الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

الأجندة الإسرائيلية لتدمير العرب

الأجندة الإسرائيلية لتدمير العرب

ولإبعاد الأنظار عن هذا الانقلاب الذي تشهده المنطقة لتمكين إسرائيل وتتويجها قائدة للعالم العربي جاءت استقالة سعد الحريري التي أعلنها من السعودية
عامر عبد المنعم
يتعرض العالم العربي لأعنف موجه من التدمير الذاتي، والانقلاب على كل الثوابت، وكأن نارا اشتعلت تأكل في طريقها كل شيء، لا تبقي ولا تذر، فالدول الكبيرة التي كانت تحافظ على التوازن داخل الأمة أصابتها لوثة من الجنون جعلتها تأكل نفسها، وتستخدم مخزون قوتها ضد أشقائها والأقربين، نسيت عدوها التقليدي واختلقت لها أعداء في الداخل وفي الجوار ودخلت في حروب خيالية كمن يصر على الانتحار.
الأمة تواجه خطر الأجندة الإسرائيلية التي يتم تنفيذها الآن في أكثر من دولة، بعد أن نجحت الدوائر الصهيونية في استقطاب بعض الحكام الضعفاء والطامحين في الملك الذين قبلوا تسليم رقابهم للإسرائيليين طمعا في جلب الدعم الدولي لمساندتهم للاستقرار على كراسي الحكم، خاصة وسط الصراع الدولي والأزمات التي استنزفت القوى الكبرى وانشغالها بصراعاتها الداخلية.
الغريب أن اندفاع بعض العرب نحو الرضوخ للصهاينة يأتي في الوقت الذي تنتقل فيه القوة من الغرب إلى الشرق وتراجع نفوذ الولايات المتحدة والغرب المساند للكيان الصهيوني، فالعالم أكبر وأوسع، من "إسرائيل" التي يتسابقون لخدمتها وينفذون أجندتها.
ولا نعرف حتى الآن تفسيرا لهذه الرغبة الجامحة في تنفيذ وصفة ليس من ورائها أي مكسب؛ فالمحاور الأساسية للأجندة الإسرائيلية ستؤدي إلى تفكيك أمة العرب وتدمير الذات.
أولا: تفكيك الدول من داخلها
أهم محاور الأجندة الإسرائيلية الدخول في حرب مع الإسلام بزعم مكافحة التطرف لاستنزاف المجتمع في صراع أهلي يؤدي إلى تفكيك الدول وعزل القيادات وإضعافها ليسهل توظيفها لخدمة الصهيونية، ويتم افتعال حروب داخلية لا نهاية لها، وتحويل الحكومات إلى عدو للدين باعتقال الأئمة والدعاة وإغلاق المؤسسات والهيئات الدينية وتجريم المظاهر الإسلامية وتشجيع الإلحاد والمروق من الدين.
وهذا التوجه لمحاربة الدين الإسلامي توجه إسرائيلي يختلف عن التوجه السياسي الأمريكي والأوربي الذي يفرق بين ما يسميه الاعتدال والتطرف، وبين التشدد وحمل السلاح، وتظهر البصمة الإسرائيلية لهذا التوجه في قوائم الإرهاب التي وضعت في تل أبيب وتم تمريرها عبر الإمارات -الوكيل الصهيوني-  واعتمدتها 3 دول عربية أخرى حتى الآن وهي قوائم تضم كل الجماعات والأحزاب والكيانات الإسلامية السياسية والدعوية والخيرية في بلاد العرب!
وهذه القوائم تمثل تطرفا وخروجا على ثوابت المجتمع المسلم، فالتطرف والتشدد أمر نسبي يختلف من شخص لآخر وليس له معايير يمكن القياس عليها، وما يراه البعض تطرفا قد يكون هو الدين الصحيح وما يراه آخرون أنه الدين المطلوب قد يكون هو الخروج من الدين.
وقد ظهر الغل والحقد في القوائم الإسرائيلية للإرهاب التي تبنتها دولة الإمارات والسعودية ووافقت مصر على بعضها، واعتمدتها البحرين التي تعاني من تمرد طائفي شيعي يهدد وجودها كدولة، حيث تضمنت أسماء علماء كبار مشهود لهم بالاحترام مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان مكرما حتى وقت قريب في هذه الدول!
من المفارقات أن هذه القوائم لا تعترف بها أمريكا ولا بريطانيا ودول الغرب المسيحي، ولا يتعاملون مع المسلمين بهذه الطريقة الصهيونية، ورغم أن الغربيين لهم مواقف تاريخية وسياسية وثقافية ضد الإسلام إلا أنهم يتعاملون مع الأقليات والمواطنين المسلمين بقدر من الإنصاف أفضل من العرب اليوم.
ثانيا: القضاء على فكرة الوحدة العربية
تعمل الأجندة الإسرائيلية على إنهاء العداء لـ "إسرائيل" كعدو للأمة واختراع أعداء جدد لكل دولة من دول الجوار، ووضع نهاية لفكرة الوحدة العربية، بعد القضاء على فكرة الجامعة الإسلامية التي كانت محور الاستراتيجية الغربية في القرن الماضي، وأيضا الإجهاز على ما تبقى من التجمعات الإقليمية العربية وقطع كل الصلات بين الأشقاء وربطهم بـ "إسرائيل".
لقد أصبحت كل دولة عربية تحارب جوارها، فمصر ومعها الإمارات تحارب ليبيا وترعيان حفتر لمنع تشكيل حكم مستقر، دون أي مراعاة لعلاقات الأخوة والمصاهرة مع الشعب الليبي، ويتواصل القصف الحرام للمنطقة الشرقية في ليبيا كلما ضعفت قوة التمرد الحفتري.
وكان الموقف المصري حتى وقت قريب معاديا لغزة ويحملها كل الشرور، ورغم المصالحة التي رعتها الحكومة المصرية مازال الحصار مفروضا ومازال معبر رفح مغلقا، وإذا جئنا إلى الموقف من السودان نجد أن العلاقة متوترة مع الشقيق الأقرب لمصر.
حتى مجلس التعاون الخليجي الذي كان يتسم بالانسجام في المواقف هو الآخر احترق من الداخل، بعد فرض السعودية ومعها الإمارات والبحرين الحصار على قطر، على نحو مشابه للحصار الإسرائيلي على غزة، بل كانت هناك سيناريوهات عسكرية أفشلها التعاون العسكري القطري التركي.
وفي اليمن دخلت الحرب السعودية عامها الثالث بدون رغبة في الحسم ضد الانقلاب الحوثي بسبب كراهية الحكم السعودي الحالي والسابق للإخوان المسلمين، ورفض تقديم الدعم لحزب الإصلاح الطرف الأقوى الذي كان يمكنه حسم الصراع لو تلقى الدعم منذ البداية.
وفي جنوب اليمن نشهد مأساة سوداء أخرى حيث تشعل الإمارات حربا في الجنوب ضد الإسلاميين وتبني سجونا سرية وتفعل ما لم يره اليمنيون في الحقبة الاستعمارية ويعمل الإماراتيون على بناء نظام حكم انفصالي بوليسي بهوية صهيونية على مدخل باب المندب.
ثالثا: الإفقار بتبديد الأرصدة
أما المحور الثالث في الأجندة الصهيونية فهو التخلص من الثروة لإغراق الدول العربية الكبيرة في الفقر، بتبديد الأرصدة الضخمة في مشروعات وهمية، في وقت تعاني هذه الدول من عجز في الميزانيات، وزيادة حجم ديونها، وهذا ما جرى في مصر والسعودية بشكل خاص، ففي مصر تم تبديد الاحتياطي الأجنبي في تفريعة قناة السويس، ثم التورط في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة التي تحولت إلى ثقب أسود يمتص الأرصدة بالعملة الأجنبية والمحلية.
السعوديون الذين كرمهم الله بالحرمين وجعلها قبلة المسلمين من كل أنحاء العالم، وأعطاهم الله البترول حتى لا يحتاجون لأحد، راحوا يجمعون المال لبناء أكبر مدينة للترفيه والسياحة الأجنبية والعري باسم "نيوم" وصلت إلى اعتقال الأمراء ومصادرة الممتلكات لتوفير نصف تريليون دولار (500 مليار) تكلفة المشروع الذي يخدم "إسرائيل الكبرى" وتهيئة مدخل خليج العقبة الذي ستنتقل إليه حركة التجارة العالمية بدلا من قناة السويس.
فزاعة الصراع الطائفي
ولإبعاد الأنظار عن هذا الانقلاب الذي تشهده المنطقة لتمكين إسرائيل وتتويجها قائدة للعالم العربي جاءت استقالة سعد الحريري التي أعلنها من السعودية، واستدعاء الصراع الطائفي ضد إيران لإيجاد المبررات للتحالف مع الكيان الصهيوني!
لست من الذين يتخوفون من الصراع الطائفي بين السنة والشيعة لأن الحرب دائرة فعلا منذ سنوات، وهناك 4 دول ابتلعتها إيران ونجحت في السيطرة عليها وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن هذه السيطرة الإيرانية نتيجة للتخاذل العربي، بل تلقى الإيرانيون ومعاونوهم مساعدات جليلة من الحكم السعودي نفسه الذي يصرخ الآن من التغول الإيراني.
لقد تحالفت السعودية مع الحكومة العراقية الطائفية ومازالت تقدم لها المساعدات، وفي سوريا لم تقدم السعودية أي دعم للمقاومة السورية ولا حتى المساعدات الإنسانية للاجئين، وفي لبنان قدمت المملكة المنح والمعونات لتقوية الجيش اللبناني الذي يسيطر عليه تحالف شيعي مسيحي ضد السنة، أما اليمن فالانقلاب الحوثي نجح نتيجة الدعم السخي من القصر السعودي للحوثيين وعلي عبد الله صالح.
الصراع الطائفي لم يعد قضية مقنعة لحشد الجماهير، فالذين يزعمون أنهم يمثلون السنة لمواجهة التمدد الشيعي ثبت أنهم هم الذين يحاربون السنة في بلادهم ويحاربون دول السنة المجاورة لهم، والسعودية التي عجزت عن الانتصار على قبيلة صغيرة في شمال اليمن رغم أنها أكبر دولة مستوردة للسلاح في الشرق الأوسط لم يعد لديها القدرة على الدخول في صراع جديد، لا مع إيران ولا مع حزب الله.
ولكن ورغم كل ما سبق يبقى درس كردستان العراق لمن يريد أن يفهم، حيث تحالف مسعود برزاني مع الإسرائيليين لتحقيق حلم الدولة الكردية، فكانت النتيجة أن المليشيات الشيعية احتلت كركوك وتحاصر الآن أربيل، ولم ينقذه الإسرائيليون ولم تتدخل القوات الأمريكية، بل وفر الأمريكيون الغطاء للحكومة العراقية وإقرار ما جرى.
***
إن تفكيك الدول العربية الكبيرة هدف صهيوني صليبي بغض النظر عن محاولات إثبات الحكام الولاء والخضوع التام حتى ولو بإظهار كراهية الإسلام، وإذا أخذنا السعودية نموذجا فإن خصوم الأمة يرون أن الجمع بين النفط والحرمين أفاد الإسلام، ويريدون الفصل بينهما، بعد إفقارها وغواية قيادتها وتشويهها ليسهل ذبحها بدون أن يبكي عليها أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق