الأحد، 5 نوفمبر 2017

من يدفع للزمّار يطلب اللحن الذي يريد!


 من يدفع للزمّار يطلب اللحن الذي يريد!

د.فيصل القاسم

كم هي محظوظة وسائل الإعلام ووكالات الترويج والدعاية والعلاقات العامة ومراكز البحوث والدراسات الغربية، فقد جنت الملايين من دول الحصار في حربها المسعورة على دولة قطر، فبما أن العرب عموماً لديهم عقدة الخواجة، ويعرفون جيداً أن لا أحد يصدق وسائل إعلامهم ودعايتهم مهما أنفقوا عليها وزخرفوها، فقد توجهت دول الحصار إلى الغرب لتوسيع الحملة الإعلامية والدعائية ضد قطر، ظناً منها أن كل ما سينشرونه عبر وكالات الدعاية والوسائل الإعلامية الغربية سيكون ذا مصداقية، على اعتبار أن وسائل الإعلام الغربية أكثر تأثيراً بكثير من وسائل الإعلام العربية. وهذا ما يجب أن ينتبه إليه المتابع العربي البسيط الذي يمكن أن يصدق ويؤمن بما تقوله المصادر والوكالات الغربية.

عزيزي المتابع العربي العادي أو الذي لا يعرف كيف تدار الوسائل الغربية: لا تصدق أي شيء فقط لأنه صادر من أوروبا أو أمريكا، خاصة إذا كان مدفوع الثمن كالدعايات التي تنفق عليها دول الحصار ملايين الدولارات في واشنطن ونيويورك وعموم العواصم الأوربية. وكي لا تظن أنني أتكلم بدافع الدفاع عن جهة ضد جهة، دعني أسرد لك الحكاية البسيطة التالية حول نزاهة ومصداقة الإعلام الغربي. 

ذات يوم ألقيت محاضرة في إحدى الجامعات الغربية العريقة حول وضع الإعلام في العالم العربي، وطبعاً فضحت إعلامنا العربي السخيف الذي يكذب حتى في درجات الحرارة، وبعد المحاضرة دعاني عميد كلية الإعلام في الجامعة إلى مكتبه لتناول الغداء، وبدأنا نتحدث عن هموم الإعلام بشكل عام، فقلت له: "في بلادنا النفطية إذا أرادوا يشتروا صحفياً في الماضي كانوا يشترون له ساعة روليكس، فيكتب ما يحلو لهم"، ففتح البروفيسور فمه واسعاً قائلاً: "وااااااااااو"، ساعة روليكس ضربة واحدة. كم هم محظوظون الصحفيون العرب.

بينما كان النظام يدمر المدن والقرى فوق رؤوس السوريين ويشردهم بالملايين، كانت وكالات الدعاية الغربية المدفوعة الثمن تصور النظام على أنه رمز للحداثة والإنسانية والتقدم
رويترز
 
فقلت له: "لماذا تتعجب"، فقال: "يبدو أن الصحفيين في بلادكم أهم بكثير من بلادنا، فبإمكانك أن تشتري بعض الصحفيين في الغرب بساعة سواتش بلاستيكية". ولمن لا يعرف ساعات سواتش، فهي ساعات رخيصة الثمن ويمكن أن تشتريها في الكشكات العامة في الشوارع والطرقات أحياناً. بعبارة أخرى، فإن شراء الذمم والأصوات والآراء في الغرب سهل جداً، ولطالما سمعنا عن سياسيين وصحفيين كبار متورطين بالعمل كأبواق مدفوعة الثمن لدول عربية للترويج لسياساتها وتوجهاتها التجارية والسياسية في الغرب. إذاً، ليس كل ما يقوله الإعلام ومراكز البحوث ووكالات الدعاية والإعلان الغربية صحيح ومحق وموضوعي. لا أبداً، فهم يعملون على مبدأ هاتف العملة، ادفع واتكلم.

ولا ننسى أن النظام السوري مثلاً دفع ملايين الدولارات لبعض وكالات الدعاية والإعلان الغربية من أجل تلميع صورته في الغرب. وهذا ما فعلته تلك الوكالات فعلاً، فبينما كان النظام يدمر المدن والقرى فوق رؤوس السوريين ويشردهم بالملايين، كانت وكالات الدعاية الغربية المدفوعة الثمن تصور النظام على أنه رمز للحداثة والإنسانية والتقدم. وقس على ذلك.
طبعاً، نحن لا نتهم هنا كل الإعلام الغربي بمجمله على أنه كاذب ومأجور ومنحاز وبلا مصداقية. لا أبداً، معاذ الله، فنحن بحاجة إلى سنوات ضوئية كي نلحق بما وصل إليه الإعلام الغربي من مهنية وحرفية وموضوعية، لكن هذا لا يعني أن الإعلام الغربي كله مهني، فهو يمكن أن يتحول إلى بوق لهذه الجهة أو تلك حسب الدفع. وهناك مثل انجليزي شهير يقول: "من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد". ونحن نقول لمن يصدق الكذبة عندما تأتي على لسان غربي: انتبهوا جيداً، فما أكثر المرتزقة في الإعلام الغربي. وصدقوني أن بعض الغربيين أرخص بكثير من العرب ويمكن أن يكذبوا لك أي كذبة مقابل وجبة ساخنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق