الثلاثاء، 6 فبراير 2018

(الإسلام السياسي) !!

(الإسلام السياسي) !!

أحمد عبد العزيز
مصطلح فاسد، إن دل على شيء فإنما يدل على الجهل بالدين والسياسة معا ..
والعلمانيون هم الذين نحتوا هذا المصطلح لوصف (المتدينين المسلمين) الذين يخوضون غمار (العمل السياسي) ..
وهذا يعني ـ بالضرورة ـ أن السياسة شأن (علماني) بحت !! لا صلة له بالدين من أي وجه، ممارسته حكر على العلمانيين دون سواهم، وإلا فإنه من المنطقي أن يكون هناك مصطلح يقابل مصطلح (الإسلام السياسي) وليكن اسمه (العلمانية السياسية)، لكنك لا تجد مثل هذا المصطلح، ولن تسمع به ..

لماذا ؟!
لأن هؤلاء (المتدينين) ليس من حقهم التعاطي مع الشأن السياسي، فهم متطفلون عليه، ويجب إقصاؤهم عن الساحة السياسية حتى (لا يفسدوها) !! وإن أصروا على ممارسة السياسة، فليكن اسمهم (تيار الإسلام السياسي)، وهذا ـ في اعتقادي ـ مسمى أقرب إلى (التحذير) منه إلى (الوصف) ..
وكأنهم يريدون أن يقولوا للناس بأعلى صوتهم :
"خللوا بالكم !! إن هؤلاء (يلونون) الدين بالسياسة، ويخلطون السياسة بالدين، وهذا من شأنه أن يشكل تهديدا وجوديا للمجتمع والدولة" !! 
وكأننا نعيش في دولة (كافرة) أو يجب أن يكون نظام الدولة قائما على (الكفر) !!
أما ثالثة الأثافي، فهي شيوع هذا المصطلح على ألسنة (المثقفين المتدينين) وأبناء (التيار الإسلامي) عموما !!

أيها السادة ..
الإسلام هو الإسلام ..
فلا إسلام سياسي، ولا إسلام عسكري، ولا إسلام اقتصادي، ولا إسلام طبي، ولا إسلام بيئي .. إلخ، هذه مسميات لا يعرفها الإسلام، ولا يُقرها مسلم عاقل، حَسُن إسلامه ..
كل ما في الأمر، أن هناك من يُفضل العيش بروح الإسلام؛ لأنه يعتقد أن هذا هو مفهوم العبادة (الجامع)، فهو ـ مثلا ـ يُجرِّم الإساءة للبيئة؛ لأن الإسلام يحض على العناية بالبيئة، وينهى عن الإساءة لها، حتى في غياب قانون يجرم الإساءة للبيئة. وهو يجرم الزنا؛ لأنه (حرام)، وإن لم يكن هناك قانون يجرمه، أو حتى في وجود قانون (ينظمه)، وهكذا .. 
تفاصيل الحياة ـ في الإسلام ـ من أول إشارة المرور وصولا إلى نظام الحكم هي من شأن الناس أنفسهم، يمارسونها بالصورة التي يتوافقون عليها، شرط أن تحفظ هذه الممارسات ما يُعرف بالضرورات الخمس: (الدين، العقل، النفس، العِرض، المال)، ولا تصطدم بـ (نص شرعي، قطعي الثبوت، قطعي الدلالة) في المجتمع ذي الأغلبية المسلمة .. 
ولا أتصور ـ بحال ـ أن يقوم نظام على إهدار هذه الضرورات حتى لو كان علمانيا حتى النخاع ..
بهذا المعنى، فإن هؤلاء الذين يعيشون حياتهم بروح الإسلام، ويدعون الآخرين إلى ذلك هم (مدنيون) بامتياز، مرجعيتهم الإسلام، شأنهم شأن العلمانيين أصحاب المرجعية الاشتراكية، أو العلمانيين أصحاب المرجعية الليبرالية .. 
فلماذا يحق للعلماني ممارسة السياسة وفق مرجعيته (اشتراكية / ليببرالية) ويصف نفسه بـ (المدني) بينما ينزع صفة (المدنية) عن السياسي المتدين، بل ينكر عليه ممارسته السياسة وفق (مرجعيته الإسلامية) ؟!

لا يوجد إسلام سياسي أو غير سياسي ..
الإسلام .. إسلام ..
نحن (مسلمون مدنيون) كما أنهم (علمانيون مدنيون) مع فارق جوهري للغاية، ألا وهو أننا نؤمن بكل حقوقهم الإنسانية والسياسية بل والعقدية والفكرية: لأن هذا من صميم (ديننا)، أما هم فيعتقدون أنه لا مكان لنا إلا السجون، وإن رقت قلوبهم، وغلبتهم إنسانيتهم، فمسموح لنا بالعيش على هامش الحياة، صُمٌ بُكْمٌ عُمْي ..
وهذا لن يكون ..
لأننا ببساطة (مسلمون) وليس (علمانيين) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق