الأحد، 4 فبراير 2018

السوداني الذي حكم جمهورية البوسنة (2)

 السوداني الذي حكم جمهورية البوسنة (2)

وائل علي
كاتب سوداني
تاريخ النشر30/8/2016
انتهى الرجل اليوغسلافي من طباعة الكتب الإسلامية وقام بتسليمها للدكتور الفاتح حسنين الذي قام بتقسيمها إلى مجموعات ثم إرسالها إلى مدن يوغسلافيا المختلفة حيث استلمتها المجموعات ثم بدأت في إنشاء حلقات لمدارسة هذه الكتب.
غير أن نشاط الدكتور الفاتح ومجموعته السودانية كان تحت سمع وبصر المخابرات اليوغسلافية ولم تكن غافلة عنه، ففي أحد أيام عيد الأضحى وفي احتفال أقامه الطلاب بهذه المناسبة أخبر الفاتح أن هناك شخصا يطلبه خارج مقر الاحتفال وما إن خرج الفاتح حتى فوجئ أنه أمام رجل ضخم الجثة يبلغه أنه من جهاز الأمن اليوغسلافي فرع الأجانب وأن رئيس الجهاز يرغب باللقاء به.
أجاب الفاتح رجل الأمن أنه جاء من السودان للدراسة ولا يرغب في لقاء أي شخص، في هذه اللحظة شهر رجل الأمن مسدسه مخاطبا الفاتح أن يأتي معه وإلا سيطلق عليه الرصاص، فقال له الفاتح هل تسمح لي أن أستأذن من في الحفل؟ فأجابه رجل الأمن: لست في حاجة للاستئذان، إما أن تطيعني أو ستنال ما لا يحمد عقباه.
بعد سفر الفاتح من يوغسلافيا هجم الأمن على منزله وأعلن للناس أن من كان يسكن هذا المنزل هو إرهابي خطير جدا ومطلوب للعدالة
فذهب الفاتح إلى مقر جهاز الأمن اليوغسلافي في بلغراد وهناك التقى بمسؤول فرع الأجانب وكان اسمه السيد "ستوريج" حيث أمره بالوقوف ثم طلب منه الجلوس وسأله عما يحب أن يشرب، فأجابه الفاتح: أنا لا أشرب.
فقال سيتوفيج: نعم أعرف أنكم أيها المسلمون لا تشربون الخمر، ولكن ما رأيك لو شربت القهوة؟
ثم أمر مساعديه بأن يقوموا بعمل فنجانين للقهوة.

سأل ستوريج الفاتح: ما رأيك لو تحدثنا في السياسة؟أجاب الفاتح: أنا لا أعرف السياسة، أنا جئت إلى هنا لأتخرج طبيبا فقط.ضحك ستوريج وقال: عجباً ألم تأتوا إلى هنا لنشر الإسلام وتطبيق الشريعة ثم إعلان الخلافة؟الفاتح: نحن لم نفعل هذا في بلدنا، فكيف لنا أن نفعله في بلادكم؟! إنني ابن عائلة برولوتارية جئت ليوغسلافيا من أجل دراسة الطب.ستوريج: ولكنك اجتمعت في المكان الفلاني مع فلان، والمكان الآخر مع فلان.
الفاتح: ربما يكون ذلك فاتحاً آخر.
ستوريج: عندنا صور تلك الاجتماعات وإذا شئت سأخرجها لك الآن.
ثم أخرج الضابط اليوغسلافي بيانا موقعا باسم اتحاد الطلاب السودانيين في يوغسلافيا مؤيدا لقرار البرلمان السوداني بحل الحزب الشيوعي. وقد كان الدكتور الفاتح هو من أصدره مع مجموعته، فقال له الفاتح: إن كنت مُصرا على الحديث في السياسة فبإمكانك الحديث مع أحد أفراد مجموعتنا.
ففرح الضابط وقال له: من تقصد؟
الفاتح: إنه فلان زميلنا في الفصل (و ذكر له أحد الناشطين الشيوعيين السودانيين في يوغسلافيا).
فانفجر الضابط ضاحكا وقال: إن المسلمين لا يكذبون يا فاتح.
الفاتح: لم أكذب، إنه أحد أفراد مجموعتنا السودانية وهو الوحيد الذي يجاهر بالحديث السياسي، وأنا هنا جئت من أجل أن أتخرج طبيبا ولا أريد تضييع وقتي معك.
ستوريجسنرى يا فاتح.ثم قال انتهت المقابلة. وعندما أراد الفاتح الخروج أمسك به الضابط اليوغسلافي من ياقة قميصه بيديه الاثنتين ثم قال: يا فاتح إننا نعلم كم بيضة تبيض كل دجاجة في يوغسلافيا.الفاتح: أنا سعيد جداً.ستوريجلماذا؟الفاتح: لأنني في أيد أمينة.عندها قال له الضابط: في المرة القادمة سيكون اللقاء مختلفاً ولن تنساه في حياتك.
ثم خرج به ورماه خارج مبنى جهاز الأمن على الطريق.
 
بعد هذا اللقاء كان الفاتح تخرج من الجامعة وخرج من البلاد وكانت الكتب قد وزعت، فاتصل الفاتح بالضابط ستوريج (مدير أمن الأجانب) الذي كان حقق معه وقال له إنه أرسل إليه مجموعة من الكتب التي تتحدث عن ثقافة السودان لأنه يعرف كم يهتمون بثقافة الشعوب (وكان يقصد كتب سيد قطب المترجمة).
فقال له ستوريجلم يصلني شيء، سأكون سعيدا بهذه الكتب.
الفاتح: هل ما زلتم مستمرين في عد بيض الدجاج أم لا؟
ستوريج: أين أنت؟ يبدو أنك خارج يوغسلافيا.
 
ويدور الزمان دورته وفي عام 1992 يصبح الضابط ستوريج وزيرا للمخابرات في كرواتيا والدكتور الفاتح حسنين هو المفاوض عن جمهورية البوسنة، فعرفه الفاتح وهو له منكر، وذكّره بحادثة الكتب وعد بيض الدجاج.
 
بعد سفر الفاتح من يوغسلافيا واكتشاف دوره في طباعة وترجمة الكتب، هجم الأمن على منزله وأعلن للناس أن من كان يسكن هذا المنزل هو إرهابي خطير جدا وهو مطلوب للعدالة.
ردا على اعتقال بيغوفيتش ألف الفاتح كتابا عن محنة الأقليات المسلمة في شرق أوروبا، ودفع الكتاب الذي ألفه بيغوفيتش بعنوان الإسلام بين الشرق والغرب للنشر
وخرج الفاتح من يوغسلافيا إلى السودان ثم إلى الخليج حيث عمل هناك طبيبا ولكنه لم يبتعد عن شؤون البوسنة حيث كان يلتقي بشكل دوري مع الأستاذ علي عزت بيغوفيتش في تركيا والنمسا والإمارات.
وفي عام 1983 أبلغ بيغوفيتش صديقه ورفيقه الفاتح حسنين أن الوقت قد حان لإعلان تنظيم إسلامي معارض في البلقان، فالحكومة اليوغسلافية تآمرت على المسلمين وقتلت ممثلهم جمال بيديجج بإسقاط طائرته والشباب يغلي ويريد الانفجار، فاتفقا على أن تكون فيينا مقراً لحزب إسلامي معارض للحكومة اليوغسلافية.
ذهب الفاتح وجهز المكتب بالأثاث في فيينا، غير أن الحكومة اليوغسلافية انتبهت لتحركات بيغوفيتش فاعتقلته وهو عائد من الإمارات بعد لقاء الفاتح وأرسلته للمحاكمة.
وردا على اعتقال بيغوفيتش ألف الفاتح كتابا عن محنة الأقليات المسلمة في شرق أوروبا، كما أخذ كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" للنشر، وهو الكتاب الذي كتبه بيغوفيتش وعمره 25 عاماً قبل أن يتعرف على الفاتح أو يتعرف على الفكر الإسلامي، وخلص فيه إلى أن الديانة المسيحية روحانية سامية والفلسفات الأوروبية مادية وأن الإسلام هو الوسط بين الروحانية والمادية.

وكان طباعة كتاب الإسلام بين الشرق والغرب محظورا في يوغسلافيا.
نواصل في الحلقة القادمة الحديث عن دور الدكتور الفاتح في حرب التحرير البوسنية.
أقرأ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق