربته للإسلاميين وترجمة هذا لينعكس على مجال السياسة الخارجية. ويذكر أن من عارضوا صعود الإخوان المسلمين في مرحلة ما بعد الثورة عام 2011 حذروا مما أطلقوا عليه "أخونة" الدولة.
فقد شعر المعارضون للإخوان أن إطلاق رجال الأمن لحاهم وإصدار البنوك صكوكا إسلامية دليل على سيطرة الإسلاميين على السلطة.
وبعد الإطاحة بالإخوان المسلمين وتصنيفهم كجماعة إرهابية بدأت الحكومة حملة "لاجتثاث الإخوان"، وهي حملة امتدت وطالت السياسة الخارجية.
ففي الأيام الأولى التي تلت الإطاحة بمرسي سيطرت عقلية تطهير، وقادت لعزل مسؤولين حكوميين نظر إليهم كمتعاطفين مع الإخوان. والـوزارة الوحـيدة التي نجت من الملاحقة هي وزارة الخـارجيـة التي لم يخترقها الإخوان مقارنة مع الملاحـقة والتطهـير الذي طـال الـوزارات الأخـرى.
ومع ذلك كان على السلك الدبلوماسي اجتياز فحص الولاء والدفاع عن إفراط النظام في ملاحقة وقمع الإخوان المسلمين. ومن هنا تحدث السفراء وقارنوا الإخوان المسلمين بالنازية وفي الوقت نفسه رفضوا قتل النظام للمتظاهرين وقارنوه بالإجراءات التي تقوم بها الدول الغربية ضد الاحتجاجات.
ويرى الكاتب أن اجتثاث الإخوان في السياسة الخارجية يذهب أبعد من وزارة الخارجية إلى منابر المساجد التي تستخدم لشيطنة الإخوان، خاصة وأن نظام السيسي يقدم نفسه على أنه رأس الحربة في مواجهة الإسلاميين. فهو يقوم باللعب على مظاهر القلق الحقيقية من المتطرفين التي تواجه المنطقة كمبرر لضرب كل الإسلاميين من كل الألوان.
* ليبيا:
كما أصبحت مصر من أكثر الدول الناشطة في تصدير نموذجها إلى ليبيا حيث تدعم القاهرة وأبو ظبي الشخصية المثيرة للانقسام خليفة حفتر.
ويرى الكاتب أن التدخل العسكري، بالإضافة للدور الناشط الذي تقوم به مصر لرفع حظر تصدير الأسلحة لليبيا، أدى إلى تنامي حالة استقطاب بين المتنافسين على الساحة الليبية وعقد من مهمة المبعوث الدولي برناردينو ليون. ورغم كل هذا قاومت مصر الرغبة في إرسال قوات برية للمشاركة في الحرب الليبية رغم تزايد الضغوط عليها بعد قيام تنظيم الدولة الإسلامية بذبح 21 قبطيا مصريا في فبراير 2015.
واكتفت الحكومة المصرية بشن غارات جوية وقامت بعمليات إجلاء واسعة للعمال المصريين في ليبيا. لكن هناك مخاطر من تورط مصر الراغبة في ملاحقة الإسلاميين القريبين من حدودها أكثر.
ويرى مارتيني أن جهود مصر في ليبيا القائمة على ضرب التحالف الإسلامي الذي يقوده الإخوان في طرابلس أصبحت مكلفة. فهوس السيسي برؤية الإخوان وراء كل الأكمة مضر، فهو يدفع باتجاه التحالف بين الجماعات غير المتطرفة والمتطرفة لمواجهة العدو المشترك.
* الخليج:
جانب آخر من تحولات السياسة الخارجية المصرية هو اعتماد السيسي الكبير على دول الخليج، وهو دعم كما يقول المسؤولون المصريون ليس مجانيا، وهذه أول مرة تضع مصر سياستها الخارجية في المزاد.
فبحسب وزارة المالية المصرية، فقد قدمت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مبلغ 10.6 مليار دولار للميزانية المصرية في الفترة ما بين 2013-2014. وجاءت المعونات على شكل منح نفطية بنسبة 70%، أما الباقي 30% فقد جاء على شكل معونات مالية مباشرة.
ولكن الرقم هذا لا يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات التي تعهدت بها في أثناء قمة شرم الشيخ الاقتصادية إضافة للودائع التي وضعتها دول مجلس التعاون الخليجي في البنوك المصرية من أجل دعم السيولة المالية أو الاستثمار الأجنبي المباشر الهادف لضخ حياة في الاقتصاد المصري.
ويلاحظ "مارتيني" أن الاستثمار الخليجي المباشر تم تقديمه عبر مؤسسة الجيش مما يقويها في داخل الدولة. ويرى الكاتب أن ما يثير القلق هو تحول مصر للاعتماد على الدعم الآتي من دول الخليج، مما سيحول البلد إلى قوة مساعدة للملكيات الخليجية المحافظة.
ومشاركة مصر في التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن هو واحد من الأمثلة عن هذه المخاطر. وظهر رضوخ مصر لرعاتها عندما أعلن السيسي عن استعداده لإرسال قوات برية إلى اليمن.
كما يمكن لمصر أن تتحول إلى قوة لقمع الانتفاضات في دول الخليج.
وبعد الإطاحة بالإخوان المسلمين وتصنيفهم كجماعة إرهابية بدأت الحكومة حملة "لاجتثاث الإخوان"، وهي حملة امتدت وطالت السياسة الخارجية.
ففي الأيام الأولى التي تلت الإطاحة بمرسي سيطرت عقلية تطهير، وقادت لعزل مسؤولين حكوميين نظر إليهم كمتعاطفين مع الإخوان. والـوزارة الوحـيدة التي نجت من الملاحقة هي وزارة الخـارجيـة التي لم يخترقها الإخوان مقارنة مع الملاحـقة والتطهـير الذي طـال الـوزارات الأخـرى.
ومع ذلك كان على السلك الدبلوماسي اجتياز فحص الولاء والدفاع عن إفراط النظام في ملاحقة وقمع الإخوان المسلمين. ومن هنا تحدث السفراء وقارنوا الإخوان المسلمين بالنازية وفي الوقت نفسه رفضوا قتل النظام للمتظاهرين وقارنوه بالإجراءات التي تقوم بها الدول الغربية ضد الاحتجاجات.
ويرى الكاتب أن اجتثاث الإخوان في السياسة الخارجية يذهب أبعد من وزارة الخارجية إلى منابر المساجد التي تستخدم لشيطنة الإخوان، خاصة وأن نظام السيسي يقدم نفسه على أنه رأس الحربة في مواجهة الإسلاميين. فهو يقوم باللعب على مظاهر القلق الحقيقية من المتطرفين التي تواجه المنطقة كمبرر لضرب كل الإسلاميين من كل الألوان.
* ليبيا:
كما أصبحت مصر من أكثر الدول الناشطة في تصدير نموذجها إلى ليبيا حيث تدعم القاهرة وأبو ظبي الشخصية المثيرة للانقسام خليفة حفتر.
ويرى الكاتب أن التدخل العسكري، بالإضافة للدور الناشط الذي تقوم به مصر لرفع حظر تصدير الأسلحة لليبيا، أدى إلى تنامي حالة استقطاب بين المتنافسين على الساحة الليبية وعقد من مهمة المبعوث الدولي برناردينو ليون. ورغم كل هذا قاومت مصر الرغبة في إرسال قوات برية للمشاركة في الحرب الليبية رغم تزايد الضغوط عليها بعد قيام تنظيم الدولة الإسلامية بذبح 21 قبطيا مصريا في فبراير 2015.
واكتفت الحكومة المصرية بشن غارات جوية وقامت بعمليات إجلاء واسعة للعمال المصريين في ليبيا. لكن هناك مخاطر من تورط مصر الراغبة في ملاحقة الإسلاميين القريبين من حدودها أكثر.
ويرى مارتيني أن جهود مصر في ليبيا القائمة على ضرب التحالف الإسلامي الذي يقوده الإخوان في طرابلس أصبحت مكلفة. فهوس السيسي برؤية الإخوان وراء كل الأكمة مضر، فهو يدفع باتجاه التحالف بين الجماعات غير المتطرفة والمتطرفة لمواجهة العدو المشترك.
* الخليج:
جانب آخر من تحولات السياسة الخارجية المصرية هو اعتماد السيسي الكبير على دول الخليج، وهو دعم كما يقول المسؤولون المصريون ليس مجانيا، وهذه أول مرة تضع مصر سياستها الخارجية في المزاد.
فبحسب وزارة المالية المصرية، فقد قدمت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مبلغ 10.6 مليار دولار للميزانية المصرية في الفترة ما بين 2013-2014. وجاءت المعونات على شكل منح نفطية بنسبة 70%، أما الباقي 30% فقد جاء على شكل معونات مالية مباشرة.
ولكن الرقم هذا لا يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات التي تعهدت بها في أثناء قمة شرم الشيخ الاقتصادية إضافة للودائع التي وضعتها دول مجلس التعاون الخليجي في البنوك المصرية من أجل دعم السيولة المالية أو الاستثمار الأجنبي المباشر الهادف لضخ حياة في الاقتصاد المصري.
ويلاحظ "مارتيني" أن الاستثمار الخليجي المباشر تم تقديمه عبر مؤسسة الجيش مما يقويها في داخل الدولة. ويرى الكاتب أن ما يثير القلق هو تحول مصر للاعتماد على الدعم الآتي من دول الخليج، مما سيحول البلد إلى قوة مساعدة للملكيات الخليجية المحافظة.
ومشاركة مصر في التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن هو واحد من الأمثلة عن هذه المخاطر. وظهر رضوخ مصر لرعاتها عندما أعلن السيسي عن استعداده لإرسال قوات برية إلى اليمن.
كما يمكن لمصر أن تتحول إلى قوة لقمع الانتفاضات في دول الخليج.
ويقول "مارتيني" إن مصر تلعب بالنار، فالحملات مثل اليمن لديها قابلية للتحول إلى حروب بالوكالة تتنافس فيها الدولة المعنية، في هذه الحالة السعودية وإيران، بزيادة مشاركتها في الحرب. كما إن العملية أثارت مخاوف مصر، فلم ينس الرأي العام المصري الحرب المكلفة التي خاضها الجيش المصري في اليمن قبل نصف قرن.
* قوة عربية:
وهناك وجه آخر للنشاط العسكري المصري، وقد بدأ من خلال المقترح الذي تقدم به الرئيس المصري أمام القمة العربية في مارس 2015 بتشكيل قوة عسكرية مشتركة. ويتوقع أن تقدم مصر الجزء الأكبر من القوات، باعتبار أن جيشها الأضخم عربيا، إذا تم تشكيل هذه القوة.
وفي تحليله للحماس الذي أبداه السيسي للقوة، يرى "مارتيني" أن هناك زاوية محلية لكل هذا. فالسيسي يرى أن مؤسسة الجيش هي الوحيدة القادرة على توحيد وحماية وتحديث مصر (وهذا الكلام تقوضه الحالة الأمنية في مصر)، لكنه في الواقع يبحث عن فرص أخرى لهيمنة الجيش كقوة تقدم الأمن والسلطة والهيبة.
ويعتقد الكاتب أن مقترح القوة العربية المشتركة هو جزء من صناعة الأسطورة وتأكيد موقع مصر بين الأمم، كما في أحاديث السيسي. لكنَ المسؤولين الأمريكيين ولسوء الحظ لا يملكون إستراتيجية واضحة تجاه مصر.
فمن ينتقدون سياسة الإدارة تجاه مصر باعتبارها تخليا عن المبادئ من أجل تحقيق مصالح ضيقة يتجاهلون في الوقت نفسه مقولة "ملعون إن فعلت وملعون إن لم تفعل".
فعندما تحركت الإدارة، وإن متأخرة لتعليق المساعدات بعد الإطاحة بمرسي، قابلت الحكومة في مصر القرار بالتحدي، ولم يحدث أي تحول على سجل حقوق الإنسان ولا الممارسة الديمقراطية. ولم يتغير الوضع عندما استأنفت الإدارة المساعدات.
ويرى أن المسؤولين الأمريكيين يخدعون أنفسهم إن اعتقدوا بحدوث تغير في تصرفات النظام من خلال تقديم المساعدات على مراحل وربطها بمجموعة من المهام العسكرية الضيقة.
وببساطة، فأي تعديل لطريقة تقديم رزمة المساعدات لن يغير من واقع الأمر شيئا. فحقيقة الأمر أن الولايات المتحدة تتعامل مع شريك غير متوازن عقليا ومعه كل المشاكل التي تثيرها الشراكة معه في الداخل والخارج.
ولمواجهة المعضلة هناك حاجة للاعتراف بأن الحفاظ على التحالف ليس نهاية الأمر في حد ذاته. فالطريقة التي يمكن من خلالها الحكم على العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر والدول العربية الحليفة يجب أن لا تقوم على الكيفية التي يرد فيها الجنرالات على مكالمات أوباما ولكن من خلال النظر لمنفعة هذه العلاقات للمصالح الأمريكية. وهذا يقتضي بالضرورة الانفتاح على فكرة أن العلاقات قد لا تكون في صالح الولايات المتحدة.
* قوة عربية:
وهناك وجه آخر للنشاط العسكري المصري، وقد بدأ من خلال المقترح الذي تقدم به الرئيس المصري أمام القمة العربية في مارس 2015 بتشكيل قوة عسكرية مشتركة. ويتوقع أن تقدم مصر الجزء الأكبر من القوات، باعتبار أن جيشها الأضخم عربيا، إذا تم تشكيل هذه القوة.
وفي تحليله للحماس الذي أبداه السيسي للقوة، يرى "مارتيني" أن هناك زاوية محلية لكل هذا. فالسيسي يرى أن مؤسسة الجيش هي الوحيدة القادرة على توحيد وحماية وتحديث مصر (وهذا الكلام تقوضه الحالة الأمنية في مصر)، لكنه في الواقع يبحث عن فرص أخرى لهيمنة الجيش كقوة تقدم الأمن والسلطة والهيبة.
ويعتقد الكاتب أن مقترح القوة العربية المشتركة هو جزء من صناعة الأسطورة وتأكيد موقع مصر بين الأمم، كما في أحاديث السيسي. لكنَ المسؤولين الأمريكيين ولسوء الحظ لا يملكون إستراتيجية واضحة تجاه مصر.
فمن ينتقدون سياسة الإدارة تجاه مصر باعتبارها تخليا عن المبادئ من أجل تحقيق مصالح ضيقة يتجاهلون في الوقت نفسه مقولة "ملعون إن فعلت وملعون إن لم تفعل".
فعندما تحركت الإدارة، وإن متأخرة لتعليق المساعدات بعد الإطاحة بمرسي، قابلت الحكومة في مصر القرار بالتحدي، ولم يحدث أي تحول على سجل حقوق الإنسان ولا الممارسة الديمقراطية. ولم يتغير الوضع عندما استأنفت الإدارة المساعدات.
ويرى أن المسؤولين الأمريكيين يخدعون أنفسهم إن اعتقدوا بحدوث تغير في تصرفات النظام من خلال تقديم المساعدات على مراحل وربطها بمجموعة من المهام العسكرية الضيقة.
وببساطة، فأي تعديل لطريقة تقديم رزمة المساعدات لن يغير من واقع الأمر شيئا. فحقيقة الأمر أن الولايات المتحدة تتعامل مع شريك غير متوازن عقليا ومعه كل المشاكل التي تثيرها الشراكة معه في الداخل والخارج.
ولمواجهة المعضلة هناك حاجة للاعتراف بأن الحفاظ على التحالف ليس نهاية الأمر في حد ذاته. فالطريقة التي يمكن من خلالها الحكم على العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر والدول العربية الحليفة يجب أن لا تقوم على الكيفية التي يرد فيها الجنرالات على مكالمات أوباما ولكن من خلال النظر لمنفعة هذه العلاقات للمصالح الأمريكية. وهذا يقتضي بالضرورة الانفتاح على فكرة أن العلاقات قد لا تكون في صالح الولايات المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق