الخميس، 23 نوفمبر 2017

السكوت علامة العار




السكوت علامة العار
أحمد بن راشد بن سعيد


في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. 
يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس وحرباً على الإرهاب. 
قال تعالى: «فإنّها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور». العمى هو الذي يجعل قطاع غزة المنكوب بالحصار وحملات الإبادة مرتعاً لإرهابيين، ويجعل القاتل والسجّان (سواء كان على معبر كرم أبو سالم أو على معبر رفح) رمزاً للإنسانية والاعتدال.
حركة حماس «إرهابية» بحسب الرئيس الأميركي، دونلد ترمب، الذي أعلنها مدوّية هذا الأسبوع في مؤتمر دولي بالرياض: «داعش و «حزب الله» والقاعدة وحماس تمثّل أشكالاً مختلفة من الإرهاب». وضْع كل هذه المنظمات في سلّة واحدة مع «حماس» تكتيك يهدف إلى طليها جميعاً بفرشاة واحدة تلاعباً بالأوراق، وإمعاناً في التشويه. وإذ لم يصدر أيّ اعتراض على موقف ترمب، سيُفهَم أنّ الجميع أقرّه ضمنيّاً. 
كان رئيس سلطة رام الله، محمود عباس، لحظة خلَط ترمب حابل الكلام بنابله، حاضراً، فلم ينبس ببنت شفة.
سادت حينها لحظة ذُل. كيف جاز السكوت هنا والأمر ليس صراعاً حزبياً، ولم تكن «حماس» وحدها ضحيّته، إذ كان هدف التجريم مفهوم مقاومة الاحتلال، وحقّ الدفاع عن النفس. 
إنّ وصم «حماس» بالإرهاب لا يمسّها وحدها، بل يمس جوهر الصراع الذي يخوضه شعب فلسطين منذ قرن من الزمان، ولذا، كان عدم الاعتراض على تصنيف ترمب صفحة أخرى تنضاف إلى سِفْر الهوان والهزيمة.
للكلمات دلالاتها، وهي لا تقف فقط عند حدود النّطق بها، بل تتجاوز ذلك (وهنا ممكن الخطورة) إلى العمل بها، وتحوّلها إلى أجندة. السياسة لعبة كلمات، وباستعاراتها وتأطيراتها تُرسم خطط، وتُخاض انتخابات وحروب. إنّ الإشارة إلى حركة «حماس» بالإرهاب ليس تعبيراً تجريدياً فحسب، بل إعلان شيطنة يجعل حصار قطاع غزة الذي تديره الحركة أمراً ضرورياً، أو على الأقل، مفهوماً، ويجعل العدوان عليه أخلاقياً، أو على الأقل، مبرّراً.
منذ نشوء مصطلح الإرهاب، أُريد له أن يبقى هلامياً ليتسنّى للقوى الإمبريالية تطبيقه انتقائياً وفقاً لانحيازاتها الإيديولوجية ورؤاها الكونية. كيف أمكن وضع تنظيم داعش وحركة حماس في سلّة واحدة لولا هذا الاستغلال الفظيع للمصطلح؟
 
«داعش» الذي يقتحم الحافلات أو المدارس أو دور العبادة ليفجّر المدنيين، يُساوى بحركة تدافع عن أرض محتلة بلغة الولايات المتحدة نفسها، وبإجماع المنظمات الدولية. 
تنظيم «القاعدة» العابر للحدود يُساوى بحركة جعلت فلسطين المحتلة وحدها مجال نشاطها. ميليشيا «حزب الله» الطائفية التابعة لدولة مارقة تُجمع في خانة واحدة مع حركة خرجت من رحم شعبها لتدافع عن حقّه في الحياة.
لكن ليس ترمب وحده هو المشكلة. بعض المنتمين إلى هذه الأمة من ساسة أو «مثقفين» أصبحوا يناقشون «الإرهاب» من خلال التعريف الصهيوني له واقعين في فخ الرواية الإسرائيلية للصراع، وهو العمى الذي أشرت إليه آنفاً. 

عندما يقول قائل إنّ «حماس» تفجّر الحافلات في مدن «إسرائيلية» (القدس، بئر السبع، نتانيا، العفولة)، تماماً كما تفعل «داعش» في مناطق مدنية أخرى من العالم، فهو يتكىء على الرواية الإسرائيلية، والتي مؤدّاها أنّ هذه المدن إسرائيلية لا فلسطينية، وأنّ ساكنيها «مدنيون» «أبرياء» لا غزاة ولصوص. وبتسلل هذه الرواية إلى تفكير بعض «النخب» الفلسطينية والعربية، تكون الصهيونية قد نجحت في غرس روايتها في عقول ضحاياها-استلاب معنوي أخطر من استلاب الأرض، وانتصار على الإرادة أهم من الانتصار في القتال. 
إنّ ميل قادة ورسميين فلسطينيين وعرب إلى تصنيف «حماس» إرهابية تكريس لرواية الصهيونية، وإضفاء شرعية على كلّ جرائمها منذ ما قبل النكبة، وإدانة صارخة لآلاف الشهداء والجرحى والصامدين الذين قاوموا ودفعوا الثمن.
«حماس» ورقة مهمة ستدفع الأمة الكثير بخسارتها. 
لكن من يُفهم الصامتين على ترمب وهو يُلبس الحركة الوحيدة الصامدة المتبقّية من حركات الثورة الفلسطينية رداء الإرهاب؟ 
أنا واثق أنّ ترمب كان سيحترم من اعترض ولو بلغة خافتة على تصنيفه. السكوت ليس فقط علامة الرضا، بل علامة العار.;

هناك تعليقان (2):