الأربعاء، 7 فبراير 2018

لحظة سقوط السيسي

لحظة سقوط السيسي
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة
لا يعلم الغيب إلا الله، واليأس من روح الله كفر كما قال تعالى: "إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، والله وحده هو المتصرف في الكون، وهو مدبره والقائم عليه، هو الحي القيوم. وقديما قال الشاعر: "ما بين طرفة عين وانتباهتها .. يُغيِّر الله من حال إلى حال"
   
وقد جرى في التاريخ أمثال هذا كثيرا كثيرا، فكم من طغاة هلكوا في طرفة عين، أشهرهم فرعون وقارون، هذا هلك وهو في قلب جيشه الضخم تحت أمواج المياه، والآخر هلك وهو في أوج زينته تحت خسف الأرض. ولماذا نذهب بعيدا.. هذا عبد الناصر ودَّع ضيوف القمة العربية نهارا ثم لم يصبح عليه نهار، وكان في الثانية والخمسين من عمره في لحظة لم يتوقع أحد أن يهلك فيها، وقُتِل السادات وهو في زينته وحاشيته في ذكرى يومه الكبير، وكان ضابط أمن الدولة يقسم للمعتقلين أن "ربنا مش قادر على مبارك" فإذا بها أيام وينقلب الحال ويسقط مبارك!
     
هذه ليست محاولة ترويج مخدرات، وإن كان نشر الأمل واجب.. ولا هي من باب أولى محاولة تسويق الاكتفاء بانتظار الفرج، بل على العكس: هي محاولة حث على العمل بعد تثبيت الأمل.. وإليك تفصيل ما أريد: قضت سنة الله في خلقه أن يؤول المُلك إلى واحد فقط، ولذلك عرفت الانقلابات والثورات وسائر أشكال تغيير السلطة استتبابها في نهاية الأمر لشخص واحد، يتخلص من أعوانه في الوصول إليها رغبا أو رهبا، فالمُلك لا يقبل الشِّركة، وقديما قالها عمر رضي الله عنه، وكفى بالشيء إن قاله عمر أن يصدق ويُصَدَّق، وذلك حين قال الحباب بن المنذر في سقيفة بني ساعدة: منا معشر الأنصار أمير ومنكم معشر المهاجرين أمير، فقال عمر: سيفان في غمد؟! لا يجتمعان. هكذا شبه عمر مسألة السلطة على وجه الحقيقة: غمدٌ واحد لسيف واحد.
       
من كان في مثل السيسي فليست له سوى وسيلة وحيدة لأن يُغلب، عبَّر هو عنها بنفسه حين تحدث عن أنه لا طريق إلا بالخلاص منه أولا
وقد عرَّف الله نفسه بالوحدانية لخلقه فضرب مثلا بسيطا: أنهم لا يقبلون شركاء لأنفسهم في زوجاتهم وأبنائهم وأموالهم "ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"ومنذ اللحظة الأولى في الانقلاب كان كل من لم يتلوث عقله يعرف أن السيسي سيأخذها لنفسه، وأنه سيتخلص من أعوانه وشركائه.. مثلما فعل سائر من انقلبوا قبله، وهو ما قد كان، وليس أمام من حوله إلا أن ينازعوه حتى يغلبونه، أو يسلِّموا له فيقبلون بتبدل العلاقة من الشركاء إلى الأتباع المخلصين.
       
والمهم الذي نريد أن نخلص إليه أن حالة النزاع على السلطة في مصر لم تهدأ ولم تستقر، شفيق وعنان مثالا، الإقالات الواسعة في صفوف المخابرات ووضع رجله وابنه في قيادة الجهاز مثالا، توتره وغضبه الذي ظهر عليه في اللقاء الأخير دليل أكيد لا يقبل الشك على أنه يتخوف ويعاني ويهدد.. غلقه سائر المنافذ التي يمكن أن تمثل تهديدا محتملا وبعيدا أكبر دليل.
      
ربما يغلب السيسي ويتمكن وينفرد بالأمر، وساعتها إما أن يختفي صدقي صبحي أو تراه راضيا بموقع العبد الخاضع، ولكن الأمر الذي لا أرى أحدا يريد التفكير فيه هو: ماذا لو غُلِب السيسي؟! ومن كان في مثل السيسي فليست له سوى وسيلة وحيدة لأن يُغلب: عبَّر هو عنها بنفسه حين تحدث عن أنه لا طريق إلا بالخلاص منه أولا.
   
بقدر ما يهلك الطغاة فجأة بلا مؤشرات، بقدر ما كان الرجاء في هلاكهم مع وجود المؤشرات أملا أقوى.. ولعل السيسي بانفعاله الأخير أعطى الناسَ أقوى أمل في أنه يعاني ويصارع وأنه لم يتمكن بعد.. السؤال المهم هنا: ماذا يمكن أن يفعل المنتسبون إلى معسكر الثورة لحظة سقوط السيسي؟ بقدر ما يبدو السؤال مهما بقدر ما يبدو مُغَيَّبًا، كأنما لا أحد يريد التفكير فيه.. وبقدر ما سيتجنب الجميع هذا السؤال بقدر ما ستكون لحظة سقوطه هي نفسها لحظة سقوط أخرى لخصومه، ذلك أن رد الفعل العشوائي المرتبك أمام المفاجأة سيعيد ويكرر من جديد مشهد الفرص الضائعة، وإفلات اللحظة الفارقة.
  
حينما طرحت السؤال على صفحتي فوجئت بأن أغلب الإجابات اتجهت إلى تحرير المعتقلين، بالذات تحرير الشيخ حازم أبو إسماعيل ليقود المرحلة أو ليوجه ويشير.. ترى لو جاءت تلك اللحظة فهل من المستطاع حقا تحرير المعتقلين؟! هل هناك من يفكر في هذا ويدبر له ويستعد؟ هل ثمة من فكر في أبرز الشخصيات التي يجب أن تتحرر لتغير الموقف السياسي، على رأسهم الرئيس مرسي والشيخ حازم وقيادات الصف الأول من الحركيين والشباب الثائر الذين يستطيعون التأثير في الواقع؟

       
هل ثمة من فكر في الخطاب الإعلامي المناسب الذي ينبغي أن تسمعه الجماهير في اللحظة الأولى لتغير الموقف، فالجماهير بطبيعتها تستجيب لأول توجيه، ولو أن التوجيهات الأولى حفلت بالارتباك والتناقض والمفاجأة لكانت لحظة فشل جديدة (لعل الناس لم تنس أن الجماهير يوم فض رابعة كانت بانتظار توجيه واحد بعدما ارتبكت سائر الأمور يومها، لكن غياب هذا التوجيه أعاد الناس إلى البيوت، وثبَّت السيسي -الذي اهتز هو ومن معه- في مواقعهم).
  
ترى ما الذي ينبغي أن يقوله العلماء والدعاة للجماهير في لحظة فوضى بخلاف دعوتهم للسكون والتهدئة والبقاء في البيوت.. وهي الدعوة السهلة التي تجعلهم يرجعون صفر اليدين بلا مكاسب لتعود السلطة فيما بعد أكثر توحشا!.. هل ثمة ما ينبغي على العلماء والدعاة قوله لتكون حركة الجماهير واعية وناضجة ومفيدة لا ليكون خطابهم في صالح السلطة؟!
  
تلك الاتصالات التي ستنهمر على قيادات تحالف دعم الشرعية والمجلس الثوري من أطراف عديدة داخلية وخارجية، من بعد ما كانت هواتفهم تشكو الصمت والإهمال، هل ثمة من فكر في إجابات متسقة -إن لم نقل موحدة- تجعلهم يستثمرون اللحظة لمصلحتهم لا لمصلحة المتصل الذي سيسعى إلى تهدئتهم ريثما تنتهي الأمور لمصلحته؟!
  
ماذا ينبغي على الشباب أن يفعل؟ في المهجر وفي الداخل؟ في السجون وخارجها؟.. من يفكر في هذا كله، ومن يوصل إليهم توجها موحدا يجعل حركتهم في لحظة المفاجأة والارتباك حركة ناضجة صحيحة.
       
المشكلة في عدم وجود قرار بأن نكون ذبابا مزعجا أو سلاحف تقاوم، ولو لم يوجد هذا القرار وهلك السيسي، فسيأتي بعده غيره ليكون كما كان، ونكون معه كما كنا
الجزيرة
    
أرى قائلا يقول: قد أسرفتَ في الوهم وغرقت في الحلم وتصورت أمورا لن تكون.. فكل شيء تحت السيطرة والسيسي متمكن، وحتى لو حصل له شيء فالعسكر من خلفه على قلب رجل واحد سيقاتلون على الحكم ولو خربوا البلد وهدموها حجرا حجرا، فإن لم يستطيعوا فسينزل الأمريكان بأنفسهم -ولهم في بلادنا قواعد عسكرية وفرق عسكرية أيضا- ليعيدوا السيطرة على البلد قبل أن تنفلت.
  
وأقول: دعني أصدق كل ما قلت وأمضي معك فيه.. أليس هذا نفسه يحتاج إلى تفكير وتدبير في التصرف الأمثل تجاهه، فإن بديل ذلك أن نكون حجرا أو دجاجا أو خرافا.. يأتي عليها الظالمون تباعا ويرحلون، كلهم يصفع ويركل ويذبح وينهب نصيبه ثم يُسَلِمنا لمن خلفه ليأخذ دوره فينا وقسمته من لحومنا ودمائنا!
  
يوما ما قال الأفغاني للهنود يحثهم على حرب الإنجليز: "يا أهل الهند وعزة الحق وسر العدل لو كنتم -وأنتم تعدون بمئات الملايين- ذباباً مع حاميتكم البريطانيين، ومن استخدمتهم من أبنائكم فحملتهم سلاحها لقتل استقلالكم واستنفاد ثروتكم وهم بمجموعهم لا يتجاوزن عشرات الألوف، لو كنتم أنتم مئات الملايين كما قلت ذباباً! لكان طنينكم  يصم آذان بيرطانيا العظمى، ويجعل في آذان كبيرهم غلادستون وقرا. لو كنتم أنتم مئات الملايين من الهنود وقد مسخكم الله فجعل كل منكم سلحفاة، وخضتم البحر، وأحطتم جزيرة بيرطانيا العظمى لجررتموها إلي القعر وعدتم إلي هنكم أحراراً".

فأين كانت المشكلة؟
كانت في عدم وجود قرار بأن نكون ذبابا مزعجا أو سلاحف تقاوم، لهذا ظل السيسي يحكمنا ويتحكم فينا. ولو لم يوجد هذا القرار وهلك السيسي، فسيأتي بعده غيره ليكون كما كان، ونكون معه كما كنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق