الجمعة، 16 فبراير 2018

تنظيم ولاية السيسي

تنظيم ولاية السيسي

حسام الغمري


لست أدرى لو كان البعض مازال يصدق الدعاية الأميركية الكبيرة التي تلت أحداث 11/ سبتمبر رغم عشرات الكتب والشهادات التي أكدت أن إرادة خفية شيطانية كانت تقف وراء هذا الحادث، وأن الطريقة التي سقط بها برجا التجارة لا يمكن أن تحدث كما شاهدناها إلا بوضع متفجرات داخل البرجين.

وهذا يجعلنا نفهم معادلة أنه إذا كان طرف يمتلك الإعلام الأقوى والأكثر تأثيرا، فإن هذا الطرف يستطيع ارتكاب الفعل الإجرامي ثم إلصاق التهمة بخصمه عبر وسائل الإعلام ومن ثم شيطنته، ثم حشد الناس لمجابهته لتطهير العالم منه، وصولا إلى تحدي إرادة الجميع كما فعل بوش الإبن حين توعد العالم قائلا: من ليس معنا فهو ضدنا.

ربما لا يعلم الكثيرون أن آخر خليفة حقيقي وفاعل للمسلمين وهو السلطان عبد الحميد الثاني قد سقط وأجبر على التنحي بهذه الطريقة، حين دبرت أحداث عنف ونسبت لمناصري الخلافة التي وصفت بالديكتاتورية والرجعية وعداوتها للحرية...، إلى آخره من تهم مازال يرددها حماة المنظومة العالمية الحالية التي مكنت الصهاينة من أرض فلسطين ورعت نبتهم الشيطاني ومازالت تمنحه الدعم المُطلق.
 
فكرة الأجهزة الأمنية باختصار أنه إذا كان البعض مازال يحلم باستعادة مجد الإمبراطورية الإسلامية فنحن سننتج لهم صورة بشعة مُرعبة مصغرة تستند على نفس النصوص الدينية وتروج لها
كان لدى المحافظين الجدد هدف إسقاط صدام حسين لأنه يعمل خارج منظومتهم العالمية، لا سيما وقد فكر في فك ارتباط النفط بالدولار، ولتسويق هذا الغزو البربري المتوحش كان يعوزهم فقط حادث كبير كــ 11 سبتمبر، ثم الدعاية التي تلته!
 
وإذا انتقلنا إلى الثورة السورية نجد أن دعاية بشار الأسد دأبت على وصف الثوار منذ اليوم الأول بالجماعات الإرهابية المسلحة، والتزمت بهذا التوصيف رغم صبر الثوار على سلميتهم التامة في شهور الثورة الأولى، وبالتزامن مع هذا بدأت أجهزة الأمن التابعة لبشار في إطلاق سراح مجموعة كبيرة من التكفيريين المصنوعين داخل معتقلات الأمن، وربما لا يعلم البعض أن فكرة التكفير كانت قد ظهرت بالصدفة للمرة الأولى داخل معتقلات التعذيب المصرية، ثم قامت أجهزة الأمن المصرية بالتقاط طرف الخيط، والسعي لتأصيل التجربة وصولا لمنهجية إنتاج التكفيريين داخل المعتقلات عند الحاجة باستخدام التعذيب الشديد وطرق غسيل الأدمغة بتلقين الشخص المستهدف أثناء تعذيبه.

وهذا ليس خيالا جامحا من كاتب هذه السطور، حيث نشرت جريدة "النيوزويك" تحقيقا مطولا في العام 1974 حول أنشطة وتجارب سرية مارستها أجهزة المخابرات والجيش الأميركي على مواطنين أمريكان ، وقد أثار هذا التحقيق ضجة كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية، فتم على إثرها تشكيل لجنة في الكونغرس للتحقيق في هذه المزاعم، وخلال التحقيقات ولجان الاستماع التي استمرت لعدة سنوات تم الكشف عن بعض جوانب مشروع (أم كي الترا) للتحكم بالعقل، ولكن الصورة الكلية والحجم الفعلي للمشروع ونوعية العمليات التي نفذت بقيت طي الكتمان، وعلى إثر هذه التحقيقات قامت حكومة الولايات المتحدة وكندا بدفع تعويضات كبيرة لمجموعة من البشر ثبت أنهم كانوا ضمن هذه التجارب.

لذا فليس من المستغرب وأنت تشاهد الفيديوهات البشعة التي ينتجها تنظيم ولاية سيناء -والتي لا تصدر إلا في توقيتات تخدم السيسي تماما وتثري دعايته، بل وتنقذه أحيانا من بعض أزماته بتحويل الأنظار عنها- أن تتعرف على شباب قام الأمن المصري بالقبض عليهم وإخفائهم قسرا ليعودوا ويظهروا بعد ذلك في إصدارات التنظيم مقاتلين ومنظرين وقضاة شرعيين وهم مازالوا صبية في المهد.
 
ليس من المستبعد وأنت تشاهد الإصدار الأخير لتنظيم ولاية سيناء المشبوه، وفيه نشاهد مُستأمنين يُغتالوا في محلاتهم التجارية وأمام تجارتهم البسيطة أن تقتنع بأن هكذا وسائل استخدمت من قبل لحمل الفلسطينيين على ترك بيوتهم في فلسطين
الجزيرة
  
فكرة الأجهزة الأمنية باختصار أنه إذا كان البعض مازال يحلم باستعادة مجد الإمبراطورية الإسلامية فنحن سننتج لهم صورة بشعة مُرعبة مصغرة تستند على نفس النصوص الدينية وتروج لها، ثم ندع هذه المجموعة تسيطر على بقعة محدودة من الأرض ليقيموا عليها خلافتهم الضالة، وبالتأكيد لن ينتج عن هذا المسخ إلا نموذجا مشوها مُنفرا، يعصم الغالبية العظمى من المسلمين من الحنين إلى الفكرة التي كانت تزلزل أوروبا وتهز عروش طغاتها قبل قرن ونصف من الزمان.

إبحث عن المستفيد، فلسفة يعتمد عليها المفتشون الجنائيون لفك ألغاز القضايا الكبرى، فإذا رجحنا أن غزو العراق كان مصلحة إستراتيجية للمحافظين الجدد لتدشين ما سموه بالفوضى الخلاقة في المنطقة وبالتالي يمكن قبول فكرة تورطهم في أحداث 11 سبتمبر، فلا عجب ونحن على أعتاب صفقة سموها هم صفقة القرن، الهدف منها تصفية القضية الفلسطينية تماما وإنهاء حق العودة، بإقامة دولة فلسطينية في شمال سيناء، وهو الذي أعلن مبارك أنه قام برفضه قبل شهور من تخليه عن السلطة حين قام نتانياهو بعرض بذرته عليه، وإذا كان السيسي هو من أعلن بنفسه أمام ترمب دعمه المخلص لهذه الصفقة.
 
المؤامرات والبشاعات التي شهدها العالم في القرن الأخير جعلت هذا الكوكب رهينة لمجموعة من القتلة الذين نجحوا في ترويض 1.6 مليار مسلم ، وإرهابهم باسم الإرهاب
فليس من المستبعد وأنت تشاهد الإصدار الأخير لهذا التنظيم المشبوه، وفيه نشاهد مُستأمنين يُغتالوا في محلاتهم التجارية وأمام تجارتهم البسيطة أن تقتنع بأن هكذا وسائل استخدمت من قبل لحمل الفلسطينيين على ترك بيوتهم في فلسطين الحبيبة، وأنه لتهجير أهالي سيناء فالأمر لا يتطلب إلا هكذا أفعال تروع المدنيين والآمنين باسم الإسلام، فضلا عن مذبحة مسجد الروضة، التي تمت بأريحية شديدة رغم وجود وحدات للجيش على بعد أمتار، ولكن أحدا لم يتحرك حتى انتهى الجناة بعد 20 دقيقة من قتل مئات المصلين العزل بدم بارد.

حتى توقيت ظهور الإصدار الأخير البشع جاء ليخدم العملية التليفزيونية التي أطلقها السيسي يوم الجمعة الماضي، ليعيد تقديم نفسه في صورة البطل مُحارب الإرهاب قبل مسرحية إعادة انتخابه، وأيضا ليشغل جيشه حتى يضمن عدم حدوث قنصوة (نسبة للعقيد أحمد قنصوة) لمزيد من ضباط الرتب المتوسطة والصغيرة، والأخطر من ذلك، توثيق ارتباط اسم سيناء بالعنف حتى تتحول عند غالبية المصريين إلى مُثير منفر فيسهل عليهم بعد ذلك قبول فكرة التفريط في أجزاء منها مقابل حفنة من الدولارات، وكانوا قد استعادوها بالدم قبل عقود.

إن المؤامرات والبشاعات التي شهدها العالم في القرن الأخير - قرن الشيطان- جعلت هذا الكوكب رهينة لمجموعة من القتلة الذين نجحوا في ترويض 1.6 مليار مسلم، وإرهابهم باسم الإرهاب الذي لو سمح للباحثين يوما بالاطلاع على جميع الوثائق دون حجب أو إخفاء لتأكدوا من كونه صناعة غير عربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق